2 من 2
بقلم محسن حزام
١٨/١/٢٠٢٣
القاعدة المتداولة في العلاقات الدولية ليست محكومة بالمنافع المتبادلة فقط، انما تتحرك في بعض الأحيان باستدارات غير متوقعة حسب تطورات الوضع الداخلي لكل دولة وموقع صاحب القرار في مركز اي حدث، وكذلك عندما يحدث خلل في التوازنات الدولية له تأثيره على السياسات والعلاقات البينية بين كافة الأطراف.
الذي نلحظه الآن من تصرف بعض الأطراف المتدخلة في الحدث السوري وجود انزياحات في بعض مواقفها فرضتها أزماتها الداخلية وكذلك التي تعصف في المنطقة وعلى مستوى العالم فرضت على صاحب القرار الاستدارة عن بعض الثوابت ووضع المصالح المؤجلة في المقدمة حفاظا على امنه القومي ومصالحه الشخصية علما هذا الأسلوب الميكافيلي الغير منضبط بأي محددات قاعدة هامة ومعمول بها في معظم مفاصل السياسة الدولية.
وعلى سبيل المثال لا الحصر الرئيس بوتين فتش عن مخرج آمن يخرجه من مستنقع الحرب الأوكرانية والأزمة الاقتصادية الناتجة عن الحصار المفروض عليه من الجانب الأمريكي والأوروبي ، أن يصرف الأنظار عن المستنقع الأوكراني الذي استجر اليه بالتحرك مع الجانب التركي وتعزيز العلاقة معه لسد فجوة الحصار بالاستفادة من البحر الأسود كمعبر للتصدير وترسيخ موقفه المؤيد من الحرب الأوكرانية وسحبه إلى الجانب السوري لتطبيع العلاقة معه على أرضية المنافع المتبادلة بين كافة الأطراف.
ماهي هذه المنافع.. ؟ التركي يرى في الاستدارة باتجاه النظام تخفيف العبء عليه في عملية عسكرية جديدة قرر أن يخوضها من أجل أبعاد الأكراد من منبج وجرابلس والعمل على محاصرة “قسد” في شمال شرق سورية وتقوية مشروع التعاون الاستراتيجي مع الجانب الروسي الحليف الضامن في مسار استانا، وكذلك تحجيم الدور الأمريكي هناك الداعم لهذه القوات التي استفاد منها في حرب الوكالة مع “داعش” وفي السيطرة على المخزون الاستراتيجي من النفط الخام والسلة الغذائية من الحبوب التي تغطي احتياجات الشعب السوري بالكامل بل وتفيض عن حاجته .ويرى كذلك أن الورقة الانتخابية للاستحقاق الرئاسي يتم دعمها من خلال إيجاد حل لمسألة اللاجئين السوريين في تعديل شروط اتفاقية اضنة لعدة كيلومترات إضافية داخل الأراضي السورية تحقق امنه القومي من جهة ومن جهة أخرى تكون مكان آمن يستوعب اللاجئين الذين سيتم إعادتهم إلى داخل الشريط الحدودي مما يعرقل مساعي المعارضة التركية في مواجهة اردوغان وحزب العدالة والتنمية .الجانب الروسي من جهته يعتبر هذه الخطوة هامة في دعم وجوده اكثر داخل سورية وفي كل اتفاقية تؤمن له الاستمرار في المياه الدافئة بعد الانتقال السياسي مستقبلا كما يؤكد دعمه لبقاء النظام وتأمين الحماية المؤقتة له ، أيضا يستفيد من الجانب التركي في فتح معبر باب الهوى وإعادة تسليمه للجانب السوري بهدف استفادة النظام من عائداته في رسوم العبور لتعديل ميزان الانهيار الاقتصادي لديه أن أمكن فيكون بذلك تحرر من حرج عدم استطاعته تقديم العون في محنة انهيار الليرة وأزمة الطاقة والوقود التي خلفت تراجع قسم لابأس به من حاضنته المؤيدة .
– 2 –
اما ما يخص المعارضة وماذا أعدت للتعامل مع هذه المتغيرات.
اذا أخذنا صورة بانوراميه عن مسمى المعارضة السورية نراها عدة مستويات:
١/ معارضة تشكلت في دول اللجوء على خلفية الثورة السورية ومخاضها الذي تعرضت له في النزوح والهجرة، معظمها كان مقره تركيا ( تشكيله الأساسي الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ) الذي احتضنته الدولة المضيفة، عمل في فلك المشروع التركي على المستوى السياسي والعسكري، انقسم على نفسه عدة مرات بسبب الانتفاع المالي وتوزيع المناصب والرواتب العالية للمتفرغين ، اضاعوا البوصلة وركبوا موجة الثورة على المستوى الإقليمي والدولي بادعائهم الممثل الشرعي والوحيد لها ، داسوا على دم الشهداء وذهبوا لتحقيق مصالحهم فسقطوا داخل حاضنتهم الشعبية دلل على ذلك الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الائتلاف ” الشيخ سالم المسلط ” إلى منطقة عفرين وكيف تعامل معه سكان المنطقة بالإهانة وطلب المحاسبة له ولمؤسساته وفي مقدمتها الحكومة المؤقتة، وتعرت أوراقهم أمام القوى الضامنة، وفي تشكيلهم العسكري( الجيش الحر ) الذي أصبح البعض منه أمراء حرب ومرتزقه تعمل لصالح اجندات الدول المتدخلة .
٢/ معارضة شكلها النظام على مقاسه بمهمة وظيفية تحركها الأوامر والتعليمات الصادرة عنه، تعمل ضمن قانون تشكيل الأحزاب وحسب مكتب الأحزاب لدى الفروع الأمنية، هي بالشكل وجه آخر عن مسمى “الجبهة الوطنية” يتم اشراك البعض منها في مسار استانا.
٣/ المعارضة الوطنية الديمقراطية الموجودة في الداخل السوري ولم تغادر الوطن، تتكون من أحزاب معارضة ولها تاريخيتها وأثرها على المستوى الشعبي تمثلت في (هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي) عملت على أهداف الثورة في الحرية والكرامة من منظور الواقعية السياسية والحفاظ على وحدة سورية أرضا وشعبا بالانحياز إلى الحل السياسي من بداية الثورة في مواجهة الحل العسكري والأمني الذي انتهجه النظام، وشاركت في المسار التفاوضي بكافة نماذجه.
٤/ وتشكيل تم بإرادة دولية لتمثيل المعارضة بمنصاتها المتعدة في المسار التفاوضي (هيئة التفاوض السورية) والتي انبثقت عنها اللجنة الدستورية، التي لازالت تحبو في الأروقة الدولية مع النظام الممانع بدون أي نتائج تذكر إلى هذا التاريخ وتحتضر بخلافاتها الداخلية.
هذه المعارضات في الفقرة 1و2 نسجل على خطابها الحالي انهيار في المفاهيم القيمية لا يبشر بخير يضاف إلى هزالها وتفككها وتخندقها سيكون سببا في إخراجها من المشهد لأنها لن تكون بديل مقنع للقوى الداعمة للنظام ولا يمكن أن تكون في مشروع سورية المستقبل وهذا تجمع علية القوى الدولية بما فيها الهيئات الأممية، والبعض منها لديه تشوه سياسي واضح في الخطاب والممارسة سببه المباشر الانخراط في اللعبة السياسية للدول الكبرى دخلت ضمن عباءة هذا الاطراف وأصبحت أداة تنفيذ لمشاريعها. ايضا تتحرك بمهام وظيفية لا تستطيع الخروج من عباءة القوى المشغلة.
من هنا لابد من القول ان القوى التي لا تحكمها نواظم وطنية أو مبادئ منضبطة تنسجم مع مصلحة الوطن والمواطن ومع أهداف ثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ستبقى في خدمة مصالحها الأنوية بعيدة بمسافة فاصلة عن شعارات الثورة بسبب انحيازها إلى أجندات الاخرين والانصياع إلى مصالحهم. استخدمت السياسة لتحقق المكاسب على حساب دم ابناء شعبنا. خانت المفاهيم والقيم وتنكرت للمطالب، وبدأت تعتاش على تمويلات الآخرين على المستوى العسكري والسياسي والآن تبحث عن مخارج ولو كانت في الحضن الأمريكي أو بعض الأدوات العربية المستخدمة كوكلاء في المنطقة. هذا النموذج من المعارضة لا يصلح أن يكون في مستقبل سورية وهذا ليس اجحافا بحقها بل دللت عليه ممارساتها خلال السنيين العجاف في النهب والإرتزاق من خلال تمثلها كإدارات أمر واقع.
– 3 –
المعارضة الوطنية الديمقراطية ” في الداخل” لازالت مواقفها مرتبكة تجاه ما يحدث ولها حسابات خاصة تكبلها في إصدار المواقف وتحديد شكل التعامل مع هذه المتغيرات، علما انه معول عليها الكثير في هذه الفترة الحرجة والمفصلية التي تمر بها سورية الوطن والشعب. المهددة بالتقسيم وترسيم مناطق النفوذ في ظل نظام متهالك على كافة الأصعدة وغير قادر على تقديم أي حل لأنه فقد صلاحيته المؤسسية والسيادية لأن الأمر أصبح بأيدي القوى الخارجية ومصالح الدول.
لذلك نرى حتى هذه المعارضة لا تمتلك القدرة على اقتحام الواقع إلى الآن ولم تستطع أن تكسب الحاضنة الشعبية التي فقدت الثقة بكل هذه النماذج علما ثبت على مدار سنين الأزمة أن مواقفها كانت صحيحة وسليمة ، لكن الحصار الإعلامي الذي فرض عليها منعها أن تسوق مشروعها بين قوى الثورة .وحتى تستعيد القها والدور المطلوب منها لابد لها من طرح برنامج عمل واضح المعالم قادر أن يجمع ويوحد مواقف المعارضة الوطنية في الداخل ( والخارج التي لم تتلوث ماليا ولا في الدم السوري ومتوافقة مع الحل السياسي وسيادة الوطن في إخراج كافة الإحتلالات ) تكون البديل الحقيقي للرد على أي متغير طارئ . علما انها عملت على استحياء تجربة الجبهة الوطنية الديمقراطية / جود. التي لازالت تحاول ترتيب بيتها الداخلي من أجل حسم خلافاتها حول وثائقها التي يجب ان تكون معبرة عن الهوية الوطنية السورية في مشروع سورية المستقبل. وبالتالي حتى لا تبقى هذه الوثائق حبيسة الأدراج لابد أن يتم العمل على تبيئتها لدى القاعدة الشعبية وتصديرها إلى المؤسسات الدولية وهذا يحتاج إلى عقل براغماتي منفتح على الآخرين للتوافق حول المشتركات وترحيل كافة النقاط الخلافية لما بعد الانتقال السياسي الذي حدده بيان جنيف ١ والقرار الأممي/٢٢٥٤/ .
– 4 –
في الختام لابد ان نؤكد أن المسألة السورية فعلا وصلت إلى خواتيمها، وهذا تشير إلية أوضاع القوى المتدخلة التي تحاول تعديل التوازن المختل لديها على المستوى الداخلي وعلى مستوى السياسات الخارجية التي باتت تفرض شروطها بقوة على كل منهم، وأصبحت كل الأطراف بحاجة لأن تنهي هذه الأعباء المترتبة عليها جراء انخراطها في المسألة السورية.
قطار التطبيع مع النظام السوري يسير مسرعا لتحقيق بعض الأهداف المرسومة له بما يخص الجانب التركي الذي بدا يعلن عن لقاءاته مع الطرف السوري على مستوى وزراء الخارجية لوضع اللمسات الأخيرة في لقاء الأسد/ اردوغان. هذه الخطوة لاقت استحسان من المعارضة التركية ومن العرابين العرب “دولة الإمارات” وبتوافق روسي ايراني ومعارضة أمريكية، اما على مستوى المعارضة السورية كان لها مواقف متباينة من خطوات التسريع في عودة العلاقات، منهم من تفهم مصالح الجانب التركي ومنهم من اعتبر هذه الخطوة ضد مصلحة الثورة السورية ومنهم من يرى أنها تعيق العملية السياسية برمتها وربما تضعها خارج منطوق القرار الأممي /٢٢٥٤/ مع العلم أن ((التحرك الروسي بهذا الخصوص أعاد المسألة السورية من جديد على الطاولة الأممية وفي وسائل الإعلام)).
الأيام القادمة ستكشف المستور الواضح، وشعبنا لازال يشرب العلقم متحليا بالصبر لغد أفضل يكحل عيونه الذابلة.