محسن حزام
الأربعاء 31 – 07 – 2024
انقطاع المياه عن مدينة الحسكة في شمال شرق سورية لازالت مستمرة منذ عشرة شهور ونيف، وكانت تتكرر على فترات منذ خمس سنوات تقريبا، نتيجة المواجهات المستمرة بين القوات التركية المسيطرة على “محطة العلوك في راس العين ” ( التي تغذي الحسكة مع 54 قرية بمياه الشرب، والتي يقطن فيها حوالي مليون نسمة بالإضافة لمخيمات النازحين، الذين يحتاجون إلى 82 الف متر مكعب يوميا من المياه للاكتفاء الذاتي) ،وبين قوات سورية الديمقراطية pyd التي تدير تلك المنطقة عبر ما تسمى “الإدارة الذاتية” والتي تشرف على محطات توليد الكهرباء التي تقوم بتشغيل محطة العلوك لتحلية المياه. الطائرات التركية في هجماتها المتكررة على مواقع القوات وميليشيات pkk وآخرها كانت عملية “مخلب النسر ” في تشرين الأول من العام الفائت، تسببت في تدمير محطتي كهرباء ( الدرباسية وعامودا) وإخراج محطة توليد “السويدية “للكهرباء من الخدمة. دون مراعاة حاجة سكان المنطقة للكهرباء والماء، وأهمية العامل الإنساني في ذلك. وعلى ذات المقلب نرى أيضا الجانب التركي وبنفس الطريقة كان يتعامل مع سورية، في تخفيض نسبة تمرير المياه المتوافق عليها بين البلدين عبر نهر الفرات، والتي تستخدم في مياة الشرب وتوليد الكهرباء من عنفات سد الفرات، كورقة ضغط سياسي، تحرم من خلالها العديد من المحافظات السورية من الطاقة، وتهددها بنقص المياه.
وهذا الأمر ايضا تمارسه قوات “قسد” كإدارة أمر واقع والمهيمنة على منابع النفط في شمال شرق من خلال الراعي الأمريكي، في بيع منتجات النفط (التي هي ملك للشعب السوري) من مادة “الفيول” التي تتلف عادة اذا لم يتم الاستفادة منها،فيتم شرائها عبر وسطاء لصالح النظام السوري من أجل تشغيل المحطات الحرارية لتوليد الكهرباء.
وللعلم أن الجانب الروسي نجح سابقا مع بداية الأزمة في تثبيت قاعدة وبالتوافق بين الأطراف المتنازعة تقول / المياه للحسكة مقابل الكهرباء لرأس العين / .لكن كلا الطرفين لم يلتزما بهذا الاتفاق لمدة طويلة .
نداء استغاثة وتنديد
مع قدوم فصل الصيف وحرارته المرتفعة ومع ازدياد الحاجة لاستخدام المياه ،في أول صيف يمر على المحافظة بدون اي قطرة ماء ، تحملت مدينة الحسكة وريفها تبعات هذا الصراع ،مع شظف وصعوبة الحياة الاقتصادية والمعيشية، التي تعيشها سورية منذ فترة طويلة، جاءت أزمة انقطاع المياه لتضاعف على السكان شروط الحصول على حياة كريمة في توفير احتياجاتهم الضرورية ، مما تطلب من أهالي المنطقة وبشكل شخصي إيجاد حلول إسعافية لشراء مياه الآبار المنقولة بواسطة صهاريج ، كحل إسعافي مؤقت نتيجة عدم توفر بدائل أخرى، مع تحمل أعباء القيمة الشرائية المرتفعة للصهريج الواحد الذي “سعته خمسة براميل” سعر البرميل الواحد وصل مؤخرا إلى حدود عشرة آلاف ليرة ، من مياه الآبار الغير صالحة للشرب، ولا حتى الاستخدام المنزلي، والتي بدورها أدت إلى انتشار الأمراض المعوية الحادة لدى الأطفال. كما ضاعف في المعاناة أكثر الحصول على مياه الشرب من مركز التحلية الذي يتطلب الوقوف ساعات من أجل الحصول على تعبئة بعض الأواني نتيجة الازدحام وحاجة السكان، يضاف إلى ذلك انخفاض مستوى المياه الجوفية في الآبار الارتوازية الموجودة عادة في البيوت الريفية .لكن “مسد” التي تقوم على إدارة المنطقة لم تستطع إيجاد حلول ناجعة ومستدامة إلى الآن بهدف إنقاذ الوضع الراهن، سوى محاولتها حفر بعض الآبار ونقل مياهها للأحياء التي لم تؤدي الغرض المطلوب.
أزمة المياة في مدينة الحسكة دخلت البازار السياسي،الذي يعتمد على المصالح في سياسات الدول ،وهذاحال كل بؤر الصراع، التي تعكس أزماتها على السكان المدنيين ضمن دائرة الصراع.
تركيا في صراعها مع الفصائل المصنفة لديها على قائمة الإرهاب ، والتي تعتبر نشاطها خارج حدودها مسألة أمن قومي ،في العادة تخترق سيادة الدول المجاورة من أجل مصالحها ،واليوم تستخدم المياة ورقة ضغط سياسية للحفاظ على أمنها ولو على حساب أمن وسلامة واحتياجات سكان المناطق المسيطر عليها.
ازمة المياة لازالت معاناة مستمرة في المنطقة، تحتاج إلى حل مستدام خارج دائرة الصراع ،وهذا يتطلب من الهيئات الدولية والإنسانية التدخل مباشرة لحل هذة الأزمة وحماية المدنيين المتضررين من الصراع ” وهذا نداء استغاثة “، وكذلك يتطلب من الجانب الأمريكي الذي يؤمن الغطاء السياسي والعسكري لقوات سورية الديمقراطية، محاولة الضغط على الأطراف للعمل على حلول إسعافية سريعة ،في إعتبار محافظة الحسكة وريفها منطقة منكوبة تحتاج إلى التدخل الفوري ، مع ضرورة تفعيل اتفاقية جنيف الخاصة بحماية المدنيين وممتلكاتهم في مناطق الصراع حسب منطوق القانون الدولي الإنساني، ولابد من إدانة كافة الاطراف المتنازعة والمتدخلة في الحالة السورية كضامنين أو مشاركين في السماح لأطراف الصراع إستخدام المدنيين داخل البازار السياسي لمصالح الدول، وعدم تحيدهم حسب الأعراف الدولية والإنسانية.
هل من مستجيب؟!