الثلاثاء 12 كانون الاول , 2023 01:51
الكاتب: نسيب شمس
أهالي غزة ينزحون من شمال القطاع إلى جنوبه
تُجمع قيادة الكيان المؤقت وصناع القرار فيه، على أن الديموغرافيا الفلسطينية هي أحد الأخطار التي تشكل تهديداً لوجود هذا الكيان، ولليهود ومستقبلهم في منطقة الشرق الأوسط، ومن هنا جاءت فكرة طرد الفلسطينيين أو الترانسفير من وطنهم بوصفها حلاً للمخاطر الديمغرافية منذ نشأة الحركة الصهيونية. وما ثم وجدت الفكرة طريقها للتنفيذ من خلال السلوك الإسرائيلي العدواني منذ سنة 1948. لكن كيف تبلور طرد الفلسطينيين قبل قيام “الكيان المؤقت”؟
وُلدت فكرة طرد الشعب العربي الفلسطيني من وطنه داخل الحركة الصهيونية، ورافقت هذه الفكرة تطور المشروع الصهيوني في فلسطين، منذ نهاية القرن الـ 19 وحتى يومنا هذا، كما تردد مؤخراً إثر عملية “طوفان الأقصى”.
لقد دأبت الحركة الصهيونية على تنفيذ أهدافها في فلسطين من خلال رؤية تتجاهل رسمياً ولفظياً وجود الفلسطينيين، وسعت عملياً وبصورة غير رسمية إلى طرد الشعب الفلسطيني.
بدأت الدعوات إلى طرد العرب من فلسطين من قبل زعماء صهاينة في الكتابات الصهيونية الأولى، حيث كتب ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية، في يومياته في 12 حزيران/يونيو 1895:”عندما نحتل الأرض سنجلب منافع فورية إلى الدولة التي تستقبلنا. علينا أن نستولي وبصورة لطيفة، على الملكية الخاصة في الأراضي التي تخطط لنا. سنسعى لتهجير السكان المعدمين عبر الحدود من خلال تدبير الوظائف لهم في بلاد الانتقال، لكننا سنمنعهم من القيام بأي عمل في بلدنا. إن الأصحاب سيلتحقون بنا. وعمليتا الاستيلاء على الملكية وترحيل الفقراء ينبغي أن تجريا معاً بصورة متكتمة وحذرة. دع أصحاب الأملاك الثابتة يعتقدون أن يخدعوننا وأنهم يبيعوننا أشياء بأسعار تفوق كثيراً قيمتها الحقيقية، أما نحن فلن نبيعهم في المقابل أي شيء”.
كما روّج المفكر الصهيوني البريطاني إسرائيل زانجويل للشعار الذي طرحه اللورد البريطاني شافنسري، والقائل إن فلسطين “أرض بل شعب لشعب بلا أرض”. كما أكد في كتاباته الأولى سنة 1917، على ضرورة طرد العرب وترحيلهم، وقال:”يجب ألا يُسمح للعرب أن يحولوا دون تحقيق المشروع الصهيوني؛ ولذا لا بد من إقناعهم بالهجرة الجماعية”. فيما إدعى حاييم وايزمان، أن “هناك بلداً صدف أن اسمه فلسطين، بلد بلا شعب، ومن ناحية أخرى، يوجد هناك الشعب اليهودي وهو بلا أرض. لا شيء يبدو أكثر ضرورة، من إيجاد الجوهرة المناسبة للخاتم المناسب، لتوحيد هذا الشعب مع ذلك الوطن”. فيما اليسار الصهيوني من خلال نخمان سركين في كُتيب نشره سنة، 1898 اقترح ترحيل العرب الفلسطينيين الى الدول المجاورة.
وفي أعقاب صدور وعد بلفور سنة 1917، تعزز موقف الحركة الصهيونية، فقد نادى ماكس نوردو في المؤتمر الصهيوني المنعقد في لندن عام 1920، بضرورة هجرة نصف مليون يهودي من شرق أوروبا الى فلسطين لدعم الحركة الاستيطانية اليهودية في فلسطين وليصبح اليهود فيها هم الأغلبية.
أما زئيف (فلاديمير) جابوتينسكي فقد دعا وشجع على تنفيذ عمليات هجرة غير شرعية لليهود نحو فلسطين منذ العام 1932، وتوصل جابوتينسكي إلى قناعة بأن مصير الصهيونية مرتبط جداً بمسألة “تحرير فلسطين من أيدي الاتراك”. وفي مقال له سنة 1923 بعنوان:” الجدار الحديدي نحن والعرب” ذكر أن الهدف الذي لن يحيد عنه هو تحويل فلسطين الى دولة بأغلبية يهودية، وان هذا الهدف هو سلمي، أما الوسيلة فليست سلمية، وأن استخدام العنف لن يكون سبب موقف الصهيونية تجاه العرب إنما بسبب موقف العرب تجاه الصهيونية.
وجاءت الترجمة الدموية لطرد الفلسطينيين بتنفيذ العصابات الصهيونية سلسلة من المجاوز في معظم القرى والمدن التي احتلتها بالقوة. ومجزرة دير ياسين نموذج لهذا الأسلوب، وتبعها مجازر في اللد والطنطورة الى الكثير من المجازر…
ولعل ما يحصل في غزة اليوم من عدوان وحشي ومدمر، ينطوي على هدف من أهداف، وهو تهجير سكان غزة، ولكن صمود وصلابة المقاومة حطمت جبروة وغطرسة هذا العدو الدموي.
الكاتب: نسيب شمس – كاتب وباحث سياسي