من كتابة dw.com
السبت 28 / أيلول / 2024
تعرضت مدينة حيفا الساحلية للقصف بشكل متكرر من جنوب لبنان.© Tania Krämer/DW
تبدو حيفا -المدينة الساحلية المزدحمة في شمال إسرائيل- أكثر هدوءاً من المعتاد في هذا اليوم، ولكن سرعان ما ينقطع هدوؤها نتيجة ضجيج الطائرات الحربية الإسرائيلية المحلقة من وإلى جنوب لبنان، كما تنطلق بين الحين والآخر صفارات الإنذار في البلدات المحيطة بالمدينة محذرةً من سقوط صواريخ حزب الله المنطلقة من لبنان.
حيفا هي الموطن المؤقت لجوناثان كوهين. وقد غادر الأب منزله مع زوجته وطفليه الصغيرين بعد هجمات حماس الإرهابية في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وتقع في كيبوتس روش هنكرا، وهو مجمع “رأس الناقورة” السكني، بالقرب من خط ترسيم الحدود بواسطة للأمم المتحدة عند الحدود مع لبنان.
منطقة معرضة لهجوم مستمر
في ذلك الوقت خشي سكان كثيرون من محاولة حزب الله أيضاً اجتياح المجمعات السكنية في شمال إسرائيل، وفي الواقع منذ ذلك الحين ظلت المنطقة تتعرض لنيران مستمرة من هذه الجماعة اللبنانية المسلحة المتحالفة مع حركة حماس الفلسطينية. وترد إسرائيل بهجمات مضادة في لبنان ويربط حزب الله توقف القتال مع وقف إطلاق النار في غزة وهي هدنة لم يتم التوصل إليها بعد.
وتعتبر دول عديدة حزب الله اللبناني، أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية. ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ودول أخرى. كما حظرت ألمانيا نشاط الحزب على أراضيها في عام 2020 وصنفته كـ “منظمة إرهابية”. ويشار إلى أن حركة حماس مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
وأعلنت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مؤخراً أن عودة ما يُقدَّر بنحو 60 ألف إسرائيلي تم إجلاؤهم من شمال إسرائيل هي هدف من أهداف حرب عسكرية، وقد تصاعد مؤخراً الصراع -المتفاقم منذ أشهر- بعد الانفجارات الأخيرة لمئات من أجهزة الاتصال اللاسلكية التابعة لحزب الله “أجهزة البيجر والووكي توكي” ومقتل بعض كبار قادته، وبدأ سلاح الجو الإسرائيلي يوم الإثنين 23 / 09 / 2024 هجوما واسع النطاق على جنوب لبنان وشرقه.
وأحدث تطور في الصراع الغارات الإسرائيلية المكثفة ليل الجمعة السبت (28 سبتمبر أيلول 2024) على الضاحية الجنوبية لبيروت والتي أسفرت عن مقتل قياديين بارزين في حزب الله وعلى رأسهم أمين عام الحزب حسن نصره الله، بحسب ما أعلن الجيش الإسرائيلي، في الوقت الذي لم يصدر فيه تأكيد من الحزب اللبناني.
ولا يرى كوهين بديلاً لمكافحة التهديد الذي يشكله حزب الله ويقول وهو في حيفا لـ DW: “لقد سئمنا، أعيش في المكان الذي ولدت فيه منذ 40 عاما، وهو المكان الذي وُلد فيه والدي أيضاً، وكان جدي أول من جاء إلى هناك وبنى منزلنا في الكيبوتس”، ويضيف: “علينا حل المشكلة بأي ثمن”.
في أكتوبر / تشرين الأول 2023 طلبت الحكومة الإسرائيلية من السكان إخلاء منازلهم من منطقة الحدود الإسرائيلية اللبنانية في قطاع يبلغ عرضه خمسة كيلومترات، وبعد مرور عام لا يزال معظمهم يعيشون في الفنادق أو يستأجرون شققاً وقد تنقلت عائلة كوهين أيضاً عدة مرات وتقيم حالياً مع أقاربها بمدينة حيفا.
“بنبغي أن يختفي حزب الله من حدود إسرائيل”
حين سُئل كوهين عما يجب أن يحدث حتى يشعر بالأمان الكافي للعودة إلى كيبوتس روش هانيكرا -أو مجمع رأس الناقورة السكني- مع عائلته لم يكن لديه إجابة مباشرة، ويقول: “من الناحية المثالية يتعين اختفاء حزب الله من لبنان”، يقول ذلك وهو يعلم تمام المعرفة مدى عدم واقعية ما يقوله.
لقد شهد كوهين منذ طفولته صراعات عديدة بين إسرائيل وحزب الله وهذا سبب إضافي لضرورة تغيير ما يمكن تغييره في الوضع الحالي وفق رأي كوهين مضيفاً: “في المنزل أستطيع رؤية برج مراقبة تابع لحزب الله من نافذتي، وهدف أفراد هذا الحزب الوحيد هو طردي من منزلي ومن إسرائيل وربما يريدون قتلي فقط وليس لديهم هدف آخر ولذلك سيكون من الأفضل طردهم من لبنان أو على الأقل تحقيق تراجعهم بضع مئات من الكيلومترات إلى الشمال”.
دلائل متزايدة على هجوم بري إسرائيلي
في هجومها الكبير أطلقت القوات الجوية الإسرائيلية النار على حوالي 1600 هدف -في يوم الإثنين 23 / 09 / 2024 وحده- لتدمير البنية التحتية للجماعة الشيعية المسلحة المدعومة من إيران وذلك في معاقل حزب الله في جنوب لبنان وسهل البقاع الشرقي، وقال الجيش الإسرائيلي إن “عدداً كبيراً” من أعضاء حزب الله قُتلوا في ذلك القصف، كما أعلنت السلطات اللبنانية عن مقتل 150 امرأةً وطفلاً، وفي المجموع قُتل 558 شخصاً وجُرح 1830 شخصاً نتيجةً لهذه الهجمات وحدها، حسب السلطات اللبنانية.
من جانبه يزيد حزب الله من قصفه لإسرائيل مستخدماً أسلحة ثقيلة. وتتكهن وسائل الإعلام الإسرائيلية منذ أيام باحتمال اجتياح بري إسرائيلي لجنوب لبنان لطرد حزب الله من الحدود.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي نداف شوشاني لِـDW في منطقة كريات بياليك حيث سقط صاروخ في السابق: “نحن نواجه منذ حوالي عام هذه الأنواع من الهجمات الإرهابية والصواريخ والقذائف التي تستهدف المدنيين الإسرائيليين، وفي الوقت الحالي نركز على العمليات الجوية للقضاء على هذه التهديدات، ومع مرور الوقت نحن على استعداد للعمل بطرق أخرى لحماية المدنيين”.
وتشير إسرائيل أيضاً إلى الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي صدر عام 2006 بعد حرب حزب الله وإسرائيل في ذلك العام، ويتهم الجانبان بعضهما بعضا بانتهاك هذا القرار الذي ينص على أمور منها أن يلقي حزب الله سلاحه وينسحب إلى ما وراء نهر الليطاني، على بُعد 40 كيلومتراً شمال الحدود.
وعلى هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة دعت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا ودول أخرى إلى وقف مؤقت لإطلاق النار وترفض إسرائيل هذه الخطوة وجاء في بيان صادر عن مكتب نتنياهو أنه “اقتراح أمريكي فرنسي لم يكلِّف رئيس الوزراء نفسه حتى بالرد عليه”، مضيفاً أن “رئيس الوزراء أمر الجيش الإسرائيلي بمواصلة القتال بكامل قوته وفقاً للخطة المقدمة إليه”.
تأييد شعبي للعمل العسكري ضد حزب الله
المواطن الإسرائيلي جوناثان كوهين قلِقٌ أيضاً من احتمال تفاقم الأحوال أكثر مما هي متفاقمة، قائلاً: “أنا أدرك حقيقة احتمال نشوب حرب أكبر، حرب أكثر تدميراً بكثير، لكنني أؤيد عملية عسكرية، بالطبع أنا خائف أيضا لأنَّ لدي عائلةً ولدي أصدقاءَ وأشخاصاً أعرفهم قد يضطرون للذهاب إلى لبنان أو غزة، ولكن علينا أن نحل المشكلة مرةً واحدة وإلى الأبد”.
في الواقع يؤيد جزءٌ كبير من السكان الإسرائيليين العمل العسكري ضد حزب الله، بحسب ما أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي في أغسطس / آب 2024، وبناءً على هذا الاستطلاع فإن نحو نصف المشاركين اليهود الإسرائيليين في هذا الاستبيان، يؤيدون عملية عسكرية إسرائيلية أعمق في لبنان تهاجم أيضاً البنية التحتية للأراضي اللبنانية، فيما يرى أكثر من رُبع اليهود الإسرائيليين المستطلَعة آراؤهم أن على إسرائيل الرد بقوة أكبر على حزب الله ولكن من دون مهاجمة البنية التحتية اللبنانية.
وتسود أجواء مختلطة بين سكان حيفا في هذا المساء، فبين حين وآخر يضطرب هدوء المدينة حين تعلو أصوات الانفجارات كلما اعترض الدفاع الجوي الإسرائيلي صواريخ جديدة، وقال المواطن الإسرائيلي يوئيل الذي طلب عدم الكشف عن لقبه: “أتيت إلى هنا وأردت أن آكل شيئاً وفجأة سمعت انفجارات في الهواء، وفي تلك اللحظة نشأت فوضى قليلة يشعر المرء خلالها بأنه ضائع قليلاً ولا يعرف ماذا يفعل، لكن يمكنني التعامل مع هذه الأحوال فهي تمر وتمضي، ونواصل حياتنا اليومية من جديد”.
“على إسرائيل وقف حرب غزة وعدم بدء حرب جديدة” في لبنان
يقول المواطن الإسرائيلي يوئيل إنه يدعم تصرفات الحكومة الإسرائيلية ضد لبنان، مضيفاً: “أنا سعيد للغاية لأننا قمنا أخيراً بالانتقام، لقد أظهرت لنا الحكومة أنها تهتم بأمورنا، ربما من شأن هذا وضع حد لهذه الفوضى”.
ولكن في المقابل توجد أصوات أخرى مخالفة لهذا الرأي، فليس جميع الإسرائيليين في حيفا مقتنعين بأن هذا هو الطريق الصحيح لإنهاء الصراع في غزة أو مع حزب الله، ففي زاوية أحد شوارع حيفا يتذكر عشرات المتظاهرين مصير الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس في غزة رافعين ملصقات فيها صور كبيرة الحجم للرهائن ومطالبين بوضع حد للحرب، ومنهم المواطنة الإسرائيلية أوريت وهي واحدة من المتظاهرين الذين يقفون بانتظام في الشارع تعبيراً عن احتجاجاتهم وتقول حول الهجمات والحروب: “لن يؤدي أي من هذا إلى إعادة الرهائن، بل إن من شأن هذا تخريب أي فرصة لتبادل الرهائن، علينا أن نوقف الحرب في غزة وألا نبدأ حرباً جديدة” في لبنان.
أعده للعربية: ع.م