نور الواكي
8 نيسان ٢٠٢٤
اليوم مَثُلَت جمهورية ألمانيا الاتحادية أمام محكمة العدل الدولية بتهمة تسهيل ارتكاب الإبادة الجماعية التي ترتكب في غزة ضد الشعب الفلسطيني على مرأى ومسمع من العالم أجمع من قبل اسرائيل! وقد رفعت هذه الدعوى دولة نيكاراغوا.
أعتبر هذا الحدث على قدر عال من الأهمية والخصوصية والرمزية ويؤسس لما بعده !
حدث مهم لأنه يشهد على توالي الهزائم المعنوية والسياسية للمحور الأمريكي الصهيوني والملحق الألماني، ويزيد الحصار القانوني والأخلاقي الذي يفرض على مرتكبي المجازر بحق الشعب الفلسطيني وداعميهم!
فكما أتبتت التجارب في قضايا حقوق الإنسان، فإن المتهم مذنب حتى تكتمل عناصر إدانته، وليس كما تقول القاعدة القانونية التي تقول بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته!
لذلك فإن جر ألمانيا إلى قفص الاتهام ودفعها للمثول أمام محكمة العدل الدولية، حدث لا يجب أن يمر مرور الكرام ، لأنها ألمانيا التي تحمل دلالات رمزية تاريخية وسياسية كبيرة ، لا يمكن تجاوزها ، و لأنها دولة مدافعة عن حقوق الإنسان ، والحيوان ، والبيئة ، وقضايا المرأة ، وحاملة للواء الدفاع عن كثير من القضايا الحقوقية التي تشغل بال العالم ، كالمثلية والحركات النسوية ، وقضايا البيئة ، و لأن ألمانيا من أنشط الدول في رفع راية الحقوق الإنسانية، وتمتلك دستورا يشير بكل وضوح إلى صون الكرامة الانسانية وعدم التمييز بين البشر، فإن هذا الحدث سيلقي بظلاله على الساحة السياسية الألمانية.
في المحاكمة قدمت نيكارغوا مرافعة مُحْكَمَة عرضت فيها أدلة على تورط ألمانيا في هذه الجريمة، حيث استخدام أسلحتها في الابادة الجماعية في غزة، وارتفاع صادراتها من الاسلحة الى اسرائيل اضعاف مضاعفة، وقطع التمويل عن منظمة الأمم المتحدة الأونروا، وبالتالي تورطت ايضا في قضية العقاب الجماعي واستخدام الجوع كسلاح ضد الفلسطينيين بدون وجود دليل على إدانة المنظمة.
فالمقابل فإن ألمانيا تبني دفاعها وكل مواقفها على مسؤوليتها التاريخية تجاه اسرائيل كوريث لليهود في دعمهم والوقوف حيث تقف اسرائيل، وأيضا أنها تدعم حق اسرائيل في الدفاع عن النفس!
إن ألمانيا غارقة حتى أذنيها في الوحل الصهيوني الذي جرها إليه كل من الولايات المتحدة واليميني المتطرف نتنياهو الذي جر كلاهما! فتصريحات المسؤولين الألمان ومواقفهم بدعم الحكومة الصهيونية المتطرفة لا تخفى على أحد، وكما أن ألمانيا نفسها لا تخفي هذا الموقف وابتعدت تماما عن الخط الذي رسمته ميركل بانتهاج سياسة شبه مستقلة ومعتدلة تجاه القضايا العالمية ومنها القضية الفلسطينية!
لذا فإن هذا الاتهام يضعها بحرج قانوني وسياسي وأخلاقي على المستوى الداخلي والخارجي، وستؤدي مفاعيل هذا الاتهام بالضرورة إلى تغيير السياسات الرسمية الألمانية ! التي لا تحتمل وسمة الانخراط في إبادة جماعية او تسهيل إبادة جماعية جديدة تضاف إلى تاريخها !
وعلى الصعيد السياسي تأتي هذه الخطوة لتعزيز موقف جمهورية جنوب إفريقيا التي دفعت اسرائيل وحشرتها في صندوق الاتهام بارتكاب جرائم ضد الانسانية، ومن شأن هذا الحدث أن يؤدي إلى زيادة عزلة اسرائيل، وتقليم أظافر داعميها، ويمكن الحديث الان عن تفكيك البيئة السياسية الدولية الحاضنة لها، وهذه المحاكمة أيضا موجهة لراعي اسرائيل الأكبر أمريكا، التي ما تزال تدعم اسرائيل في اعتدائها على الفلسطينيين
والعقدة الألمانية هي الأهم الان في الصيغة الدولية الداعمة لإسرائيل، والتي يجب حلها و تحييدها واخراجها سياسيا وقانونيا وعسكريا من الصراع، فهي بنهاية الامر ليست دولة عظمى، وامكانية تأثرها اقتصاديا وسياسيا وقانونيا وعزلها في المجتمع الدولي سيكون أسهل بكثير مقارنة مع أمريكا ، و يمكن أن يكون لذلك تأثير بالغ الأثر سوءً على ألمانيا وسمعتها وصورتها أمام العالم !
إن هذه المواجهة القانونية اليوم لألمانيا في هذا المحفل الدولي الهام ليست الوحيدة فهي تتعرض لضغوطات عنيفة ضمن الاتحاد الأوربي من قبل دول كبلجيكا واسبانيا وأيرلندا لتغيير موقفها الداعم للصهيونية !
إن هذا الحدث الاستثنائي اليوم، عدى عن كونه انصافا للضحايا، وللقضية الفلسطينية وعلامة اضافية على التحولات العالمية التي تحدث، هو فرصة لألمانيا، للخلاص من الرسن الصهيوني الملتف حول العنق الالمانية، وهو بوابة الخلاص لها من بين يدي الجزار نتنياهو الذي يعاملها كبقرة حلوب لا يتورع عن حلبها وذبحها ان اضطره الامر !
كما قلنا سابقا إن السابع من اكتوبر غير المعادلات، كحدث استثنائي، سيسرع من التغييرات الجيوسياسية على مستوى
العالم، فبلدان العالم تتجرأ على الوقوف أمام دول لم نكن نتخيل
قبل ذلك أنهم سيسألون عما يفعلون !