الدكتور على محمد فخرو – الشروق.
الأربعاء 20 مارس 2024
عبر الجزء الأكبر من القرن الماضي، كُتب الكثير عّما فعله الغرب الاستعماري بأمة ووطن العرب من مؤامرات وخيانات للأمانة ونهب واستغلال بشع لكل الثروات العربية.
فمن وعد إنجلترا الشهير الكاذب بشأن المساعدة في قيام دولة موحدة في المشرق العربي إذا ثار العرب على الخلافة العثمانية وساعدوا على سقوطها لئلا تلعب دورا مساعدا للألمان في الحرب العالمية الأولى، ثم نكثهم لذلك الوعد بعد أن انتصروا وحلفاؤهم على ألمانيا في الحرب العالمية الأولى.
ومن قيامهم بإتمام تلك الخيانة ونكث الوعود من خلال تآمر بريطانيا وفرنسا (بمعاونة من روسيا القيصرية) لتنفيذ معاهدة سايس بيكو الشهيرة التي هدفت ونجحت في تقسيم المشرق العربي إلى دويلات صغيرة ضعيفة خاضعة للاستعمارين البريطاني والفرنسي، إمعانا في ترسيخ شعار منع قيام أي نوع من الوحدة العربية آنذاك أو في المستقبل المنظور.
ومن الإمعان في حقارة بريطانيا عندما أصدرت وعد بلفور الذي أعطى ما لا تملك بريطانيا في فلسطين إلى اليهود الأغراب، والذي انتهى في عام 1948 بقيام الكيان الصهيوني فوق الجزء الأكبر من فلسطين التاريخية.
ولقد منع ضعف العرب ومنعت حالة تجزئتهم قيامهم بأي رد فعل من قبل الضحية تجاه المجرم القاتل. وقيل آنذاك: دعنا ننسى الماضي ولندر خدّنا الأيمن لمن صفعونا على خدّنا الأيسر خصوصا بعد أن نجحت الشعوب العربية في استرجاع استقلالها من المستعمر الغربي.
ولكن ما أن تفجرت ملحمة المسجد الأقصى البطولية في غزة ومن حولها، حتى عادت حليمة ــ الممثلة هذه المرة بالغرب الاستعماري بقيادة من الدولة الاستعمارية الأكبر «الولايات المتحدة الأمريكية» ــ إلى عادتها القديمة، بنفس الخسّة ونفس الصلف، ونفس الأكاذيب، ونفس الاستهزاء بكل كرامة عربية وحق عربي. ما أن تفجّر الوضع في فلسطين المحتلة كمقاومة ولإنهاء احتلال عسكري استعماري بما يقرب من خمس وسبعين سنة، وكردّ اعتبار لشعب فلسطين عومل بأقسى العقوبات المتمثلة في سجن عشرات الألوف من أبنائه وبناته، وفى حرق وتدمير الألوف من بيوت سكانها من الفلسطينيين بشتى الذرائع والحيل، وفى منعه حتى من إقامة دويلة ضعيفة مستعمرة فوق ما لا يزيد عن 15% من أرضه وأرض أجداده التي عاشوا فيها عبر الألوف من السنين.. ما أن انفجر الوضع في فلسطين حتى بدأ الرد الهمجي الصهيوني بحرق أرض غزّة ومن عليها ومن سكنها، وفى الحال انبرت مجموعة من دول الغرب الاستعماري بتجييش كل قواها لدعم الكيان الصهيوني بالمال والمعدّات والرجال، وبمنع المجتمع الدولي الحقوقي والسياسي من إيقاف ذلك الجنون الصهيوني ومنع الاستمرار في الإبادة.
وهكذا، ومرة أخرى، أظهر الغرب الاستعماري مقدار الحقد والكراهية والاستخفاف اللواتي يحملها في كيانه ضدّ هذه الأمة.
من حقنا أن نسأل مؤسساتنا الرسمية والأهلية وشعوبنا: متى سنقتنع بضرورة الانتقال إلى معاملة كتلة دول الغرب الاستعماري، وعلى الأخص الدول التي تقود تلك الكتلة، معاملتها كجبهة عدوة، تهدف إلى تدميرنا كأمة وكوطن، وتسعى إلى إبقائنا في دوّامة من المشاكل والانقسامات والتراجعات والتخلف الحضاري؟
هذا سؤال ما عاد بالإمكان تأجيله أو الغمغمة في الإجابة عليه بعد أن واجهنا أهوال شرور وكراهية الاستعمار الغربي منذ الحروب الصليبية وإلى يومنا هذا، وبعد أن تبيّن لنا أن ذلك سيستمر إلى ما لا نهاية في المستقبل المنظور.
نحن لا نفتش عن إجابات عاطفية طفولية وإنما نعتقد أن أمتنا، وعلى الأخص أجيالها المستقبلية الشابة، تستحق أن تعرف وتعي جوابا عقلانيا ينقلها إلى مرحلة مواجهة تلك المسرحية الحقيرة والخروج من وضع العبودية والإذلال الذى فرضته قوى الاستعمار الغربي المرة تلو المرة، بشتى الأشكال والصور، دون أية دلائل بأنها، وربيبتها الصهيونية العولمية، ستتوقف عن مسيرة الإذلال والاستغلال تلك.
من حق شعوبنا أن تنتظر جهدا مكثفا من قبل مراكز البحوث والجامعات وتجمعات الفئات المثقفة واجتماعاتهم الفكرية لدراسة هذا الموضوع وتقديم تصورات علمية عقلانية بشأن مواجهته وبشأن الخيارات المتوفرة أمام هذه الأمة، خصوصا وأن عالما جديدا قد بدأ يتكون وأن صعود دول من مثل الصين وتجمعات من مثل بريكس أو تحالفات في أمريكا الجنوبية والإفريقية الخارجة على الطاعة الأمريكية الاستعمارية.. أن صعود مثل هذه القوى يعطى هذه الأمة القدرة على أن تكون لاعبا مؤثرا في كل نشاطاتها السياسية والاقتصادية والأمنية بعيدا عن ألاعيب دول الاستعمار الغربي.
الرأس العربي المنكّس يجب أن يرتفع، وإحدى الخطوات الأولى هو أن يعرف أعداءه من أجل أن يواجههم