رجاء الناصر ـ مخلص الصيادي
مايو 6, 2023
عرض الأحزاب القومية ـ 3 / 3
7ـ الحزب السوري القومي الاجتماعي
في سبيل بعث سوريا ونهضتها، وإعادة مجدها الغابر، وحضارتها الإنسانية الكبرى، حضارية ما بين النهرين، أقدم حضارات الإنسانية وأرقاها تأسس الحزب السوري القومي.
لمحة موجزة من تاريخ الحزب
تأسس الحزب على يد أنطوان سعادة عام 1932، واستطاع مؤسس الحزب أن ينمي الخلية الأولى لتضم لاحقا الألوف من الشباب المؤمن بالعقيدة السورية، جاعلا من منبر الجامعة الأمريكية في بيروت ـ التي عمل فيها مدرسا ـ منبرا للدعوة.
واستطاع الحزب أن يعقد مؤتمره الأول عام 1935، وفي ظل دعوة كفاحية ملتهبة كان الحزب يستلهم الأسلوب الفاشي ـ تسلسل هرمي، انضباط حديدي ن قمصان رمادية، طاعة مطلقة للقيادة المجسدة بشخص القائد المؤسس، عقيدة قومية متعصبة تربط الفكر بالدعوة بالتنظيم بالتدريب على القتال من أجلها.
وفي العقيدة القومية كانت سوريا الكبرى هي الأمل، دولة قوية مؤثرة تنفض عن كاهلها ” آثار العروبة”، وكان هذا يتطلب موقفا حاسما من الاستعمار، وحتى تستعيد سوريا مجدها لابد أن يتحد شعبها حول عقيدة القومية وحدها، ولا بد أن ينبذ كل الدعوات الطائفية التي تمزقه، ورأى القوميون السوريون أن الطوائف والمذاهب المنتشرة في سوريا ليست سوى دين واحد هو الإسلام بشقيه: “المسيحي والمحمدي”، وليس هو إلا امتداد للأساطير والأديان المنبثقة من بلاد سوريا، من اساطير جلجامش وغيرها من الأساطير ودعا إلى العلمانية وإلغاء تسلط الفكر الديني على الحياة العامة، وهاجم بشدة الطائفية ومرتكزاتها في المنطقة.
لكن هذه الدعوة، وما تمثله من إرادة كفاحية اصطدمت مع سلطات الانتداب، فأحيل في 10 / 12 / 1935 مؤسس الحزب وعدد من رفاقه الى المحاكم بتهمة التآمر على الدولة، وحكم عليه بالسجن لمدة ستة اشهر، وغادر بعدها البلاد الى المغترب، ليقضي هناك جولة طويلة امتدت تسع سنوات، تابع خلالها مريدوه نشاطهم، واستطاعوا الحصول على ترخيص رسمي بنشاط الحزب عام 1942، ولكن نشاط الحزب بقس فاترا بسبب غياب مؤسسه ، إلى أن عاد القائد المؤسس الى بيروت في 3 / 3 / 1947، ليعيد النشاط والحمية إلى حزبه ولينفض عنه حالة الفتور والتراخي التي ألمت به.
ولم تكن سلطات الانتداب هي القوة الوحيدة التي جابهت الحزب، وإنما ووجه من كافة القوى الأخرى، ومن أنصار العروبة، ومن القوى الانعزالية اللبنانية وعلى راسها حزب الكتائب الذي وجد في الدعوة الى القومية السورية خطرا على الكيان اللبناني الذي يدعو إليه، وتعرضت مكاتب الحزب القومي السوري للتدمير على أيدي الكتائب المدعومين بأجهزة الدولة اللبنانية، وأعيدت أجواء الملاحقات والصدام والمحاكمات لتطال مرة أخرى قادة الحزب وذلك بعدما أعلنت الأجهزة الأمنية عن اكتشاف خطط للتآمر على السلطة وقلبها بشكل غير مشروع.
كانت بعض هذه الخطط منسقة مع الزعيم حسني الزعيم قائد الانقلاب السوري الأول عام 1949، وفعلا شن الحزب القومي السوري في تموز/ يوليو من نفس العام حرب عصابات ضد الدولة اللبنانية، لكن هذه الحملة فشلت في مهدها ، وهرب أنطوان سعادة إلى سوريا، لكن السلطة السورية وفي محاولة منها للتنصل من دورها في العملية ، ولكسب ود الحكومة اللبنانية أقدمت في 7 تموز / يوليو 1949 على تسليم أنطوان سعادة زعيم الحزب الى السلطات الأمنية اللبنانية، حيث حوكم أمام محكمة عسكرية خاصة، وحكم عليه بالإعدام في 8 تموز / يوليو 1949، ونفذ الحكم فورا، ولم تستغرق المحاكمة وتنفيذ الحكم أكثر من أربع وعشرين ساعة.
إلا أن موت القائد المؤسس لم ينه الحزب كما اريد له، وإنما شكل عامل دفع قوي، حين استغل إعدامه من قبل أنصاره إلى أقصى حد، وأصبحت عملية إعدامه اسطورة نضاليه في حياة الحزب، واستطاعت الدعاية الناجحة التي ابرزت صلابته أمام جلاديه أن تجعل منه أنموذجا ثوريا دفع عددا كبيرا من الشباب للانضمام الى صفوف الحزب، وكانت الفترة التي أعقبت إعدام سعادة أهم فترات الحزب صعودا، واستطاع الحزب أن يتغلغل في صفوف الجيش السوري، كما تمكن أمينه العام ” عصام المحايري” أن يصل الى عضوية مجلس النواب السوري الذي اعقب مرحلة حسني الزعيم.
ورغم عدم مقدرة الحزب على اختراق الجمهور بشكل عام، إلا أنه استطاع أن يجمع حوله منظمة بشكل جيد، كما استطاع تكوين قاعدة لا باس بها ضمن الطائفة المسيحية الأرثوذكسية، وضمن الأقليات الصغيرة وخاصة في الشمال الشرقي من سوريا، حيث مناطق الآشوريين.
لكن الحزب اصطدم بعنف بكل من الحزب الشيوعي الذي رأى فيه أنموذجا للحزب الفاشي اليميني الذي ينظر إليه وفق المنظور الماركسي كأعتى الأحزاب الرجعية وأشدها خطرا، وحزب البعث الذي رأى فيه حزبا انعزاليا فاشيا، واعتبره مجرد عميل للقوى الاستعمارية.
ورغم هذا العداء واصل الحزب الصعود، فاستطاع إيصال عضوين منه إلى البرلمان السوري في انتخابات 1954، كما ازداد تأثيره ضمن المؤسسة العسكرية بفضل نشاط مسؤوله العسكري الرائد ” غسان جديد”.
في نيسان / أبريل من عام 1955 أقدم أحد أعضاء الحزب على تنفيذ اغتيال نائب رئيس أركان الجيش السوري العقيد عدنان المالكي، القومي العربي ، وذلك بعد أن تأكد للحزب وجود مخطط لدى المالكي لاستئصال شأفة القوميين السوريين من الجيش، تمهيدا للإجهاز على الحزب كله، ورغم انتحار القاتل فور تنفيذ عملية الاغتيال إلا أن جهاز المخابرات السوري الذي كان بقيادة المقدم عبد الحميد السراج، أحد أشد انصال المالكي، استطاع الكشف عن هوية القاتل، ومتابعة التحقيق، والوصول إلى كامل الخطة المقررة لعملية الاغتيال، وتم القاء القبض على عدد كبير من كوادر الحزب، وتفكيك معظم خلاياه العسكرية ضمن الجيش والتي قدرت بثلاثين ضابط ومائة صف ضابط، وهو عدد كبير بالنسبة لوضع الجيش السوري في ذلك الحين، وقدمت كوادر الحزب للمحاكمة بعد حملة اضطهاد كبيرة، وحملة تشهير واسعة، حيث اتهم الحزب بالاتصال مع الولايات المتحدة، والقوى الغربية وتجسسه لحساب “إسرائيل”، ومحاولته استلام السلطة بالقوة، كما نظمت مظاهرات شعبية استهدفت مكاتب الحزب ومقراته حيث تم احراق بعضها.
واعتبر الحزب خارجا على القانون وصدرت أحكام بالإعدام والسجن لمدد طويلة بحق عدد كبير من قادته وكوادره، وتمكن بعضهم من الإفلات من يدي الأجهزة الأمنية والهرب إلى لبنان.
لكن الحزب رغم الضربة القوية التي وجهت إليه في سوريا استطاع إعادة تنظيم نفسه في لبنان، وحاول تنظيم انقلاب في سوريا في العام 1965، بمساعدة مجموعة من الضباط والسياسيين المؤيدين للعراق، إلا أن المحاولة فشلت، وفي العام 1957 تم اغتيال أحد أبرز قادته العسكريين الرائد غسان جديد من قبل مجهولين في بيروت.
وبسبب من نتائج عملية اغتيال المالكي دار صراع شديد داخل قيادة الحزب وحمل عدد من قادة الحزب وعلى رأسهم ” أسد الأشقر” المسؤولية عن العملية ونتائجها لرئيس الحزب “جورج عبد المسيح”، ونجم عن هذا الصراع انشقاق الحزب إلى جناحين، أحدهما بقيادة أسد الأشقر، والآخر بقيادة جورج عبد المسيح.
وفي لبنان تعرض الحزب لأزمة أخرى، وحملة شديدة بعد فشكل المحاولة الانقلابية التي نظمها الحزب عام 1961، والتي أوكلت قيادتها للنقيب في الجيش اللبناني ” فؤاد عوض”، واعتبر الحزب خارجا على القانون، وألغي ترخيصه، ولم يعد إليه الاعتبار إلا في مرحلة متأخرة، وأفرج الرئيس اللبناني شارل الحلو عن المعتقلين من كوادر الحزب في العام 1969، بعد أن أمضوا ما يقارب ثماني سنوات في السجن.
وعندما قامت الحرب الأهلية اللبنانية اتخذ الحزب موقفا وطنيا وحمل السلاح ضد حزب الكتائب والانعزالية اللبنانية، وكان الحزب قد استعاد شرعيته عندما منح الترخيص مجددا أيام استلام ” كمال جنبلاط” وزارة الداخلية اللبنانية عام 1972، واستمر الحزب إلى جانب الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية، وكان عدد كبير من قادته قد قام بمراجعة نقدية لمواقف الحزب وأفكاره، وتبنوا مقولات يسارية.
وعند دخول الجيش السوري إلى لبنان عام 1976 انقسم الحزب إلى شقين، أحدهما بقيادة” الياس قنيزح” الذي أعلن تأييده لدخول سوريا الى لبنان، وتحالفه مع القوى المؤيدة للنظام السوري، بينما أيد جناح “انعام رعد” التحالف الوطني الفلسطيني الذي كان في حينها معارضا للتدخل السوري، لكن هذا الانقسام لم يستمر طويلا، حيث أعيدت وحدة الحزب، وانتخب ” عبد الله سعادة” رئيسا له.
ويعتبر “الحزب القومي السوري الاجتماعي” ـ وهو الاسم الذي نال به الترخيص مجددا في لبنان ـ من أركان الحركة الوطنية اللبنانية، وأحد الأعضاء القانونيين في جبهة الخلاص الوطني، وهو يرى في تحالفه مع سوريا تطبيقا لعقيدته السورية، وأهم قادته الحاليين، عبد الله سعادة، وأسد أشقر، وانعام رعد، والياس قنيزح، ومروان فارس.
أما في سوريا منذ اغتيال المالكي اختفى الحزب من الحياة العامة نهائيا، وعاد إلى النشاط السري، وفي العام 1963 دخل عدد كبير من أعضائه في صفوف حزب البعث الحاكم، وذلك بعيد استيلاء الأخير على السلطة واصطدامه مع التيار الناصري.
وهو يعيد حاليا تنظيم نفسه، وترتيب أوضاعه بشكل سري، ويتواجد في مناطق الأقليات القومية والدينية، كما يوجد عناصر متعاطفة معه ضمن مؤسسات الدولة، ولكنه لا يعلن ‘عن أي نشاط له، ويغطي نشره الداخلي باسم الحزب في لبنان، ويتخذ موقفا محايدا من السلطة، ويعتبر أن مجال عمله هو الحركة التنظيمية والتثقيف العقائدي، ويقوم بنشاط ثقافي مكثف حيث يدفع عناصره للاشتراك في الندوات والمعارض والكتابة والنشر من أجل بعث ” الحضارة السورية”.
وتنتشر معظم كوادره في مدن دمشق وحلب ومحافظة الجزيرة، وبينما يدعي بعض قادته أن حجم عضوية الحزب في سوريا بعشرات الآلاف تؤكد مصادر أخرى أنها لا تتجاوز بضع مئات من الأعضاء العاملين وعدد آخر من الأنصار ومعظمهم من المثقفين.