بقلم صلاح بسيوني
ليست الحرب دائما فيها مآسي بالرغم من الخراب و الدمار والموت , للحروب أيضاً فوائد أهمها اعادة صياغة مصالح ومفاهيم انسانية كانت قد تشوهت بفعل السلام الوهمي الذي صنعته موازين القوة والنفوذ . ما أن تضع الحرب اوزارها تجني القوى المتصارعه حصادها نصراً او هزيمة (اما سلاماً حقيقياً واما سلاماً وهمياً) .
السلام الذي يُفرض بالقوة الغاشمة يكون سلام اذعان و استسلام و اقرار بالهزيمة فلن يدوم ولن يستمر , فما ان تتغير موازين القوة تعود الحرب لتفرض سلام الواقع الجديد . أما السلام الحقيقي هو السلام العادل و الدائم يكون العدل اساسه , تحفظ الحقوق وتُوصان الكرامة وتحمى الحياة الانسانية .
في زمن السلام الوهمي يسود الفساد السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي طبقاً لمصالح اصحاب القوة .
مع السلام الوهمي تغيب مفاهيم و تطفو مفاهيم , تُرفع الشعارات السطحية التي تحاكي الغرائز البشعه و الانانية المفرطة ويسود الكذب و النفاق .
السلام الوهمي ليس سلاماً حقيقياً وليس دائماً, مهما طال الزمن او قصُر , هو زائل لانه محكوم بتغيير الظروف التي ادت الى تحقيقه.
هناك جملة شهيرة منسوبة لكلازوفتش “الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى”، تجعل الحرب إحدى وسائل السياسة لبسط السيطرة والنفوذ. لذا فالحرب دومًا هي تصفية القديم بمساؤه ليأتي الجديد الافضل، فإما يكون جديدًا صالحًا أو جديدًا يكمل القديم الطالح وهنا يكمن الخطر الأكبر على الأمة عندما لا يحدث ذلك التغيير للأفضل والأصلح . من هنا يمكن القول ان الحرب ليست شرًا كاملًا وليس خيرًا عامًا .
من فوائد الحرب اعادت صياغة مفاهيم الشجاعة والرجولة والبسالة ومعرفة الحق من الباطل، كما أنها الوسيلة الوحيدة القادرة على حسم المسائل النزاعية التي لم تستطع أن تحلها كافة الوسائل الأخرى.
على سبيل المثال شكّلت عملية “طوفان الأقصى” مفاجأة مؤلمةً للعدو الصهيوني وداعميه ، كما شكلت مفاجأة مدهشة لكل مواطن عربي شريف، أضاءة شعلة الأمل في إمكانية تحرير فلسطين،بعد اكثر من خمسة و خمسين عاما على فرض السلام الوهمي الذي خطط له كيسنجر وتماهى معه انور السادات وعدد كبير من الساسة العرب.
السلام الوهمي لم يعطي الشعب الفلسطيني والامة العربية جمعاء غير التجزئة و التخلف والانحطاط و الحروب الاهلية والازمات الاقتصادية ..
السلام الوهمي زرع بالوعي العربي وهماً مفاده ان في اسرائيل نظاماً ديمقراطياً واقتصاداً متيناً و ان الكيان قوي الى حد يجعله مركز الشرق الاوسط وواقع يجب التعامل معه بعقلانية من خلال التطبيع وتقبل الآخر , وان السلام الموعود دوافعه و مبرراته مفاهيم اقتصادية و سياسية جديدة انطلقت مع انتهاء الحرب الباردة وأن العالم متجه نحو تعميم الديمقراطية والعولمة والتعامل مع العالم باعتباره قرية كونية تحترم حقوق الانسان و قيم الحرية والعداله وعلى العرب مواكبة التغيير
بالسلام الوهمي الغرب على رأسه الولايات المتحدة الاميركية أوهم العرب بصيغ حمّالة أوجه وقابلة للتفسير والتأويل لاشباع الرغبة و الاماني بالتحرر من الاستبداد و دخول الجنة الديمقراطية ” .. من الشفافية حتى حرية الاعتقاد.”.
جاءت فلسطين من جديد لتقول لامة العرب اصحوا واعوا الغرب الاستعماري ما زال هو هو وان السلام الوهمي الذي عشناه ما هو الا خديعه كبرى .
جاءت الحرب ( طوفان الاقصى) لتحي الوجدان العربي و تطلق شرارة الوعي العربي في كل الساحات من اقصاها الى اقصاها . خرجت الجماهير العربية الى الشارع على اختلاف انتماءاتها لتعبر عن غضبها وسخطها على الكيان الصهيوني ورفض كل محاولات تصفية القضية الفلسطينية واعادت فلسطين الى صدارة الاهتمام لتؤكد الحقيقة التاريخية انه لا سلام حقيقي في غرب اسيا من دون فلسطين عربية حرة مستقله ولا سلام في غرب اسيا في ظل سطوة امريكا و حلفائها على بلاد العرب .
لقد كشفت الحرب (طوفان الاقصى) انحياز امريكا و الغرب الاستعماري للكيان الصهيوني وانه لا اعتبار للعرب ولفلسطين في قاموسهم السياسي وان الكلام عن انسانية الغرب كذب و نفاق كل هذا تجسيدا لغاية وهدف واحد ووحيد، ممثلا بتحقيق مصالح الغرب وصراعاته لمزيد من الهيمنة و التسلط على الشعوب و ثرواتها . كما كشفت اعوان امريكا وحلفائها في المنطقة المتعطشون للتطبيع و الحالمين بالسلام مع الصهاينة عيشهم الوهم حتى نهايته بعد انكشاف الوجه الغربي وافصاحه بشكل واضح وصريح عن أهدافه الخبيثة.
أن الدور الوظيفي للكيان الصهيوني في الوطن العربي هو الذي يفسر اندفاع حاملات الطائرات الأميركية، والغرب برمته، إلى الدفاع عن العدو الصهيوني عندما شعروا بأنه تعرض لضربة مؤلمة، وهو ذاته الدور الوظيفي الذي رسمه كامبل بنرمان في النصف الأول من القرن التاسع عشر، والعبرة أن الميدان الفلسطيني هو بؤرة الصراع مع الهيمنة الغربية. لذلك، تمثل فلسطين وتراً حساساً لدى المواطنين العرب حتى بعدما تخلت عنها الأنظمة العربية بحجج واهية في خدمة السلام الوهمي , لذلك اصبحت الحرب بكل اشكالها خيارا وحيدا امام الشعوب العربية لاستعادة الحق و العتق من الاستعمار, انها حرب الوجود بتصفية القديم بمساؤه ليأتي الجديد الافضل.