تأليف من ماجي ميشيل
الجمعة 29 / 12 / 2023
أناس يفرون من أعمال العنف الي يشهدها غرب دارفور خلال عبورهم الحدود وصولا إلى تشاد في الرابع من أغسطس آب 3023. تصوير: زهرة بن سمرة – رويترز. © Thomson Reuters
على الحدود التشادية السودانية (رويترز) – حدد ناجون ستة من قادة القوات شبه العسكرية العربية وقادة الميليشيات الذين يقولون إنهم لعبوا دورا رئيسيا في توجيه أعمال العنف على أساس عرقي بمدينة الجنينة السودانية والتي أدت إلى مقتل الآلاف وإجبار مئات الآلاف على الفرار من البلاد.
أفاد أكثر من 20 ناجيا من الهجمات يعيشون الآن في مخيمات اللاجئين على حدود تشاد مع السودان بأن القادة العسكريين وقادة الميليشيات وجهوا قواتهم بقصف مخيمات النازحين والمناطق المكتظة بالسكان في المدينة بصواريخ وقذائف المورتر، وشوهدوا وهم يصدرون الأوامر لقواتهم مع بدء الهجمات.
استهدف العنف في جانب كبير منه قبيلة المساليت المنحدرة من أصول أفريقية والتي كانت تشكل الأغلبية في الجنينة إلى أن أجبرت الهجمات سكان المدينة على النزوح الجماعي. وتجددت أعمال العنف في أوائل نوفمبر تشرين الثاني بعد أن بدأت في أواخر أبريل نيسان وبلغت ذروتها في يونيو حزيران.
ومن بين القادة الذين حددهم الناجون أعضاء بقوات الدعم السريع التي يهيمن عليها العرب، وهي قوة شبه عسكرية لها اليد العليا في حرب آخذة في الاتساع مع القوات المسلحة السودانية للسيطرة على البلاد. ومن بين الآخرين قادة ميليشيات عربية متحالفة مع قوات الدعم السريع.
وقد شاركت هذه الميليشيات في جولات عدة من العنف العرقي ضد المساليت وغيرها من القبائل الأفريقية على مدى العقدين الماضيين. وخلصت الولايات المتحدة هذا الشهر إلى أن قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها ارتكبت جرائم ضد الإنسانية ونفذت عمليات تطهير عرقي.
وفي مئات المقابلات مع رويترز منذ بدء حملة “تطهير” المساليت في أبريل نيسان، وصف ناجون مشاهد مروعة لإراقة الدماء في الجنينة وعلى الطريق الذي طوله 30 كيلومترا من المدينة إلى الحدود مع تشاد مع فرار الناس للنجاة بحياتهم. وقال الناجون إن الهجمات التي شنتها قوات الدعم السريع والميليشيات العربية المتحالفة معها شهدت تعرض نساء لاغتصاب جماعي وأطفال رضع للذبح والضرب بالهراوات حتى الموت ودهس أشخاص بالمركبات وإحراق أناس أحياء في منازلهم واصطاد القناصة آخرين في الشوارع بالرصاص واحدا تلو الآخر.
ومن بين قادة قوات الدعم السريع الذين حددهم الناجون اللواء عبد الرحمن جمعة قائد قوات الدعم السريع في ولاية غرب دارفور وعاصمتها الجنينة. وذكر خمسة شهود في المدينة أن جمعة كان موجودا في موقع الهجمات على المدنيين المساليت بين أبريل نيسان ويونيو حزيران. وعلى نحو منفصل، قالت الحكومة الأمريكية في سبتمبر أيلول إن القوات التي كانت تحت قيادته متورطة في مقتل والي المنطقة، وهو سياسي من المساليت، في منتصف يونيو حزيران، وهي تهمة نفاها جمعة.
وحدد الناجون العديد من الشخصيات الرئيسية الأخرى التي قادت عمليات قوات الدعم السريع والميليشيات في المدينة، وهم العميد إدريس حسن القائد السابق لقوات الدعم السريع في غرب دارفور وهو حاليا ضابط كبير في القوة شبه العسكرية، ومسار أصيل أحد كبار زعماء القبائل العربية، ونائب الوالي القتيل التجاني كرشوم، وأحد قادة الميليشيا العربية موسى انقر، فضلا عن أحد رجال الميليشيات المعروف باسم مرفعين، وهو اسم حركي يعني في السودان “الضبع”.
وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان قال لمجلس الأمن الدولي في يوليو تموز إن مكتبه بدأ التحقيق في الفظائع المزعومة في دارفور، ومنها العنف الجنسي والجرائم ضد الأطفال.
قال شخص مطلع على التحقيق إن المحكمة الجنائية الدولية تستجوب ثلاثة ممن حددهم الناجون في هذا التقرير، وهم جمعة وكرشوم وأصيل. وقال الشخص الذي تحدث شريطة عدم كشف هويته بسبب حساسية الأمر إن الرجال الثلاثة تثور بحقهم مزاعم انتهاكات مما يعني أن محققي المحكمة الجنائية الدولية لديهم معلومات تشير إلى تورطهم في جرائم. وقال هذا الشخص إن هذا لا يعني أن الثلاثة سيُحاكمون في نهاية المطاف.
ولم تتمكن رويترز من التأكد بشكل مستقل من جميع الروايات المتعلقة بالأدوار التي لعبتها قوات الدعم السريع وقادة الميليشيات العربية في أعمال العنف. لكن الشهود كانوا متسقين في وصف أنماط العنف وتسلسل الأحداث في الهجوم على المدينة. وفي بعض الحالات، قدم العديد من الأشخاص تفاصيل متماثلة عن القادة الذين حددوهم، مثل نوع السيارة التي سافروا بها أو زيهم أو أنواع الأسلحة التي تحملها قواتهم أو المناطق التي رُصدوا فيها.
ولا تنشر رويترز الأسماء الكاملة للناجين الذين أجرت معهم مقابلات في هذا التقرير لحمايتهم من الانتقام المحتمل. ويسهل اختراق الحدود التشادية السودانية، ويقول اللاجئون إنهم رأوا أعضاء من قوات الدعم السريع في الأسواق على الجانب التشادي من الحدود في الأشهر القليلة الماضية.
وتشير شهادات الناجين التي جمعتها رويترز منذ بدء حملة تطهير المساليت هذا العام إلى أنها كانت ممنهجة ومنسقة. وقد استُهدف ذكور المساليت، من الرضع إلى البالغين، بالقتل في هذه الهجمات. أما الناشطات في مجال حقوق الإنسان بالمدينة فتعرضن للمطاردة والاغتصاب. وتعرضت المناطق التي تسكنها أغلبية من المساليت ومخيمات اللاجئين للقصف.
وفرضت الولايات المتحدة في سبتمبر أيلول عقوبات على نائب قائد قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو “لعلاقته بانتهاكات قوات الدعم السريع بحق المدنيين في السودان، بما في ذلك العنف الجنسي المرتبط بالنزاع والقتل على أساس العرق”. ونفى دقلو هذه الاتهامات، وهو شقيق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي. ولم تُفرض عقوبات على حميدتي.
اندلع الصراع في دارفور بعد أيام من اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، اللذين اختلفا بشأن خطة لدمج قواتهما في إطار التحول إلى الديمقراطية. وتشير مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين إلى أن أكثر من سبعة ملايين شخص فروا من منازلهم منذ بدء الحرب.
وفي دارفور، أجج التنافس على الأرض والمياه الصراع بين القبائل العربية وغير العربية على مدى سنوات. ففي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تمرد المساليت وغيرهم من غير العرب بعد تعرضهم لهجمات متكررة من القوات العربية. وسلَحت حكومة الرئيس عمر البشير ميليشيات عربية تُعرف باسم الجنجويد للمساعدة في سحق الانتفاضة.
وخرجت قوات الدعم السريع من رحم الجنجويد. وإلى جانب الجنجويد، تستمد القوات زعماءها والعديد من مقاتليها من قبيلة الرزيقات، إحدى أكبر القبائل العربية في دارفور. وقائد قوات الدعم السريع حميدتي من قبيلة الرزيقات. وقال إن العنف الذي وقع هذا العام في دارفور هو نتيجة صراع قبلي وإن قواته ليس لها دور في ذلك.
ويتهم زعماء المساليت القوات العربية بطردهم تدريجيا من أراضيهم. ويقولون إن قوات الدعم السريع تحاول الآن إنهاء المهمة وطردهم بالكامل.
ومن بين الشخصيات العربية الأكثر نفوذا التي ذكرها الشهود هو أصيل، زعيم قبيلة الرزيقات. وحدد ثلاثة شهود أنه أحد قادة الميليشيات العربية الذين قادوا الهجمات. وقال أحد زعماء قبيلة المساليت في الجنينة إنه رأى أصيل في حي يُدعى دونكي 13 في منتصف يونيو حزيران، وهو على متن سيارة لاند كروزر ويتفقد مواقع المقاتلين العرب.
وفي مقابلة مع رويترز في سبتمبر أيلول، حمَل أصيل المساليت مسؤولية اندلاع أعمال العنف وقال إن القوات العربية كانت ترد على هجمات القبيلة. وقال إن الروايات التي قدمها المساليت “أكاذيب فارغة”.
ونفى أصيل أن يكون قائد ميليشيا، وقال إنه لا علاقة له بقوات الدعم السريع. وأضاف “أنا بريء”.
ولم يرد أصيل على أسئلة تخص هذا التقرير.
وبعد أسابيع من الجولة الثانية من عمليات التطهير ضد المساليت في أوائل نوفمبر تشرين الثاني، نشرت إحدى قنوات التواصل الاجتماعي الرسمية لقوات الدعم السريع تسجيلا مصورا ظهر فيه أصيل ومعه جمعة وكرشوم نائب الوالي، وهم يتحدثون في فعالية في الجنينة وصفت بأنها “مهرجان للتعايش السلمي”.
وقال أصيل للحشد إن القبائل العربية “لا تضمر عداء” للمساليت. وأعلن في المقطع المصور الذي رصده مشروع “شاهد السودان” التابع لمركز الصمود المعلوماتي، “ننسى الماضي ونفتح صفحة جديدة معكم”.
وكان لدى كرشوم رسالة مماثلة. فقد قال “لقد انتهت الحرب… الآن نحن بحاجة إلى السلام المجتمعي والتعايش”.
* عبد الرحمن جمعة قائد قوات الدعم السريع في غرب دارفور
جمعة هو أرفع قائد قال شهود لرويترز إن له صلة بالهجمات في الجنينة. وقال خمسة منهم إنهم رأوه مع قواته، وهو يصدر تعليمات، في أوقات وأماكن مختلفة في أثناء الهجوم على المساليت بين أبريل نيسان ويونيو حزيران.
وبدأت الهجمات التي قادتها قوات الدعم السريع في أواخر أبريل نيسان بقصف أحياء المساليت. وأفاد الشهود الخمسة بأن قوات الدعم السريع بقيادة جمعة توغلت باتجاه حي المدارس بالمدينة.
ولجأ آلاف المساليت إلى المنطقة المجاورة لمكتب الوالي، وتجمع مقاتلو القبيلة هناك استعدادا للمواجهة. وذكر العديد من الناجين أن القوات التي تقودها قوات الدعم السريع قصفت حي المدارس من مواقع محيطة به.
واستضافت الجنينة العشرات من مخيمات النازحين التي كان يغلب عليهم المساليت الذين طُردوا من ديارهم في أعمال عنف سابقة. وتعرضت هذه المخيمات أيضا للقصف. وأفاد ثلاثة شهود وأظهرت مراجعة لصور الأقمار الاصطناعية لهذه المناطق أن عددا من المعسكرات سُوّيَ بالأرض. وقال اثنان من الشهود إنهما شاهدا مخيمات مدمرة لدى عودتهما إلى الجنينة، بعد فرارهما إلى تشاد للبحث عن أقاربهما المفقودين. وقال عدد من الناجين إن الجرافات استُخدمت لهدم ما تبقى من أكواخ.
وقال شرطي سابق يعيش في مخيم النازحين في الحُجَاج، بالقرب من مقر قوات الدعم السريع في المدينة، إنه التقى بجمعة ثلاث مرات في أواخر أبريل نيسان بعد قليل من بدء الهجوم على المدينة. وبعد دخول المعسكر بقواته، أصدر جمعة أوامره بقصف المنطقة. وقال الرجل “كنت أراه يشير في اتجاهات مختلفة للقصف”.
وقال الشرطي السابق إنه ورجالا آخرين في المخيم حملوا السلاح للدفاع عن أسرهم. وأضاف “لم يكن لدينا مكان نذهب إليه. لقد كنا محاصرين”. وفر فيما بعد إلى تشاد.
وأظهرت صورة التُقطت بالأقمار الاصطناعية في 21 يونيو حزيران، بعد أيام قليلة من انتهاء أعمال العنف، أن معظم مخيم الحُجًاج قد دُمّر.
وقال رجلان آخران من المساليت حملا السلاح ضد قوات الدعم السريع إنهما شاهدا جمعة في جزء آخر من المدينة في منتصف مايو أيار. وكان في منطقة الجمارك بغرب الجنينة، حيث يوجد مقر قوات الدعم السريع. وقال كلاهما إن جمعة كان يخبر قواته بالمكان الذي يجب أن تستهدفه في أثناء قصفها حي المدارس القريب من مجمع الوالي.
وقال عبد الجليل، وهو أحد مقاتلي المساليت ويبلغ من العمر 37 عاما، إنه شاهد جمعة أربع مرات في مايو أيار وهو يرتدي الزي العسكري والقبعة الحمراء لقوات الدعم السريع. وقال عبد الجليل إن جمعة كان في إحدى المرات يمر في موكب من المركبات المزودة بمدافع مضادة للطائرات بالقرب من مقر قوات الدعم السريع. وأضاف أنه “كان يشرف على الهجوم، لكنه لا يشارك في القتال”.
وفي الشهر التالي، وتحديدا في 14 يونيو حزيران، قال ناشط من المساليت لشؤون النازحين إنه رأى جمعة يرتدي الزي العسكري ويحمل بندقية هجومية. وأضاف الناشط أنه كان يعطي الأوامر لمجموعة كبيرة من مقاتلي الدعم السريع لاستهداف حي المدارس بقذائف المورتر والآر.بي جي. وقال العديد من الناجين ممن كانوا في الحي إن قذائف المورتر انهمرت على الأشخاص الذين كانوا يحتمون في المنطقة ذلك اليوم.
وفي اليوم نفسه، استنكر والي غرب دارفور خميس أبكر، وهو من المساليت، علنا تصرفات قوات الدعم السريع في المدينة، واتهم القوات شبه العسكرية بارتكاب إبادة جماعية. وذكرت رويترز في ذلك الوقت أن قوات من الدعم السريع قتلته في اليوم ذاته. وأظهرت لقطات نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي اقتياد أبكر إلى مكتب جمعة في مقر قوات الدعم السريع بالمدينة. وفي وقت لاحق، ظهرت أيضا صور على وسائل التواصل الاجتماعي لجثته وقد شُوهت.
وفي سبتمبر أيلول، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن جمعة كان يقود الرجال الذين قتلوا الوالي وأعلنت فرض عقوبات عليه. وفي رسالة صوتية نُشرت على صفحة قوات الدعم السريع على وسائل التواصل الاجتماعي، قال جمعة إن حشدا غاضبا قتل الوالي في أثناء محاولته الهروب إلى تشاد. وأضاف جمعة أنه حاول مساعدة الوالي من خلال ترتيب نقله إلى تشاد.
ولم يرد جمعة على الأسئلة المتعلقة بهذا التقرير التي أرسلت إليه عبر مراسلون بلا حدود. ونفى تورط القوات شبه العسكرية في إراقة الدماء في الجنينة.
واندلع العنف من جديد في أوائل نوفمبر تشرين الثاني. وقال عشرات الناجين إن القوات العربية اعتقلت المئات من رجال المساليت. وأفاد ما لا يقل عن 30 شاهدا بأن بعض هؤلاء الأسرى أُعدموا في منطقة أردمتا النائية بالجنينة.
وبعد أن اجتاحت قوات الدعم السريع قاعدة الجيش السوداني في الجنينة في أوائل نوفمبر تشرين الثاني، ظهر جمعة في مقطع مصور نُشر على إحدى قنوات التواصل الاجتماعي التابعة لقوات الدعم السريع وهو يخاطب قواته خارج القاعدة ويشيد بقائد القوة شبه العسكرية حميدتي. وقال عشرات الشهود لرويترز في ذلك الوقت إن قوات الدعم السريع والميليشيات العربية تنفذ حملة قتل في أردمتا، وهي المنطقة التي تقع فيها قاعدة الجيش. واستُهدف رجال المساليت على وجه الخصوص. وقال الاتحاد الأوروبي إن أكثر من 1000 من المساليت قتلوا في الهجوم.
* إدريس حسن العميد بقوات الدعم السريع
كما شوهد في الهجمات إدريس حسن، العميد بقوات الدعم السريع والمنتمي لقبيلة الرزيقات. وكان حسن ضمن القوات العربية التي استخدمها الرئيس السابق عمر البشير لسحق تمرد القبائل غير العربية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وتتهم المحكمة الجنائية الدولية البشير بالإبادة الجماعية بسبب دوره في أعمال العنف.
وقال ثلاثة شهود إنهم رأوا حسن في مايو أيار يوجه قوات الدعم السريع التي كانت تهاجم المناطق المدنية التي كان يغلب المساليت على سكانها.
وقال أحد أفراد قبيلة المساليت ويدعى الطيب ويبلغ (34 عاما)، وكان قد حمل السلاح عند بدء القتال، إنه رأى حسن في حي الجبل بالمدينة في منتصف مايو أيار. ووصل حسن في سيارة لاند كروزر بيضاء مغطاة بالطين ومزودة بمدفع مضاد للطائرات. وقال الطيب “كان يشرف على القوات” التي قصفت المنطقة.
وذكر محمد، وهو عامل بناء، أنه كان يؤدي عملا في منزل حسن قبل بضع سنوات. وقال إنه كان في مخيم أبو زور للنازحين بالمدينة في أواخر مايو أيار عندما رأى حسن وهو يقود قوة كبيرة اقتحمت المخيم. ووصل حسن، الذي كان يرتدي زي قوات الدعم السريع ويعتمر عمامة عربية تقليدية، في موكب من سيارات اللاند كروزر المغطاة بالطين. وقال محمد إنه أُصيب في ذراعه بشظية في أثناء الهجوم وفر فيما بعد إلى تشاد.
وقال طبيب من المساليت يبلغ من العمر 39 عاما لرويترز إنه رأى حسن في أواخر مايو أيار يقود قافلة مكونة من نحو 30 شاحنة صغيرة مزودة بمدافع مضادة للطائرات متجهة إلى حي الثورة الذي يسكنه المساليت بجنوب الجنينة.
ولم يرد حسن على أسئلة رويترز التي أرسلتها إليه عبر مراسلون بلا حدود.
* التجاني كرشوم، نائب والي غرب دارفور
أصبح كرشوم نائبا لوالي غرب دارفور في 2022. وقال أربعة أشخاص إنهم رأوا كرشوم، وهو شخصية معروفة محليا، مع رجال الميليشيات بينما كانت القوات العربية تتحرك عبر المدينة في أثناء الهجمات.
وقال يونس، وهو من سكان المساليت يبلغ من العمر 43 عاما، إنه التقى بكرشوم في السادس من مايو أيار. وكان كرشوم يقود سيارة أمام شاحنة صغيرة تحمل نحو 12 من رجال الميليشيات العربية، توقفت أمام منزل يونس في حي الجمارك غرب المدينة قرب مقر قوات الدعم السريع. وقال يونس إن أربعة من رجال الميليشيا اقتحموا منزله واستجوبوه تحت تهديد السلاح بشأن انتمائه القبلي وما إذا كان جنديا. وقال لهم “قلت إنني لست من المساليت”.
وأضاف أن الرجال فتشوا المنزل وأخذوا جميع الهواتف المحمولة، وهو ما أورده عشرات الشهود الآخرين الذين قالوا لرويترز إن رجال الميليشيات استولوا على هواتفهم المحمولة. ويتذكر يونس أن الرجال غادروا بعد ذلك وبدأوا في نهب منزل الجيران.
وبعد أيام، قال يعقوب، وهو مدني من المساليت يبلغ من العمر 20 عاما حمل السلاح للدفاع عن عائلته، إنه رأى كرشوم في سيارة لاند كروزر يقود هجوما على حي الجبل في جنوب المدينة. وأضاف أن كرشوم كان مع حسن من قوات الدعم السريع في أثناء الهجوم.
وقال يعقوب “كان المقاتلون يصرخون: أيها النوبة، سنقتلكم”، مكررا مصطلحا تستخدمه القبائل العربية في دارفور ويعني العبيد.
وقال عدة شهود لرويترز إن قوات الدعم السريع والميليشيات العربية استخدمت الموقع المرتفع في حي الجبل لقصف مخيمات النازحين والأحياء التي يسكنها المساليت.
وقال شخصان إنهما شاهدا كرشوم يصدر أوامر في مخيم أبو زور للنازحين وفي المدارس.
وقال أخصائي اجتماعي يدعى محمد إنه رأى كرشوم في 20 مايو أيار بينما كان يحتمي من قصف قوات الدعم السريع لمخيم أبو زور، حيث كان يعيش والده. وأضاف أنه كان يرى ويسمع من خلف الجدار الذي كان يحتمي به كرشوم وهو يوجه نيران المدفعية نحو مكتب الوالي ويخبر قواته أنهم “يقتربون”. وأشار محمد إلى إن دخانا كثيفا ناجما عن القصف كان بمثابة غطاء له، إذ لم يكن هناك شيء يفصله عن كرشوم سوى الجدار. وقال إن كرشوم كان يرتدي زيا أخضر زيتوني.
وقال شريف، وهو رجل من المساليت يبلغ من العمر 40 عاما، إنه رأى كرشوم في يونيو حزيران في حي المدارس، وسمعه يأمر القوات بتوجيه نيرانها إلى مكتب الوالي. وفي ذلك الشهر، ذكر شريف أنه رأى كرشوم مرتين على متن سيارة لاند كروزر سوداء ويدير الهجمات على مخيمات النازحين.
وأضاف شريف إن “القذائف قضت على أُسر بأكملها” في الهجوم على المخيم. وقال إنه دفن عشرات الأشخاص الذين قُتلوا في مقبرة الغابات بالمدينة يوم 13 يونيو حزيران . وأضاف أن قوات الدعم السريع قتلت أربعة من أبناء عمومته في المدينة.
وقال الشرطي السابق الذي هرب إلى تشاد إنه التقى بكرشوم في أثناء فراره من الجنينة صباح 15 يونيو حزيران مع آلاف المساليت الآخرين. وكان نائب الوالي برفقة رجال مسلحين يرتدون زي قوات الدعم السريع والملابس العربية التقليدية، ويستقلون ثلاث سيارات لاند كروزر مزودة بمدافع رشاشة. وقال الشرطي السابق إن كرشوم كان يحشد رجال الميليشيات.
وقال ناجون آخرون لرويترز إن قوات الدعم السريع والميليشيات العربية هاجمت الناس بشكل متكرر على الطريق من الجنينة إلى تشاد. وأضافوا أن رجالا من المساليت تعرضوا لإطلاق النار واغتُصبت نساء في نقاط مختلفة على امتداد الطريق.
وكان كرشوم قال في مقابلة مع رويترز في أكتوبر تشرين الأول إنه يؤيد إجراء “تحقيق مستقل” في أعمال العنف في الجنينة. وأضاف أنه حاول التوسط بين الزعماء العرب وغير العرب في المدينة قبل أن تمتد الحرب من الخرطوم إلى الجنينة في محاولة لمنع العنف.
ولم يرد كرشوم على أسئلة عن روايات الشهود عن دوره في القتال.
* موسى انقر، قائد ميليشيا
انقر هو قائد الجبهة الثالثة-تمازج، وهي ميليشيا يهيمن عليها العرب متحالفة مع قوات الدعم السريع وبرزت كقوة في أعمال العنف الأخيرة في غرب دارفور.
ووصف ستة أشخاص من الجنينة رؤية مقاتلين من الجبهة الثالثة-تمازج يشنون هجمات إلى جانب قوات الدعم السريع في المدينة هذا العام. وأعلنت المجموعة في أغسطس آب رسميا عن تحالفها مع قوات الدعم السريع.
وفي 2021، اتهم النائب العام السوداني انقر وأكثر من 30 آخرين بالقتل والتخريب والنهب فيما يتعلق بالهجمات على مخيم للنازحين على مشارف الجنينة، وفق مدع وأربعة محامين مطلعين على القضية. وقُتل عشرات الأشخاص في الهجمات التي وقعت أواخر 2019. وقال النائب العام السوداني لرويترز إن إجراءات المحكمة ضد انقر وآخرين تعطلت بعد أن استولى الجيش السوداني وقوات الدعم السريع معا على السلطة في انقلاب 2021.
وقال ثلاثة أشخاص إنهم شهدوا انقر يوجه القوات خلال هجمات الجنينة هذا العام.
وقال فيصل (26 عاما)، وهو صاحب متجر من المساليت حمل السلاح للدفاع عن أسرته، إنه رأى انقر في 13 مايو أيار يقود قافلة من سيارات اللاند كروزر تحمل رجال ميليشيا في حي المدارس. وأضاف فيصل إنه ينحدر من منطقة انقر نفسها وتعرف على وجه القائد المعروف. وكان يراقب من نافذة في مبنى مطل على شارع ضيق مرور موكب انقر عندما سمعه يأمر رجاله “بالتقدم للأمام”.
وقال طبيب يبلغ من العمر 39 عاما إنه شاهد انقر بصحبة رجال الميليشيات عند نقاط تفتيش مختلفة في المدينة في أثناء سفره لعلاج مرضى. وأقامت قوات الدعم السريع والميليشيات العربية طوال فترة الهجمات نقاط تفتيش في الجنينة للسيطرة على حركة الناس.
وقال الرجل الثالث، وهو مدني تحول إلى مقاتل، إنه رأى انقر في 16 يونيو حزيران مع رجال الميليشيات في منشأة أمنية غرب الجنينة، حيث تجمع السكان الذين يحاولون الفرار من المدينة.
ولم يرد انقر على أسئلة رويترز. ورفض متحدث باسم تمازج التعليق.
* مرفعين، رجل الميليشيا
يعرف رجل الميليشيا محليا باسمه الحركي “مرفعين”، والذي يعني “الضبع” باللغة السودانية الدارجة.
ووصف أربعة شهود رؤية مرفعين في أثناء القتال في الجزء الشرقي من الجنينة.
وقال رجل من المساليت يُدعى جمال إنه التقى بمرفعين في أثناء التسوق لشراء الطعام في سوق العرديبة شمال شرق الجنينة في أواخر مايو أيار. وواجه مرفعين ورجال الميليشيات تحت قيادته جمال ورفاقه وبدأوا في استجوابهم بشأن عدة أفراد، بمن فيهم محام من المساليت.
وقال جمال “لقد جعلونا نستلقي على الأرض، وطرحوا علينا الكثير من الأسئلة”. وأضاف أنه عندما نفى هو ورفاقه معرفتهم بالأشخاص، شرع رجال الميليشيا في ضربهم على أقدامهم، قبل إطلاق سراحهم فيما بعد.
ولم تتمكن رويترز من الاتصال بمرفعين للرد على هذه المزاعم.
وقال عامل إغاثة يعمل مع وكالة إنسانية دولية إنه صادف مرفعين في سوق العرديبة في الوقت نفسه تقريبا في أواخر مايو أيار. وكان عامل الإغاثة ينتقل من منطقة إلى أخرى في أثناء محاولته الهروب من هجمات قوات الدعم السريع المتصاعدة. وقال إنه شاهد مرفعين غداة انتقاله إلى منزل على حافة السوق.
وقال عامل الإغاثة إنه استطاع من خلال ثقب في الباب رؤية مرفعين يقود مجموعة من تسعة رجال مسلحين. وأضاف أن الرجال كانوا في سيارة لاند كروزر عليها مدفع مضاد للطائرات وكانوا يطلقون النار عشوائيا على الناس.
وكان الناس في الشوارع يصرخون “مرفعين.. مرفعين” في أثناء فرارهم.
وقال عامل الإغاثة إن شخصين سقطا على الأرض خلال الهجوم، بينما فر الباقون. ثم نهب رجال الميليشيات بعض المتاجر، واستولوا على اللحوم من محل الجزارة والنقود من بائعي الخضراوات.
وأضاف عامل الإغاثة عن مرفعين: “لقد رأيته بأم عيني”.
(تحليل بيانات رايان مكنيل. شارك في التغطية نفيسة الطاهر ودينيز أويار – إعداد علي خفاجي للنشرة العربية – تحرير محمد محمدين)