من كتابة من جابرييل ستارجاردر وجوليت جاب خير
السبت 20 – 07 – 2024
جنديان بالجيش الفرنسي يقفان للحراسة ضمن دورية أمنية بالقرب من استاد برج إيفل ومنشآت رياضية أخرى قيد الإنشاء في الأول من أبريل نيسان 2024 استعدادا لاستضافة دورة ألعاب باريس الأوليمبية الصيفية . تصوير: جونسالو فوينتس – رويترزر © Thomson Reuters
باريس (رويترز) – تلقى الصحفي الطاجيكي تيمور فاركي اتصالا مثيرا للقلق من شرطة باريس في أواخر مارس آذار بعد أيام فحسب عما قيل عن تنفيذ مسلحين من بلاده ينتمون لتنظيم الدولة الإسلامية مذبحة في موسكو.
واستجوبه ضابطان بشأن الجالية الصغيرة من مهاجري طاجيكستان في فرنسا.
ويتذكر فاركي أن الضابطين كانا يسألانه “من تعرف؟ كم عددهم؟ أين هم؟” وكان أحدهم يتحدث الروسية، التي يشيع استخدامها في دول آسيا الوسطى.
أحد أفراد الشرطة الفرنسية يقف للحراسة أمام ملصق يحمل صورة للحلقات الأوليمبية الخمس قرب مقر الجمعية الوطنية (البرلمان) في يوم 18 يوليو تموز 2024 استعدادا لاستضافة دورة ألعاب باريس الأوليمبية الصيفية . تصوير: كيفن كومس – رويترز© Thomson Reuters
وقال فاركي، وهو لاجئ سياسي في فرنسا عمل في وسائل إعلام مثل هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي)، للشرطة في الاتصال إنه يعرف مجموعة صغيرة من الطاجيك معظمهم من المهاجرين والمعارضين.
غير أنه قال “لكنني لا أعرف أي جهاديين”.
وقبل انطلاق أولمبياد باريس في 26 يوليو تموز، تسابق أجهزة الأمن الفرنسية الزمن لسبر غور ملف ليس لديها فيه الكثير من المعلومات من خلال إقامة علاقات أوثق مع الطاجيك وآخرين من دول وسط آسيا في البلاد، وفقا لما قاله أكثر من 12 مصدرا مطلعا. ومن بين تلك المصادر مسؤولون حاليون وسابقون في المخابرات والشرطة ودبلوماسيون ومهاجرون من آسيا الوسطى تواصلت السلطات معهم.
أحد أفراد الشرطة الفرنسية يمنع المارة من عبور الطريق قرب كاتدرائية نوتردام في باريس في يوم 18 يوليو تموز 2024 استعدادا لاستضافة دورة ألعاب باريس الأوليمبية الصيفية . تصوير: كيفن كومس – رويترز© Thomson Reuters
تأتي عمليات التواصل تلك التي لم يعلن عنها من قبل، في أعقاب هجومين كبيرين وقعا هذا العام قالت السلطات إنهما من تنفيذ عناصر طاجيكية من تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان، أحد أجنحة التنظيم المتشدد على اسم منطقة خراسان التاريخية التي كانت تضم مناطق من إيران وأفغانستان وآسيا الوسطى.
وقتل نحو مئة في هجوم انتحاري مزدوج خلال مراسم لتأبين قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني يوم الثالث من يناير كانون الثاني، كما قتل أكثر من 130 في هجوم وقع في موسكو يوم 22 مارس آذار قام خلالها مسلحون بإطلاق النار على رواد حفل موسيقي في قاعة كروكوس سيتي.
وقالت السلطات الفرنسية إنها أحبطت بالفعل هجوما لمتشددين إسلاميين كان مخططا خلال الأولمبياد واعتقلت في أواخر مايو أيار شابا شيشانيا (18 عاما) يشتبه في أنه خطط لمهمة انتحارية لصالح تنظيم الدولة الإسلامية في ملعب سانت إتيان لكرة القدم حيث كانت ستلعب فرق فرنسا والولايات المتحدة وأوكرانيا.
ويستهدف إسلاميون فرنسا منذ فترة طويلة بسبب ماضيها الاستعماري والمشاعر المعادية للمسلمين ومشاركتها التاريخية في الحروب بالشرق الأوسط وأفريقيا.
وقال قائد شرطة باريس الشهر الماضي “لا يزال إرهاب المتشددين الإسلاميين مصدر قلقنا الرئيسي” خلال دورة الألعاب الأولمبية، رغم قول السلطات إن ليس هناك أي تهديدات مباشرة على الألعاب.
وطاجيكستان، التي عانت من حرب أهلية في التسعينيات، أفقر دول الاتحاد السوفيتي السابق. ويعتمد نصف ناتجها الاقتصادي تقريبا على تحويلات المهاجرين وخاصة الموجودين في روسيا.
يرى العديد من الخبراء الأمنيين أن الشبان الفقراء المعزولين بين المغتربين الطاجيك يشكلون مزيجا جذابا لتنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان لتجنيدهم.
وقال مصدر من المخابرات لرويترز إن المخابرات الفرنسية ليس لديها إلا قلة من العناصر والعملاء في آسيا الوسطى وتجد أنه من الصعب اختراق جاليتها الصغيرة المتماسكة. ووفقا لرابطة الطاجيك في فرنسا، تعيش حوالي 30 عائلة طاجيكية في البلاد.
وأضاف مصدر المخابرات، الذي طلب عدم ذكر اسمه ليتسنى له مناقشة مسائل أمنية، أن تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان يمثل تهديدا جديدا نسبيا ظهر مع قدرة قائمين على التجنيد من الخارج على استمالة قادمين من دول في آسيا الوسطى يقيمون في فرنسا للتطرف من أجل دفعهم لتنفيذ هجمات على الأراضي الفرنسية.
وذكر المصدر أن الدليل على ذلك هو اعتقال طاجيكي في 2022 بتهمة التخطيط لهجوم في ستراسبورج. وأضاف أن الرجل كان يتصرف بناء على تعليمات من عناصر اتصال تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان موجودين في الخارج.
وقال مصدر أمني ثان إن فرنسا حددت هوية 12 من مسؤولي الاتصال لدى تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان موجودين في دول حول أفغانستان ولديهم حضور قوي على الإنترنت ويحاولون إقناع شباب في دول أوروبية مهتمين بالانضمام إلى التنظيم من الخارج بتنفيذ هجمات في الدول التي هم فيها.
وأضاف المصدر أن مسؤولي الاتصال في التنظيم يقومون بعد ذلك بربط من جندوهم بأشخاص يمكنهم أن يزودوهم ببطاقات هوية مزورة وأسلحة على أرض الدولة المعنية في عملية لا تستغرق إلا بضعة أسابيع.
ورفض ضابطا الشرطة اللذان تحدثا إلى فاركي الرد على طلبات من رويترز للحصول على تعليق. وأحالت شرطة باريس الأسئلة إلى وزارة الداخلية الفرنسية التي رفضت أيضا التعقيب.
كما لم ترد وزارة الخارجية في طاجيكستان على طلب للتعليق.
* مراسم افتتاح معقدة
تحدثت رويترز أيضا مع اثنين آخرين من طاجيكستان وامرأة من أوزبكستان مقيمين في فرنسا اتصلت بهم الشرطة واستجوبتهم بخصوص الجاليات التي ينتمون إليها.
وقالت ناديجدا أتاييفا، وهي ناشطة في مجال حقوق الإنسان من أوزبكستان وتعمل في مدينة لومان بشمال غرب فرنسا، إنها أعطت ضباط الشرطة رقم هاتف فاركي بعد زيارتها لمركز الشرطة في باريس.
وأضافت “طٌلب مني أرقام هواتف طاجيك أثق بهم. وقال لي أفراد الشرطة إنهم يريدون التحدث مع أفراد من طاجيكستان لمعرفة آرائهم بشأن ما حدث في موسكو”.
وقال سيباستيان بيروز، وهو أكاديمي فرنسي قدم إفادات لأجهزة أمن فرنسية وأمريكية بشأن التطرف في دول في آسيا الوسطى، إن السلطات الفرنسية ربما تباطأت في الاستجابة لوجود تهديدات أمنية محتملة من طاجيك.
وأضاف “انصب تركيز فرنسا على متشددين قادمين من الشرق الأوسط والجزائر وشمال أفريقيا بشكل أكبر من آسيا الوسطى… وأعتقد أن فرنسا تفاجأت بما حدث في موسكو وقد تكون (استجابتها) قد تأخرت قليلا”.
وقال إدوارد ليمون، وهو خبير من طاجيكستان يقدم تقارير دورية لأجهزة أمن غربية، إن المخابرات الروسية لا تزال الأفضل من حيث متابعة شبكات الجماعات المتشددة في آسيا الوسطى رغم إخفاقها في منع الهجوم على قاعة كروكوس سيتي.
لكن وزير الدفاع والقوات المسلحة الفرنسي سيباستيان ليكورنو أشار في أبريل نيسان إلى تراجع كبير في تبادل المعلومات الاستخباراتية بين روسيا وفرنسا بشأن تنظيم الدولة الإسلامية وجماعات متشددة أخرى منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022.
وقال مسؤولان بوزارة الخارجية الأمريكية ينسقان بشأن أمن الفريق الأولمبي الأمريكي لرويترز إنهما يثقان في الاستعدادات الأمنية التي تجريها فرنسا. وأضافا، دون الخوض في تفاصيل، أن جهود فرنسا الرامية إلى بناء علاقات أقوى مع الجالية الطاجيكية تعكس ممارسة شائعة لمكافحة الإرهاب، وهي تحديد أفراد من جالية معينة ربما يشكلون تهديدا.
وقال أحدهما إن “الجميع يرغب في الحصول” على مزيد من المعلومات حول التهديدات القادمة من دول في آسيا الوسطى.
* عودة مسلحين من سوريا
وبحسب ليمون واثنين آخرين من الخبراء في شؤون آسيا الوسطى أجرت رويترز معهما مقابلة، يأتي التهديد الأساسي الذي يشكله طاجيك في أوروبا من حوالي عشرة متطرفين قاتلوا في سوريا ثم عادوا إلى أوروبا تدريجيا عبر أوكرانيا بعد أفول قوة تنظيم الدولة الإسلامية في الشرق الأوسط.
وفي العام الماضي، ألقت السلطات الألمانية القبض على سبعة مواطنين من دول في آسيا الوسطى مقيمين في البلاد للاشتباه في تأسيسهم منظمة إرهابية. وقال ممثلون للادعاء إن المتهمين القادمين من تركمنستان وطاجيكستان وقرغيزستان دخلوا إلى ألمانيا عبر أوكرانيا بعد وقت قصير من الغزو الروسي لأوكرانيا في أوائل 2022. وهم في السجن حاليا ينتظرون المحاكمة.
وقدّر ليمون أن هناك عشرات الآلاف من الطاجيك يعيشون في أوروبا، ويتركزون بالأساس في بولندا وألمانيا.
ومعظم هؤلاء لاجئون سياسيون وصلوا قبل حوالي عشر سنوات بعد أن صنف رئيس طاجيكستان إمام علي رحمن حركتي المعارضة (المجموعة 24) و(حزب النهضة الإسلامية) على أنهما منظمتان متشددتان وإرهابيتان. ويتولى رحمن، حليف روسيا، رئاسة طاجيكستان منذ 30 عاما.
وقال فاركي، وهو من أعتى المعارضين لرحمن، إنه طلب اللجوء إلى فرنسا في 2016 لأنه يحب الثقافة والأدب فيها. وأضاف أنه لم يتحدث قط مع أجهزة الأمن الفرنسية حتى تواصلت معه الشرطة في مارس آذار.
وأفاد محمد إقبال صدر الدين، وهو معارض طاجيكي آخر مقيم في فرنسا، بأنه تحدث أيضا مع الشرطة.
وقال “لقد سألوني عما أعرفه”. وأضاف أنه كان يوّد المساعدة لكنه قال لهم “لا أعرف أشخاصا من طاجيكستان لهم آراء متطرفة”.
وقال ثلاثة خبراء في مجال المخابرات الوقائية ومكافحة التجسس لرويترز إن جهود فرنسا في اختراق صفوف الجالية الطاجيكية قد تأتي بنتائج عكسية.
وذكر عميل سابق في المخابرات الأمريكية، طلب عدم ذكر اسمه نظرا لإدلائه بمعلومات حول فترة عمله مع أجهزة أمن فرنسية بشأن مسائل تتعلق بدول في آسيا الوسطى، أن عمليات مكافحة التجسس والمخابرات الوقائية في فرنسا تحظى عموما بتقدير كبير، لكن الضغط على الطاجيك للحصول على معلومات قد يأتي بنتائج عكسية من خلال شعورهم بأنهم يوصمون بصورة نمطية سلبية في المجتمع بما يجعلهم أقل استعدادا للإبلاغ عن أفراد قد يشكلون خطرا.
ويتفق جون-فرانسوا راتيل، وهو خبير في شؤون الجماعات الإسلامية المتشددة في جامعة أوتاوا، مع هذا الرأي.
وقال “كان ينبغي بدء بناء علاقات مع الجالية الطاجيكية قبل أعوام. إذا كان الدافع الوحيد لذلك هو مكافحة الإرهاب فحسب، فإنها وصفة لفشل حتمي… وإذا قررت فرنسا الضغط أكثر من اللازم على تلك الجالية، فقد يتسبب ذلك في خلق التهديد الإرهابي الذي تسعى فرنسا إلى القضاء عليه قبل الألعاب الأولمبية 2024”.
(إعداد نهى زكريا ودنيا هشام للنشرة العربية – تحرير سلمى نجم)