إبراهيم درويش
لندن- “القدس العربي”:
نشرت مجلة “بوليتيكو” مقال رأي لدانيال دبليو درينزر، بروفيسور السياسة الدولية في مدرسة فليتشر للقانون والدبلوماسية، والزميل في معهد بروكينغز، قال فيه إن ظهور المحور الصيني- الروسي- الإيراني ربما أجبر الولايات المتحدة على الاختيار بين خيارات غير مرغوبة.
وقال إن موسكو صبّت جام غضبها على الغرب في العام الماضي. وكل الخطاب الصادر من روسيا هو عن شيء واحد، وهو تحولها عن الغرب، واصطفافها مع الصين وإيران.
ولكن النخبة الروسية ليست منتشية بالشركاء الجدد. وفي نقاشات الكاتب مع الأكاديميين الروس، فقد عبّر عدد منهم عن تذمرهم من نوعية الدعم وقلّته المقدم من الصين. وتعكس هذه المواقف الرؤية المتغطرسة لروسيا من جيرانها في الشرق والتي تعود إلى زمن ستالين وماو. ولكن الازدراء الموجه للإيرانيين هو أكبر. والمشاعر متبادلة، ففي حوارات الكاتب مع دبلوماسيين صينيين، عبّروا عن نفاد صبرهم من أفعال الروس في أوكرانيا. وبالنسبة لهم، فقد أدت الحرب إلى حرف الميزان الإستراتيجي الذي كان يميل باتجاه الصين.
ولا يزال الصينيون العاديون يخفون حنقا تجاه روسيا. وسمع الكاتب الكثير من طلابه الصينيين الذي تحدثوا وبتفصيل واسع عن غضبهم إزاء ما قالوا إنه اغتصاب روسيا لأراضي بلادهم في زمن القياصرة الروس في القرن التاسع عشر.
وفي نفس المقام، قال زملاء الكاتب الروس، إن العلاقات الثنائية مع إيران تقف أمامها التظلمات التاريخية من طهران. ورغم مشاعر الحنق الباقية، إلا أن العام الماضي علّم هذه الدول درسا: مهما كانت القضايا الإشكالية العالقة بينها، فهناك موضوع أكبر وهو الولايات المتحدة.
ففي العام الماضي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات غير مسبوقة على روسيا، واتخذت في الوقت نفسه موقفا صقوريا من الصين، برز من خلال القيود على الصادرات إلى الدعم العلني لتايوان وإمكانية منع تطبيق تيك توك. وفي نفس الوقت، واصلت إدارة بايدن سياسة الوضع الراهن مع إيران، وتوقفت جهود إحياء ملف المفاوضات النووية إن لم تكن فشلت.
كل هذا ترك الدول الثلاث تحت طائلة أنظمة من العقوبات التي قادتها الولايات المتحدة وإن بمستويات مختلفة، ولهذا السبب بدأت بالعمل معا. ووصلت إيران المراحل الأخيرة للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، وهي مظلة أمنية تقودها الصين وروسيا. وساعدت الصين على التوسط في الوساطة بين السعودية وإيران. وعبّر الأمين العام للناتو يانس ستولتنبرغ عن قلقه من إمكانية تقديم الصين السلاح لروسيا في حربها ضد أوكرانيا.
وتطورت العلاقة بين إيران وروسيا أثناء الحرب على أوكرانيا بطريقة وصفها المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي بأنها وصلت إلى “شراكة دفاعية كاملة”. ويعلق الكاتب أن الولايات المتحدة محقة في معارضة هذه الدول. فالصين هي منافس للولايات المتحدة، وتصرفت في عهد شي جين بينغ بطريقة غير ليبرالية وتبنت الخطاب المحارب.
أما إيران، فتظل دولة غير ليبرالية وتتبنى مواقف تهدد المصالح الأمريكية وحلفاءها في الشرق الأوسط، فيما تتحدث أفعال روسيا عن نفسها. ومع ذلك، فعندما توزع الولايات المتحدة اتهاماتها على كوريا الشمالية وأنها باعت أسلحة لروسيا، تبدو وكأنها تدفع باتجاه فيلق الموت الذي لا يدعو على الراحة.
ويظهر التحالف الناشئ ميلا أمريكيا لوضع كل أعداء واشنطن في سلة واحدة. ففي ذروة الحرب الباردة، اعتقد صناع السياسة الأمريكيون أن الكتلة الشيوعية واحدة. وفي هذا القرن، طالما رفعوا شعارا يعبّر عن مواجهة أمريكا محورا من نوع ما. ففي خطاب حالة الاتحاد في كانون الثاني/يناير 2002، تحدث جورج دبليو بوش عن محور دول الشر وهو العراق، كوريا الشمالية وإيران. ورغم أن أيا من هذه الدول لم تكن مثالا عن القيم، إلا أن أيا منها لم يتعاون مع الآخر أو مع تنظيم القاعدة.
وفي حملته الانتخابية الفاشلة عام 2012، حذر السناتور الجمهوري ميت رومني من تحالف الديكتاتوريين، وهي فكرة رفضت في ذلك الوقت. إلا أنها عادت في العام الماضي وتبناها صناع السياسة والمراقبون من كل الأطراف. وغموض الفكرة نابع من أن معظم عالم الجنوب لم يصطف مع الموقف الأمريكي بشأن أوكرانيا، مما يغذي فكرة أن العالم يتحد ضد أمريكا.
وفي اللحظة الحالية، لا يمكننا إنكار أن كوريا الشمالية وروسيا والصين وإيران تمارس سياسات تتعارض مع المصالح الأمريكية، لكن التعاون بين هذه الدول ليس إلا تحالفا تكتيكيا من نوع ما. فإيران وكوريا الشمالية، ترى في التعاون فرصة لقرص يد أمريكا والخروج من العزلة. كما تريد روسيا التي فُرضت عليها العقوبات، كل معونة تأتي من أي طرف مستعد، كوسيلة لمكافحة آثار العقوبات على اقتصادها.
ويمكن أن ترد الولايات المتحدة من خلال تحالف ناشئ بطريقة أو بأخرى، وكلاهما لا يثير الشهية. واحدة منها هي مواصلة تبني عالم “مانوي” أي (الحرب بين الخير والشر) ومعارضة الدول في المستقبل القريب. وعندما نفحص كل دولة في “فيلق الموت” نرى أن الولايات المتحدة لديها أرضية قوية لفرض عقوبات عليها، فإيران تواصل برامجها النووية والصواريخ الباليستية وتدعم الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط. أما روسيا فقد احتلت وبشكل مستمر أراضي جيرانها، وتتحمل مسؤولية أكبر غزو في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وكان فلاديمير بوتين مستعدا لممارسة أفعاله الشريرة في دول الناتو، وشن حملة اغتيالات ضد معارضيه في الخارج. وتبنت الصين دبلوماسية الذئب المحارب، وهي مسؤولة عن القمع في الداخل. أما كوريا الشمالية، فكلنا يعرف مَن هي.
وربما كانت فكرة وضع كل أعداء أمريكا في سلة واضحة مغرية، إلا أن هناك تعقيدات، فهي تجعل من الصعوبة أمام أمريكا بناء تحالفات للاحتواء. فلربما انضمت الهند لتحالف ضد الصين، لكنها لن تنضم لتحالف ضد روسيا، نظرا للعلاقات التاريخية معها. وعليه، فواشنطن مضطرة للقيام بتحالفات وقتية بدون قدرة على تنسيقها.
والمشكلة في العالم المانوي هي أنه لا ينتبه للطرق التي عملت فيها السياسة الخارجية الأمريكية، عندما قسّمت بدلا من توحيد التحالفات المتعارضة. فقد قامت فكرة جورج كينان لاحتواء الشيوعية على البحث عن مكامن في الشيوعية واستغلالها. ولهذا أقامت أمريكا علاقات مع يوغسلافيا تيتو في خمسينات القرن الماضي، وماو الصين في سبعينات القرن الماضي، مما أعطاها القدرة للتركيز على العدو الأهم وهو الاتحاد السوفييتي.
إلا أن السياسة الخارجية الأمريكية تواجه تناقضا ظاهريا في التعامل مع معارضيها، فمن بين هؤلاء، تعتبر الصين من أكبر الأعداء، والدولة الوحيدة التي يمكن وصفها بالنظير المنافس، وتحظى معارضتها بتأييد الحزبين الأمريكيين. وفي نفس الوقت، فالصين مقارنة مع روسيا وكوريا الشمالية هي عضو في محور فيلق الموت، ولكن بأسهمٍ كبيرة في النظام الدولي الحالي. فالتعاون الصيني مع روسيا ظل محدودا حتى هذا الوقت نظرا للعلاقات التجارية الصينية مع العالم. وستعطي قمة شي- بوتين اليوم الإثنين فكرة عن مدى التعاون بين البلدين.
وبالنسبة لصناع السياسة الأمريكية، فهم أمام عدد من الخيارات للمضي قدما، فإما مواصلة تطبيق سياسة خارجية تؤدي إلى تحالف معاد لأمريكا، ويمكنهم التركيز على احتواء الصين وتخفيف مواقفهم من دول تمثل تهديدا أقل للولايات المتحدة وشركائها. وربما قرروا أن الصين هي الشيطان الذي نعرفه وتحاول بناء ميزان جديد في العلاقات الأمريكية- الصينية.
وفي عالم غير مستقر، فتصحيح العلاقات الامريكية- الصينية هو الخيار الأسهل، لكن في ظل السياسة الأمريكية الداخلية، فهو الأقل الذي يمكن للرئيس بايدن ومعارضيه في الحزب الديمقراطي التوافق عليه.