رجاء الناصر ـ مخلص الصيادي
أبريل 28, 202373 30 دقائق
القسم الأول: الحركة الناصرية………….الحلقة الثانية: التنظيمات الناصرية
1 ـ حزب الوحدويين الاشتراكيين
عقب الانفصال تداعت الكوادر البعثية السابقة التي هالها وقوف بعض قيادات الحزب إلى جانب الانفصال، وعجز بعضها الآخر عن اتخاذ مواقف حاسمة تجاهه، إلى عقد لقاءات مكثفة لتحديد موقف ثوري من الجريمة البشعة التي اقترفت بحق الوحدة العربية، وأعلنوا خلالها انحيازهم التام إلى جانب الجمهورية العربية المتحدة وقيادة جمال عبدالناصر، وقرروا بتاريخ 1/ 11 / 1961 أي بعد مرور 33 يوما فقط على جريمة الانفصال تشكيل تنظيم سياسي وحدوي باسم ” حركة الوحدويين الاشتراكيين” تأخذ على عاتقها النضال من أجل إعادة وحدة إقليمي الجمهورية العربية المتحدة.
وجاء في بيانها الأول أنها منظمة اشتراكية ثورية قومية شعارها ” الوحدة والاشتراكية والحرية”، وأكدت إيمانها بوحدة الوطن العربي، والاشتراكية العربية باعتبارها الوسيلة الثورية لتحقيق مجتمع الكفاية والعدل، وإيمانها بحرية الأمة العربية ومعاداتها للاستعمار، كما تضمن البيان دعوة لإقامة حركة ثورية واحدة تشمل جميع أقطار الوطن العربي.
وضمت قيادات الحركة كوادر الصف الثالث من حزب البعث العربي الاشتراكي، ومعظمهم من العناصر التي تفاعلت والتزمت بقرار حل الحزب، وتعاونت مع قيادة جمال عبد الناصر خلال عهد الوحدة، ومن أهم هذه العناصر (سامي صوفان، سامي الجندي، أبو النور طيارة، مصطفى الحلاج، أدهم مصطفى، محمد الخير، هيثم عقاد، فائز إسماعيل، أديب النحوي، وغيرهم).
واستطاعت الحركة أن تستقطب عددا كبيرا من الجماهير الناصرية المتعطشة للنضال ضد الانفصال، ولم تمض شهور قليلة حتى أصبح حجم العضوية في هذا التنظيم الوليد يتجاوز الالاف، وانتشرت في جميع القطاعات الشعبية، وخاصة في صفوف العمال والطلاب والعسكريين.
وقادت الحركة نضالا مريرا ضد الانفصال، وعملت على التحضير إلى جانب فصائل أخرى لانقلاب الثامن من آذار 1963.
وحينما قام هذا الانقلاب شاركت في الوزارة التي أخذت على عاتقها إعادة الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة، ومثلها في الوزارة كل من سامي الجندي، وسامي صوفان، ـ الأمين العام للحركة ـ واصطدمت ـ إلى جانب المنظمات الناصرية الأخرى مع حزب البعث الذي أراد أن يحتكر السلطة وأن يناور على قضية الوحدة، ووجه لتنظيمها العسكري ضربات شديدة ، كما تعرضت لحملة شديدة إثر فشل حركة 18 تموز/ يوليو 1963، حيث زج بعدد كبير من قادتها في السجن، وهرب العديد من كوادرها إلى الخارج، كما سرح معظم كادرها العسكري، وتعرضت لأول أزمة تنظيمية عندما رفض سامي الجندي أحد ممثليها في الوزارة الانسحاب من منصبه استجابة لقرار مشترك من التنظيمات الناصرية إثر المجزرة التي ارتكبها البعث في مواجهة حركة 18 تموز التي قادها العقيد جاسم علوان. وتبين أن المذكور لعب دروا هاما في إحباط سيطرة الناصريين على حركة الثامن من آذار لصالح حزب البعث.
وحين اتفقت المنظمات الناصرية على الاتحاد ضمن تشكيل سياسي واحد أطلق عليه اسم “الاتحاد الاشتراكي العربي” رفض بعض قادتها هذه الخطوة، وبقوا خارج هذا التنظيم الوليد، وأبرز هؤلاء” سامي صوفان، ومصطفى الحلاج، وأبو النور طيارة، وفائز إسماعيل”، وتعلل بعض قادة الحركة بأن وجودهم داخل الاتحاد الاشتراكي لن يفيد النضال الوحدوي، ( خاصة أن الاتحاد الاشتراكي يتبنى سياسة معادية للبعث)، وأعاد هؤلاء تأسيس حركة الوحدويين الاشتراكيين، لكن عملية التوحيد ومن ثم الانسحاب أثرت على عدد كبير من كوادر وقواعد الحركة التي فضلت البقاء في صفوف الاتحاد الاشتراكي، وذكرت الحركة أنها تشاورت مع جمال عبد الناصر في فكرة مد الجسور مع حزب البعث ودفعه للمواقف الإيجابية بدلا من معاداته والاستمرار بالنهج السلبي، وقالت إن عبد الناصر لم يعترض على هذا الدور الذي يمكن أن يلعبه الوحدويون الاشتراكيون .
واعتبارا من عام 1966 انتهج الوحدويون الاشتراكيون نهج التعاون الإيجابي مع حزب البعث، وشاركوا ولو رمزيا بالسلطة، واستمر نهج التعاون الرمزي الذي تحسد بالاشتراك بالمجالس الوطنية وبعض المسؤوليات التنفيذية حتى قيام الحركة التصحيحية عام 1970، التي تبت الدعوة إلى قيام الجبهة الوطنية التقدمية، وهي نفس الدعوة التي كان الوحدويون الاشتراكيون يدعون اليها منذ العام 1966، فشاركوا في الجبهة والسلطة بشكل علني لأول مرة، ودعوا إلى تطوير الجبهة لتصبح تنظيما سياسيا موحدا خلال فترة محدودة.
وتعرضت الحركة لأزمة تنظيمية كبرى إثر مؤتمرها الحادي عشر حين انقسمت الى جناحين رئيسيين، الأول بقيادة فائز إسماعيل وأطلق على نفسه اسم (حزب الوحدويين الاشتراكيين)، والثاني بقيادة أدهم مصطفى والذي حافظ على اسم الحركة، وقد تبين فيما بعد أن أطرافا من حزب البعث كانت وراء الانقسام، وأعلن أدهم مصطفى انضمام مجموعته إلى حزب البعث.
كما تعرض الحزب إلى أزمة حادة أخرى عام 1974 حين أعلن أحمد الأسعد ومعه نصف أعضاء المكتب السياسي لانشقاق وتشكيل جناح خاص بهم أطلق على نفسه اسم (الوحدويين الاشتراكيين الديموقراطيين)، وقد تبين أيضا أن أطرافا من حزب البعث ساعدت على هذا الانشقاق، ولكن ذلك لم يمنع الخزب من الاستمرار في التعاون مع حزب البعث، هذا التعاون الذي أصبح نهجا استراتيجيا للوحدويين الاشتراكيين بعيد حركة 8 آذار 1963.
في ذلك الوقت عمل حزب الوحدويين الاشتراكيين على الانتشار القومي، وـاسيس فروع له خارج سوريتا، وخاصة في العراق والأردن ولبنان، واستطاع تأسيسي فرع له في العراق بقيادة إياد سعيد ثابت، الذي تخلى عن التنظيم فيما بعد، واستمرت المحاولات مع فؤاد الركابي، وبعض البعثيين السابقين الآخرين في العراق والأردن، لكن المحاولة باءت بالفشل،
وأفكار الوحدويين الاشتراكيين مزيج من أفكار البعث وعبد الناصر، وتجربته تحمل سمات مختلفة من هاتين المدرستين ويحمل أمينه العام فائز إسماعيل ـ وهو الشخص المسيطر على التنظيم بشكل قوي ـ ولاء عاطفيا لحزب البعث، باعتباره أحد المشاركين في تأسيس الحزب، ويقر بالدور القيادي لحزب البعث على مستوى الوطن العربي كله.
ويتبنى الوحدويون الاشتراكيون المواقف الرسمية لنظام الحكم السوري ويعلنون مواقف متطابقة مع مواقف حزب البعث، ويلتفون حول قيادة حافظ ألأسد باعتباره قيادة ” تاريخية وطنية قومية”.
ولهم ممثلون في القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقديم، ووزيران وستة أعضاء في مجلس الشعب، ويصدرون جريدة غير رسمية باسم (الوحدوي الاشتراكي)، ويبلغ حجم العضوية الخالية حوالي ألف عضو، وفاعليتهم السياسية ضمن الجبهة، وضمن الشارع السياسي معدومة لافتقادهم الخط المميز عن حزب البعث، وأهم قياداتهم:
* فائز إسماعيل: الأمين العام وممثل الحزب في الجبهة
* محرم طيارة
* عمر عاشور
* شعبان شاهين
وهؤلاء أعضاء في المكتب السياسي للحركة
2ـ حركة الوحدويين الاشتراكيين الديموقراطيين
وهي حركة منشقة عن حزب الوحدويين الاشتراكيين، تطرح أن سبب الانشقاق العقلية الفردية والمتسلطة للأمين العام “فائز إسماعيل” وعدم خضوعه لأسس العمل الجماعي، وتم الانشقاق إثر المؤتمر الثاني عشر للحركة المنعقد سنة 1974، وعقدت الحركة المنشقة مؤتمرها الأول في مقر “مجلة الفرسان” التابعة لسرايا الدفاع*.
والحركة تتبنى نفس المقولات الفكرية والسياسية للحركة الأم وتدعو للتعاون مع النظام السوري بقيادة حزب البعث، ولكنها غير ممثلة في القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية، إلا أنها تعتبر من حلفائها حيث لها نواب في مجلس الشعب فازوا على لوائح الجبهة، وتعامل باعتبارها إحدى القوى الوطنية التي يعترف النظام بها بشكل رسمي إلى جانب قوى الجبهة الأساسية.
*سرايا الدفاع تشكيل عسكري رئيسي ذو استقلالية عملية عن وحدات الجيش الأخرى، التي تنتظم بفرق وألوية وأفواج، له ميزانيتها الخاصة، منوط به حماية النظام، ويراس رفعت الأسد شقيق الرئيس حافظ الأسد هذه السرايا وتتمركز حول دمشق وكان لها دور رئيسي بقمع واخضاع مدينة حماة في 2 فبراير 1982 أثناء الصراع مع الاخوان المسلمين، وارتكبت فيها العديد من المجازر، كما ارتكبت مجازر في حلب وجسر الشغور وغيرهما من المدن السورية، وقامت بعملية تصفية وقتل خارج القانون لمئات المعتقلين والسجناء في غارة على سجن تدمر في 27 يونيو عام 1980.
3ـ حزب الاتحاد الاشتراكي العربي
ولادة التنظيم
في الذكرى الأولى لحركة الثامن عشر من تموز 1963 التي قادها العقيد “جاسم علوان”، هذه الحركة التي انتهت بمجزرة وحشية شكلت المرحلة العليا من الصدام بين القوى الناصرية مع حزب البعث الشركاء في حركة الثامن من آذار…. في هذه الذكرى أعلنت التنظيمات الناصرية العاملة في سوريا اندماجها في تنظيم واحد أطلق عليه أسم ” الاتحاد الاشتراكي العربي في الإقليم السوري”، على غرار التسمية التي تطلق على التنظيم السياسي الوحيد الموجود في الجمهورية العربية المتحدة آنذاك، وجاء هذا الإعلان في العاصمة المصرية تأكيدا على التزام هذه التنظيمات بسياسة الجمهورية العربية المتحدة وبقيادة جمال عبد الناصر.
والتنظيمات المشاركة في هذا التنظيم الجديد هي:
1ـ حركة الوحدويين الاشتراكيين بقيادة سامي صوفان ـ محمد الخير.
2ـ حركة القوميين العربي ـ فرع سوريا بقيادة هاني الهندي وجهاد ضاحي.
3ـ الجبهة العربية المتحدة (الخماسي الناصري) بقيادة نهاد القاسم.
4ـ الاتحاد الاشتراكي في سوريا ـ جماعة الميثاق.
وتضمن البيان الأول الإعلان عن تشكيل تنظيم موحد بهدف مواصلة النضال من أجل إعادة وحدة الجمهورية العربية المتحدة، ومحاربة ما أطلق عليه اسم “الانفصال البعثي”، وتصحيح مسار ثورة آذار.
وأعلن عن تشكيل قيادة التنظيم في الخارج (المكتب السياسي)، من: “نهاد القاسم أمينا، وهاني الهندي، ومحمد الخير، وجادو عز الدين، وعادل طيفور” أعضاء.
كما شكل مكتبان سريان في الداخل أحدهما مقره دمشق، والآخر في حلب، مهمتهما دمج التنظيمات وإعادة صياغة التنظيم الواحد على أسس نضالية.
وفي أواخر العام عقد مؤتمر في الداخل انبثقت عنه قيادة الداخل وتشكلت من: جمال الأتاسي، محمد الجراح، أسامة الهندي.
كما أعيد تنظيم القيادة في الخارج، وتشكلت من: العقيد جاسم علوان أمينا، وجادو عز الدين، وهاني الهندي، أمينين مساعدين.
وفي أيار 1965 أصدر الاتحاد الاشتراكي منهاجه المرحلي الذي حدد فيه:
1ـ تقييمه لتجربتي الوحدة والانفصال.
2ـ تقييمه لتجربة الثورة المضادة لما سماه ب ” الانفصال البعثي”.
وحدد مواصفاته كتنظيم ومهامه:
أـ إنه تنظيم شعبي اشتراكي ثوري وحدوي، يأخذ على عاتقه مهمة مواصلة المعركة وإعادة وحدة الجمهورية العربية المتحدة، وتوحيد الطاقات النضالية ضد الانفصال البعثي، واية عقبة انفصالية أخرى تقف في طريق هذا الهدف.
ب ـ إنه تنظيم شعبي ثوري يشكل الدعامة لحماية الوحدة وقيادة التطور القائم فيها عند عودتها.
ج ـ إنه نواة الحركة الاشتراكية العربية الواحدة في الإقليم السوري.
وأكد المنهاج على ارتباط مهامه المرحلة بالأهداف الكبرى للثورة العربية في الحرية والاشتراكية والوحدة، وإقامة المجتمع العربي الموحد المتحرر الاشتراكي الديموقراطي.
لكن مسيرة الاتحاد الاشتراكي على طريق تحقيق أهدافه كانت متعثرة، ومعقدة، وصعبة، ففي الوقت الذي شهد التنظيم إقبالا شعبيا على الانخراط في صفوفه، والاشتراك في نضالاته الشعبية، عانى من أزمات تنظيمية متكررة تمثلت أساسا في ابتعاد معظم القيادات والمنظمات التي شاركت في تأسيسه.
ففي العام 1965 أعلنت قيادة حركة الوحدويين الاشتراكيين انسحابها من الاتحاد الاشتراكي، وإعادة تشكيل تنظيمها المستقل، وطلبت من أعضائها الانسحاب من الاتحاد والانضواء تحت تشكيلاتها المستقلة مجددا، وفعلا تم انسحاب معظم العناصر القيادية للوحدويين الاشتراكيين، لكنها لم تستطع سحب قواعدها التي كانت قد اندمجت بشكل فعلي بمسيرة الاتحاد.
وفي العام 1966 انسحب قيادات القوميين العرب من الاتحاد الاشتراكي بعد أن أعادت كشف صلاتها بتشكيلاتها القومية، وشاركت بمؤتمر بيروت الذي أخذت فيه حركة القوميين العرب منحى بعيدا عن الناصرية باتجاه الفكر الماركسي، وحدث الأمر نفسه الذي جرى إبان انسحاب قيادات الوحدويين الاشتراكيين، إذ فضلت معظم قواعد الحركة وكوادرها البقاء في صفوف الاتحاد الاشتراكي.
وفي العام 1967 حدث الانقسام الأعمق في جسم الاتحاد الاشتراكي حيث خرجت منه الفصائل الأقرب إلى الاتجاه اليميني وعلى رأسها العقيد “محمد الجراح”، إضافة لبقايا القيادات التي قدمت من “الجبهة العربية المتحدة”, أو من “جماعة الميثاق”.
بينما ترسخت قيادة الدكتور جمال الأتاسي، واعتبارا من أوائل عام 1968 أضحت هذه القيادة هي القيادة الوحيدة والتاريخية للاتحاد الاشتراكي، والتي طبعت التنظيم بطابعها الخاص.
وعلى المستوى الفكري حدثت تطورات مهمة، كان الاتحاد الاشتراكي يتبنى الخط العام الناصري المجسد بمواثيق الثورة الناصرية بشكلها العام والإسمي.
وتدريجيا ـ وقبل العام 1968 بدأ فكر الاتحاد يتبلور ضمن مقولات محددة ومقننة.
في البداية لم تخرج مقولات الاتحاد النظرية عن تلك الواردة في منهاجه المرحلة الصادر عام 1965 والتي جاء فيها:
1ـ في الوحدة العربية: الوحدة حق قومي تاريخي مشروع، يمثل الأمل في عودة الوضع الطبيعي رداً على الواقع الشاذ الذ فرض على الأمة العربية بقوة القهر والاستعمار.
هكذا يطرح برنامج الاتحاد رؤيته لقضية الوحدة العربية، ويؤكد على تجاوز الوحدة للمفاهيم القومية الكلاسيكية، ويؤكد بشكل أكثر قطعا على أن الوحدة اليم هي القاعدة الراسخة التي تتحرك عليها معركة التحرر الوطني، وهي الوسط الخصب الذي تنمو فيه حركة البناء الاشتراكي الديموقراطي، ويحدد فهمه للوحدة بأنها الطريق الحاسم لتصفية الاستعمار والاغتصاب الصهيوني، وأنها طريق الحرية الشاملة وطريق التنمية والبناء الاقتصادي السليم.
إن الوحدة المقصودة دوما هي الوحدة الدستورية الشاملة، أي بناء دولة مركزية واحدة تقاد من قبل قيادة سياسية موحدة تعتمد على بناء تنظيم شعبي ثوري موحد يرتكز على وحدة الفكر الثوري، والوحدة ليست فقط إعادة الأمور الى نصابها، بل هي الطريق الوحيد أمام العرب لإثبات وجودهم وممارسة دورهم الإنساني الحضاري.
والوحدة بنظر المنهاج المرحلة حتمية تاريخية، ولكنها “حتمية ديناميكية” تحتاج إلى نضال جماهيري قومي.
2 ـ في الاشتراكية: الاشتراكية هي الطريق الوحيد أمام الجماهير الكادحة من أجل مجتمع جديد يقوم على قاعدة حق الحياة للمجتمع في ظل الكفاية والعدل وتكافؤ الفرص، والاشتراكية هي رفض للقيم والأسس التي يقوم عليها مجتمع الاقتصاد الحر والتطور الرأسمالي لما ينطوي عليه من استغلال وظلم واستثمار للجهد الإنساني لغايات الربح الفردي غير المشروع، ويتحدث المنهاج عن الصراع الطبقي باعتباره الوسيلة الوحيدة والمشروعة أمام الجماهير لاستخلاص حقوقها المسلوبة من قبضة الطبقات المستغلة ، ويؤكد بأن الاشتراكية هي منهج في التفكير والتحليل ، وطريقة في تنظيم المجتمع على أسس أخرى، ويطالب بعملية نسف جذرية للتكوين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي القائم.
وترتكز مفاهيم الاشتراكية على:
* الملكية العامة لوسائل الإنتاج، بحيث تبقى الملكية الخاصة مجرد وظيفة اجتماعية يجب أن توضع في خدمة المجتمع ولمصلحته ضمن مبدأ الملكية العامة في جميع فروع النشاط الاقتصادي في المجتمع.
* تبنى (الاشتراكية العلمية) المنفتحة على روح العصر وتطوراته الفكرية والعلمية والسياسية والاجتماعية المتطهرة من جمود القوالب المذهبية والمتلائمة مع الظروف القومية الموضوعية الخاصة.
* ويؤكد “المنهاج المرحلي” على حتمية الحل الاشتراكي، وأنها ـ أي الاشتراكية ـ ليست مجرد إجراءات اقتصادية، وإنما هي تستهدف إجراء تغيير جذري في العلاقات الاجتماعية والقيم الإنسانية.
* كما يؤكد أخيرا على أن الاشتراكية لا تنفصل عن العملية الوحدوية، ولا يمكن تحقيق غاياتها بدونها، كما لا يمكن أن تتحقق الاشتراكية بدون تنظيم اشتراكي قومي شامل.
3 ـ في الديموقراطية: الديموقراطية هي سيادة الشعب وحقه في صنع مصيره وتوجيه مقدراته، ولكن مفهوم الديموقراطية يجب أن يتطهر نهائيا من تأثير الثقافات الرجعية الليبرالية التي أغرقت فيها زمنا طويلا، والديموقراطية الحقيقية لا تتحقق إلا في ظل نظام اشتراكي سليم، والديموقراطية في المجتمع الاشتراكي هي حرية الطبقات العاملة، الطبقات المنتجة في صياغة وتوجيه مؤسسات المجتمع.
ويهاجم المنهاج بعنف الديموقراطية الليبرالية باعتبارها شكلية وغير أصيلة بحيث تتخلى الطبقات الرجعية عنها بسهولة عند تعرض مصالحها للخطر، تستبدل بها فاشية واضحة، ويؤكد على أن إعادة تنظيم المجتمع على أسس ديموقراطية اشتراكية تقتضي عملية تنظيم لتحالف قوى الشعب العاملة التي تضم العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين والفصائل الملتزمة من البرجوازية الصغيرة بقيادة حزب اشتراكي طليعي.
في الفترة الممتدة بين عام 1965 ـ 1968 تعرضت مفاهيم المنهاج المرحلي السابقة إلى جدل عنيف داخل صفوف الاتحاد الاشتراكي، ولم يكن من الممكن على الاطلاق القول بأن هناك وحدة فكرية داخل التنظيم، إذ أن قواعد الاتحاد الاشتراكي كانت موزعة بين الفكر القومي وفق النظريات الغربية، وبين نوع من القومية الموحدة بطابع أممي ـ ديني ـ تصبح فيه الأمة العربية نواة لأمة أكبر هي الأمة الإسلامية، وتصبح الأمة العربية جسرا لوحدة إسلامية أشمل، كما أن مفهوم الحزبية لاقى محاربة شديدة تحت تأثير الحملة التي شنها عبد الناصر على الحزبية في الخمسينات، كذلك قضايا الصراع الطبقي، والاشتراكية العلمية، والتي كان البعض يريد أن يستبدل بها صيغة “اشتراكية عربية”، أو حتى “اشتراكية إسلامية”.
وكان حسم هذه القضايا ينتظر أزمة تنظيمية كبرى جاءت بعملية انقسام الجناح اليميني ـ كما ذكرنا سابقا ـ، وبعقد المؤتمر الرابع الذي كرس هذا الانقسام، والذي أكدت فيه كوادر الجناح اليساري ـ التنظيم الأم ـ مسائل الحزب والصراع الطبقي والاشتراكية العلمية (من تقرير المؤتمر الرابع).
في الواقع لم تكن هذه المسائل تطويرا في الفكر الناصري، فهي مأخوذة من أقوال القائد جمال عبد الناصر، ولكنها كانت جديدة على التيار الناصري، بما فيها قطاعات كبيرة من قواعد الاتحاد الاشتراكي التي لم تتعامل ـ من قبل ـ مع المسائل الفكرية بعمق، وكذلك من المحتمل أن تكون هذه المسائل قد صيغت في مواقع كثيرة من تقرير المؤتمر الرابع للاتحاد بأسلوب مختلف بعض الشيء عن الصياغة الناصرية المعهودة، أو قدمت ـ على الأقل ـ بشكل أكثر حسما ووضوحا.
لقد شكل المؤتمر الرابع قفزة نوعية في حياة الاتحاد الاشتراكي، ولم تكن القفزة فكرية أو تنظيمية فقط، وإنما شكلت قفزة سياسية واستراتيجية عندما خطا الاتحاد خطوة نحو عدوه الرئيسي والتقليدي “حزب البعث”، وأعلن عن سياسة جديدة تجاهه وهي سياسة الحوار الديموقراطي، والدعوة لإقامة “جبهة وطنية تقدمية” تضمه مع حزب البعث وباقي القوى والفصائل التقديمة مستغلا نكسة حزيران عام 1967. لكن دعوته هذه لم تجد استجابة من نظام الحكم البعثي، وإنما واجه دعوة الاتحاد بحملة واسعة استهدفت ضرب الاتحاد والقوى المتحالفة معه وهي (حركة القوميين العرب، وحركة الاشتراكيين العرب، والجناح اليميني من حزب البعث المبعد من السلطة إثر حركة 23 شباط 1966)، فزج بجمال الأتاسي الأمين العام للاتحاد بالسجن وبعدد من قيادات الاتحاد الاشتراكي وكوادره، إضافة الى عدد كبير من كوادر وقيادات القوى التقدمية الأخرى التي شاركت مع الاتحاد في إقامة تلك الجبهة. وأسفرت تلك الحملة عن تعطيل عمل الجبهة وإفشال تلك التجربة.
لكن فشل تجربة الجبهة التقدمية لم يغير من خط الاتحاد الاستراتيجي، ولم يؤثر على محاولاته المستمرة منذ ذلك الحين وحتى اليوم في توحيد التيارات التقدمية الثلاثة” الناصرية ـ البعثية ـ الشيوعية “، وصهرها في حركة تقدمية واحدة.
الحركة التصحيحية التي قام بها حافظ الأسد عام 1970 شكلت مدخلا ملائما لإعادة طرح استراتيجية التحالف مجددا، وفعلا تجاوب الاتحاد الاشتراكي فورا من طروحات الأسد في الوحدة الوطنية، وشارك الاتحاد الاشتراكي لأول مرة في الحكم إلى جانب البعثيين والشيوعيين والوحدويين الاشتراكيين، وعناصر وطنية أخرى. ورغم أن مشاركة الاتحاد الاشتراكي في الوزارة كانت شبه رمزية، حيث ضمت الوزارة الأولى للحركة التصحيحية كلا من فوزي كيالي ( وهو أحد العناصر البارزة ولكنه كان مبعدا فعليا عن العمل القيادي)، وأديب النحوي ( وهو من القيادات السابقة للاتحاد والخارج من صفوفه منذ سنتين)*، إلا أن الاتحاد حاول وبإصرار إيجاد صيغ أخرى أقوى للعمل المشترك، وبذل جهدا كبيرا في سبيله لإقامة الجبهة الوطنية التقدمية، وقدم تنازلات كبيرة في سبيل هذا الهدف، فبدل اسم الاتحاد الاشتراكي وجعله ” حزب الاتحاد الاشتراكي في سوريا ، بدل حزب الاتحاد الاشتراكي في الإقليم السوري، وألغى عبارة إقليم من مصطلحاته الحزبية، واستبدلها بمصطلح قطر، وقبل بمفهوم ـ الحزب القائد ـ ، وبمنح هذا المفهوم والدور لحزب البعث، كما قبل القيود التي فرضت عليه والتي تمنعه من ممارسة النشاط ضمن الجيش وقطاع الطلبة، كما سكت عن الممارسات التي كانت تتعرض لها كوادره وقواعده وجماهيره في الشارع، لكنه اصطدم بعقبتين رئيسيتين:
الأولى داخلية: تمثلت برفض كوادره الشبابية لهذه التنازلات التي رأت فيها تنازلات غير مبررة، ودون مقابل، وعارضت سياسة التحالف على هذه الأسس.
والثانية خارجية: تمثلت في إصرار النظام البعثي على عدم منح القوى المتحالفة معه أكثر من مناصب فخرية، وعدم مشاركتها في اتخاذ القرارات الرئيسية، وتهشيم دورها في الشارع والنقابات.
وبسبب هاتين العقبتين وتداعياتهما ـ وبعد أقل من عامين ـ حدث طلاق بين الاتحاد وسلطة الحركة التصحيحية وتعرض الاتحاد بسبب سياسته في التحالف الهش مع السلطة والانسحاب المتأخر إلى أزمتين:
الأولى: أزمة بروز ظاهرة ” الجهاز السياسي” عام 1972، وهي ظاهرة تكتلية* ضمن أجهزة الاتحاد الاشتراكي ومؤسساته القيادية، والتي ضمت العناصر الرافضة
لسياسة التعاون غير المشروط مع البعث، وأسلوب ممارسة القيادة لعملها السياسي والتنظيمي، وهو أسلوب أدى فيما بعد لانسلاخ بعض الكوادر النشطة والفاعلة عن جسم الاتحاد (من رسالة الجهاز السياسي الى أعضاء المؤتمر السادس للاتحاد الاشتراكي)
الثانية: أزمة الانقسام التي تعرض لها الاتحاد عام 1973 بسبب رفض بعض عناصره الانسحاب من الجبهة الوطنية التقدمية وتشكيلهم لتنظيم آخر عرف بالاسم نفسه واحتل موقع التنظيم الأم في مؤسسات الجبهة واهم العناصر التي ساهمت في هذا الانقسام هي: فوزي الكيالي ممثل الاتحاد الاشتراكي في الوزارة، وإسماعيل القاضي عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد، وأنور حمادة أمين فرع إدلب في ذلك الوقت، وكلك كل من
*تجربة الجهاز السياسي داخل الاتحاد تجربة اندثرت فيما بعد رغم أنها قسما هاما من أعضاء اللجنة المركزية للاتحاد.
حمود بكفاني، وعمر الشيشكلي، وأحمد إسماعيل أعضاء اللجنة المركزية (الأسماء من بيان المجموعة المنشقة في المؤتمر السادس).
بعد هاتين الأزمتين دخل الاتحاد الاشتراكي مرحلة كمون طويلة فقد فيها معظم كوادره، وأعضاءه، وجماهيره، وتحول إلى حزب صغير غير مؤثر في الحياة السياسية السورية، بعد أن كان محور العمل السياسي والنضال الشعبي طوال الفترة الممتدة من تأسيسه حتى العام 1971.
في العام 1980 وبعد سنوات من الحوار الوطني مع بعض الفصائل التقدمية أعلن الاتحاد عن إقامة ما سمي ب ” التجمع الوطني الديموقراطي”، وضم هذا التجمع إضافة إلى الاتحاد:
1ـ الحزب الشيوعي السوري ـ جناح المكتب السياسي.
2ـ حزب العمال الثوري، وهو تشكيل ماركسي عربي حديث.
3ـ حزب البعث الديموقراطي العربي الاشتراكي ـ جناح حركة 23 شباط.
4ـ بعض كوادر الحزب الاشتراكي العربي
ورفع الاتحاد شعاره الجديد ” الحرية أولا”، ومن جهة أخرى تعمقت أفكار التجديد والتطوير لدى قيادة الاتحاد الاشتراكي العربي، واقتربت أكثر من الأفكار الماركسية دون أن تقطع صلتها بالناصرية. وتتخذ استراتيجيتها الحالية بالدعوة لإقامة نظام وطني ديموقراطي، وتعتبر أن الأزمة الرئيسية التي تحل بالوطن لعربي هي “أزمة الديموقراطية”، وأن حالة التدهور والانحسار القومي وتراجع المد الوحدوي وتعاظم الهجمة الإمبريالية والدخول بمرحلة الاستسلام لإرادة العدو الصهيوني والامبريالي ليست سوى نتاج لغياب الديموقراطية ” من كتيب الحرية أولا”.
والديموقراطية التي بات يدعو إليها الاتحاد الاشتراكي هي ديموقراطية ليبرالية بمعناها الواسع للحريات… تعدد أحزاب… إلخ، ووجه انتقادات شديدة للقصور الديموقراطي في التجربة الناصرية، ويطالب بثورة ثقافية تكمل الثورة الناصرية على أن تشمل جوانب الحياة الاقتصادية والإعلامية والتعليمية والأدبية والفنية، والثورة الثقافية التي يدعو إليها تبدأ مع فتح أبواب النقد على مصراعيه في كل المجالات وأن يكون عنوانها الرئيسي هو الديموقراطية والنضال في سبيل الحريات الديموقراطية والفكرية والسياسية، وأن التعبير السياسي للثورة الثقافية يعني حرية الرأي والمعتقد والتنظيم السياسي ويعني الحوار بين الأفكار.*
* *هذه الأفكار والدعوات وتفاصيلها سجلها الدكتور جمال الأتاسي في كتابه الموجز “إطلالة على التجربة الثورية لجمال عبد الناصر”.
4ـ حزب الاتحاد الاشتراكي العربي في سوريا / أجنحة الإيجابيين
في العام 1973 وبعد الخلاف الحاد بين حزب البعث العربي الاشتراكي والاتحاد الاشتراكي حول المادة الثامنة من الدستور الدائم للجمهورية العربية السورية التي تتضمن أن حزب البعث يقود الدولة والمجتمع والجبهة الوطنية التقدمية، ورفض قيادة الاتحاد التصويت عليها بالموافقة في مجلس الشعب، اتخذت قيادة السلطة الحاكم في سوريا، وهي قيادة حزب البعث الممثلة بشخص أمينه العام حافظ الأسد قرارا بتجميد عضوية الاتحاد الاشتراكي العربي في الجبهة الوطنية التقدمية، فقررت قيادة الاتحاد الاشتراكي الانسحاب من المشاركة في الجبهة الوطنية والوزارة وكافة مؤسسات الحكم، وفعلا أقدم أحد وزيري الاتحاد الاشتراكي “عبد المجيد منجونة” على الانسحاب من الوزارة، كما أقدم الأمين العام الدكتور “جمال الأتاسي”، ونائبه “راغب قيطاز”، على الانسحاب من القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية.
إلا أن هذا الموقف لاقى اعتراضا من بعض قيادات الاتحاد الاشتراكي وعناصره، وممثليه في مجلس الشعب المعين، والتي رأت في هذا الموقف إجراء متسرعا ويمثل خروجا على خط الاتحاد الاستراتيجي الداعي للوحدة الوطنية ، ورأت أن المشاكل ضمن القوى الوطنية يأتي حلها عبر الحوار الداخلي، ولا يمكن أن يصل الى حد الخلاف العلني والقطيعة وخاصة وأنه لم يجر أية تطورات أو تراجعات فعلية في المواقف الخارجية التحررية والوطنية بين حزب البعث بقيادة الأسد وبين الاتحاد الاشتراكي العربي، ورفضت هذه القيادات والعناصر الانصياع لقرار الانسحاب واعتبرته موقفا سلبيا مهينا وتداعت هه القيادات والعناصر الى تشكيل تنظيم حمل نفس اسم” حزب الاتحاد الاشتراكي العربي” في سوريا، واعتبرت نفسها الاستمرار الشرعي لحزب الاتحاد الاشتراكي، هذه لمشروعية التي رأت أنها مستمدة من صحة الموقف والمبادئ.
قاد هذا التحرك فوزي الكيالي أحد ممثلي الاتحاد في الوزارة، وأيده اثنان من أعضاء اللجنة المركزية للاتحاد وهما إسماعيل القاضي، وعمر الشيشكلي، كما أيده كل من المرحوم “أحمد إسماعيل عبد العظيم”، وحمود بكفاني، أعضاء اللجنة المركزية للاتحاد، إضافة الى بعض العناصر القيادية الأخرى
واعتمد هذا الفصيل من قبل قيادة الحركة التصحيحية، ومثل في القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية والوزارة، كما قدمت له كافة المساعدات لإعادة تنظيم نفسه.
وأعلنت قيادة الجناح الجديد للاتحاد الاشتراكي تمسكها بمبادئ الناصرية والتزامها بسياسة التعاون الوثيق مع باقي القوى التقدمية الممثلة بالجبهة الوطنية التقدمية وبقيادة حافظ الأسد ” التاريخية”، وتبنت مواقف وسياسات متطابقة مع سياسة الحكم في سوريا بشكل مطلق (بيان المؤتمر التاسع).
إلا أن الحزب تعرض لأزمات تنظيمية كثيرة ابتدأت بابتعاد عدد كبير من كوادره الرئيسية عنه مثل الدكتور عمر الشيشكلي من حماة، وحمود بكفاني من جبل العرب، وكانت اخطر أزماته إبعاد أمينه العام فوزي الكيالي عام 1981 حيث نسب إليه ضعفه أمام ظاهرة الأخوان المسامين، وأنه أخذ يتحدث في مجالسه الخاصة عن موضوعات طائفية، وتعرض الاتحاد بعد ذلك لعملية انقسام حادة تولد عنها تشكيل جناحين منفصلين أحدهم بقيادة إسماعيل القاضي، والثاني بقيادة أنور حمادة، وقد عملت قيادة البعث على رأب الصدع بينهما وضغطت من أجل الوحدة، وفعلا تمت الوحدة التي سرعان ما انهارت ليظهر انقسام جديد حيث برز جناح “يوسف جعيداني ـ صفوان قدسي”، مقابل جناح إسماعيل القاضي، وبعد جهود وضغوط من قيادة البعث جرت الوحدة مجددا ثم تلاها انقسام جديد حيث رأس الجناح الأول إسماعيل القاضي، بينما رأس الجناح الثاني صفوان قدسي ـ يوسف جعيداني، ثم تكررت ظاهرة الوحدة والانفصال التي كانت تترافق مع كل تغيير وزاري أو في عضوية القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية، إلى أن أعلن يوسف جعيداني عن تشكيل حزب خاص به أطلق عليه اسم ( الحزب التقدمي الناصري)، ولكن هذا لم يمنع ظاهرة الانفصال في الاتحاد الاشتراكي، حيث أعلن في مؤتمر عقد أواخر 1983 عن انقسام جديد زعم تشكيل جناحين يحملان الاسم نفسه وهما : جناح إسماعيل القاضي، وجناح صفوان قدسي، وكلاهما أعضاء في القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية، ولا تزال السلطة غير معترفة بهذه الانقسامات فهي تحتفظ لإسماعيل القاضي بعضويته في القيادة المركزية للجبهة إضافة إلى وزير يمثله في الوزارة، بينما يحتفظ صفوان القدسي بعضويته في القيادة المركزية ويحتفظ يوسف جعيداني بحقيبته الوزارية.
وتعزو كافة الأطراف هذه الانقسامات لبروز ظاهرة الفردية لدى أمناء الاتحاد وأجنحته المتعاقبين، واحتكار المناصب الرسمية لأنصارهم.
وبسبب هذه الانقسامات وعبثتيها فقد حزب الاتحاد الاشتراكي ” الأجنحة الإيجابية” فاعليته المتوقعة ضمن الجبهة الوطنية التقديمية، وخاصة بعد أن غاب الاتحاد عن التعاطي مع الأحداث الهامة التي تعرضت لها سوريا خلال الأعوام 1975 ـ 1982، وفقد الكثير من سمعته بسبب غياب الوضوح الفكري لديه وافتقاده لأبسط القواعد الحزبية من مبادئ الانضباط والجماعية وخضوع الأقلية للأغلبية، وخضوع المراتب الدنيا للمراتب العليا، وتخليه المستمر عن عناصره القيادية، وأهم من كل ذلك بسبب الإحساس العام بأن هذا التنظيم جزء من إدارة السلطة وجهزتها .
وأبرز عناصر هذا التنظيم القيادية:
1ـ جناح إسماعيل القاضي:
* إسماعيل القاضي الأمين العام وممثل الاتحاد في الجبهة الوطنية.
* حسن عدوان الأمين العام المساعد.
* حكمت بيازيد عضو المكتب السياسي وممثل الاتحاد بالوزارة.
* عبد الله شرحة، فاروق سفلو، فائز عاشور. عبد الرحمن العيسى، محمد تركي السيد، فيصل الطعاني، أعضاء المكتب السياسي.
2ـ جناح صفوان قدسي*:
* صفوان قدسي الأمين العام وممثل الاتحاد بالجبهة.
* عبد الستار عثمان الأمين العام المساعد.
* علي عطار، نجم الدين صالح، عضوا المكتب السياسي.
إلا أنه لا يمكن النظر إلى ثبات هؤلاء في مواقعهم القيادية، ولا يمكن حصر كوادرهم التي تنتقل بشكل سريع من جناح الى آخر، كما تشهد هجرة دائمة من وإلى كافة التنظيمات الناصرية الممثلة في الجبهة الوطنية التقدمية.
ويصدر عن كل من جناحي الاتحاد جريدة غير رسمية باسم الاتحاد الاشتراكي العربي.
*صفوان قدسي كاتب في مجلة المعرفة السورية الصادرة عن وزارة الثقافة، لم يمارس العمل السياسي قيل الحركة التصحيحية وكان بحكم المهنة قريبا من فوزي الكيالي، وتعاون معه بعد الحركة الانقسامية التي قادها الأخير في الاتحاد الاشتراكي في العام 1973
5 ـ الحزب التقدمي الناصري
في أواخر عام 1982 أعلن يوسف جعيداني وهو وزير في الحكومة السورية منشق عن حزب الاتحاد الاشتراكي ـ جناح الايجابيين، عن تشكيل حزب ناصري جديد باسم ” الحزب التقدمي الناصري”، منهيا بذلك مرحلة الانقسامات والصراعات مع زملائه في حزب الاتحاد الاشتراكي، وعقد الحزب الجديد مؤتمرا تأسيسيا في 30 / 12 / 1982 بحضور 300 عضو هم جميع أعضاء الحزب، وجاء في تقرير المؤتمر التأسيسي أن المبرر الأساسي لقيام هذا الحزب يتمثل في عدم قدرة التنظيمات الناصرية على استيعاب جماهير التيار الناصري، وابتلاء الجماهير بقيادات عقيمة وفاشلة، وتحددت هوية هذا الحزب بأنه ” حزب تقدمي ثوري وحدوي اشتراكي عربي إيجابي التعامل مع القوى الأخرى والأحزاب الوطنية والتقدمية الأخرى، ينتمي إلى التجربة الناصرية في إيجابياتها وصعودها واستكمالا للمشوار وإجلالا لذكرى الناصري الأول القائد المعلم جمال عبد الناصر”.
وحدد توجهاته السياسية باعتماد النضال الجبهوي والسياسي للعمل ضمن الجبهة الوطنية التقدمية كخط استراتيجي، ويؤكد تقرير المؤتمر الأول على هذا الخط وخاصة ضرورة التعاون مع حزب البعث العربي الاشتراكي فيقول: “إننا إيجابيون مع حزب البعث العربي الاشتراكي، والأحزاب الأخرى المتحالفة معه، وإيجابيتنا هذه استراتيجية وليست تكتيكا، إنها إيجابية واعية وحريصة على مصلحة الوطن والأمة..” ويؤكد أن هذه الجبهة يجب أن تتوصل من خلال الحوار إلى تنظيم موحد تتم من عملية التفاعل السياسي بين أطراف الجبهة، الأمر الذي يؤدي الى تنظيم سياسي موحد وصولا إلى الحركة العربية الواحدة.
وعلى طريق التعامل مع السلطة والدخول في الجبهة الوطنية التقدمية يعمل الحزب التقدمي الناصري لتحسين علاقاته مع النظام السوري الحاكم في محاولة لاكتساب تمثيل الناصريين ضمن الجبهة الوطنية التقدمية، أو على الأقل قبوله رسميا في صفوفها، هذا الأمر الذي لم تبت به السلطة الحاكمة حتى الآن، في محاولة لعدم التدخل العلني في الصراعات الدائرة بين الأجنحة “الناصرية” المتعاونة معها*
وفي السياسة العربية يتبنى موقفا يتطابق حرفيا مع السياسة المعلنة لقيادة النظام السوري، وأكد تبنيه للسياسة الخارجية السورية بشكل كامل، واعتبر أن الموقف السوري هو عماد الموقف الوطني والقومي، وأكد على ضرورة استمرار التحالف “الفلسطيني ـ اللبناني / الوطني ـ السوري”، وعلى ضرورة إسقاط الحلف “الرجعي ـ الامبريالي ـ الصهيوني”.
وفي السياسة الدولية: أكد على ضرورة التعاون مع الاتحاد السوفياتي، ومواجهة الجبهة الإمبريالية.
*في منتصف نيسان 1985 أعلن عن توحيد أجنحة الاتحاد الاشتراكي (صفوان القدسي، وإسماعيل القاضي، والحزب التقدمي الناصري) بإشراف القيادة القطرية لحزب البعث… ولكن هذه الوحدة بقيت هشة وهي تتعرض لتمزقات وانقسامات متواصلة.
وفي المسألة الفكرية: يؤكد التنظيم على تبنيه الناصرية بوثائقها الأساسية (الميثاق وبرنامج 30 مارس)، حيث يفهم الحزب الناصري الحرية بأنها:” حرية عارفة تهتم بالوقوف على طبائع الأشياء، وحرية عالمة تحرص على تغيير العام” ويشير إلى أن “الفعل الحر ليس تصرفا أعمى يصدر عن تعسف أو اندفاع أهوج، بل هو نشاط واع ينبعث عن فهم وتدبر وحكم عقلي… وهي (الحرية) ذات دلاله طبقية يحقق الانسان من خلالها انتصاره على العبودية الاجتماعية.
وعلى الصعيد الاشتراكي: يحدد الحزب رؤيته للاشتراكية بأنها ” اشتراكية علمية تلتزم بمنهج علمي في التخطيط في سبيل الرفاه، وتلتزم بالتنمية طريقا للتقدم… ويؤمن الفكر الاشتراكي الناصري بالتطور الاجتماعي الذي تحكمه قوانين علمية يمكن استخلاصها من دراسة تطور النظم الاجتماعية المختلفة”.
وعلى صعيد الوحدة: يقول تقرير المؤتمر” الوحدة العربية ناصريا أصبح لها مفهوم علمي ومحتوى اجتماعي، وإن مجتمع الوحدة لا يبنى إلا بالحرية والاشتراكية”.
وفي المسألة التنظيمية: ينتقد الحزب الثغرة التنظيمية في التجربة الناصرية، ويقول: “إن القائد المعلم قضى نحبه، وثغرة قيام الحزب السياسي التقدمي الناصري قائمة”.
وعندما يعالج مسألة التنظيم في سوريا يرى أن عبد الناصر قد أخطأ بحل حزب البعث أيام الوحدة، وأن الحقيقة أن تحالف البعث والحركة الناصرية صعد النضال القومي الاشتراكي، وأنه عند افتراق البعث والحركة الناصرية تحدث الانتكاسات، وأن الحياة أخذت تتدفق في شرايين التحالف بعد إقامة الجبهة الوطنية التقدمية بقيادة الأسد، وأكد على تبني الحزب مفاهيم المركزية الديموقراطية، وعلى الثقة بين القاعدة والقيادة ولى الارتباط الكلي بالحزب.
وفي بيان المؤتمر الثاني للحزب أكد أن الحزب نشأ بعيدا عن الوصاية.
ومن أبرز قيادات الحزب، يحيى العمايري*، ومحمد عقاب، وحيدر بوظو، وسمير
سالم، والجميع منشقون عن أجنحة الاتحاد الاشتراكي، إضافة إلى يوسف جعيداني وزير العمل والشؤون الاجتماعية في الحكومة السورية. ولم يظهر أي تمايز للحزب عن أجنحة الاتحاد الاشتراكي ـ الإيجابية المتحالفة مع السلطة.
*فلسطيني مقيم في دمشق، وقيادي سابق منشق عن جناح الدكتور جمال الأتاسي
6 ـ أنصار الطليعة العربية
إثر إصدار المفكر المصري القومي المعروف الدكتور عصمت سيف الدولة كتابه الشهير “أسس الاشتراكية العربية” عام 1965، ومحاولته طرح النظرية الإنسانية القومية في مواجهة النظرية الماركسية، والنظريات الرأسمالية، تشكلت في سوريا كما في بعض أنحاء الوطن العربي حلقات بحث تتدارس فكر سيف الدولة، وجاءت معظم هذه الحلقات من هامش العمل الناصري المنظم، وخاصة من طلبة الجامعات الذين رأوا في نظرية عصمت سيف الدولة سلاحا متماسكا قويا في مواجهة الفكر اللاقومي، وحتى مرحلة متأخرة اعتبر هذا الفكر امتدادا للفكر الناصري.
هذه الحلقات تداعت لتشكيل تنظيم قومي” أنصار الطليعة العربية”، وأصدرت ما عرف ب “بيان طارق” حددت فيه أسلوب بناء هذا التنظيم، وذلك عن طريق نشر حلقات الحوار في كافة الوطن العربي وضمن كافة الفصائل والتجمعات الناصرية والقومية
بدأت الدعوة في الأيام الأخيرة من حياة القائد جمال عبد الناصر، وانتشرت بعد وفاة عبد الناصر، وتقسم فيه مراحل بناء التنظيم إلى ثلاث مراحل:
1ـ مرحلة الدعوة.
2ـ مرحلة الانتشار.
3ـ مرحلة الإلزام وبناء الهيكل.
ولكن التنظيم لم يستطع استكمال هذه المراحل نظرا للصعوبات العديدة التي لاقتها مرحلة الدعوة، فقد اصطدمت هذه الحلقات بالتنظيمات الناصرية الأعرق منها في الساحة، كما اصطدمت بالفكر الناصري المطروح، ومن جهة أخرى رأى معظم الناصريين في أفكار عصمت سيف الدولة خروجا على الناصرية، كما اصطدمت “حركة الأنصار” بواقع الحركة الناصرية التي هي حركة شعبية عملية أكثر منها حركة فكرية، مما اضطرها للانغلاق والتحول الى تشكيل شبه تنظيمي له مؤتمراته ومؤسساته.
وهذا التنظيم سري الوجود سري الحركة، ويتخذ من التنظيمات الناصرية غطاء له، ويتواجد في صفوف الخريجين وطلبة الجامعات فقط، وقد أصدر بعض البيانات بأسماء مستعارة وفي مناطق مختلفة.
من الناحية الفكرية: يتبنى أنصار الطليعة “نظرية سيف الدولة”، وهي نظرية قومية تؤمن بالوحدة العربية وتطرح جدل الانسان من الناحية الفلسفية في مواجهة الجدل الهيجلي والجدل المادي الماركسي، وتقول بالصراع الاجتماعي في مواجهة الصراع الطبقي، وبالاشتراكية العربية في مواجهة الرأسمالية والاشتراكية الماركسية، وترفض مقولة الاشتراكية العلمية والتطبيق العربي للاشتراكية، كما تدعو الى الديموقراطية بمعناها الواسع المقامة على أسس إنسانية بحتة، ويؤكد “الأنصار” أن فكرهم يمتاز بخصائص ثلاث:
1 ـ فكر قومي وحدوي
2 ـ فكر تحرري ديموقراطي.
3 ـ فكر تقدمي إنساني.
ويقولون بأن عناصر التركيب الداخلي لفكرهم هي:
1 ـ على المستوى الفلسفي: إنساني “لامادي ولا ميتافيزيقي”.
2 ـ وعلى المستوى المنهجي: جدلي “لا ميكانيكي ولا مثالي”.
3 ـ وعلى المستوى العقائدي: قومي اشتراكي ” لا أممي ولا رجعي”.
4 ـ وعلى المستوى السياسي: تحرري وحدوي “لا استعماري ولا إقليمي”.
5 ـ وعلى المستوى الحركي: جماهيري ديموقراطي “لا ديكتاتوري ولا فردي”.
وأن هذه المستويات مترابطة ومتكاملة بحيث لا يمكن فهم أحدها إلا على ضوء المستويات الأخرى. وهذا التكامل يجعل منها معا أيديولوجيا متميزة*.
ومن الناحية السياسية: تبنى الأنصار سياسة الدعوة إلى الحركة العربية الواحدة، واتخذوا مواقف ضد الطائفية، وضد الصراع الطائفي في سوريا.
ليست لهم رموز معلنة، وإن كانت لهم مساهمات في الكتابات الفكرية والنشاطات الثقافية، ينظر إلى تأثيرهم السياسي والشعبي على أنه ضعيف.
*وثيقة رسالة الأنصار ـ “مؤشر عام للتثقيف التنظيمي”
7 ـ التنظيم الشعبي الناصري
مدخل عام
بسبب الأزمات السياسية والتنظيمية التي تعرض لها التيار الناصري، وبسبب من غياب المنظمات الناصرية عن العمل في الصفوف الشعبية نتيجة سياساتها الضيقة، هذا القصور الناتج عن سياسة الكمون التي اتبعها الاتحاد الاشتراكي العربي إثر انسحابه من التحالف مع نظام الحكم في سوريا، وهذا الغياب الذي نجم عن اضمحلال التيار الشعبي القومي الذي سمح لأنور السادات بإعلان رغبته في زيارة الكيان الصهيوني، وتنفيذ هذه الرغبة بعد زيارة رسمية لسوريا التي كانت دوما قلعة للعروبة وقلبها النابض.
بعد هذه الزيارة تداعت مجموعة من الحلقات الناصرية والكوادر وعناصر من حزب الاتحاد الاشتراكي العربي وناقشت حالة الحركة الشعبية عموما وحالة الحركة الناصرية بشكل خاص، ورأت أن جزءا من المعاناة نجم عن قصور القيادات الناصرية وغياب العمل الناصري عن محاولة التأثير في الجماهير وقيادتها ” من البيان التأسيس”.
تأسيس التنظيم ورؤيته
وعلى ضوء مناقشة الواقع العربي والمحلي رأت ضرورة الإسراع في بناء تنظيم ناصري يستلم زمام المبادرة في قيادة التيار الناصري الذي فقد الثقة بالقيادات السابقة، وأطلقت على هذا التنظيم اسم ” التنظيم الشعبي الناصري”، وأصدر التنظيم نشرة شعبية باسم” الراية الناصرية”، كما أصدر مجموعة من البيانات والمنشورات والوثائق، ومن هذه الوثائق التي بين أيدينا:
1 ـ التقرير السياسي العام أو ” الوثيقة السياسية”.
2 ـ تقارير مؤتمراته الثلاثة
3 ـ التقارير الاقتصادية
4 ـ البرامج الثقافية.
ويتبنى التنظيم الشعبي الناصري المبادئ الناصرية التي يرى فيها مبادئ الثورة العربية، ويستمد ايديولوجيته من مواثيق الثورة العربية وأقوال عبد الناصر، ويعتبر أن جوهر الفلسفة الناصرية هو ذلك التفاعل بين الفكر والمادة، مع الاعتراف بالدور المهيمن للمادة في العالم الإنساني، وينظر الى الأديان باعتبارها ثورات إنسانية كبرى، ويدعو في الوقت نفسه للاشتراكية العلمية ويؤمن بالصراع الطبقي باعتباره جوهر حركة التاريخ.
ويدعو في الوحدة العربية لإقامة دولة عربية واحدة، ويركز على دور “مصر” المركزي، ويعتبرها “الإقليم القاعدة” لأي نضال وحدوي، ويرى في القومية الانقسام الإنساني الأعمق، وأن تشكيل الدول على أساس قومي لا يتعارض مع حركة الإنسانية وتطلعها للإخاء والتعاون، فالقومية تمايز وليست امتازا.
كما يدعو إلى الديموقراطية، ويعتبر أن كفالة حقوق الإنسان الأولية هي أولى المسلمات الديموقراطية، ويرى في تجربة عبد الناصر الديموقراطية نقاطا مضيئة لا يجوز التغافل عنها، فقد عملت على تحريض الناس ودفعهم والزج بهم في ممارسة العمل العام من خلال المؤسسات الرسمية، والعمل على محو الأمية التعليمية والسياسية، ورفع المستوى المعيشي للجماهير، وهذه من أسس ومقدمات أي بناء ديموقراطي.
وعلى المستوى السياسي يرى ضرورة الاصطدام ومواصلة الصراع مع الصهيونية والامبريالية، ويرفض أية تسوية سياسية للصراع العربي ـ الصهيوني، ويدعو إلى التركيز على ضرب الصهيونية في أضعف نقاطها وهي العنصر البشري، ويدعو إلى مقاومة عربية مسلحة، ويعتبر أنه بغياب نظام عبد الناصر بعد مؤامرة 13/15 مايو/ أيار 1971 التي قام بها السادات ضد النظام الناصري، لم يبق أي نظام عربي متصادم مع الامبريالية، وأن النظم العربية متورطة بشكل أو آخر بقضية” التسوية الاستسلامية”.
وتدعو الوثيقة السياسية إلى استراتيجية مقاومة التسوية، وإعاقتها إلى أن تستعيد مصر دورها القيادي القومي، وتقود الهجمة الثورية المضادة لحالة التردي “الوثيقة السياسية”
وعلى المستوى الداخلي يدعو التنظيم إلى إقامة نظام ديموقراطي وطني وتندد بعمليات الاستقطاب الطائفي، وبالممارسات القمعية، ويعتبر أن النظام الحاكم في سوريا هو نظام الرأسمالية الطفيلية المتحالفة مع تشكيلة ذات طبيعة طائفية فاشية.
ويدعو إلى إقامة جبهة وطنية تقدمية ـ قومية لتحقيق برنامج سياسي وطني معاد للاستعمار ومتصادم مع الصهيونية، ديموقراطي النزعة، تقدمي المضمون، ويوجه التنظيم انتقادات حادة لقوى المعارضة الداخلية، وينتقد وقوع بعض أطرافها تحت تأثير المد الطائفي، كما ينتقد قصور الممارسات الديموقراطية التي تمارسها هذه القوى فيما بينها وداخل مؤسساتها ” الراية الناصرية”
وقد أصدر التنظيم بيانات عدة هاجم فيها الممارسات الإرهابية والطائفية للأخوان المسلمين، واعتبرهم شركاء في عملية تأجيج الأزمة الطائفية في سوريا. واتخذ التنظيم مواقف مميزة تجاه القضايا العربية الساخنة:
ففي الحرب العراقية الإيرانية: دان التنظيم قيام صدام حسين بشن الحرب، واعتبر أن ثمة دوافع أمريكية وراء هذه الحرب، مع توجيه انتقادات للثورة الإسلامية في إيران، لكن هذا الموقف سرعان ما تحول إلى تنديد بالقيادة الإيرانية لإصرارها على متابعة الحرب، والدخول إلى الأراضي العراقية مع استمرار التنديد بالنظام العراقي الحاكم ” الراية الناصرية”.
وفي القضية اللبنانية: انتقد التنظيم كل المحاولات التي تريد أن تعطي للصراع بعدا طائفيا، وانتقد الدور السوري في الأحداث، ودعا إلى تطوير الحركة الوطنية اللبنانية لتشكل بؤرة ثورة في المنطقة العربية ” الراية الناصرية”.
وفي مسألة الصراع ضمن حركة فتح: شن التنظيم الشعبي حملة ضد قيادة عرفات، وضد النهج الإقليمي الذي تسير عليه، ورأى فيه طريقا مسدودة ستؤدي للاستسلام، وعندما حدثت الانتفاضة ضمن فتح أعلن تأييده المبطن لها، وإن دعا لنبذ الصراع بالسلاح ضمن الساحة الفلسطينية، وتمسك بوحدة منظمة التحرير، وباستقلال قرارها المتعلق بمواصلة الكفاح المسلح، وبارتباط الثورة الفلسطينية بالجماهير العربية، وبضرورة استقلالها عن الأنظمة العربية، كما أعلن رفضه لأي خطوة استسلامية تقدم عليها أي قيادة فلسطينية، حيث أن القضية الفلسطينية هي قضية قومية وقضية الأجيال المتلاحقة من أبناء الأمة العربية. “الراية الناصرية”
وفي مسالة الصحراء الغربية: أعلن التنظيم رفضه لتشكيل دولة إقليمية جديدة، ودعا لتوحيد النضال بين ثوار البوليساريو وقوى المعارضة المغربية ضد النظام الملكي، وأدان موقف القوى التقدمية من قضيتي الصحراء وأرتيريا، وأعلن تأييده المستمر لحركة التحرر الأريتيرية باعتبارها قضية وطنية عربية. ” الراية الناصرية”.
وفي القضية التنظيمية: دعا التنظيم إلى إقامة جبهة للقوى والأحزاب العربية على مستوى الوطن العربي، ودعا إلى توحيد التيار الناصري، وتبنى كافة القضايا وهموم الحركة الناصرية والقومية على مستوى الوطن العربي من الانتفاضة الشعبية في مصر، إلى المحاولة الثورية في الجمهورية العربية اليمنية، الى انتفاضة قفصة إلى أحداث المغرب.. ودعا لوحدة الحركة الناصرية في سوريا، ووحدة أداتها التنظيمية.” الراية الناصرية، ملامح البرنامج الوطني”.
أما في البنية التنظيمية فلم يعرف شيء عن هذا التنظيم فيما عدا ما ينشره ويوزعه من بيانات، كما لا يعرف شيء عن حجم عضوته، ولا عن أسماء قياداته رغم ظهور تأثير جزئي له في الشارع السياسي.
8 ـ الحزب العربي الإسلامي
إثر انتشار عمليات الأخوان المسلمين ضد النظام السوري، وانتشار الاستقطاب الطائفي نتيجة الطروحات الطائفية المتشنجة ظهر نوع من الارتداد لدى بعض الكوادر الناصرية السابقة، وهي ذات جذور دينية ويمينية، وأعلن عن إنشاء “الحزب العربي الإسلامي”،
ويحمل هذا التنظيم مزيجا من الأيديولوجية القومية والدينية الإسلامية، ويرى أن القضية العربية هي جزء من “كل شامل إسلامي”، ويدعو إلى الوحدة العربية كمدخل للوحدة الإسلامية، وينظر هذا الحزب إلى القضية الدينية باعتبارها قضية كلية واستراتيجية دائمة، بينما يعتبر القضية القومية أمرا دنيويا ومرحليا.
ورأى في الصراع الطائفي الذي جرى بين الأخوان المسلمين والنظام السوري صراعا مبدئيا بين الحق والباطل، بين الإسلام والكفر، والتقى بطروحاته وتحليلاته مع حزب الأخوان المسلمين، ودعا لسياسة التحالف مع هؤلاء ضد النظام السوري على ضوء مقولته السابقة بأن الصراع تجاوز القضايا الدنيوية مما لم يعد المجال متاحا لمناقشة كافة الأفكار والمواقف وإنما أصبح الصراع بين الكفر والإيمان، بين الإسلام والخارجين عليه، بين السنة والعلوية.
وحاول التنظيم أن يبني الخلايا المسلحة إلا أنه تعرض لعمليات اعتقال واسعة فككت معظم خلاياه في حمص وحلب وإدلب. ولم يقم التنظيم بإصدار أي نشر، وهو غير معروف في الأوساط السياسية أو الشعبية، وليست له قيادات معلنة أو معروفة.
9 ـ حركة الحوار العربي
في بيان المؤتمر التأسيسي قالت الحركة إنه نتيجة فشل الأحزاب والتنظيمات الناصرية في استقطاب قواعد التيار الناصري تداعت مجموعة من الشباب الناصري لتنظيم حركة حوار بينها، ودعت لنشر الحوار بين جميع قواعد وكوادر الأحزاب الناصرية من أجل الوصول لتنظيم واحد بعيدا عن القيادات التي تدافع عن نفسها.. وجاء في البيان أن الحوار أسفر عن الاتفاق على إقامة حركة الحوار العربي، مؤكدة أن الحوار وحده هو وسيلتها لوحدة العمل الناصري وتطويره، ودفعه إلى الأمام، وبأنها لا ترغب بأن تكون مجرد إضافة على مجموعة التنظيمات الناصرية، لكنها بمجرد اعلان قيامها تحولت عمليا إلى تنظيم له أسسه وكوادره ولوائحه، تنظيم يطرح رؤيته السياسية ويدعو إلى التعامل مع الواقع السياسي العربي بمرونة ـ رأى البيان التأسيسي ـ أنها لا تفقد المتعامل معها القدرة على الاحتفاظ بمواقفه المبدئية.
وحركة الحوار العربي تركز على قضية بناء الناصرية دون الاستغراق في الأوضاع السياسية اليومية، وهي تتخذ موقفا إيجابيا من النظام السوري، أو على الأقل غير متصادم معه.
كما تتبنى الحركة المقولات الناصرية في مسائل الفكر الناصري، ويركز نشاطها الإعلامي على قضايا الحوار حول المسائل الناصرية الأساسية وخاصة حول أسس الحوار الديموقراطي، ومستقبل الناصرية، وأسباب خلافات القيادات الناصرية في المجالات الفكرية والسياسية والتنظيمية والشخصية، والطريق على وحدة الحركة الناصرية.
وترى أولى إمارات الديموقراطية ومؤشراتها تكمن في فكرة الحوار ذاتها، فالقبول به يشكل المدخل الرئيسي للديموقراطية، وترى أن مستقبل الناصرية لا يمكن أن يرسمه إلا مجموع القوى والعناصر الناصرية الفاعلة ومن خلال حوار مشترك بينها، كما ترى أن معظم الخلافات بين قوى وقيادات التيار الناصري يعود إلى افتقاد منهج الحوار بينها، وتأثرها بخلفياتها السابقة ومصالحها الذاتية. وترى أن هناك إقرارا بضرورة وحدة العمل الناصري، ولكن تفعيل هذا الإقرار متعذر بسبب غياب المنهج الواحد الذي يرسم الخطوط الاستراتيجية العامة للحركة الناصرية، وبسبب الولاء الحزبي الأعمى الذي تحظى به بعض القيادات الناصرية من قواعدها وافتقاد هذه القواعد القدرة على أن تكون صاحبة القرار.
وتدعو الحركة إلى إيجاد طليعة تمثل قواعد الحركة الناصرية، وتشير إلى أن الحوار هو الطريق الوحيد لإيجاد هذه الطليعة، وتركز على وجوب توفر عدد من الشروط الموضوعية للحوار حتى ينجح:
1 ـ أن يبدأ الحوار بين القواعد والقيادات الناصرية التي تملك أرضية فكرية وسياسية مشتركة.
2 ـ أن يتسم الحوار بروح الثقة والأمانة والأخوة الصادقة، وأن يكون الحوار مراعيا للأصول الديموقراطية.
3 ـ أن يكون للحوار شكل منظم هادف.
4 ـ أن ينطلق الحوار باستمرار من الأصول الناصرية، ومن المفاهيم الحضارية والروحية والإنسانية للأمة العربية ” وثيقة رسائل الحوار”.
ويقود حركة الحوار المهندس عبد العظيم عبد العظيم، وهو عضو سابق في الاتحاد الاشتراكي العربي، وابن أحد قادة الاتحاد لاشتراكي السابقين المرحوم أحمد عبد العظيم، ويلتف حوله بعض خريجي وطلبة الجامعة ويقدر عدد أعضاء هذه الحركة بنحو 200 شخص، ومعظم كوادره أعضاء سابقون في التنظيمات الناصرية المختلفة.
الخلاصة العامة
في هذا الفصل الخاص بالتنظيمات الناصرية رصدنا تسع تنظيمات تعمل في الساحة الناصرية، وتستند إلى جماهير الحركة الناصرية، ورغم مرور ما يقارب الربع قرن على غياب القيادة الناصرية عن سوريا فإن الحركة الناصرية لاتزال تتمتع بتأييد شعبي، وتعتبر من أكثر التيارات شعبية، ولكن هذه الحركة الناصرية افتقدت باستمرار الوحدة التنظيمية وتصارعت فيها العديد من التنظيمات والأجنحة.
وبعد العرض الذي قدمناه يمكن أن نعزو أسباب تشرذم الحركة الناصرية الى عوامل عدة:
1 ـ النمو الهائل والمبكر في التيار الناصري: هذا النمو الذي كان أكبر من إمكانية السيطرة عليه من قبل الكوادر القيادية، والذي اكتسح في بعض المراحل معظم القطاعات الجماهيرية، وبسبب هذا الاتساع كان لابد أن تظهر فيه تيارات مختلفة بسبب الأرضيات الفكرية والسياسية التي صبت في هذا التيار، والتي تراوحت من حدود اليمين الديني الى حدود اليسار الماركسي.
2 ـ افتقاد الحركة الناصرية في معظم الأحيان للبعد الفكري واقتصارها على البعد السياسي، والذي كان انعكاسا للموقف السياسي للجمهورية العربية المتحدة بقيادة جمال عبد الناصر.
3 ـ ضعف الكوادر الوسيطة: وهي التي تمثل هنا القيادات المنظمة، حيث ولاء الجماهير باستمرار لجمال عبد الناصر، وفي معظم الأحيان كذلك لم تستطع القيادات المحلية أن تلعب دور البوصلة بين القيادة الناصرية، وبين قواعد التيار الناصري.
4 ـ افتقاد الحركة الناصرية لمركز الاستقطاب وذلك بغياب مصر الناصرية بعد حركة 13 / 15 مايو/ أيار التي قادها أنور السادات في مصر، مما سمح بنمو الاجتهادات المختلفة وعدم وجود مرجع أساسي لحل الخلافات.
5 ـ الهجمة الشرسة التي تعرضت لها الحركة الناصرية، والتي استهدفت الاستيلاء على قواعد التيار الناصري وتسخيرها لخدمة القوى المتعددة التي رأت في غياب جمال عبد الناصر فرصة لوراثة دوره، وقد عملت هذه الهجمة على محاولة ترويض التيار الناصري ومن ثم شرذمته.
6 ـ افتقاد المنهج الديموقراطي في أساليب العمل الحزبي الناصري، وبروز دور القيادة الفردية بشكل مطلق، حتى أصبحت بعض التنظيمات والأجنحة تعرف باسم أمنائها العامين وقادتها (تنظيم الأتاسي ـ الجراح ـ الكيالي ـ القدسي ـ فائز إسماعيل ـ جعيداني..)
وساعدت الهجمة المعادية من جهة واختفاء الديموقراطية من جهة أخرى على إيجاد العديد من التنظيمات والأجنحة دون مبرر موضوعي لوجودها.
ما قدمنا من عرض يظهر أن هناك خمسة فصائل تدعي الناصرية تتطابق حرفيا في سياساتها المعلنة وأفكارها المطروحة وهي (حزب الوحدويين الاشتراكيين ـ حركة الوحدويين الاشتراكيين الديموقراطيين ـ حزب الاتحاد الاشتراكي العربي جناح القاضي، حزب الاتحاد الاشتراكي جناح القدسي ـ الحزب التقدمي الناصري)، وكلها تتفق على الالتفاف حول قيادة البعث السوري، وتتفق معه حول كافة تفاصيل مواقفه السياسية، وليس هناك أي مبرر أو تمايز بينها سوى ادعاء كل جناح منها أنه أكثر انسجاما مع الجبهة الوطنية التقدمية، وأكثر قدرة على خدمة أهدافها، والتعبير عن الجماهير الناصرية، وكلها شهدت حركة انقسامات وتشرذمات وانسحابات وصراعات تدور حول المناصب الوزارية والرسمية في الدولة والجبهة، وهي جميعها تفتقد مقومات البناء الحزبي في أبسط اشكالها، وأهمها الولاء الكلي للتنظيم، ووحدته وخضوعه لمركز قرار واحد.
كما أن معظم هذه الفصائل تقبل بدور هامشي للحركة الناصرية في الساحة السياسية العامة، وترتضي بأن تكون تابعة لاتجاهات أخرى سواء التبعية للجبهة الوطنية التقدمية كما أوضحنا قبل قليل، أو للتيار الديني كما يظهر لدى الحزب العربي الإسلامي.
بينما تتحقق الاستقلالية لدى الاتحاد الاشتراكي العربي ـ جناح الأتاسي الذي يتحرك مع مجموعة من القوى الماركسية على طريق تحالف وطني ديموقراطي مع محافظته النسبية على استقلاليته الفكرية، وأيضا لدى التنظيم الشعبي الناصري الذي لم ينخرط في أية تحالفات سياسية خلال هذه المرحلة، والذي بقيت نظرته للتحالفات الوطنية باعتبارها تحالفات سياسية مرحلية أكثر منها دعوة استراتيجية دائمة.
من هنا فإن الدعوة إلى وحدة التيارات الناصرية يجب ان ترتبط بإلغاء التشرذم بين القوى والتنظيمات والفصائل غير المتمايزة، بحيث تزول التنظيمات والتشكيلات والأجنحة الوهمية أولا، وتتوحد الفصائل المتجانسة ثانيا، ثم يتم وضع الأسس لوحدة القوى المتبقية وعلى رأس هذه الأسس قضية تعميق المفاهيم الحزبية وتدعيم البناء العقائدي.
ومن الواضح أن الحركة الناصرية ستبقى متأثرة بالأجواء المحيطة بها، خاصة وأن هناك تخوفا حقيقيا لدى كافة القوى المعادية من وحدة الحركة الناصرية التي بمقدورها ـ إن تحققت ـ أن تشكل مركز استقطاب جدي للجماهير الشعبية مرة أخرى.