د. مخلص الصيادي
مذيع استرالي يتساءل على الهواء مباشرة :
أيها العرب: ماهي إنجازاتكم خلال المئة سنة الأخيرة في بلدانكم ؟
نحن نعرف إنجازات شعوب اليابان وكوريا الجنوبية والصين وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وروسيا وألمانيا وتركيا وإيران والبرازيل والكثير من دول العالم من الذين خرجوا من رحم حروب وثورات فأبدعوا صناعة وانتاجاً.
أما أنتم العرب فما زلتم دولاً متأخرة وشعوباً متفرقة متناحرة وأمةً مستهلكة مسرفة مبذرة .
أريد أن أسمع منكم أنتم أعطوني جواباً واحداً غير الجواب الذي ترددونه دائماً وباستمرار أنكم ضحية مؤمرات الغرب والدول الاستعمارية .
هل هذه الدول هي التي تطلب منكم قبول الرشاوى والسرقة والنهب وتمنعكم من التعليم ؟
هل هذه الدول منعتكم من الوقوف بالطابور عندما تتزاحمون لشراء سلعة ؟ هل هذه الدول هي التي أمرتكم برمي الأوساخ والقاذورات على طرقاتكم من سياراتكم وشرفات منازلكم ؟
هل هذه الدول هي التي طلبت منكم أن يأكل أغنياؤكم حتى التخمة ويجوع فقراؤكم بلا رحمة ؟
هل هذه الدول هي التي علمتكم أن تذبحوا بعضكم بعضاً كما فعلتم في لبنان سابقاً وكما تفعلون الان في سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها ؟
أريد جواباً موضوعيا يعلل تأخركم . لا سيما وأنكم تزعمون انكم خير أمة أخرجت للناس.
بكل خجل !! أنا ليس عندي جواب؟؟!!
نحن لدينا جواب واضح وصريح، ونظن أنه حقيقي بدرجة كبيرة جدا:
1- في مجتمعاتنا ضعف في البنية الاجتماعية والطبقية. وتنوع عرقي ومذهبي تحول مع هذا الضعف إلى ثغرة . وهذا الضعف وهذه الثغرة ساعدت القوى الغاشمة على اختراق هذا الجسم الاجتماعي.
2- التساؤل الذي ظهر بريئا من المذيع الاسترالي، هو في حقيقته ليس كذلك، لأن القوى الغربية الغاشمة هي من وقفت لنا بالمرصاد. والمذيع يعلم ذلك، وهذا الموقف الذي أظهره المذيع موقف عنصري واضح لا بجوز أن نغفل عن حقيقته.
في تاريخنا – الذي يدعي أنه لا يعرفه – كان محمد علي يقود نهضة في مصر وقام بمحاولة لتجديد الامبراطورية الاسلامية، بثوب وموقع عربي، وذلك حين زحفت جيوشه نحو الاناضول مستهدفة دار الخلافة، وتوافق الحدث هذا زمنيا مع بداية نهضة اليابان، لكن دول الغرب التي كانت متناحرة اتفقت على التصدي لابراهيم باشا واخراجه بالقوة من سوريا، ومن الأراضي التي وصلت إليها جيوشه في الاناضول، وفرضت على أسرة محمد علي الاكتفاء بمصر ملكا للأسرة، ثم أغرقت خديوي مصر بالديون ثم انتهى الأمر بالاحتلال البريطاني.
الدول الغربية احتلت أوطاننا تباعا، وفظعت فيها تدميرا وتفكيكا وامتصاصا لخيراتها. طوال القرن التاسع عشر.
في القرن العشرين خدعت بريطانيا الشريف حسين وكذبت عليه. وهو الذي حارب الى جانبها مقابل وعد بدولة عربية موحدة تضم الاقاليم التي كانت تحت السيطرة العثماني في المشرق العربي، وكانت تكذب عليه وتخدعه، وأعطت فلسطين للحركة الصهيونية وقسمت بلا الشام وفق معاهدة سايكس-بيكو.
وحين قام جمال عد الناصر بمحاولته لبناء دولة عربية متقدمة، وكسر حدود سايكس – بالوحدة السورية المصرية ، تحالفت الدول الغربية لقهره بالعدوان المباشر
فلما فشلت عبر العدوان الثلاثي، وبالتآمر لفك عرى الوحدة، ثم عبر عدوان حزيران 67.
وأنجزت أخيرا ما تريد بالاختراق، وبنجاح الثورة المضادة في مايو 1971.
ثم تآمر الغرب كله بالكذب والخديعة لاحتلال العراق وتدميره، وتصفية العقول العلمية والفكرية فيه، وقد كان بلدا يشهد نهضة حقيقية، وظهر للجميع أن كل المبررات التي سيقت لغزو العراق كانت كاذبة.
لقد دمروا العراق وفتتوه ارضا وشعبا، ثم سلموه للعنصرية الفارسية ليكون تحت السيطرة الايرانية.
وحينما تحركت الجماهير في بلدان عربية عديدة تريد آقامة أنظمة ديموقراطية عملت القوى الغربية على تخريب هذا الحراك الشعبي بالتدخل العسكري المباشر عبر الناتو كما في ليبيا وبالتضليل والخديعة كما في سوريا واليمن، وبالاغواء كما في مصر. وبشراء الذمم في كل مكان
إن ضمير العالم يضج من هول ما يفعله النظام الدولي من إعاقة الحراك الشعبي عن الوصول إلى بوابة الخلاص من نظام قاتل مستبد فاسد في سوريا تدينه كل القوانين والأعراف الدولية لكن قادة العالم الغربي يعملون على تثبيته ويطالبونه فقط بتغيير سلوكه.
** نحن نعترف بمواضع الضعف فينا، وكثير منها من صنع الغرب الاستعماري الذي أعاق كل محاولة للتقدم والبناء قمنا بها.
** فهل يعترف الغرب الموصوف ب “المتقدم والحضاري والانساني” بعدوانيته وتآمره، علينا، ويعترف بمسؤوليته عما آل إليه وضعنا.
** هل يتوقف الغرب وإعلامه عن تصوير نفسه بصورة البرئ الصالح الذي يتضور ألما وحزنا على ما نحن فيه، ويقف حائرا في تفسير وضعنا، وهي حيرة عنصرية في جوهرها. ويعترف أن هذه العنصرية والعدوانية الغربية، هي الفاعل الرئيس والمعيق الأول لتقدمنا، وأن الأنظمة المأجورة التي تسيطر على مقدراتنا هي من صنع هذا النظام الغربي، وهي محمية من قبله، وهو لا غيره يفسد شخوصها، من قادة ومتنفذين ومسؤولين ، من خلال رعايته لمنظومة الفساد ودعمها، والذي يتساءل عن هذا الأمر فعليه أن ينظر الى تقارير منظمة الشفافية العالمية وليبحث في هذه التقارير عن أهم رعاة الفساد في الدول النامية.
أليس هذا الغرب الاوربي والأمريكي وما في حكمهما، هو الذي زرع الأنظمة الطائفية الاقلاوية في مجتمعاتنا وهو يرعاها الآن، ويعتبر الحفاظ عليه مهمة من مهماته المقدسة.
نحن عندنا جواب السؤال الخبيث الذي طرحه هذا الاعلامي الاسترالي، فهل عنده يا ترى الشجاعة ليعترف بما قاموا فيه من أدوار لتخريب حياتنا ومنعنا من التقدم، هذا هو التساؤل الحقيقي.
د. مخلص الصيادي