القاهرة – العربي الجديد
28 يناير 2025
مركز الإصلاح والتأهيل بدر شرق القاهرة، يناير 2022 (فرانس برس)
أجرى الفريق المعني بالمراجعة الدورية الشاملة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، اليوم الثلاثاء، استعراضًا لسجل مصر في المجال الحقوقي، وذلك في اجتماع تم بثه عبر الإنترنت. ويمثل هذا الاجتماع الجولة الرابعة من عملية الاستعراض الدوري الشامل، التي تهدف إلى تقييم التزام الدول بتحسين أوضاع حقوق الإنسان.
ترأس وفد مصر وزير الخارجية المصري، رئيس اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان بدر عبد العاطي. بينما تشكلت “الترويكا” التي تعمل مقررةً لاستعراض مصر من ممثلي الجزائر وبلغاريا والكويت.
ومن المقرر أن تتبنى مجموعة عمل الاستعراض الدوري الشامل التوصيات المقدمة إلى مصر يوم الجمعة 31 يناير/كانون الثاني الجاري. وتتيح هذه المرحلة لمصر التعبير عن مواقفها بشأن التوصيات ومناقشتها مع الدول الأعضاء.
وخضعت مصر لثلاث مراجعات سابقة خلال دورات الاستعراض الدوري الشامل، التي أجريت في فبراير/شباط 2010، ونوفمبر/تشرين الثاني 2014، ونوفمبر/تشرين الثاني 2019. ويأتي هذا الاستعراض الرابع ضمن مراجعات الدورة الحالية، التي تشمل 14 دولة، من بين الدول الأعضاء الـ193 في الأمم المتحدة.
استند الاستعراض إلى ثلاثة مصادر أساسية: التقرير الوطني الذي قدّمته السلطات المصرية. وتقارير خبراء ومجموعات حقوق الإنسان المستقلة، بما في ذلك الإجراءات الخاصة وهيئات معاهدات حقوق الإنسان وكيانات أممية الأخرى. ومعلومات أصحاب المصلحة الآخرين، مثل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، المنظمات الإقليمية، وجماعات المجتمع المدني.
والاستعراض الدوري الشامل هو عملية فريدة تتضمن مراجعة دورية لسجلات حقوق الإنسان لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والبالغ عددها 193 دولة. منذ بدء هذه الآلية في إبريل/نيسان 2008، خضعت جميع الدول الأعضاء للمراجعة ثلاث مرات خلال الدورات الأولى والثانية والثالثة. وفي الدورة الرابعة، يُتوقع من الدول تقديم تقارير عن تنفيذ التوصيات السابقة وتسليط الضوء على التطورات الأخيرة في مجال حقوق الإنسان.
يظل هذا الاستعراض فرصة لتقييم مدى التزام مصر بتحسين سجلها الحقوقي، والتأكيد على مسؤولية المجتمع الدولي في دعم الدول لتعزيز احترام حقوق الإنسان
وخلال هذا الاستعراض الرابع، يتعين على مصر تقديم شرح واضح للإجراءات التي اتخذتها لتنفيذ التوصيات السابقة، وطرح أي تطورات جديدة في مجال حقوق الإنسان. يظل هذا الاستعراض فرصة لتقييم مدى التزام مصر بتحسين سجلها الحقوقي، والتأكيد على مسؤولية المجتمع الدولي في دعم الدول لتعزيز احترام حقوق الإنسان.
ورغم خضوع مصر لثلاث مراجعات سابقة في أعوام 2010، 2014، و2019، إلا أن منظمات حقوقية تؤكد أن الأوضاع الحقوقية شهدت تراجعًا ملحوظًا. وأشارت تقارير حقوقية إلى أن السلطات المصرية تعتمد على وسائل قمعية مثل الاعتقالات العشوائية، والإخفاء القسري، وسوء المعاملة.
وفي السياق قال مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان (أحد المراكز المشاركة في المراجعة)، خلف البيومي في حديث لـ”العربي الجديد”، إن مصر لم تتعامل بصورة جدية مع توصيات الاستعراض الدوري الشامل السابق الذي انعقد عام 2019. وأوضح أن الدولة لم تتخذ خطوات فعلية بشأن عدد من الملفات الحقوقية الحساسة، أبرزها استقلال القضاء، وضمان المحاكمات العادلة، ووقف حالات الإخفاء القسري. وأشار البيومي إلى أن الحكومة لم تحقق تقدماً يُذكر في ملفات تتعلق بحقوق المرأة، والطفل، والشباب، كما أنها لم تقدم حلولاً للمشكلات الأساسية التي يعاني منها المواطن العادي، مثل توفير فرص العمل، والسكن، والأجر المناسب.
وأكد أن الخطوات التي تم اتخاذها اقتصرت على الإعلان عن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والتي وصفها بأنها تضمنت عبارات عامة وفضفاضة دون ترجمتها إلى إجراءات حقيقية وملموسة. وأضاف البيومي: “ما حدث هو مجرد تغييرات شكلية، مثل تغيير اسم السجين إلى “نزيل”، واسم السجن إلى “مركز تأهيل”. ولكن هذا لا يعكس أي تقدم حقيقي على الأرض. إذا كانت الدولة جادة في تحسين صورتها أمام العالم، فعليها اتخاذ إجراءات جوهرية، خاصة في ملف المعتقلين، الذي أصبح الأسوأ في منطقة الشرق الأوسط”.
شكاوى حقوقية من الاختفاء القسري والتعذيب في سجون مصر، سجن طره، 11 فبراير 2020 (فرانس برس)
حالة قتل و6 وفيات في سجون مصر خلال ديسمبر
وأشار البيومي إلى مجموعة من الخطوات الأساسية التي يجب أن تتبناها الدولة لتحسين ملف حقوق الإنسان، وهي: وضع حد لنظام الحبس الاحتياطي، مع تحديد سقف زمني له، وضمان إخلاء سبيل المحتجزين فور انتهاء مبررات حبسهم. وإنهاء معاناة النساء وكبار السن والمرضى في السجون، ووقف الممارسات التي تؤدي إلى اعتقالهم في قضايا ذات طابع سياسي. والتوقف عن تنفيذ أحكام الإعدام، التي غالباً ما تُبنى على إجراءات وصفها بالمتساهلة وغير العادلة.
من ناحيته قال مدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان، بهي الدين حسن، لـ”العربي الجديد” إن مصر لم تشهد أي تقدم في مجال حقوق الإنسان خلال السنوات الأخيرة. وأضاف: “للأسف، ليس هناك أي تحسن ملموس في أي قضية تتعلق بحقوق الإنسان. الجهد الوحيد الذي تبذله إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي في هذا المجال هو التظاهر بأنها تهتم بحقوق المصريين، لكن واقع الحال يكشف أن هذا الجهد منصرف فقط إلى خلق هذا الانطباع، وليس إلى تحقيق إصلاحات حقيقية”.
وأشار حسن إلى أن من يطالبون إدارة السيسي بإجراء تحسينات في مجال حقوق الإنسان “يتوهمون أن الإدارة لديها رغبة في ذلك، لكنها تفتقر إلى النصائح أو الخطوات الإجرائية لتحقيقه”. وأكد أن هذا الافتراض لا أساس له من الصحة، مضيفاً: “بعد 13 عاماً في الحكم، ووسط تعميق جراح المصريين في كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والحقوقية، بات واضحاً أن هذه الإدارة ليست لديها النية لتحقيق أي تقدم حقيقي في هذا المجال”. واختتم حسن تصريحاته بالتأكيد على أن الأوضاع الحالية تشير إلى غياب الإرادة السياسية لإحداث أي إصلاحات حقيقية، ما يترك حقوق الإنسان في مصر في حالة تدهور مستمر.