تحرير: باسل مغربي – عرب ٤٨ / الأناضول
13/08/2024 – 19:38
وصل محمد إلى المستشفى شاحب الوجه وقلبه يخفق بسرعة، ويحمل بيديه شهادة ميلاد طفليه، يأمل أن يسمع خبرًا يكذب ما وصل إليه ويطفئ نار قلبه، ويطمئنه على مصير زوجته وطفليه؛ وقال: “لم أتوقع أن أجدهم قد استشهدوا جميعا”.
الأب المكلوم يحمل شهادَتيّ ميلاد الشهيدين (Getty Images)
لم يكن الشاب محمد أبو القمصان، يتخيل أن تتحول فرحته بتوأميه إلى حزن وقهر لا يوصف، بعد أن سفك قصف إسرائيلي، دمهما وهما في مهدهما، بعد استهداف شقة سكنية في مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة.
محمد وزوجته جمانة عرفة، النازحان من شمال قطاع غزة إلى مدينة دير البلح، استقبلا قبل 3 أيام فقط توأميهما آيسل (أنثى) وآسر (ذكر)، بعد عملية قيصرية صعبة.
وقالت وزارة الصحة في القطاع، إنه “باستشهاد الطفلين الرضيعين إيسل وأيسر أبو القمصان، اللذين ولدا في التاسع من أغسطس الجاري، بلغ إجمالي عدد الأطفال الرضع الذين ولدوا واستشهدوا في حرب الإبادة الجماعية 115 طفلا، عاشوا لحظات قصيرة من الحياة قبل أن تزهق أرواحهم تحت وطأة القصف والعدوان”.
(Getty Images)
وملأت الفرحة قلبي الزوجين وعائلتيهما بقدوم التوأمين، لا سيما وأنهما كانا يترقبان حياتهم الجديدة التي ستملأها ضحكات الأطفال، قبل أن يسلب الجيش الإسرائيلي هذه الفرحة مبكرًا.
وبينما خرج محمد مسرعا من منزله صباح الثلاثاء، فرحًا بموعد تسلم شهادة ميلاد طفليه، تلقى اتصالاً هاتفيًا يخبره باستهداف المدفعية الإسرائيلية المتمركزة شرق مدينة دير البلح الشقة السكنية التي كانت تؤوي عائلته النازحة.
الطفلان اللذان استشهدا
اتصال سريع قلب حياة محمد رأسًا على عقب، ودفعه إلى التوجه لمستشفى شهداء الأقصى في دير البلح على وجه السرعة وقلبه ينبض بالخوف والقلق على مصير عائلته.
وصل محمد إلى المستشفى شاحب الوجه وقلبه يخفق بسرعة، ويحمل بيديه شهادة ميلاد طفليه، يأمل أن يسمع خبرًا يكذب ما وصل إليه ويطفئ نار قلبه، ويطمئنه على مصير زوجته وطفليه.
وبمجرد أن شاهد عائلته تقف على أبواب ثلاجة الموتى داخل المستشفى، انهار باكيًا بحرقة، ولم يتمالك نفسه، وفقد أعصابه من هول الصدمة التي كانت أكبر من أن يتحملها عقل وقلب.
ويقول أبو القمصان، وهو ينظر إلى الشهادة الرسمية التي كانت ستثبت قدوم مولوديه: “قبل قليل أصدرت شهادة الميلاد لآيسل وآسر، فقد ولدا قبل يومين فقط… والله لست محظوظًا”.
ويضيف وهو يبكي بحرقة: “قبل يومين ولدتهم جمانة، وكنت خارج المنزل لاستكمال الإجراءات الرسمية وإحضار شهادة الميلاد، آسر وآيسل، ولدا في 10 آب/ أغسطس، وبالأمس قمت بتسجيلهم رسميا في وزارة الداخلية الفلسطينية، واليوم موعد تسلم شهادة الميلاد”.
وانهار محمد باكيًا، وسقط مغشيًا عليه من هول الصدمة، ويتابع القول بعدما تمالك نفسه واستجمع قواه: “ذهبت لتسلم الشهادة، وجاءني اتصال بأن الشقة استهدفت، ولم أتوقع أن أجدهم قد استشهدوا جميعا”.
لحظة واحدة، غيرت حياة محمد إلى الأبد، ولم تكتمل فرحته بتوأميه، ولم تفرح زوجته بهما كما كانت تحلم.
ولم يبق لمحمد سوى ذكريات قصيرة جدًا عاش فيها أجمل لحظات العمر مع طفليه وزوجته وعائلته.
وبنبرة مليئة بمشاعر الصدمة والحزن أنهى الشاب حديثه بالقول: “آيسل وأسر هما أول فرحتي وآخرها، حتى فرحتي كانت منقوصة ولم تكتمل، حسبي الله ونعم الوكيل”.
على الجهة المقابلة، كان شقيق زوجته جمانة، يبكي هو الآخر على جثمان والدته ريم جمال البطراوي (50 عاما)، والتي استشهدت هي الأخرى في الغارة الإسرائيلية بينما كانت ترعى ابنتها وتوأميها.
ويقول الشاب وهو يحتضن جثمان والدته وينظر إلى جثمان شقيقته وطفليها: “هؤلاء أول أحفادنا، أول فرحتنا في البيت، لم نفرح بقدومهما بعد، لقد ولدا قبل يومين فقط”. ويتساءل: “ما ذنبهم؟! لماذا قصفهم الجيش الإسرائيلي؟!”.
وصباح الثلاثاء؛ استشهدت جمانة فريد عرفة وطفليها التوأم حديثي الولادة آيسل وآسر أبو القمصان؛ ووالدتها ريم البطراوي في قصف مدفعي إسرائيلي لشقة سكنية في أبراج القسطل شرق مدينة دير البلح، دون سابق إنذار.
وبدعم أميركي، تشن إسرائيل منذ 7تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حربا مدمرة على غزة خلفت أكثر من 132 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.