دمشق – جلنار العلي
العربي الجديد
07 ابريل 2025
ماهر الشرع (فيصل الإمام)
أوردت وسائل إعلام سورية، أول من أمس السبت، خبر تعيين ماهر الشرع وهو شقيق الرئيس السوري أحمد الشرع، أميناً عاماً لرئاسة الجمهورية العربية السورية، من دون أن يصدر حتى مساء أمس الأحد أي بيان رسمي بذلك. علماً أن هذا المنصبَ منصبٌ رفيعٌ في هيكل رئاسة الدولة، ويختص عادة بإدارة شؤون رئاسة الجمهورية من الناحية الإدارية والتنظيمية. وأثار الخبر انتقادات وتساؤلات ركزت تحديداً على المخاوف من إعادة تعزيز سيطرة العائلة الحاكمة على مفاصل البلاد، بعد إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لا سيما أن الخبر جاء في سياق سياسي معقد.
ولا تزال سورية تعاني من تداعيات الحرب الاقتصادية والأحداث المتواصلة منذ بدء الثورة السورية عام 2011، بما فيها الأحداث التي لحقت إسقاط الأسد. ولدى سورية والسوريين تجربة مع النظام السابق الذي عمد إلى حصر السلطة بيد العائلة والذين يدينون بالولاء المطلق له. في المقابل، ذهب البعض لتبرير قرار كهذا بالربط بينه وبين متطلبات المرحلة الانتقالية التي تجعل، من وجهة نظرهم، الرئيس يفضل الاعتماد على أفراد من عائلته في عدد من المناصب.
تعيين ماهر الشرع
جاء تسريب التعيين بعدما غاب عن التشكيلة الوزارية التي أعلنها الرئيس السوري في 29 مارس/ آذار الماضي اسم ماهر الشرع، الذي كان يتولى منصب وزير الصحة في الحكومة المؤقتة (عقب إسقاط الأسد)، في وقت لاقى توليه المنصب حينها قبولاً، لا سيما بسبب خلفيته المهنية طبيباً.
عمار ديوب: هناك أعراف دبلوماسية تقضي بإبعاد المقربين عن المناصب القيادية
في هذا الصدد، اعتبر الصحافي والكاتب السوري عمار ديوب، لـ”العربي الجديد”، أنه “ليس من الصائب تعيين السيد ماهر الشرع في هذا المنصب”، مضيفاً أن “هناك أعرافاً دبلوماسية تقضي بإبعاد المقربين عن المناصب القيادية سواء أكان أخاً أم ابناً”. وبرأيه، فإنه “مع حساسية الوضع السوري في المرحلة الانتقالية، كان يفضل ألا يتم هذا الأمر الذي لا يبعث رسالة جيدة للداخل ولا للخارج”، موضحاً أن “تعيينه سيبدو أشبه بتعيين بشار الأسد شقيقه ماهر الأسد (الذي كان قائد الفرقة الرابعة في الجيش السوري السابق، وهو على لائحة العقوبات الأميركية)، بينما سيبدو للخارج أن عائلة الشرع هي التي تتحكم بالسلطة”. ومن غير المستبعد، وفق ديوب، “أن تظهر حساسية للأمر في أوساط الإدارة نفسها، وضمن الفصائل التي أوصلت الشرع إلى السلطة”، موضحاً أن “المجال سيفتح لبقية المسؤولين في الدولة للاقتداء بهذا التصرف، وتعيين أقاربهم في المناصب، بينما الوضع في البلاد في مرحلة انتقالية هشة تحتاج الى دقة كبيرة في التعيينات”. ورأى أن أداء ماهر الشرع “جيد في مجال اختصاصه في الطب، لكن في العمل الإداري والدبلوماسي، أعتقد أنه اختيار غير موفق”.
بدوره، قال المحلل السياسي محمد جزار، لـ”العربي الجديد”، إن تعيين ماهر الشرع “كان يمكن أن يمر من دون ضجيج لو كنا في دولة مستقرة وحكومة منتخبة”. لكن في الظروف الحالية التي تمر بها سورية، “لا بد أن يكون كل فعل أو إجراء من جانب السلطة مدروساً بعناية، ولا يترك انطباعات سلبية عنها، خصوصاً إذا كانت مماثلة لما عهدناه في النظام السابق”. يعكس هذا التعيين، وفق جزار، “ظاهرة لازمت الحكم الجديد، وهي عدم الثقة إلا بمحيطها والمقربين منها، وهذه مسألة تلخص جوهر المشكلة بين الإدارة الجديدة وعموم السوريين الذين ينتظرون منها انفتاحاً أكبر تجاههم، وألا تظل تدور في حلقاتها الخاصة”. ورأى أن “الحذر الزائد من جانب السلطة ليس له ما يبرره، وعليها أن تبادر إلى اتخاذ خطوات باتجاه الانفتاح على المجتمع، وعدم تبديد ما تبقى من رصيدها الشعبي في مثل هذه التعيينات”. كما شدد على ضرورة “ألا يُسكَت عن مثل هذه القرارات، لأن تمريرها يعني إعطاء الضوء الأخضر للسلطة للتمادي فيها”.
عباس شريفة: لا خطورة من تعيين ماهر الشرع في ظل مرحلة انتقالية
في المقابل، رأى الباحث السياسي عباس شريفة، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “لا خطورة من تعيين ماهر الشرع”، عازياً ذلك إلى أن “حساسية المرحلة وخشية القيادة على أسرار الدولة تدفعها لوضع شخصية ذات ثقة عالية”. وأوضح خصوصاً أنه “في ظل مرحلة انتقالية ربما يتسبب أي تسريب لأسرار الدولة في مشكلة كبيرة، ما دفع بالقيادة للاعتماد على شخصية مقربة من الرئيس في هذه المرحلة”. وبشأن ردود الفعل، لفت إلى أن “هذا التعيين خلق حساسية لدى بعض السوريين على الرغم من كفاءة الدكتور ماهر الشرع”، مشيراً إلى أن “الاعتماد على القرابة في زمن النظام البائد كان تجربة سيئة بالنسبة للسوريين الذين يطالبون بنظام جديد مفارق لكل ما كان يفعله النظام السابق”.
أما من وجهة نظر قانونية، فقد اعتبر المحامي رامي الخيّر، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه “لا يوجد في القانون السوري ما يمنع مثل هذه التعيينات، ولكن العرف المؤسساتي العالمي يقول إنه لا يمكن لشخصين من درجة القرابة نفسها أن يكونا في مكان واحد”. ولفت إلى أن ذلك “لا يتطابق أيضاً مع روح الثورة السورية وتطلعاتها، إضافة إلى أن ثقة الشعب السوري بالسلطة الجديدة هي فعل تراكمي، ولم يمض وقت جيد على بنائها، إذ أمام الحكومة تحديات أهمها الملف الأمني وإعادة الأمان إلى عموم سورية”.
وأشار الخيّر إلى أن الكثير من السوريين توجسوا من تعيين الرئيس أخيه ماهر الشرع في منصب الأمين العام لرئاسة الجمهورية العربية السورية، “ذلك أن إدارة سورية كلها أكبر مما كانت تديره حكومة الإنقاذ في إدلب. ويبدو أن الحكومة تعتمد هذه الطريقة لترتيب أوراقها في هذه المرحلة، مفضلاً الانتظار للأيام المقبلة طالما أن القرار اتخذ فعلياً، وعلى السوريين مراقبة ما يمكن أن يقوم به السيد ماهر الشرع لمصلحة البلاد، أو خلاف ذلك”.
منصب حساس
من جهته، اعتبر المحامي عدي الشوّا، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه لا يوجد أي مانع قانوني من أن يجري الرئيس السوري أي تعيينات من ضمن عائلته. لكنه أضاف أنه “منطقياً، يعد منصب الأمين العام في رئاسة الجمهورية حساساً جداً ويتطلب اطلاعاً ومعرفة واسعة على كل مفاصل الرئاسة من اجتماعات وأعمال وصياغة دساتير وغير ذلك من بروتوكولات ولقاءات وتحركات للرئيس، خصوصاً في الظروف الحالية التي تعاني البلاد فيها من عدم استقرار عام”. لذا يعتمد الرئيس، وفق الشوّا، في هذه الحالة، “على واحد من خيارين: إما شخص يثق به بالمطلق من أصدقائه ومعارفه، أو أحد أقربائه الذين لديهم كفاءات”، مشيراً إلى أن “هذا المنصب بروتوكولي يعتمد على السرية، وليس منصباً سياسياً”.