رجاء الناصر ـ مخلص الصيادي
مايو 8, 2023
نظرة تحليلية … مأزق الأيدولوجيا وامتحان السلطة 2 /8
كل الأزمات، والاشكالات التي اعترضت مسيرة الحزب كان يمكن له أن يتجاوزها، بل وأن يحولها إلى عناصر إيجابية في مسيرته بما يستخلص منها من عبر ودروس ينعكس اندفاعا، وفاعلية في حركته المستقبلية، لكن تحقيق هذا الشكل من التفاعل يفرض ويحتاج أن يكون البنيان العقدي للحزب، وبنيانه التنظيمي يؤهلانه لذلك.
إن الفارق بين الشعارات التي رفعها البعث، وبين الدور الذي سطره تاريخه لايزال فارقا كبيرا، كبيرا جدا، يقف الإثنان: البعث والشعارات، على طرفي نقيض، وكلما تقدم الزمن تزداد الهوة، وتتباعد المسافات. ولا شك أن مثل هذه الحالة تعبر ـ فيما تعبر ـ عن أزمة عميقة على مستوى الفهم الأيديولوجي للحزب: على مستوى العقيدة والايديولوجيا، كما على مستوى الطريق والتكتيكات.
وإذ يتعامل الحزب مع أكثر القضايا حيوية في تاريخنا المعاصر: الوحدة العربية، فإن أزمة كهذه لا يمكن إخفاؤها، ولا التغاضي عنها، ويصبح البحث في هذه القضية بالذات البداية السليمة لفهم أزمته.
القسم الأول: بنية الحزب القومية
من المعلوم إلى درجة البداهة أن حزب البعث العربي الاشتراكي من أوائل وأقوى الأحزاب التي بنيت على الأساس القومي، وجعل شعار وحدة الأمة العربية الهدف الأول من بين شعاراته الثلاثة: الوحدة، الحرية الاشتراكية. بل أكثر من ذلك فإن الحرية والاشتراكية جعلهما مضمون الهدف الوحدوي، فأصبحت الوحدة هي الأساس، والمنطلق، وكشف هذا الجزء من أهدافه في شعاره العام” أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة”.
ومن المعلوم أن أخطر الانقسامات التي حدثت في الحزب، إن في سوريا، أو على المستوى القومي، كانت حول قضية الوحدة، حينما اصطدم الحزب مع عبد الناصر، ووقف موقفا معاديا له، ثم حين وقع صلاح البيطارـ وأكرم الحوراني ـ وثيقة تأييد الانفصال.
وأخيرا فإن الحزب تلقى أعنف الضربات إبان مرحلة” الوحدة الثلاثية”، حينما اكتشفت القيادة القومية بعد فترة قصيرة من إجهاض هذه المحاولة أن السلطة التي ظنتها رهن يمينها، لا تملك فيها شيئا، وأن هناك قيادة أخرى للحزب تقبض على كل الأمور، وما لبثت هذه القيادة أن اضطرت للخروج إلى العلن، واستلام السلطة مباشرة، وبات حزب البعث منذ ذلك التاريخ 23 شباط / فبراير 1966 حزبين، يتصارعان، وستمر الوضع هكذا.
إن المكانة المقدسة للوحدة في عقيدة الحزب، وفشله الأكيد في التعامل معها على مستوى الأمة العربية، وعلى مستوى حزبه القومي، هو ما جعلنا نشير إلى أزمته الأيديولوجية في محاولة لاستجلاء جوانب موضوعية في هذه الأزمة.
قبل محاولة البحث في هذه الإشكالية، هناك حقيقة تبرز أمامنا بوضوح لابد من تسليط الضوء عليها لأنها تساعد على كشف بعض الجوانب الموضوعية في تلك الإشكالية.
إن حزب البعث القومي هو في الواقع المادي جزب خاص بالمشرق العربي، أي حزب مشرقي، ولم يتعد هذه الحدود إطلاقا، وقولنا هذا لا يعني أنه لم يحقق وجودا خارج المشرق العربي، فإننا نعرف تماما أنه كان له وجود في مصر، والسودان، وتونس، واليمن، وحتى الجزيرة العربية، ولكننا نعني أن وجوده كحزب، كقوة فاعلة، اقتصر على المشرق العربي، أما خارج المشرق العربي فإن وجوده لم يتعد أن يكون وجودا شكليا منذ البداية، ولم يتطور لا إلى درجة الفعل في الحياة السياسية في تلك الأقاليم، ولا إلى درجة تحمل أو تبشر ببوادر الفعل السياسي، وكان وجوده داخل الحزب، في العضوية والمؤتمرات والمؤسسات القيادية مثل ذلك، بل إن اتجاه هذا الوجود كان ينحو الى الهامشية باستمرار.
قد يرى بعض قادة هذا الحزب أن السبب في ذلك يعود الى موضوعة كثيرة التردد لديهم وهي أن القضية القومية كانت أكثر نضوجا في المشرق العربي منها في أقاليم واقطار أخرى، لأسباب تاريخية واجتماعية، بمعنى “مشرقية الفكرة القومية”، وهذه الموضوعة تحتاج إلى نقد من زاويتين:
- معنى النضج الذي يطلقونه على الحركة القومية في المشرق العربي.
- ومعنى القضية القومية ذاتها، والأنموذج المشرقي الذي أطلت من خلاله.
وقد لا يوافق بعض قادة الحزب على توصيفنا، ويبقون متمسكين بقولهم إن حزب البعث حزبي قومي البنيان، وفي مواجهة هذا الادعاء نحن مدعوون إلى رؤية أكثر تدقيقا لمسار الحزب من ذه الزاوية.
في العام 1947 انعقد المؤتمر القومي الأول ” التأسيسي” للحزب، وحتى العام 1963 كانت هناك ست مؤتمرات قومية، فهل كانت هذه المؤتمرات قومية فعلا.
إن البنية القومية لأي حزب تستند إلى عدة عوامل، بتوفرها نستطيع أن نشير إلى حزب ما بأنه حزب قومي، هذه العوامل هي:
- قومية المبادئ والأهداف.
- قومية السياسات والمواقف.
- قومية البنية الداخلية: القيادة، الفروع، والعلاقات.
- قومية السيطرة من المركز الى الفروع.
وواضح أن من هذه العوامل أن العاملين الأول والثاني فيها يجعلان للحزب صفة الانتماء القومي، بينما حين يتوفر معهما العاملين الثالث والرابع يكون أمامنا بنية قومية للحزب، أي يكون أمامنا حزب قومي، وواضح أيضا أن من هذه العوامل ما يجب توفره ابتداء، ومنها ما يمكن توفره مع الزمن بالنمو والتوسع.
وحزب البعث وقد تحقق فيها العاملان الأولان ابتداء، عجز عجزا بينا عن تحقيق العوامل الأخرى، فأهداف الحزب ومبادئه قومية، وسياساته حتى تاريخ اصطدامه مع دولة الوحدة ومن ثم فشله في انجاز الوحدة الثلاثية، ثم الوحدة الثنائية مع العراق، كانت مواقف قومية. لكن الصدام والفشل أفقده هذا العامل.
أما بنية الحزب الداخلية: القيادة، والفروع، والعلاقات، فلم تستطع يوما أن تتعدى إطار المشرق العربي، ومنذ اللحظة التي ظهر فيها جمال عبد الناصر على الساحة القومية، وتفتحت قنوات الاتصال بين ثورة يوليو، وحركة النضال العربي في بقية الأقاليم، فإن وجود الحزب خارج إطار المشرق العربي كان يندفع بسرعة إلى مزيد من الشكلية، ولو تابعنا مؤتمرات الحزب القومية لتبين لنا الوزن الحقيقي في هذه المؤتمرات، والوجود الساحق فيها لفروع الحزب في المشرق، في سوريا ولبنان والعراق والأردن، أي في أن المجال الحيوي للحزب كان باستمرار “سوريا الطبيعية”، ولم يتعد ذلك بشكل مؤثر في أي مرحلة من مراحل نموه، ولم يظهر خلاف هذه الحقيقة في أي مؤتمر من مؤتمراته.
وإذا كانت تشكيلات القيادة القومية تأتي دائما تعبيرا عن الأوزان الحقيقية ” المادية والمعنوية” لمراكز انتشار الحزب وثقله، فإنها كانت دائما مقتصرة على قيادات من المشرق العربي (سوريا، العراق، لبنان، فلسطين، الأردن) *
*المؤتمر الأول: دمشق 7 نيسان/ ابريل 1947، القيادة القومية خمسة أعضاء هم: ميشيل عفلق، صلاح البيطار، حلال السيد، وهيب غانم، والجميع من سوريا.
*المؤتمر الثاني: بيروت، حزيران / يونيو 1954 والقيادة القومية سبعة أعضاء: من سوريا “ميشيل عفلق، صلاح البيطار، أكرم الحوراني”. ومن الأردن” عبد الله الريماوي، عبد الله نعواس”. ومن لبنان” على جابر”. ومن العراق “فؤاد الركابي”.
*المؤتمر الثالث: بيروت أيلول / سبتمبر 1959 القيادة عشرة أعضاء: من سوريا “ميشيل عفلق”. من الأردن “منيف الرزاز”. من العراق “فؤاد الركابي، طالب شبيب، مدحت جمعة”. من فلسطين “عبد الوهاب الشميطلي، خالد يشرطي”. من لبنان “محمد جشي، علي جابر، غسان شرارة”
*المؤتمر الرابع: بيروت آب / أغسطس 1960، القيادة تسعة أعضاء: من سوريا ” ميشيل عفلق”. من لبنان”علي جابر، غالب ياغي غسان شرارة”. من العراق: علي صالح السعدي، طالب شبيب،”. من فلسطين: حبيب خيزران، خالد يشرطي”. من الأردن والسعودية ” عبد الرحمن منيف”.
*المؤتمر الخامس: حمص ـ سوريا أيار / مايو 1962، القيادة تسعة أعضاء: من سوريا” ميشيل عفلق”. من الأردن:” منيف الرزاز وجمال الشاعر”. من لبنان” جبران مجدلاني، وعلي جابر”. من فلسطين” خالد يشرطي”. من العراق ” علي صالح السعدي، حمدي عبد المجيد، طالب شبيب”.
*المؤتمر السادس: دمشق تشرين أول/ أكتوبر 1963، القيادة ثلاثة عشر شخصا، من سوريا “ميشيل عفلق، أمين الحافظ، صلاح جديد، حمود الشوفي”. ومن العراق “علي صالح السعدي، حمدي عبد المجيد، محسن شيخ الأرض، أحمد حسن البكر، صالح مهدي عماش”. ومن لبنان” جبران مجدلاني، خالد العلي”. ومن الأردن “منيف الرزاز، أسعد عكة”.
وكذلك فإن الإشكالات التي سيطرت على مؤتمرات الحزب، وأحدثت فيه الهزات العميقة، كانت دائما إشكالات مشرقية: مع الريماوي في الأردن، ومع الركابي في العراق، ومع القطريين والإقليميين في سوريا.
إننا إذ نشير إلى مشرقية هذا الحزب فحتى ندرك تماما حدود تحركه، ومقدار ما هو متاح أمامه من إمكانية لمعرفة إشكالات وخصائص الأقاليم العربية، وتضمين ذلك في برامجه، وسياساته. فالقومية العربية، والوحدة العربية، ليست دعوة فقط، وإنما معرفة وتلاحم مع حياة الناس في مواقع هذه الحياة، وقد كان حزب البعث غائبا باستمرار عن ثلاثة ارباع الجسم العربي.
وقد يظن البعض أن السبب في مشرقية الحزب يعود إلى بروز القيادة الناصرية، وما حققته حولها من التفاف جماهيري واسع في مشرق الوطن العربي، وفي مغربه، وفي هذا الظن بعض الحق ـ ولعل هذا ما جعل قيادة البعث تشعر بمنافسة عبد الناصر لها ـ ولكنه حتى هذا البعض لا يستقيم وحده، ولا يكفي لتفسير قصور الامتداد الحزبي للبعث قوميا، والاستناد إلى هذا السبب يطرح سؤالين لا بد لكل من يأخذ بهذا الراي التصدي لهما:
أولهما: لماذا برز عبد الناصر في مصر بالذات، ولم يبرز في غيرها، ولماذا لم يبرز قائد ثوري قومي من خارجها يحقق للأمة العربية ما حققه عبد الناصر؟
ثانيهما: على صعيد الفكر والممارسة ماذا قدم عبد الناصر ـ المفتقر للجهاز الحزبي ـ حتى استطاع أن يحقق ما عجز الحزب عن تحقيقه من ارتباط بالجماهير العربية كلها؟
ودون التصدي لهذين السؤالين فإن الركون إلى ذلك السبب لا يعدو عن كونه محاولة للالتفاف على الحقيقة.
ونحن لا نشك أن وجود القيادة الناصرية كان له أثر على وجود الحزب، وتحركه، وعلى الأزمات التي مر بها، وإذا اكتفينا بصعيد الأزمات الداخلية في الحزب، فإن أثر القيادة الناصرية القيادة الناصرية واضحا للعيان:
ـ فالأستاذ عبد الله الريماوي قاد أول وأضخم انقسام على الساحة الأردنية، وجاء موقفه هذا نتيجة تأثره بقيادة جمال عبد الناصر، ودفاعا عن قضية الوحدة، ومحاولة لدرء الحزب عن الوقوع في المسلك الإقليمي إن واجه عبد الناصر وتعارض مع دولة الوحدة الوليدة، ويصف الدندشلي في كتابه عن حزب البعث موقف الوفد الأردني إلى المؤتمر القومي الثالث للحزب وهو المؤتمر الذي تفجرت به هذه المشكلة، فيقول*:
” أثناء انعقاد المؤتمر الثالث حمل الوفد الأردني بقيادة عبد الله الريماوي، لواء الدفاع عن عبد الناصر والجمهورية العربية المتحدة، رافضا كل نقد يوجه غليهما، واعترض على وجود ميشيل عفلق في المؤتمر، وعلى صفته كأمين عام للحزب، بعد أن حل هذا الحزب نفسه في سوريا، واعتبر وجوده تحديا صارخا للجمهورية العربية المتحدة، وأكد أن وراء انعقاد المؤتمر خطة مبيتة لإعادة تنظيم الحزب في سوريا، وبالتالي التصادم مع قيادة الثورة في مصر، وأخيرا قرر الوفد الأردني الانسحاب من المؤتمر، وعدم الاعتراف بكل ما يصدر عنه، وكان بهجت أبو غريبة، عضو القيادة القطرية في الأردن، قد حذر قبل الانسحاب من المؤتمر من مغبة إعادة تنظيم الحزب في الإقليم الشمالي والهجوم على الجمهورية العربية المتحدة”.
ومن المفيد أن نورد هنا ملاحظة الكاتب، أنه مع انسحاب الوفد الأردني كان منيف الرزاز الأردني الوحيد الذي بقي مؤيدا للقيادة القومية، ولم يكن مشاركا في المؤتمر.
ـ والأستاذ فؤاد الركابي ” أمين سر الحزب في العراق”، قاد هو الآخر مجموعة ناصرية في العراق، مما دفع المؤتمر الرابع إلى فصله ومجموعته من الحزب، وإلى اتخاذ توصية جاء فيها**: ” تطهير الحزب من جميع العناصر التي يمكن أن تتسرب إليه بسبب ضعف تنظيمه القومي، وغياب الاستراتيجية السياسية”
ـ وفي سوريا فإن أضخم انفضاض عن الحزب جاء عقب الانفصال حيث وقفت القيادات والكوادر “البعثية ـ الناصرية” ضد مسلك قيادة الحزب، وضد دور الحزب في معالجة مشاكل وأخطاء مرحلة الوحدة، وهو الانفضاض الذي ولد تنظيما ناصريا كبيرا” الوحدويين الاشتراكيين”، ولا يخفى أثر القيادة الناصرية على مواقف بقية الحزبيين الذين اتجهوا اتجاها إقليميا.
* الدندشلي: المرجع السابق ص 232
** الدندشلي: المرجع سابق ص 235
في كل هذه الأزمات، وغيرها فإن أثر القيادة الناصرية كان واضحا، ومع ذلك فغن التفسير الذي طالعنا به حزب البعث سواء بقراراته الرسمية، حين وصف مؤتمره الثالث مجموعة الأردن بأنها تمثل التيار التيار* ” الانتهازي والانحرافي، والإقليمي،
الذي حاول استغلال غياب القيادة القومية حتى يثبت أقدامه في الحزب، ويستولي على جهازه القومي، وذلك لهدف خطير هو استقلال التنظيمات القطرية عن القيادة القومية، وجعل مهمة الحزب مقصورة على تحقيق الوحدة، وجعله تابعا لحكومة الجمهورية العربية المتحدة، ومجرد صدى لها”.
أو بكتابات قادة الحزب حيث وصف الأستاذ العيسمي الذين رفضوا ممارسة الحزب في عهد الوحدة، ووقفوا ضد دوره ووجوده على النحو الذي كان، وشكلوا عقب الانفصال تنظيم ” الوحدويين الاشتراكيين” ثم “الاتحاد الاشتراكي”، بأنهم قاموا بذلك بفعل التضليل أو التغرير، وإغراءات النفوذ والمادة”، كذلك وصفه لموقف الحزب في الأردن بأنه جاء ” بدوافع وصولية، حيث عارض إعادة تنظيم الحزب متذرعا بالحرص على دولة الوحدة، مع أنه من الوجهة العملية كان يمارس التكتل الإقليمي، وتتحكم في مواقفه وسلوكه الدوافع الشخصية، والنزعات الإقليمية”*.
نقول هذا التفسير إن دل على شيء فإنما يدل على أزمة الحزب داخليا، وعلى الأثر الكبير الذي خلفته قيادة جمال عبد الناصر على الشارع العربي، وكان الحزب جزءا من هذا الشارع.
كذلك فإن هذا التفسير بما يحتويه من تبسيط ونظرة شكلية يدل على وجود أزمة فكر ومنهج داخل بنيان الحزب، منعه من أن يرى الأمور على حقيقتها، وألجأته إلى التفسير التآمري حيث غشت بصيرته عن السؤالين السابقين، ومحاولة البحث عن إجابة لهما.
من زاوية الفكر القومي ـ ما دمنا بصدد حزب قومي ـ فإن عددا من الباحثين العرب أمسك ببعض جوانب الفارق بين عبد الناصر والبعث في المسألة القومية، فقدم جزءا من تفسير أثر عبد الناصر على حزب البعث:
ـ فقد كتب الدندشلي في بحثه الذي اتخذناه مرجعا عن الفارق بين القومية التي اضل عبد الناصر من أجلها وقومية البعث قائلا****:
* الدندشلي: المرجع السابق ص232
**، ***: العيسمي: المرجع السابق ، ص196
**** الدندشلي: المرجع السابق ص208
“تميز هذا المفهوم بالموقف العملي، والاستراتيجي، على خلاف ما كان سائدا في المشرق العربي من مفاهيم كانت تغلب عليها المواقف العاطفية، والتصورات الأسطورية”.
ـ وقدم الدكتور وليد قزيها بحثا في التحليل التاريخي للفكر القومي العربي جاء فيه*:
” ورغم أن إنجازات النظام الناصري على كافة المستويات، لم تختلف في حقيقتها عما كانت تطمح إليه الحركة القومية في المشرق، فإن الفارق الأساسي بين التجربتين نتج عن النمو اللا متكافئ بينهما، فالتجربة الناصرية كانت أكثر اكتمالا من تجربة الحركة القومية المشرقية”.
ـ ويرى الدكتور يحي الجمل أن **” الفكر الوحدوي في الفترة السابقة على ظهور عبد الناصر وسيطرته الشعبية قوميا كان فكرا مثاليا غيبيا”.
قد تكون هذه النظرات كافية كليا أو جزئيا للدلالة على منبع أزمة هذا الحزب “القومي”، لكن أهميتها تكمن في الاستدلال على أن قصور الحزب عن الامتداد القومي لم يكن وليد معارك خاضها، وإنما وليد قصور فكري رافقه باستمرار، ولما كان اسا البناء التنظيمي القومي امتلاك نظرية قومية قادرة على أن تتحمل بنيان حزب قومي، وعلى أن تعكس نفسها في مؤسساته وسلوكه، فإن افتقار هذه النظرية هو ما جعل الحزب قاصرا عن أن يتمثل طاقات النضال القومية، وأن يمتد إلى غالبية الأقاليم العربية.
هذا التفسير ـ الفرضية، هي ما يجب أن نقف أمامها لنراها ونكشف أبعادها في فكر الحزب.
* القومية العربية في الفكر والممارسةـ ندوة ـ مركز دراسات الوحدة العربية 1980 ط2 ـ ص8
** المرجع السابق ص409