وائل عصام – كاتب فلسطيني
’’ القدس العربي ’’
24 – مارس – 2023
الدول نفسها التي دعمت تسليح المعارضة السورية، وناصرت الثورة السورية لسنوات في وجه نظام بشار الأسد، تقود اليوم مسيرة تطبيع العلاقات معه، ومع راعيته الإقليمية إيران وعرابه الدولي روسيا، رغم اعتراض من واشنطن، التي تعلن لليوم أنها تعارض مسار التسوية مع الأسد، لكن حلفاءها العرب الذين عملوا لسنوات لدعم ثورة شعبية جارفة مسنودة بتمرد مسلح ضد بشار الأسد، اختاروا مسارا متناغما مع المحور الروسي الإيراني المناوئ للولايات المتحدة في المنطقة، بعد أن أيقنوا أن أمريكا التي كانت قطبا أوحد في هذا العالم، وقوة نافذة في الشرق الأوسط، فقدت معظم أوراقها وخسرت نفوذها لصالح المعسكر المناهض للغرب، وباتت عواصم مركزية تحت قبضة البيت الشيعي الصاعد في المشرق العربي.
مارس النظام السوري أقصى ما يمكنه من وحشية لضمان انتصاره في الحرب، متربعا على أنقاض شعبه، لكن هذا الانتصار الدامي لم يكن ليمنحه شرعية كاملة، من دون الاعتراف الرسمي العربي به
التطبيع مع دمشق حصل عليه الأسد بعد طريق طويل، لم يكن معبدا بالورود، بل بالبراميل، مارس النظام السوري أقصى ما يمكنه من وحشية لضمان انتصاره في الحرب، متربعا على أنقاض شعبه، لكن هذا الانتصار الدامي لم يكن ليمنحه شرعية كاملة، من دون الاعتراف الرسمي العربي به ، متوجا فوق ركام المدن السورية الثائرة، ولكن الحقيقة ان كل ما حصل عليه الأسد كان بفضل لغة القوة الدامية التي استخدمها مع حلفائه، لانتزاع اعتراف بهم كأسياد المشرق العربي بعد احتلال العراق 2003، وحتى قبل موجة التطبيع الأخيرة معه، كان الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا مناسبة للتساؤل عن السبب الذي دفع دول العالم لإرسال مساعدات للأسد دون المعارضة السورية، التي تسيطر على نسبة من الأراضي الأكثر تضررا، التي تعرضت للدمار بفعل الزلزال، كما هي كذلك الأكثر تضررا بفعل براميل النظام السوري قبل الزلزال، وقال البعض إن الزلزال منح الأسد فرصة كبيرة للتطبيع والعودة للأسرة الدولية.
في الحقيقة لم يكن الزلزال سوى مناسبة لإظهار طبيعة نظرة القوى الدولية في سوريا بعد 12 سنة من الثورة السورية، وبعد نحو 7 سنوات من سيطرة النظام وحلفائه على حلب كبرى المدن السورية في الشمال السوري وعاصمة الاقتصاد، وتبعتها سلسلة تقدم استعاد فيها النظام مساحات واسعة من الأرياف السورية، عدا عن سيطرته قبل التدخل الروسي على معظم مراكز المحافظات، وعقد المواصلات بينها، ولسنوات لاحقة تراجع الدعم الدولي للمعارضة المسلحة وتركز لصالح القوى الكردية المعارضة المسلحة، وبات الأسد يسيطر على معظم الأرياف التي كانت خارج سيطرته، عدا عن المدن المركزية ، ولم يعد للمعارضة السورية وجود على أرض الواقع السوري، لذلك فإن الزلزال لم يكن هو من منح الأسد هذه الفرصة في الحصول على الدعم الدولي للمساعدات، بل واقع تماسك نظامه وحلفائه من بعده وفرضهم لأنفسهم كأمر واقع أمام القوى الدولية، وبمنطق «شرعية القوة» وليس «قوة الشرعية»، إلا أن القوى الدولية وعلى رأسها واشنطن لم تصل لمرحلة الهرولة للتطبيع معه، كما فعلت الدول العربية الداعمة سابقا للثورة السورية، فقد ذهبت هذه الأخيرة في مسار منح الشرعية لنظام الأسد، واعترفت بخسارة مراهناتها على إسقاطه، وجاء تطبيع الرياض معه لاحقا لاتفاقية تعاون مع طهران، راعية المحور الذي لطالما ناصبته الرياض العداء، لكن من دون حسم مواجهته عسكريا أو سياسيا، لا في سوريا ولا في اليمن!