الكاتب: عباس طالب عثمان – موقع الخنادق
الثلاثاء 27 شباط , 2024
التوترات في الشرق الاوسط
في السنوات الأخيرة، شهد العالم ظهور أزمات وتحركات دولية وضعت في إطار الاتجاه نحو نظام عالمي جديد؛ فمع بدء الحرب الروسية الأوكرانية، ومن بعدها الإعلان عن الوثيقة الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية أواخر عام 2022، التي حددت الصين بوصفها أبرز المنافسين لمجال نفوذ واشنطن، ومع بروز الأزمة بين الصين وتايوان، ازداد الحديث عن وصول النظام العالمي الحالي الذي نشأ بعد تفكك الاتحاد السوفياتي أواخر تسعينيات القرن الماضي، إلى مرحلة متقدمة من التفكك، وباتت شعوب العالم عامة، وشعوب العالم الجنوبي خاصة، أكثر قناعة بأن الأزمات الدولية والتحالفات التي بدأت بالتشكل، هي خير دليل على انتهاء عصر النظام العالمي الحالي التي لا تزال تتشبث به واشنطن.
انعكاس نتائج عملية المقاومة الفلسطينية على التوتر الأمريكي الصيني
مع انتخاب الرئيس الأمريكي، يبدأ العمل كما جرت العادة على استراتيجية للأمن القومي، تعلن عنها الإدارة الأمريكية الجديدة كوثيقة تحدد فيها أهم أهدافها ومحور اهتمامها، إضافة إلى الأزمات التي ستعمل على حلها. وعلى غير عادتها، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، وثيقتها للأمن القومي بعد مرور أكثر من عام ونصف على انتخابه. ونصّت الاستراتيجية، التي جاءت من 48 صفحة، في هدفها العام على “الاستفادة من العقد الحاسم لتعزيز المصالح الحيوية لأمريكا، وتمكين الولايات المتحدة من التفوق على منافسيها الجيوسياسيين”. وترى الاستراتيجية أن واشنطن حاليا هي في السنوات الأولى لعقد حاسم لها وللعالم، حيث سيتم فيه تحديد شروط المنافسة الجيوسياسية بين القوى الكبرى. وتشير الوثيقة إلى أن حاجة العالم إلى القيادة الأمريكية الآن كما لم تكن في أي وقت مضى، وأن الولايات المتحدة تخوض حاليا منافسة استراتيجية كبيرة لتشكيل النظام الدولي.
على رأس التحديات التي وضعتها الاستراتيجية الأميركية، أتت الصين باعتبارها المنافس الأكبر والأكثر خطورة، حيث تمتلك النية، وبشكل متزايد، لإعادة تشكيل النظام العالمي بشكل يميل لصالحها. في هذه النقطة، يجب العودة إلى فترة وصول الرئيس الصيني الحالي شي جين بينغ إلى سدة الحكم، فمع وصوله، حدثت تحولات كبيرة في طريقة طرح الصين لنفسها على الساحة الدولية، وأصبحت الصين أكثر جرأة في منافسة واشنطن، وتزامن ذلك مع إعلان واشنطن تحولها نحو الشرق لمواجهة تزايد نفوذ بكين. بعد تحويل البوصلة الأمريكية باتجاه الصين، انخفضت نسبة الاهتمام الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط – وهي المنطقة التي كانت محور نشوء النظام العالمي الحالي المتصدع-، وهنا جاءت عملية طوفان الأقصى لتُقصي تلك الأفكار التي سيطرت على الإدارات الأمريكية المتتالية، وتعيد الاهتمام بالشرق الأوسط. ففي ظل الاتجاه الأمريكي ذلك، تلّمست الفصائل الفلسطينية ظهور علامات استعجال أمريكي لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، حلاً لم يكن ليشبع حاجة الفلسطينيين للحرية التي حُرموا منها على مدار عقود.
إضافة إلى ذلك، ظهرت واشنطن وكأنها أعطت للاحتلال تفويضا لترتيب مراسم دفن القضية الفلسطينية، وقد بدا ذلك واضحا من خلال تفلت قادة الاحتلال من الضوابط التي كانت تضعها واشنطن في سياق الصراع مع الفلسطينيين، أضف إلى ذلك ازدياد توحش الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة خلال السنوات الخمس الأخيرة. من هنا تحمّلت الفصائل الفلسطينية مسؤولية إعادة فرض وجود القضية على الساحة الدولية، ورفضت المقاومة في غزة الانصياع إلى الضغوط الإسرائيلية، وكان من نتائج ذلك القرار، قيام المقاومة بعملية طوفان الأقصى.
تأثير 7 تشرين الأول على الحروب “الدولية”
اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، ومنذ اللحظات الأولى، أعلن الغرب الجَماعي موقفه إلى جانب أوكرانيا. وفي هذا السياق، استثمرت الولايات المتحدة والدول الأوروبية جزءًا كبيرًا من قدراتها العسكرية والسياسية والمالية لمواجهة ما اعتبروه خروجا عن عباءة السيطرة الأمريكية على العالم. الجدير ذكره أن روسيا بدأت حربها على أوكرانيا بهدف حماية “حدودها الاستراتيجية”، وكان ذلك على خلفية تحركات قامت بها واشنطن على مدار سنوات لتقويض روسيا ومحاصرتها من خلال تثبيت وجودها في خاصرة روسيا الرخوة. ولمنع روسيا من تحقيق أي انتصار، فجّر الغرب ينابيع دعمه لكييف، فقدّمت أمريكا وحدها عشرات المليارات من الدولارات على شكل دعم عسكري ومالي. وفي هذا الاتجاه، سيّرت أوروبا قواها نحو كييف.
لم يكن ذلك الدعم الذي يعدّ الأضخم في عصرنا هذا دون مقابل طبعا، بل كان ذلك حفاظا على نفوذ الغرب الّذي أراد تملّك ميزة تحديد وجه النظام الدولي وحده من دون غيره. فقد رأت الدول الغربية، وعلى رأسها واشنطن، أن أي خلل في هيئة النظام العالمي تؤثر على أمنها القومي ومدى سيطرتها على ضوابط النظام الدولي. لكن بعد توسع الحرب في أوكرانيا، ومع امتداد مدتها الزمنية، بدأت أصوات تخرج من أوروبا وداخل الإدارة الأمريكية، تطالب بوقف تدفق الأموال نحو أوكرانيا وعدم الخوص أكثر في ذلك المستنقع. هنا، أتت عملية طوفان الأقصى لتلعب دورًا مهمًا على هذا الصعيد، فمع مرور أول أسابيع من الرد الإسرائيلي العنيف على غزة، برزت حاجة الاحتلال إلى العتاد العسكري والأسلحة. وعلى أثر ذلك، سمحت واشنطن للاحتلال باستخدام كميات كبيرة من الاحتياطي الأمريكي من الأسلحة الموجودة في دولة الاحتلال. لكن رغم ذلك، عادت واشنطن الى الوقوع في المستنقع نفسه الذي حذر منه الكثيرون، فبدأت أمريكا بإرسال العتاد العسكري القديم الذي استُخدم منذ حرب فيتنام نظرا إلى ضيق الوقت في المعركة الحاسمة بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية، إضافة إلى استنفاد أوكرانيا مخزون السلاح الأمريكي.
وفي سياق الحديث عن أثر طوفان الأقصى على المعارك الدولية التي تلعب دورًا مهما في تشكيل النظام العالمي الجديد، نلحظ أن هناك أزمة أخرى تضغط على واشنطن ألا وهي التوتر الصيني التايواني. ومن الجدير ذكره أن الكثير من السياسيين الغربيين والتايوانيين كانوا قد التمسوا عدم قدرة واشنطن والغرب على تلبية حاجة تايوان من الأسلحة في حال دخولها في حرب مع الصين. والتوتر بين الصين وتايوان هو من أحد العوامل التي تساهم أيضا في رسم هيئة النظام الدولي، إذ إن عدم قدرة الولايات المتحدة على ردع التوسع الصيني يشكل ضربة لإحدى قواعد النظام العالمي الحالي، والتي تتمثل بقدرة واشنطن على دعم حلفائها والدول التي تميل إلى الحلف الغربي، ففي حال تمكّنت بكين من إعادة تايوان إلى كنفها، تتصدع الثقة العالمية بقوة واشنطن، وبالتالي ينخفض التأثير الأمريكي في العالم.