القاضي الشيخ خلدون عريمط
جريدة اللواء
6 حزيران 2023
حين كان المد العربي الوحدوي المعادي لكل أنواع الاستعمار على الأراضي العربية، والمقاوم للاستيطان الصهيوني على أرض فلسطين، في منتصف الستينات من القرن الماضي، والصاعد من القاهرة عاصمة مصر المحروسة، ومن إذاعة صوت العرب وسيدها ناصر، ويتردد صدى هذا المد العربي الثائر، العواصم والحواضر العربية، وحتى الأفريقية والآسيوية؛ كانت مرآة العرب وأميرة العواصم بيروت، تحتضن تطلّعات الشعوب العربية وآلامهم وجراحاتهم النازفة في فلسطين والجزائر واليمن، وفي كل أرض عربية وإسلامية تتطلّع لغد مشرق، حينها انتفض ابن بيروت الفتى العربي الثائر كمال شاتيلا مع نخبة من أقرانه النجباء؛ حسن مطر، طارق ناصر الدين، رياض الصمد، وغيرهم من مقاعد دراساتهم الجامعية من محلة الطريق الجديدة، ليطلقوا عام 1965م من جامعة بيروت العربية، ومن قلب بيروت الثائرة مع القائد العربي جمال عبد الناصر، صرخة عربية وحدوية مؤمنه بمسمى (اتحاد قوى الشعب العامل) وبعدها بسنوات وفي عام 1980 بمسمى (المؤتمر الشعبي اللبناني) ومؤسساته الاجتماعية والصحية والإعلامية وحكما السياسية لخدمة الوطن والمواطن بكل شرائحه وأماكن تواجده في لبنان، بعيدا عن ثقافة الكهوف المذهبية الواردة، والخنادق الطائفية المستوردة، رافضا بقوة منطق المليشيات المذهبية الحاقدة التي عاثت فسادا وإفسادا وقتلا وسرقة وتخريبا في بيروت الصابرة في منتصف الثمانينات.
ما يقارب الستين عاما من النضال الثقافي والاجتماعي والسياسي، والإثار والثورة والرفض والقبول، وحتى النفي الى ما وراء البحار، بقى الفتى العربي الثائر كمال شاتيلا فارسا عربيا مؤمنا يعمل وطنيا مع إخوانه ومريديه وعارفيه، ويحلم مع أمثاله في الوطن العربي، بوحدة عربية مؤمنة صادقة وبتحرير فلسطين وقدسها وشعبها المرابط من البحر الى النهر، ومؤكدا في أدبياته السياسية؛ لا صلح، لا اعتراف، لا مفاوضات مع العدو الإسرائيلي، حتى لو تحالفت معه ودعمته أمم الشرق والغرب، فأرض العرب للعرب، لا تباع ولا توهب ولا يمكن التنازل عن شبر منها، فهي أرض باركها الله تعالى، بما أنجبت من أنبياء ورسل وما رافقهم من شرائع إلهية لتوحيد الخالق، وهداية البشر، والأرض العربية ملك الأمة وأجيالها، وليست ملكا لنظام أو رئيس أو قائد مهما علا شأنه. الفتى العربي الثائر كمال شاتيلا، لم تبدد أحلامه الوحدوية سنواته العجاف التى مرّ بها أو حتى التي عانى بها من الشقيق ومن الحليف معا، ولم توقف تطلعاته المستقبلية لأمة عربية وإسلامية اتحادية واعدة، كل النكسات والهزائم، ولا التسويات الظرفية أو الصفقات السرية أو العلنية بين هذا وذاك من القوى السياسية الفاعلة أو العسكرية القاهرة، ولم تؤثر على خياراته الوطنية أو على جماعته ومريديه الإغراءات أو الحصارات المتعددة والجراحات النازفة من القريب أو البعيد.
بقي المناضل كمال شاتيلا ابن بيروت المحروسة، وابن الطريق الجديدة وعلى مدى ستين عاما، كما هو وطنيا عربيا وحدويا مؤمنا، يعيش غربته مع نفسه، ثائرا على الواقع السياسي بكل عناوينه ومسمياته، وعلى الفساد والافساد، وعلى استغلال حاجات الناس في الانتخابات النيابية والمواسم الدورية. قد تتفق معه سياسيا، ويمكن لك أن تختلف مع توجهاته المرحلية، وتحالفاته الظرفية مع بعض القوى السياسة التي لا يمكن أن يلاقيها أو يلتقي بها استراتيجيا، لكنك لا تستطع إلا أن تلتقي معه في نهاية المطاف، وتقدّر وجهة نظره، وتتلاقى معه بعمق في القضايا الوطنية والعربية الكبرى، وهو على صهوة جواده الأصيل فارسا عربيا كريما مقداما، لا يساوم على قضيته الوطنية والعربية وجوهرها فلسطين وقدسها الشريف بمساجدها وكنائسها، يعطي ولا يأخذ، ينحني للعاصفة ولا يهزم، يحاور ويناور ويبقى لديه الوطن أولا، وتبقى وحدة الأمة من المحيط الأطلسي الى الخليج العربي الهدف والغاية عاجلا أم آجلا.
تغيّر المشهد السياسي بعد سقوط بغداد ومعها العراق، محليا وعربيا وحتى دوليا، واختلط الغث مع السمين، والمحررين الأحرار مع دعاة التحرير والمقاومة، وحتى مع القاعدين المتفرجين، لكن الفتى العربي المناضل كمال شاتيلا ورفاقه لم يتغيّروا ولم يبدّلوا تبديلا؛ فهم من ومع بيروت الصابرة على جرحها النازف من الحركات الشعوبية الجديدة، استمروا حاملين راية الوحدة والحرية والتحرير، متكاملين مع القاهرة ومع الرياض ومع دمشق وعمان وبغداد، ومع كل الوطن العربي؛ ولا زالوا يرددون بلاد العرب أوطاني، وكل العرب اخواني.
هوى الفتى العربي الثائر كمال شاتيلا وهو في القاهرة التي أحب، الى رحمة ربه، ولم يتحقق حلم الوحدة أو الاتحاد أو التكامل بين الأشقاء العرب، لكن الأمل مستمر، والسعي متواصل، والهدف يبقى امانة لدى كل فتى عربي ثائر، وكل صبية عربية سمراء تحمل حجرا مباركا من أرض العرب وتقذف به وجه الأفعى الصهيونية في فلسطين وما حولها.
رئيس المركز الإسلامي للدراسات والإعلام
القاضي الشيخ خلدون عريمط