حول النقاش الدائر ضمن التيار العروبي من أجل غزة والموقف من حماس .
محمد علي صايغ
الكاتب معقل زهور عدي يبدأ مقدمته من أجل رؤية موحدة للقضية الفلسطينية من التيار العروبي ، لكنه بعد ذلك يوغل في إدانة حماس لارتباطها بالنظام الإيراني..
كلنا يعلم مطامح ومطامع النظام الإيراني في التمدد للمنطقة .. ولكن القضية الفلسطينية قضية لا يمكن النظر لها بما تحمله حماس أيديولوجياً وسياسياً واختلافنا في العديد مما تحمله في ذلك ..
القضية الفلسطينية والنضال فيها يدخل في باب التحرر الوطني والاستقلال من أجل تأسيس الدولة الفلسطينية الحرة والمستقلة ، كما يجب التوقف عند النظر إليها في أن كل الدول العربية والإسلامية رفعوا يدهم عنها ، بل أغلبهم لا يمكن أن يسمحوا بدعمها في مواجهة عدو عنصري استيطاني ، لا يفهم إلا لغة القوة ، وفرض وجوده بالقوة ، وبأن كل اتفاقات السلام التي وقعت سابقا كانت حبراً على ورق وذهبت أدراج الرياح .. في مقابل ما يشتغل عليه الكيان الصهيوني باستمرار من عمليات قضم الأراضي وتهويدها وطرد الفلسطينين منها ، أما غزة فقد أطبق عليها الكيان الصهيوني منذ عشر سنوات حصاراً خانقاً لا يمكن تجاهله وتجاهل انعكاساته المؤلمة جدا على أهلنا في غزة ..
ضمن هذا الوضع هل يطلب الكاتب ” عدي ” الاستسلام للشعب الفلسطيني ، وليس أمامه إلا نافذة واحدة لدعم مواجهته ، إلا فقط النافذة الإيرانية .. وما علاقة حماس بمسألة الامتداد الإيراني في الأقطار العربية التي تمددت فيها ، وأليس زعماء هذه الدول إن كان بموافقتهم أو برعونة سياساتهم هي التي فتحت الباب أمام هذا التمدد الإيراني بدون رادع يردعه ، ثم أن هؤلاء الزعماء العرب هم ذاتهم وقفوا ولا زالوا ضد القضية الفلسطينية التي بدأت من عقود عديدة بالتطبيع ونسج العلاقات مع الكيان الصهيوني تحت الطاولات ، واليوم يجري التطبيع علناً وبكل وقاحة وصفاقة ..
ماجرى يوم السابع من تشرين صحيح كانت حماس على رأس الهجوم ، ولكن كان معها فصائل وقوى فلسطينية عديدة ، وحتى بعد فترة دخلت أجزاء من حركة فتح في القتال معها .. وبشكل منصف فقد أحدثت هزة عنيفة في المجتمع الدولي وفي الرأي العام الدولي ، وهزة أعنف داخل الكيان الصهيوني .
عندما لا تجد المقاومة الفلسطينية داعم لها من أجل تحرير وطنها أو وقف قضم أراضيها وإذلال الشعب الفلسطيني يومياً، فإنه من الطبيعي أن تمد المقاومة الفلسطينية يدها إلى من يمدها لها ، سواء الإيراني أو غيره .. أما عن التمدد الإيراني فإنه من غير المنطقي وغير العادل تحميل حماس وغيرها والشعب الفلسطيني مسؤولية تفريط زعماء الدول في هذا التمدد وفتح أبوابها للتغلغل الإيراني
قد تكون الخسائر لحماس وللشعب الفلسطيني كبيرة ولم تكن منظورة في حجمها وٱثارها .. ولكن السؤال الذي يمكن أن يطرح ، هل يمكن أن يتحرر الشعب الفلسطيني أو يسمح له بتأسيس دولته الفلسطينية بدون أن يدفع ثمناً باهظاً في مواجهة عدو عنصري استيطاني ..
وسواء اليوم أو غدا او بعد غد ، أو حتى في المدى البعيد بالتأكيد سيدفع الشعب الفلسطيني الثمن الباهظ الكبير ..
كما أن السؤال الذي يطرح نفسه أيضا هل الانتظار ، انتظار الظروف يمكن أن يؤدي إلى حل للقضية الفلسطينية بدون تدخل مناضلي ومقاومي الشعب الفلسطيني لنيل حريتهم واستقلالهم ، وهل يمكن الاستكانة للانتظار في ظل تراكم القوة الإسرائيلية وتضخمها مادياً وتطور التقنيات العسكرية فيها عبر الزمن ، وبالتوازي مع تطور ٱلتها العسكرية والدعم غير المحدود من أمريكا والغرب ، تصاعد استمرار حالة التمدد الاسرائيلي المستمر على الأراضي الفلسطينية ، وصمت العالم على كل ما يفعله الكيان الإسرائيلي في الشعب الفلسطيني..
أعتقد أن ربط الكفاح الفلسطيني وربطه بإيران وكأنه ( كفاح ايراني ) بربط حماس بإيران , هو رؤية غير صحيحة ولا تستقيم في وزن الأمور وستقود إلى نتائج بالتأكيد هي ما تبناها كاتب المقال .. وهنا لا بد من الفصل بين إيران وسياستها في المنطقة وبين الموقف الفلسطيني ونضاله ضد الإحتلال ، وقد قالها يوماً الزعيم جمال عبد الناصر بأن السلاح الروسي لا يعود بيد الجندي المصري للدفاع عن أرضه وكرامته إلا سلاحا مصرياً بغض النظر عن اسمه وماركته ومصدره ..
ولذلك فإن عملية الفصل ضرورية وأساسية في اتخاذ الموقف والاتجاه ، فهي التي تقود إلى وحدة العروبيين في الرؤية والموقف دون تباينات واصطدام في المواقف ..
وفيما يلي نص المقال:
عن النقاش الدائر ضمن التيار العروبي حول غزة والموقف من حماس
معقل زهور عدي – ملتقى العروبيين
سبتمبر 15, 2024
لعله أصبح من الضروري تناول النقاش الدائر ضمن التيار العروبي السوري والفلسطيني حول الحرب في غزة والموقف من حماس , ونقل ذلك النقاش من حيز التعبير عن المشاعر إلى حيز مناقشة الموقف السياسي الذي ينبغي أن لايكون إسقاطا لبعض المشاعر الآنية سواء جاءت تلك المشاعر من هنا أو هناك .
لن يكون هناك متسع في هذا المقال لنقاش انحراف بعض النخب السورية والتي هي خارج التيار العروبي في موقفها المعلن من غزة بل من القضية الفلسطينية برمتها , لكن ما يهم هذا المقال هو النقاش داخل تيار سياسي – فكري واحد هو التيار العروبي في سورية .
فكيف يمكن تصور الموقف السياسي من الحرب الصهيونية على غزة ومن حماس الآن؟.
وفي حين أنه لاداعي لنقاش ضرورة التضامن المطلق مع غزة في مواجهة حرب الابادة الصهيونية ونقد مواقف بعض النخب السورية التي وقفت موقفا باردا من العدوان الصهيوني الوحشي على غزة , وكأنها تعاقب بذلك حماس أو تستغل الفرصة لغسل اليد من القضية الفلسطينية باعتبار أن للسوريين اليوم قضية مماثلة للقضية الفلسطينية ( البعض يقول إن القضية السورية أصبحت أكبر من القضية الفلسطينية !) فإن النقاش العقلاني داخل التيار العروبي هو وحده القادر على إنهاء التشويش الحاصل داخل ذلك التيار في تدقيق الموقف السياسي من حماس وليس من حملة الابادة الوحشية على غزة والتي لايمكن أن تكون محل خلاف داخل التيار العروبي .
فحماس ليست المقاومة الفلسطينية التي نشأت منذ ماقبل نشوء الكيان الصهيوني وليس عبثا تسمية قواتها المقاتلة بكتائب عز الدين القسام الذي انخرط في القتال ضد المشروع الصهيوني قبل العام 1936 وكان المحرض والممهد لثورة 1936 .
ومن المهم النظر للجوهر هنا أكثر من المظهر فالمسألة مسألة مقاومة عربية فلسطينية متجددة سواء لبست في وقت من الأوقات ثوب فتح أو ثوب حماس أو ثوب انتفاضة الحجارة , وعدم أخذ هذه الحقيقة بالاعتبار يعني الابتعاد عن وعي القضية الفلسطينية في بعدها التاريخي الأوسع .
فمن يقاتل اليوم في غزة ليست حماس وإنما هو الشعب الفلسطيني المقاوم , وذلك لاينفي دور حماس ولا سياستها لكنه يعيد الأمور إلى نصابها كي لا ننزاح كثيرا عن جوهر الصراع مما لايليق بالتيار العروبي في سورية .
نأتي بعد ذلك لحماس ذاتها وسياستها وتحالفاتها . وفي ذلك يمكن القول إن قيادة حماس بتوجهها لعقد مايشبه التحالف ( هو في الواقع أقل من تحالف وأكثر من مجرد تقاطع مصالح ) مع المشروع الإيراني في المنطقة أمر لايمكن تبريره تحت أية ذريعة .
فالمشروع الايراني ليس مشروع تحرير القدس بل اتخاذ راية القدس طريقا للتمدد واختراق الدول والمجتمعات العربية وتفتيت بنيتها الاجتماعية والسياسية من الداخل تمهيدا لوضعها تحت الهيمنة القومية الفارسية باستخدام السلاح المذهبي أيضا وهو مشروع مكمل للاختراق الصهيوني وليس مشروعا مضادا له من وجهة النظر الاستراتيجية .
لقد سقطت حماس في امتحان وعي تلك الحقيقة , ومدت يدها لعدو الأمة العربية الذي لعب الدور الأكبر بالتشارك مع الحملة العسكرية الأمريكية – الصهيونية لتدمير الدولة العراقية وقتل مايزيد عن مليون عراقي بينهم المئات من أفضل الكوادر العلمية والعسكرية العربية وتهجير حوالي أربعة ملايين عربي عراقي ضمن عمل منهجي لاجراء تغيير ديمغرافي في العراق وقامت في سورية ومازالت تقوم بعمل مشابه , لقد كانت لإيران اليد العليا في تدمير مقدرات الشعب السوري وقتل مايقرب من مليون سوري , وتهجير نصف الشعب السوري فهل يعقل أن يتم التغاضي عن كل ذلك ومصافحة تلك اليد المجرمة بحق الأمة العربية بل وتزكية قياداتها المجرمة والإنضواء تحت مايسمى زورا بحلف المقاومة وهو الذراع العسكري السياسي للسياسة الايرانية ومشروعها في المنطقة ؟
ذلك ليس خطأ تكتيكا , ولا يمكن تبريره تحت أية ذريعة مهما كانت , والسقوط فيه لايمكن تفسيره سوى بقصور الوعي السياسي الذي يصل لدرجة الغباء .
أما نتائج ذلك الإنحراف الكبير فهو ابتعاد السوريين عن حماس , والنظر لقادتها السياسيين بكثير من الاستنكار والألم والمرارة , وذلك ينبغي أن يكون مفهوما ومبررا .
لكن لنبتعد قليلا عن انحراف سياسة حماس وتموضعها وراء المشروع الايراني , ولننظر من زاوية القرار الذي اتخذ في 7 تشرين الأول بإطلاق عملية طوفان الأقصى وما نتج عنه .
من الواضح أن السياسة الايرانية كانت وراء اتخاذ ذلك القرار وتلك العملية التي تم التخطيط لها مسبقا بصورة مشتركة بين الحرس الثوري الايراني وحزب الله وحماس , وكان الهدف التكتيكي منها هو ايقاف عملية التطبيع بين الدول العربية واسرائيل , أما الهدف الاستراتيجي من وجهة نظر المشروع الايراني فهو ارباك التحالف الأمريكي – الصهيوني وامتلاك ورقة مساومة جديدة وهامة في عملية التفاوض والأخذ والعطاء بين المشروع الايراني بما في ذلك جزئيته النووية والاعتراف بالنفوذ الايراني في المنطقة تمهيدا لعقد صفقة تاريخية تعطي لايران اليد العليا في المنطقة العربية إلى جانب اسرائيل .
منذ الأيام الأولى التي أعقبت عملية طوفان الاقصى ظهر واضحا أن ايران وحزب الله ليسا مستعدين لدعم حماس الدعم الذي تم الوعد به عندما تم التخطيط المشترك لعملية طوفان الأقصى , وقد كان معبرا وذا دلالة ظهور القائد العسكري المتحدث باسم كتائب الأقصى مناشدا حلف المقاومة تقديم الدعم بعد أن أحست حماس بأن ” حلف المقاومة ” قد تخلى عنها فعليا , وأنه ليس مستعدا للمعركة التي كان الجميع يعلم بأبعادها مسبقا .
لكن الأيام والأحداث التي تعاقبت وصولا لما هو عليه الوضع اليوم أثبتت بصورة جلية أن ايران تلاعبت بحماس في حين لم تكن مستعدة للانخراط في دعمها بمستوى المعركة الدائرة بل بدعم أقل من ذلك بكثير حتى إنها ليست مستعدة للرد على اغتيال الشهيد اسماعيل هنية في قلب طهران وفي رعاية وحماية الحرس الثوري الايراني .
إذن فلم تخطىء حماس في تحالفها مع السياسة الايرانية من وجهة النظر الأخلاقية تجاه الشعبين العراقي والسوري فقط ولكنها أخطأت من وجهة النظر الاستراتيجية في اعتمادها على ايران في معركة مصيرية كبرى اندفعت نحوها وحدها واثقة من دعم حلفاء ليسوا في الواقع أمناء على القضية الفلسطينية بمقدار ما إن همهم يكمن في خدمة المشروع الايراني في المنطقة .
هكذا يمكن للتيار العروبي نقد سياسة حماس وتحالفها مع ايران وأذرعتها ليس من وجهة نظر أخلاقية فقط ولكن من وجهة نظر سياسية واستراتيجية , لقد كان طوفان الأقصى عملا يتعدى مجرد ايقاع خسائر عسكرية وبشرية وأسر جنود ومستوطنين لمبادلتهم مع الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني , وهذا على الأرجح ما كان متوقعا من قادة حماس وكتائب عز الدين القسام , لقد كان عملا مصمما لاستفزاز الدولة الصهيونية لفتح معركة كبرى ينخرط فيها حلف المقاومة بكل إمكاناته وراء حماس بما في ذلك حزب الله وقواته التي تعد مئة الف مقاتل وصواريخه البالستية وكذلك ايران وحتى سورية واليمن , لكن تلك الصورة لم تكن حقيقية بقدر ماكانت عملا من أعمال الخداع السياسي لتوريط حماس وجني ما يمكن الحصول عليه في النهاية من مكاسب لصالح المشروع الايراني .
نقدنا لحماس إذن ليس نقدا أخلاقيا مجردا , بل هو نقد لسياسة قصيرة النظر , تعكس وعيا سياسيا منخفضا , ومقامرة بمصير غزة وشعبها المقاوم .
ومثل هذا النقد يقع ضمن التضامن التام مع المقاومة الفلسطينية في غزة ومع الالتزام التام بالقضية الفلسطينية , فمثل ذلك التضامن والالتزام لايعني السكوت عن الأخطاء الكبرى وتبريرها بل الكشف عنها ونقدها من أجل تصحيحها مستقبلا .