رأي القدس
الأثنين , 20 مارس , 2023
قدّمت انتخابات نقابة الصحافيين المصريين مفاجأة كبيرة وذلك بفوز المرشح اليساري المعارض خالد البلشي على مرشح السلطة خالد الميري.
تنقل خالد البلشي ضمن وسائل إعلام مصرية عديدة منها «روز اليوسف» و«الدستور» و«البديل» و«البداية» وصولا إلى رئاسة تحرير موقع «درب» (وهو محجوب رسميا!) كما اشتغل سابقا في العمل النقابي كوكيل لنقابة الصحافيين وكرئيس للجنة الحريات، وحصل على جائزة نيلسون مانديلا وحراس ميشيل للحريات لعام 2017، والتي تقدم للمدافعين عن حقوق الإنسان.
الميري، من جهة أخرى، هو رئيس تحرير صحيفة «الأخبار» الرسمية، وقد تم انتخابه أمينا عاما لاتحاد الصحافيين، ولديه تاريخ نقابي أيضا حيث عين عضوا في مجلس نقابة الصحافيين عام 2011، ورئيسا للجنة الإسكان، ووكيلا للنقابة، ورئيسا للجنة القيد.
سبب المفاجأة أن الميري كان مرشح السلطة الوحيد (بين 12 مرشحا) وأنه إضافة إلى طرق التحشيد الاعتيادية التي تعتمد فيها الحكومة على جيش الإعلاميين المشتغلين في مؤسساتها، وفتحها وسائل الإعلام والقنوات التلفزيونية للترويج للميري (وإغلاقها في وجه البلشي) فقد جاءت النتيجة لصالح المعارضة المستقلة وليس المرشح المدعوم.
أطلق الميري أمام حشد الصحافيين العرب الذين انتخبوه نقيبا عاما لهم في تونس عام 2016، تصريحات قال فيها إن «عدد الصحافيين المحبوسين في مصر هم تسعة» فقط وأن «قضاياهم جنائية» وقد علقت لجنة «حماية الصحافيين الدولية» حينها على ذلك بالقول إن عدد الصحافيين المحبوسين، من نقابيين وغير نقابيين، هو 25 صحافيا، أما منظمة «مراسلون بلا حدود» فقالت إنهم 32 صحافيا. إضافة لذلك فإن التهم التي حُبس الصحافيون فيها، في عهد نقيب الصحافيين العرب الميمون، كانت تتعلق عمليا بقضايا نشر وحرية تعبير.
من ذلك، على سبيل المثال، قضية عادل صبري، رئيس تحرير موقع «مصر العربية» الذي قبض عليه بعد ترجمة الموقع تقريرا لصحيفة «نيويورك تايمز» حول انتخابات الرئاسة المصرية، فاتهم بـ«بث أخبار كاذبة والانتماء لجماعة أسست على خلاف القانون» كذلك مثال اسماعيل الإسكندراني، الذي كتب تقارير حول سيناء فوجهت له تهم «الانضمام لجماعة إرهابية وإذاعة أسرار تخص الدفاع عن البلاد»!
تراجعت الحريات الصحافية في مصر بعد ذلك إلى درجات أسوأ بكثير، بحيث أصبحت مصر تحتل المرتبة 168 من أصل 180 في قائمة حرية الصحافة في العام، حسب تقرير «مراسلون بلا حدود» لعام 2022، وغدت، كما تقول «مراسلون بلا حدود» «أحد أكبر سجون الصحافيين في العالم» وغدت التعددية في وسائل الإعلام «شبه معدومة».
البلشي، من جهته، كان أحد وجوه الحراك الديمقراطي في مصر للدفاع عن الصحافيين، وفي الوقت الذي كان فيه الميري يتهم «زملاءه» الإعلاميين بأنهم محبوسون بتهم جنائية، كان البلشي في طليعة حراك نادر عام 2016 حين داهمت الشرطة نقابة الصحافيين وأوقفت صحافيين بتهمة «التحريض على التظاهر» وقد تظاهر مئات الصحافيين المصريين حينها للتنديد بـ«حرب السلطات على الإعلام» وقد تعرض البلشي حينها، مع اثنين من زملائه في لجنة الحريات في النقابة، للاحتجاز لمحاولتهم إيواء الصحافيين المطلوبين.
الصحافيون في مصر، ولابد أن بينهم إعلاميين يعملون في وسائل إعلام رسمية، اختاروا عمليا من يدافع عنهم، ويقف بقوة ضد محاولة السلطات الانتقاص من كرامة وحريات الصحافيين، في مواجهة المرشح الرسمي المدجج بالألقاب الثقيلة والنفوذ الكبير ودعم الأجهزة الرسمية.
يمثل انتخاب البلشي نسمة هواء لطيفة نأمل في أن تحرك جوا خانقا يظلل بلاد النيل التي كانت الأس الأكبر لنشوء الصحافة العربية، واحتضنت كبار الكتاب المصريين والعرب، وكانت مرجعية للعرب وبلاد العالم الناهضة خلال فترة النهوض القومي والنضال ضد الاستعمار وتأسيس الدولة الوطنية.
أمام البلشي مهام ثقيلة أمام التراجع الهائل الذي شهدته الحريات الصحافية في مصر، من بينها العمل على الإفراج عن الصحافيين المحبوسين، وإزالة الحجب عن المواقع الإلكترونية المحجوبة (وتعد بالمئات) وكذلك الضغط على مؤسسات الدولة لتغيير القوانين التي أدت لكل هذا التراجع.