الحاج بكر الحسيني
كانت انطلاقة الثورة السورية في ربيع عام ٢٠١١ مشهد تعبيري لخروج الشعب السوري من عنق الزجاجة بحثاً عن الحرية والحقوق المسلوبة والكرامة الإنسانية، خلفت بفعل النظام والقوى المتدخلة حربا أهلية على امتداد الأرض السورية شردت وهجرت ودمرت.
السوريون اليوم، نتيجة الحرب العبثية، تشردوا في قارات الأرض بحثاً عن حياة كريمة وعادلة.
ووفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لا يزال أكثر من / ٦ / ملايين و٧٠٠ ألف لاجئ سوري في دول العالم، وأكثر من / ٦ / ملايين و٢٠٠ ألف سوري من النازحين داخليا، ويحتاج أكثر من ١١ مليون سوري الى المساعدة الانسانية …
وفيما كانت أوروبا هي المبتغى، فإن المعاناة التي ألمت بالسوريين أوصلت البعض الى أراضيها ممن حالفهم الحظ وفشل آخرون، واختفى في عمق البحر كثيرون، ولم ييأس بعض من فشل واستمرت محاولاتهم ولازالت، لقناعتهم أن الوطن في ظل نظام الاستبداد لم يعد فيه مزايا الاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي والصحي والتعليمي وفوق ذلك افتقاد أي مقوم من مقومات الحياة.
في دول اللجوء تجبرك الحياة على ايجاد فرصة عمل مهما كان نوعها بهدف تحقيق الاستقرار الأسري الذي اضاعته الحرب السورية. ولإن كانت أوربا الخيار الأفضل لما للاجئين السوريين وخاصة ألمانيا وما وفرته من دعم صحي وتعليمي وضمان اجتماعي ضد البطالة، لكن يبقى أن اللاجئين السوريين هناك محاصرون بمسألة اللغة ومعايير الاندماج والتكيف بالمجتمعات الاوربية المختلفة كليا عن المجتمع السوري سواء في أسلوب الحياة أو في العادات والتقاليد، وما يستتبع ذلك الخوف من هذا الاندماج الى فقدان الهوية العربية السورية لدى الابناء والخشية من انقطاع أي أمل في العودة الى أوطانهم .
كما أن المهاجرين السوريين الى تركيا بالرغم من الاحتضان الشعبي لهم في بدايات الازمة السورية وتأمين الضمان الصحي وبعضا من الضمان التعليمي إلا أن معاناتهم تمثلت في الحصول على عمل مناسب واضطرارهم للعمل تحت اي ظرف كان بما يؤدي الى الاضطراب الاقتصادي والنفسي وعدم الاستقرار، هذا عدا ما يحصل لهم مؤخرا من نبذ اجتماعي وتمييز عنصري عبر ضخ إعلامي مكثف عدائي ضدهم واستخدامهم كورقة انتخابية بين السلطة والمعارضة كسبا لأصوات الناخبين …
ولقد تحملت دول الجوار السوري العدد الاكبر من السوريين (الذين يشكلون أغلبية المهاجرين) حيث يوجد في تركيا ما يقارب أكثر ٣،٥ مليون سوري يعيشون بمسميات قانونية متعددة اغلبهم يحمل بطاقة الحماية المؤقتة (كمليك)وتعد تركيا من البلدان الموقعة على معاهدة جنيف الخاصة بوضع اللاجئين لعام ١٩٥١ التي تعّرف من يكون اللاجئ وماهي حقوقه وما واجبات الدولة المستقبلة للاجئين.
وفي الاردن يواجه السوريون مصاعب قانونية عدة أبرزها تسجيل الولادات وعقود الزواج والاوراق الثبوتية والاعداد هناك مقارنة بعدد سكان الاردن تعتبر مرتفعة جداً اذ يوجد ١،٣ مليون سوري موزعون بين مدن المملكة وفي مخيم الزعتري المعروف بعدد قاطنيه الكبير.
وفي لبنان السوريون هناك باتوا ورقة تتقاذفها القوى السياسية للهروب من مشاكلهم الداخلية لا سيما مع تدهور الاقتصاد وتدني قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار الى مستويات مرعبة. والمعاناة تزداد سوءاً بسبب ارتباط الاقتصاد اللبناني بالاقتصاد السوري المنهك جراء فاتورة الحرب الطويلة وشلل الحركة التجارية.
وفي نهاية المطاف، الاكثر حسداً من السوريين من أقرانه اللاجئين تتمثل في من يصلون القارة الأوروبية حيث قوانين اللجوء محددة مسبقاً مع معيشة توازي معيشة المواطن نسبيا.
وما تعلمه المهجرون السوريون من التجربة أن اللاجئ ورقة سياسية للعب بحاضرهم ومستقبلهم توضع على الطاولة حين الطلب، وهذا ما يخالف القوانين والتشريعات الدولية، ولكن ما العمل إذا كانت قسوة اللجوء اهون من وطن انهكته الحرب.
كل ما ذكرناه من آلام ومعاناة وقسوة اغتراب طال مداه أضيف إليه غضب الطبيعة بزلزالها المدمر لتسقط ورقة التوت الأخيرة وتكشف الحالة التي انحدرت إليها مؤسسات الدولة السورية وتقاعس إدارتها عن الاستجابة للحد الأدنى لإنقاذ مواطنيها وتأمين الملاذ الآمن لهم، قياساً للدولة الجارة مركز الزلزال.
ان حاجة السوري اليوم إلى الأمن والخروج من عنق الزجاجة في العودة الآمنة لوطنه لا تقل عن حاجته الى المأكل والمسكن وكافة متطلبات الحياة الضرورية. ومن هنا لا بد من التوقف عند المتطلبات الضرورية لحل مشكلة اللاجئين وتتمثل في:
١- إن إعادة توطين اللاجئين لم يكن يوما حلا عمليا بدون العودة الطوعية المشروطة للعائدين في توفير الأمان والحياة الكريمة، وعليه لابد من توفير البيئة الآمنة وتطبيق القرارات الدولية وخاصة (بيان جنيف-١ ، والقرار ٢٢٥٤ / ٢٠١٥ )، ولا بد بذلك من الاعتراف بأن مشكلة اللاجئين وأسبابها والكارثة الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية الناجمة عنها ماهي إلا مشكلة سياسية بامتياز وتستدعي أن يتصالح المجتمع الدولي والقوى الفاعلة فيه مع أنفسهم ، وأن يعترفوا بمسؤوليتهم المباشرة تجاهها وتجاه التقصير في إيجاد حل لها ..
٢- مراجعة منظومة التشريعات الدولية المعنية بحل المنازعات باتجاه تفعيل أكبر لدور المجتمع الدولي على المستوى السياسي بما يضمن العدالة والتعامل مع أزمات العالم بمعيار واحد ومكيال ثابت دون مواربة أو ظلم ( مثلا لاجئي أوكرانيا لا يختلفون عن لاجئي سورية أو غيرهم ) الأمر الذي من شأنه تحقيق العدالة والحد من حالات الهجرة وبكافة أشكالها داخل البلاد وخارجها والعمل على تجاوز التقصير حين التعامل معها ..
٣- لابد أن تقترن مسؤوليات المجتمع الدولي على الصعيد الانساني بصفة الإلزام شأنها شأن باقي التشريعات المرتبطة بمكافحة التطرف والإرهاب ولا تبقى شأن جوازي واختياري يصطدم دوما مع مفهوم الدولة الوطنية واعمال السيادة والنظام العام، وذلك من خلال تطوير أدوات السياسة الدولية بحيث تقترن التشريعات بأدوات وآليات للإلزام والتنفيذ على الدول الأكثر انغماساً بأزمات اللجوء والهجرة بأن تكون أكثر جدية والتزاما بالتعامل مع قضاياها .
٤- توحيد أو تنسيق الخطاب الانساني في مواجهة المجتمع الدولي للتعامل مع مسؤولياته والتحديات باعتبارها مسؤولية مشتركة وان آثارها لن تقف عند حدود الدول التي تعاني من الأزمات والحروب
٥- على الباحثين والمختصين والإعلاميين واجب إجراء المزيد من الدراسات والتقييم لمستوى الاستجابة للأزمات والتحديات الناجمة عنها بشكل موضوعي ودون تبني أجندات أو أراء مسبقة بما يسهم بتوضيح الصورة لصانعي القرار بأن التباطؤ في الاستجابة أو تجاهل التعاطي مع تحديات الهجرة واللجوء وإلقاء المسؤولية على دول بعينها دون أخرى من شأنه أن يفاقم المسألة لتصبح بمثابة قنبلة موقوته تكبر يوما بعد يوم وانفجارها سوف يطال جميع الدول.