رجاء الناصر ـ مخلص الصيادي
مايو 13, 2023
نظرة تحليلية … مأزق الأيدولوجيا وامتحان السلطة 7 / 8
الطريق الى السلطة: علاقة الحزب بالقوات المسلحة، ودور العسكر في حركة الحزب.
تحت هذا العنوان نحاول التعرف على علاقة الحزب بالقوات المسلحة، ودور العسكر في حركة الحزب.
في رده على سؤال حول علاقة الحزب بالجيش يقول الأستاذ صلاح البيطار*:
” بالنسبة لموضوع غلاقة الحزب بالجيش، هذا الموضوع ليس أمرا مصطنعا نحسمه نظريا، موضوع جرى في السياق التاريخي لاستقلال سوريا، في اقطار العربية وخصوصا في سوريا، تحت قيادة الفرنسيين، لم يكن الجيش وطنيا، ولكن كان فيه ضباط وطنيون، في سنوة 1944 ـ 1945، كانت هناك مفاوضات لاستلام الجيش الحكم الوطني، وكان الفرنسيون يرفضون ذلك، ثم جرى اتصال بين الأحزاب، وبين ضباط الجيش، ومنها حزب البعث، من أجل أن يتركوا الجيش ليكونوا قادة الجيش الوطني، وهكذا حدث، إلى أن سلم الفرنسيون الجيش ثم رحلوا.
بعد الاستقلال دخل كثير من الحزبيين والبعثيين في الكلية العسكرية، وهم فكوا ارتباطهم التنظيمي بالحزب وفقا لقانون الجيش، إلا أنهم ظلوا على اتصال برفاقهم
الحزبيين في الجامعة، طبعا لم يحدث تثقيف سياسي لهم، لقد استندت الانقلابات، ولا سيما الانقلاب الأول الذي قام به حسني الزعيم في 30 مارس/ آذار 1949، على هؤلاء الضباط الشباب الوطنيين، ثم أصبح للضباط وجود سياسي في مؤسساتهم.
إذا هناك ظروف موضوعية جعلت علاقة الحزب بالجيش وطيدة، إنما في الفترة 1954 ـ 1958، استطاع الحزب أن يردع الضباط الموالين له عن القيام بانقلاب كان على وشك الحدوث، وهو درس أخذه الحزب من التجارب السابقة”.
هذه الإجابة تكشف الظروف الموضوعية التي جعلت للجيش علاقة مباشرة ودور في الحياة السياسية السورية، ـ إذا وضعنا في الاعتبار الظروف العربية والإقليمية التي مرت على سوريا ـ وقد كان البعث جزءا من هذه الحياة، لكنها لا تكشف عن جواب السؤال الأساسي عن علاقة الحزب بالجيش؟، إنه سؤال الاتجاه العكسي، وهو سؤال لا نجد الإجابة عليه إلا في البحث في أصول رؤية الحزب لدوره، وفي السبل التي انتهجها للقيام بهذا الدور. وهو ما يستدعي منا أن نعود إلى تلك المرحلة التي بدأ فيها البعث العربي يبحث عن سبل زيادة فاعليته، وأول ما نواجهه في هذه المرحلة هو اندماجه مع الحزب العربي الاشتراكي في العام 1952:
1ـ ندوة القومية العربية في الفكر والممارسة ص 412 مرجع سابق
*فحزب البعث* ” تيار فكر، ومفكرين بدون جنود، والحزب العربي الاشتراكي تيار سياسي منظم.
*والعسكريون البعثيون والاشتراكيون** ” مارسوا ضغطا قويا جدا باتجاه دمج الحزبين”
وعلى رأس الحزب العربي الاشتراكي يقف السيد أكرم الحوراني، وهو المشهود له بدوره في كل الانقلابات العسكرية في سوريا، وبعلاقاته الوثيقة في الجيش، فقد *** “كان أكرم الحوراني الزعيم الحموي أحد الأوائل ممن عرفوا كم هي قوية مجموعة الضباط الواعين سياسيا، وكم هي خصبة ـ أرضا ـ طلبة الكلية العسكرية بما قدمته لمبادئه”، وقد أصبح الحوراني أحد قادة حزب البعث العربي الاشتراكي بعد الدمج، وأكثرهم حركية، وقدرة على تجميع كافة الخيوط بيده.
إن يد الحوراني ليست بعيدة عن الانقلاب العسكري الأول في سوريا، انقلاب حسني الزعيم، فقد خطط لهذا الانقلاب **** ” اثنان من أكثر مسانديه ـ مساندي الحوراني ـ العسكريين حماسة وهما بهيج الكلاس وأديب الشيشكلي، ولم يغب طيف الحوراني
عن انقلاب الحناوي الذي جرى في 14 آب / أغسطس 1949، وكان قريبا من انقلاب أديب الشيشكلي الأول في 19 / 12 / 1949، وتسلم في حكومته التي تراسها خالد العظم وزارة الدفاع، وكان شريكا في انقلاب الشيشكلي الثاني 29 / 10 / 1951، الذي انفرد فيه بالسلطة.
ونحن إذ نشير الى هذا الدور للحوراني فحتى ندرك ماذا أضاف اندماج الحزب العربي الاشتراكي مع حزب البعث العربي على جبهة الفاعلية العسكرية.
لقد كان الحوراني في تلك أليام يسمى “ثعلب سوريا”، ومع عملية الدمج لم يتغير الوضع، بل زاد فعالية، وتأثيرا، فقد انضمت قوة الحوراني العسكرية، إلى قوة البعث العسكرية، وأصبح الحديث عن كتلة ” حزب البعث العربي الاشتراكي العسكرية”، يتناول قوة عسكرية حقيقية.
*ـ **: الدندشلي، مرجع سابق ص160
*** : باتريك سيل: الصراع على سوريا ص61، دار الكلمة 1980
**** ـ المرجع السابق ص 69
أول ممارسة للبعث العسكري كانت محاولة الانقلاب على الشيشكلي، والتي وقف على راسها العقيد عدنان المالكي*، والمقدم عبد الغني قنوت، والنقيب مصطفى حمدون.
وقد كشفت هذه المحاولة وأودع كل من المالكي وقنوت السجن، وغادر** “زعماء البعث الثلاثة: عفلق والبيطار والحوراني، سوريا سرا، ولجأوا إلى لبنان، ومن ثم قرر الثلاثة السفر إلى روما”
ثم قيادتهم الانقلاب الناجح على الشيشكلي حيث انطلقت الشرارة الأولى من حلب بقيادة مصطفى حمدون، واتسعت هذه الشرارة حتى سقط الديكتاتور.
إن البيطار حينما يتحدث عن ردع الحزب للعسكريين عن استلام السلطة عقب الفراغ السياسي الذي رافق خروج الديكتاتور الشيشكلي، والمرحلة التي تلت ذلك، يسند هذا الموقف الى الخبرة المستخلصة من استلام العسكريين للسلطة، في حين يفسر الحوراني ذلك ويرجعه إلى سبب آخر هو” ضعف البنية الداخلية للحزب، ونقص كوادره”، ولعل التفسيرين يصبان في معنى واحد وهو عدم أهلية الحزب للسيطرة على مركز القرار، رغم قدرة الحزبيين العسكريين على تحقيق ذلك.
لقد ساهم عسكريو الحزب جنبا إلى جنب مع التيار القومي والوطني في الجيش في تطوين خلفية السلطة، وفي الإمساك بالقرار السياسي حتى قيام الوحدة، وولادة الجمهورية العربية المتحدة، ، وكلن دور الجيش في هذه المرحلة تعبيرا عن حقائق موضوعية في الحياة السياسية تعكس تحفز البيئة الاجتماعية لتسليم زمام المجتمع إلى طبقة أخرى غير تحالف الإقطاع ورأس المال، وكان جمال عبد الناصر يدرك إدراكا تاما دور العسكريين في الحياة السياسية السورية، وهشاشة وضع الأحزاب فيها، لذلك حين طرحت مسألة الوحدة، جعل همه الأساسي أن يعرف رأي الضباط والكتل العسكرية، وقد وفر عليه هؤلاء الكثير من الجهد حينما قررت اللجنة العسكرية السورية التي كانت مؤلفة من 22 ضابطا يمثلون كتل الجيش الرئيسية أن يسافروا إلى القاهرة، ويعرضوا الوحدة على عبد الناصر، بل ويفرضوها بالشكل التي تمت فيه، ولعل قبوله بالوحدة بدلا من الاتحاد، وإسقاط تحفظاته على المشروع كان نتيجة اندفاع العسكريين السوريين تجاه الوحدة.
*المرجع السابق ص69
** ما من دليل يؤكد أن العقيد المالكي كان بعثيا، ولكنه كان قائدا عسكريا قوميا خلوقا، ومثالا يحتذى، وإذ نشير هنا إلى مساهمات البعث في الانقلابات، فيجب أن تؤخذ هذه في إطار الظرف السياسي الذي كانت تمر به سوريا، والذي كان يحرك العديد جدا من القوى العسكرية. يمكن مرتجعة دور العسكريين في سوريا في تلك المرحلة في كتاب باتريك سيل، ومحمد عبد المولى، وكذلك كتاب جوردن ه نتوري. “العسكريون والسياسة السورية”.
*** الدندشلي، مرجع سابق ص 161
من مراجعة طبيعة تلك المرحلة يتبين أن العنصر الحاسم في عملية الوحدة كان موقف الجماهير، وموقف العسكريين، ولا شك أن موقف حزب البعث كان له تأثير في الموقف العسكري من خلال كتلته العسكرية، وكان له تأثير في الموقف الجماهيري من خلال وجوده الحزبي ، ودعايته ونشاطه، ولكن لم يكن المؤثر الوحيد، ولا الحاسم، ومع ذلك فحينما قامت الوحدة أراد السلطة في سوريا له وحده، ولم يحدث الافتراق بين دولة الوحدة وبين قادة البعث إلا حينما شعروا أن السلطة في سوريا لن تكون لهم وحدهم، ثم اعتبروا هذا الافتراق، افتراقا بين الجماهير ودولة الوحدة، ومن هذا التبرير جاء تأييدهم للانفصال.
لقد كان الحزب ـ كما يؤكد قادته ـ في وضع متهلهل، ضعيف، ومفكك، وصدر قرار حل الحزب، وكان ينقص الحزب: الرؤية الاستراتيجية، والترابط التنظيمي، والتثقيف السياسي، وكان الخلاف في داخله قد وصل إلى أعلى أشكاله، ومع ذلك فإن قادة الحزب اعتبروا قرار حل الحزب دليلا ما بعده دليل على التضحية التي قدموها للوحدة، ثم طالبوا أن يسيطر هذا الحزب ، بهذا الوضع على السلطة السياسية ومؤسساتها، وحينما لم يؤخذ برأيهم في استعمال* ” قوائم الشطب بالنسبة لترشيحات اللجان التنفيذية للاتحاد القومي”، ولما لم يحقق مرشحوهم في هذه الانتخابات تقدما مذكورا، اعتبروا ذلك ** ” إيذانا بالقطيعة الكاملة مع نظام عبد الناصر”.
في عملية الوحدة، وفي لقاء البعث مع عبد الناصر، وفي افتراقه عنه، وفي صراعه معه، تكشف مفهوم البعث ورؤيته للسلطة، وللشعب، وللدور الخاص بالحزب، بشكل عملي، وجاء ذلك انعكاسا واضحا لتلك الرؤية النظرية. لقد طابق قادة الحزب بين: الحزب، والشعب، وبين الحزب وشعبية السلطة، وبين الحزب وحركة الثورة العربية. وخلف هذا الوهم ـ وهم الانفراد بالسلطة ـ وقف قادة الحزب إلى جانب انقلاب 8 آذار / مارس 1963، ووقفوا إلى جانب استخلاص العسكريين البعثيين السلطة لأنفسهم، وضرب القوى الأخرى في سلسلة من المناورات والمجازر، رغم أن هذا الانقلاب لم يحدث بتوجيه من الحزب، ولم يكن تحت سيطرة قيادة الحزب، ولم تكن القيادة المدنية للحزب تعلم أي شيء عن نية عسكرييها أو خططهم.
إن وهم الانفراد بالسلطة إذ كان يسيطر على قيادة الحزب، فإنه عكس نفسه بالطبيعة على قواعد الحزب وكوادره، لكن قيادة الحزب ـ كما رأينا ـ لم تكن تتمتع باي قدر من الاحترام، وعلى وجه التحديد من العسكريين بالذات الذين أبعدوا عن مركز القرار في سوريا إبان الوحدة، وعادو إلى اعتبارهم الأصيل كعسكريين ـ لذلك حين فكر
*محمد عبد المولى: مرجع سابق ص262.
** الدندشلي: مرجع سابق ص230.
هؤلاء بإعادة تنظيم أنفسهم، واستلام السلطة في سوريا، لم يكن في واردهم أن يكون لقيادة الحزب التاريخية، ولا لمؤسسات الحزب الطبيعية أي دور في موقع القرار.
لقد استند الحزب في سوريا بداية على العسكريين في تأكيد دوره، وتأثيره مقابل القوى الأخرى، ودفع هؤلاء تدريجيا ليكونوا أداة الحسم في إطار تربية وفلسفة تبرر لهم ـ كحزبيين ـ أن ينفردوا بالسلطة، ثم حين وعى هؤلاء قدرتهم وتأثيرهم، وتسليم العقل السياسي السوري بدورهم ـ وترافق هذا مع الأوضاع غير السوية في الحزب وقيادته ـ رأوا أن الطريق معبدا أمامهم، فانفردوا بها، ولم يعد أمام الحزب إلا محاولة اللحاق بهم والتعلق بأطراف سلطتهم.
منذ العام 1963، وحتى اليوم تحكم سوريا ” العقلية البعثية”، التي أعادت تنظيم نفسها في القاهرة عام 1960، وأنشأت ما دعته ب “اللجنة العسكرية”، التي وقف على راسها العقداء الثلاثة:” محمد عمران، صلاح جديد، حافظ الأسد”، وحددت هذه اللجنة مهمتها بثلاثة أهداف*:
- منع عملية الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة
- منع استلام المدنيين للسلطة وإبقاءها في يد العسكريين
- انفراد العسكريين البعثيين وعلى وجه التحديد هذه اللجنة بالسلطة في الحزب والدولة.
وقد نجحت اللجنة العسكرية في تحقيق هذه الأهداف بالرغم من التصفيات العديدة التي جرت داخلها، وبالرغم من الظروف الحرجة التي مرت بها سوريا.
إن استخلاص العسكريين البعثيين للسلطة في سوريا، فصل آخر من فصول التربية الحزبية، ومن المفيد أن نتابعه، لنرى بأم أعيننا كيف كانت معالم تلك التربية تعطي كامل أكلها.
عقب الانفصال مباشرة حينما عاد العسكريون السوريون من مصر، بدأت ” اللجنة العسكرية” في التحرك، وفي توسيع نشاطها، وكان همها الأساسي أن تُمَلكَ عيناها قدرة الرؤية لكل شيء على الساحة السورية: رؤية الحزب وتحركاته، رؤية الناصريين ونشاطاتهم، رؤية الانفصاليين وخططهم.
*هذه الأهداف الثلاثة للجنة العسكرية يمكن استخلاصها بيسر من مطالعة ما كتبه سامي الجندي ص85 مرجع السابق، والدندشلي ص327، ص346، مرجع السابق.
وتحقيقا لهذا الهدف انبث العسكريون الحزبيون في كل مكان رغم قلة عددهم، ومحدودية عناصرهم غير المسرحة، ووزعوا الأدوار فيما بينهم، كان منهم من هو – مكلف بالعمل مع التكتلات العسكرية بمختلف توجهاتها، لذلك تواجدوا ضمن الكتل العسكرية الناصرية والانفصالية على السواء، وكان منهم من هو مكلف بالعمل مع التيار القطري لحزب البعث، وآخرون مع التيار الذي تتزعمه القيادة القومية.
في عام 1962 حينما قام الناصريون بمحاولتهم لإسقاط نظام الحكم الانفصالي ليلة الأول من نيسان / ابريل، لعب عسكريو البعث العاملون في إطار هذه اللجنة دور المحبط لهذه الحركة، فقد كان يهمهم أن يبقى الوضع خارج إطار أي قوة مهيمنة، وعلى الأخص خارج إطار الناصريين، حتى يتمكنوا من امتلاك عناصر القوة اللازمة لتحقيق سيطرتهم.
كانوا يعرفون كل شيء عن القوى الأخرى، ولم يكن أحد يعرف عنهم شيئا، وفي الجيش كانت قوتهم تنمو، اعتمدوا كثيرا على ضباط الصف، حيث أوجدوا لأنفسهم قاعدة تحرك وسيطرة، فقد كان شباب الأقليات المذهبية والعرقية يتجهون إلى الجيش منذ فترة الاستقلال الأولى، وقبل ذلك في عهد سيطرة الفرنسيين على الجيش، ولأن سياسة الظلم الاجتماعي كانت محيطة بهذه الأقليات، فإن كثيرا منهم لم يجدوا فرصتهم في دخول الكلية الحربية ـ التي تحتاج إلى شهادة إتمام الدراسة الثانوية ـ فدخلوا مدارس ضباط الصف، وعوضت اللجنة العسكرية بالاعتماد على هؤلاء جزئيا ضعفها وقلة عددها في مستوى الضباط، ويقدم الأستاذ سامي الجندي وصفا دقيقا لمسلك عسكريي الحزب ودورهم فيقول*:
” اتبع البعثيون ـ العسكريون ـ خطة ذكية، فتسربوا إلى كل التنظيمات العسكرية دون استثناء، كانت تصلني قوائم بأسماء الضباط، وتنظيماتهم العسكرية، فلم تمر قائمة إلا فيها عدة بعثيين، ووصلتني قائمة انفصالية فوجدت فيها أسماء بعثية، كانوا بهذه الطريقة مطلعين على كل شيء، يوجهون التنظيمات لمصلحتهم بحذر، ودقة”.
هذا على الجانب العسكري، أما على الجانب المدني فإن الدندشلي يكمل رسم الصورة** :” وبالإضافة إلى هذا كله، فهم لم يهملوا أبدا اتجاهات البعث المختلفة، بغض عن أي اعتبار، ومن أجل تحقيق هذا الهدف، وزعت الأدوار على الضباط البعثيين كل حسب علاقاته الشخصية أو السياسية:
* سامي الجندي ـ مرجع سابق ص97
** الدندشلي: مرجع سابق ص 327
- عبد الكريم الجندي اتصل بحركة الوحدويين الاشتراكيين، عن طريق ابن عمه سامي الجندي.
- أحمد المير ومزهر هنيدي اتصلا بالقيادة القطرية عن طريق رياض المالكي وبالقطريين
- محمد عمران وسليم حاطوم بقيادة تيار القيادة القومية.
- حافظ الأسد وكذلك محمد عمران بالناصريين، وبعض المسؤولين في سفارة الجمهورية العربية المتحدة في بيروت.
- وكذلك كان هناك اتصال مستمر بجماعة أكرم الحوراني.
وحينما خططوا لانقلاب 8 آذار / مارس 1963 لم يكن الحزب، ولا قيادته على علم بذلك، وينقل الدندشلي عن منيف الرزاز الأمين العام للحزب عام 1965 هذه الحقيقة مؤكدا أن هذه الحركة العسكرية دعت الحزب بعد ذلك لتبوء الحكم.
ويبدو أن معرفتهم الكاملة بمحاولة الناصريين الانقلاب على سلطة البعث في 18 تموز / يوليو 1963، ـ بعد فشكل محادثات الوحدة الثلاثية ـ كانت نتيجة من نتائج دسهم العسكريين في كل التكتلات، إذ اتضح من التحقيقات أن ضابطا تابعا لهم كان من ضمن قيادة هذه الحركة، وأنه هو الذي أعطى تفاصيلها للسلطات العسكرية البعثية.
في أول مؤتمر حزبي قومي يتمثل فيه العسكريون، دخل هؤلاء كتلة واحدة إلى المؤتمر، حيث كانت كل الأمور تناقش في اجتماعات خاصة لهم خارج المؤتمر، أما داخله فإنهم يد واحدة، لم يشتركوا في المناقشات، كانوا كأنهم في موقع المراقب، فقط أثناء التصويت تبرز وحدة موقفهم.
لقد تحاف العسكريون مع جميع التيارات في الحزب، بهدف إخضاع جميع التيارات لهم، ووصل بهم الأمر إلى دعم ومساندة الدكتور ” منيف الرزاز” لمنصب الأمين العام بهدف إبعاد مؤسس الحزب ميشيل عفلق.
في حزب البعث، كما في سوريا، كان العسكريون هم القابضون على القرار والسلطة السياسية، وإذا كانت الانقلابات ضد السلطة القائمة ـ حين تحاول التمرد على إرادة العسكريين ـ هي طابع السلوك العسكري، فإن الأمر لم يتغير في مواجهة سلطة الحزب.
لقد قام عسكريو الحزب بانقلابهم في اللحظة التي شعروا فيها أن القرار السياسي سوف يهرب من أيديهم، بعد أن بقوا يديرون اللعبة من وراء ستار حتى شباط / فبراير 1966، وإذا كان الدكتور الرزاز الأمين العام للحزب قد حاول تجاوز سلطة العسكر حين أصدر قراراته الهادفة إلى وضع الجيش تحت سيطرة الحزب عقب الدورة الاستثنائية للقيادة القومية المنعقدة ما بين 8 ـ 20 كانون أول / ديسمبر، فإن حركة 23 فبراير 1966 لم تقض على هذه المحاولة فحسب وإنما أعادت تأكيد حقيقة سلطة العسكر، ومكانتها في القرار السياسي. وتكرر الأمر نفسه حين ظن صلاح جديد ـ الذي تفرغ للحزب ـ والقيادة المدنية لحركة 23 / فبراير أن بإمكانهم أن يخضعوا العسكر لهم، ويجعلوا الحزب ـ الذي أعادوا إحكام السيطرة عليه، مركز القرار، فإذا بوزير الدفاع الفريق حافظ الأسد يضع الجميع: قيادة الحزب، والحزب، ومقرراته، ومؤسساته النقابية والشعبية في زاوية النسيان من خلال استيلائه على السلطة في 16 تشرين ثاني / نوفمبر 1970، ولا يعود أمام الحزب والحزبيين إلا أن يلهثوا وراء سلطة العسكر.
إن لعبة العسكر التي برع البعث في استخدامها كان من المحتم أن تنقلب عليه، وأن يفقد أية سلطة في اللحظة التي يصطدم فيها بالمكون العسكري.
لقد اتخذ عسكريو الحزب من القيادة المدنية ستارا لهم، حتى يكسبوا الوقت اللازم للتمكين لأنفسهم، وحين تمكنوا صار أمر الخلاص من هذه القيادة، والقفز مباشرة إلى واجهة السلطة، أمرا ميسورا. لذلك صحيح تمام القول:
إن حزب البعث لم يحكم سوريا وإن ما هو قائم في السلطة من العام 1963 ما هو إلا حكم العسكر،، لكن بشرط أن يكون المقصود أن القيادة التاريخية ومؤسساتها الحزبية المدنية لم تحكم، أما بتجاوز هذا الشرط فإن القول خطأ على إطلاقه، ذلك أن كوادر الحزب بغالبيتها كانت تلتحق مباشرة أو بعد فترة قصيرة بقوة العسكر المنتصرة، وأهم من ذلك أن عسكريي الحزب لم يفعلوا شيئا غير تطبيق مفاهيم الحزب، وقناعاته، وسلوكه، في المجتمع الذي تحكموا فيه، وحكموه، لكن بعد أن أسقطوا من حسابهم قيادته التاريخية، وطعنوا في أهلية مؤسساته المدنية على التقرير
في ثقافتهم: الحزب روح الأمة، ولا يمكن أن تتعايش هذه الروح مع أي روح أخرى، والمجتمع مدعو إلى الدخول في “الحياة البعثية”، ولابد أن يدخلها ولو أصابه الألم والقهر، والبعثيون “رسل هذه الأمة” ومن حق الرسل أن ينفردوا بالقيادة والتوجيه.
لقد عانى المجتمع المحكوم بعثيا كثيرا من هذه الثقافة حتى قبل أن ينفرد العسكريون بالحكم، ومارس الحزب ثقافته هذه في السيطرة على حركة المجتمع فأنشأ ” الحرس القومي”، الذي جعل الوطن كله متهما، وقام بفظاعات واعتداءات على الناس في كل من سوريا والعراق لم يسبق لها مثيل*، ما دفع القيادة العسكرية إلى حله ” في سوريا” أو الانقلاب عليه في العراق بالاتفاق مع “القيادة القومية”** في الإقليمين سوريا والعراق انفرد الحزب بالسلطة، وفي سوريا*** ـ مجال بحثناـ انفرد العسكريون بالحزب، وجُعل الآخرون، كل الآخرين: من ناصريين، أو شيوعيين، أو اتجاه وطني، أو قومي، أمام أحد خيارين لا ثالث لهما:
*يمكن التعرف على بعض أوجه فظاعات الحرس القومي في الفصل الخاص من كتاب ايمن هويدي، كنت سفيرا في العراق، الفصل الخاص بالحرس القومي، وكذلك كتاب سامي الجندي ـ مرجع سابق ص130 وما يليها.
** الدندشلي، مرجع سابق ص368
*** لم يختلف الأمر في العراق كثيرا، فالعسكريون هم الذين أنهوا سلطة البعث المتحررة وتحالفوا مع عبد السلام عارف في انقلاب 18 تشرين ثاني / نوفمبر 1963، ثم انقضوا على حكم عبد الرحمن عارف متحالفين في 17 تموز 1968، واستخلصوها لأنفسهم في 30 تموز من العام نفسه، وقد تلاحم الواجهة المدنية مع القطاع العسكري حتى صارت جزءا منها، والرئيس صدام حسين الذي كان مسؤولا عن كل الأجهزة والنشاطات العسكرية حتى حين أعيد بناء الحزب عقب تصفية عبد السلام عارف لشركائه الحزبيين، قد جعل نفسه جزءا من الجهاز العسكري وأعطى نفسه رتبة عسكرية فيه.
- إما الدوران في فلك سلطة العسكر الحزبية والتبعية لها.
- وإما الدوران بين أقبية المخابرات، وغرف المعتقلات والسجون.
وفي حكم البعث وتحت لواء سلطته، العسكرية والمدنية، فإن المواطن الذي اعتبر في دستور البعث نفسه “مقدسا”، له حقوق لا يجوز المساس بها، لم يهن فقط، وإنما سحق إلى حد لم يسبق له مثيل في تاريخنا المعاصر، ولا حتى قبل ذلك.
إننا ونحن نسلط الأضواء على دور العسكر في الحزب، وقبل ذلك على دور العسكر في الحياة السياسية السورية، لا نتخذ موقف الإدانة أو التحبيذ، وإنما نحاول أن نرى جدل العلاقة بين العسكر والحياة السياسية السورية، ولولا أن الواقع الاجتماعي والسياسي السوري قد فتح الباب واسعا كي يصبح العسكر قوة الحسم في هذه الحياة، لما استطاع أن يلعب هذا الدور، وفي المقدمة من هذا الواقع عجز الأحزاب عن تمثل هذا الواقع وتمثيله، وافتقادها الأهلية لإدارة الصراع السياسي، وخواؤها العقيدي والتنظيمي عن تلبية الاحتياجات الطبيعية للمجتمع، وتطلعها المَرَضي رغم ذلك لاستلام السلطة.