رجاء الناصر ـ مخلص الصيادي
مايو 31, 2023
الحلقة الثالثة: الإخوان المسلمون في سوريا 2/3
الاخوان المسلمون وممارسة العنف
ارتبط تاريخ الاخوان المسلمين بأعمال العنف بشكل عام، كما ارتبط تاريخهم بعمليات الاغتيال السياسي، التي استهدفت بعض المسؤولين في مصر، مثل اغتيال القاضي الخازندار ورئيس الوزراء النقراشي، ومحاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر. وارتبطت تربيتهم التنظيمية بمسألة التربية البدنية كجزء مكمل للتربية الروحية، واعتبر التنظيم الخاص “الميليشيا” جزءا حيويا من التنظيم الأم.
إلا أن الفرع السوري بقيادة الشيخ “مصطفى السباعي” لم يمض على ذات الوتيرة بشكل دقيق، إذ أولى العمل السياسي “الجماهيري والبرلماني” أهمية أكبر على حساب العمل المسلح الذي اقتصر في تلك المرحلة على أمرين اثنين:
الأول: تدعيم دور الرياضة، حيث أنشأت الجماعة العديد من النوادي الرياضية، مثل نادي فتيان بدر لكرة السلة بدمشق، والنادي الرياضي في حي باب الجابية، والنادي الرياضي في حي الميدان، ونادي القادسية في حمص، والنادي الرياضي في اللاذقية، وغيرها.
كما عمل على تربية شباب الجماعة تربية عسكرية خشنة فأنشأ “نظام الفتوة”، وأقام المعسكرات الكشفية وعمل على تدريب عناصره تدريبا رياضيا مكثفا من أجل تعميق الفكرة التي تقول بالتدريب الجسدي والروحي المزدوج، حيث يتم تدريب الجسد بالرياضة، وتدريب الروح بالتقوى.
الثاني: المشاركة في حرب فلسطين عام 1948، حين شكل الإخوان المسلمون كتائب متطوعة قاتلت إلى جانب جيش الإنقاذ الفلسطيني، وانسحبت هذه الكتائب مع دخول الجيوش العربية الحرب، ومن ثم توقيع اتفاقية الهدنة.
وانتهت هذه المرحلة بحل الكتائب المسلحة، وبعدها حلت كافة النوادي والفرق شبه العسكرية في ظل حكم “أديب الشيشكلي”، حيث انصرف الإخوان نهائيا وطوال مرحلة قيادة السباعي إلى العمل السياسي.
كما استمرت الجماعة على ذات المنهج في ظل قيادة “عصام العطار” الذي انخرط بدوره في العمل السياسي والبرلماني، واقتصرت التدريبات البدنية على نشاطات شبه فردية، وغير منظمة بشكل جدي، ولم تأخذ دعوة الجهاد أو العمل المسلح بعدها إلا على يد الشيخ “مروان حديد” الذي هيأ لأول صدام مسلح فعلي مع السلطة عام 1964 في مدينة حماة ـ كما مر ذكره ـ وبدأ بإعادة صياغة العمل المسلح لدى الاخوان ككل، وكان من نتائج عمله إقامة معسكرات التدريب في الأردن، وقد ضم المعسكر الأول أكثر من خمسين كادرا رئيسيا شكلوا فيما بعد نواة جناحه الخاص ” الطليعة المقاتلة”، وتبنى هذا الجناح نظرية تنظيمية مختلفة عما هو معهود لدى الإخوان المسلمين، إذ اعتمد على عسكرة التنظيم ككل، وتحويل التنظيم إلى تنظيم مقاتل، فكانت لجان التنظيم التي تقود هياكله الرئيسية في المحافظات تتألف من: الأمير، ومسؤول العمل العسكري” المسلح”، ومسؤول التدريب، ومسؤول التنظيم العام “السياسي”.
وأصدر الشيخ مروان حديد فتوى دينية بالجهاد ضد الطاغوت” نظام الحكم الكافر”، وتضمنت الفتوى جواز محاربة “الحاكم الذي لا يحكم بكتاب الله وسنة نبيه، ولا يتخذ القرآن دستورا له”.
ونشطت معسكرات التدريب طوال عامي 1974 ـ 1975، والتي أقيم معظمها حول مدينة اللاذقية، وتم تدريب معظم عناصر الطليعة على استخدام السلاح وعلى المقاومة الفردية وأعمال التخريب.
ووضعت الطليعة خطة للعمل المسلح تبتدئ مرحلتها الأولى من عمليات الاغتيال الفردي لعناصر بارزة في أجهزة السلطة، ومن ثم الانتقال إلى حرب عصابات المدن، ثم مواجهة دوريات ومراكز الأمن والجيش، لتنتقل في المرحلة الثالثة إلى إحداث انتفاضات شعبية مسلحة، لتنتقل بعد ذلك إلى مرحلة الحسم النهائي من خلال تمزيق الجيش وتحييده مع انجاز قفزة شعبية مسلحة عامة على مستوى الإقليم كله.
واستطاعت الطليعة أن تنفذ المرحلة الأولى والثانية بنجاح طوال أعوام 1976 ـ 1977 ـ 1978، إلا أن الإيقاع العام كان بطيئا، كما أن الخطة لم تتضمن في هذه المرحلة التعرض للعناصر الأساسية في النظام، وعلى ما يبدو لم تكن تريد إحداث تغييرات جوهرية في طبيعة النظام، وذلك قبل أن يتمكن التنظيم من حشد قواه السياسية والشعبية والعسكرية من أجل الانقضاض على السلطة، وإحكام قبضته عليها.
أما باقي أجنحة ” الإخوان” فلم تتهيأ للعمل المسلح إلا بضغط من جناح الطليعة، الذي استطاع استيعاب عناصر كثيرة من أعضاء الأجنحة بتأثير الانتصارات الأولية التي حققها، وبدافع إرهاب السلطة الذي أخذ يطال قطاعات واسعة من عناصر التيار الديني، فمع بداية الأعمال المسلحة لجناح الطليعة، قام كل من جناح العطار” الطلائع الإسلامية”، وجناح سعد الدين ” القيادة العامة” بتشكيل تنظيم خاص ضمن صفوفه، بحيث ضمت كل قيادة محلية مسؤولا عن العمل الخاص “المسلح”، مهمته تشكيل تنظيم مسلح مستقل عن باقي التنظيم، وحاول هذان الجناحان تشكيل تنظيم عسكري مشترك، لكن لم يتم الاتفاق النهائي على ذلك حتى مرحلة متأخرة تلت مرحلة توحيد الأجنحة المتعددة للإخوان، وتحت ضغط القيادات المحلية في مدينتي حلب ودير الزور أصدر “عصام العطار” قرارا بتبني الكفاح المسلح، والتنسيق مع جناح الطليعة، وطالب العناصر التابعة لقيادته الراغبة بالعمل المسلح بالانضمام إلى مقاتلي الطليعة.
أما جناح ” القيادة العامة” فقد اتخذ قراه بتأييد العمل المسلح اعتبارا من سنة 1979، وابتدأ من مطلع عام 1980 ممارسة عمليات العنف بعد أن سحب كافة عناصره القيادية المكشوفة الى الأردن، وكان مكتب الارشاد المركزي للإخوان المسلمين قد أصدر قرارا بتأييد استعمال العنف للإسقاط نظام الحكم في سوريا، وعهد إلى فرع الإخوان في الأردن بتأمين المعسكرات والامدادات اللازمة لهذا العمل.
أما المرحلة الثالثة من الخطة فقد بدأ تنفيذها مع عملية الدمج بين الأجنحة الثلاثة، حيث أعلن عن انتفاضة مدنية مسلحة، وحركة اضراب عامة شملت مدن حلب وحماة وحمص وإدلب، واستمرت أكثر من خمسة عشر يوما خلال شهر شباط، من عام 1980، وساهمت نقابات المهن العلمية بهذا الاضراب، كما ساهمت فيه العديد من أحزاب المعارضة/1
أما مرحلة الحسم فقد وضعت لها القيادة العامة خطتها على الشكل التالي:
ـ تحديد شهري نيسان/ابريل، أيار / مايو، من عام 1981، مرحلة تسكين الأوضاع العامة لتخفيف حدة الأجهزة الأمنية، وفيها تتم عملية تجميع كافة عناصر وأجنحة الاخوان المسلمين ومؤيديهم من الجماعات الدينية المختلفة.
ـ مرحلة التهيئة والتدريب العسكري لكافة الكوادر التي سيجري الالتقاء معها في المرحلة السابقة، وحدد لذلك ثلاثة أشهر حزيران / يونيو، وتموز / يوليو، وآب / أغسطس.
ـ مرحلة العودة لتصعيد عمليات العنف في كافة المحافظات مع تحضير القطاع العسكري “الجيش” للعمل، وتمتد هذه المرحلة إلى شهري أيلول / سبتمبر، وتشرين أول / أكتوبر.
ـ مرحلة التصعيد العام في القطاعين المدني والعسكري، والبدء بإصدار بيانات عن الأحداث خلال شهري تشرين ثان/ نوفمبر، وكانون أول/ ديسمبر.
ـ مرحلة إعلان النفير العام، والدعوة إلى انتفاضة شعبية عامة يمتد خلال الأشهر الأولى من عام 1982، وتحديد يوم الثامن من آذار / مارس موعدا للضربة الحاسمة/2
لكن هذه الخطة فشلت بسبب الضربات المؤثرة التي تعرض لها التنظيم في محافظتي حلب ودمشق، وبسبب كشف القطاع العسكري بعد اعتقال مسؤول الارتباط ” خالد الشامي”/3
وتعتبر حوادث حماة فبراير 1982 آخر محاولة انتفاضة كبيرة قام بها التنظيم، وقد ساعد على قمع هذه المحاولة علم الأجهزة الأمنية مسبقا بخطة التحرك/4.
1ـ لم يتم التنسيق بين أحزاب المعارضة المختلفة المشاركة بالانتفاضة التي أيدها بشكل رسمي أحزاب التجمع الوطني الديموقراطي (الاتحاد الاشتراكي، الشيوعي ـ جناح الترك، حزب العمل الثوري، البعث الديموقراطي)، والتنظيم الشعبي الناصري. وحاولت أحزاب المعارضة من غير الاخوان التأكيد على الطابع الوطني الديموقراطي للانتفاضة إلا أن دور هذه الأحزاب لم يكن مؤثرا بشكل ملموس.
2ـ نشرت هذه الوثيقة ضمن كتاب ” الإخوان المسلمون تاريخ أسود” الصادر عن أجهزة إعلام النظام السوري، وأخذت من اعترافات خالد الشامي أحد العناصر القيادية المقبوض عليهم.
3ـ تألف المجلس العسكري من عدد من الضباط يتبعون جناح سعد الدين، مع عدد مماثل من الضباط يتبعون جناح العطار، يضاف إليهم عضو مدني من جناح ” الطليعة المقاتلة”، وقد ألقي القبض على معظم ضباط القطاع العسكري، ومعظمهم من سلاح الطيران أواخر العام 1981.
4ـ دمرت في الأحداث التي امتدت عشرين يوما أحياء كاملة في المدينة، وكان مجموع الضحايا يزيد عن عشرين الفا من المواطنين الأبرياء.