موقع “درج”
محمد أبو شحمة – صحفي فلسطيني
18 ، 3 ، 2024
“جردوني من ملابسي ووضعوا متفجرات على وسطي مع كاميرا وربطوني بحمل وقال لي الجندي “راح اجعله كعروس الآن”. ثم اقتادني إلى فتحة نفق وأدخلني فيها بقوة، وطلب مني التحرك بداخله وكان يريد تفجيري…
“اعتقلني الجيش الإسرائيلي في شمال قطاع غزة واقتادني إلى مكان لتجمّع الجنود. وضعوا على رأسي كاميرا، وربطوا وسط جسمي متفجرات، وطلبوا مني الدخول إلى أحد الشقق السكنية والعودة سريعاً إلى مكان تجمعهم”. هكذا استخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي الشاب عمر عاشور، كدرع بشري خلال معاركه مع مقاتلي حماس.
اضطر عاشور (34 عاماً) إلى الاستجابة لجميع مطالب جنود الجيش الإسرائيلي حرصاً على حياته وعدم قتله، وهو ما دفعه الى دخول الشقة السكنية في شمال قطاع غزة والتجوّل بين غرفها بحثاً عن المُسلّحين.
يقول عاشور واصفاً تفاصيل ما حدث حين طلب منه الجيش الدخول الشقة: “كنت مجبراً على التحرّك وتنفيذ أوامرهم، وعشت لحظات رعب وتفكير بتفجير الجنود جسدي في أي وقت، فكنت أمشي ببطء ولا أعرف كيف حملني جسمي إلى هذه الشقة”.
أُفرج عن عاشور بعد أسبوعين من اعتقاله، وتُرك أمام بوابة معبر كرم أبو سالم التجاري أقصى جنوب شرقي مدينة رفح، بملابس خفيفة، حافي القدمين. وأُجبر على المشي قرابة الكيلومترين في عمق قطاع غزة.
دروع بشريّة فلسطينيّة
عاشور واحد من عشرات المعتقلين الذين استخدمهم الجيش الإسرائيلي خلال حربه المستمرة على قطاع غزة، من خلال وضع مدنيين فلسطينيين أمام أهداف عسكرية، وتعريض حياتهم للخطر، وفقاً لشهادات جمعها معدّ التقرير.
وداخل مدينة حمد السكنية شمال مدينة خان يونس، احتجز الجيش الإسرائيلي عائلة بركات داخل أحد شقة سكنية في أبراج المدينة، واستخدموهم كدروع بشرية خلال القتال.
وبعد خروج العائلة من المدينة عقب انسحاب الجيش الإسرائيلي، تحدثت ابنتها بنان (21 عاماً) عن أيام الرعب التي عايشوها خلال وجودهم في الشقة برفقة الجنود.
تقول بنان: “وضعوني مع والدي ووالدتي وشقيقاتي الثلاث في غرفة واحدة وأغلقوا علينا الباب، وكانوا يطلقون النار من داخل شبابيك الشقة، وكنت أتوقع موتنا في أي وقت سواء منهم عبر إعدامنا أو سقوط قذيفة علينا من حماس”.
مكثت بنان وعائلتها ثلاثة أيام في الشقة برفقة الجنود الذين استغلوهم لتحقيق أهداف عسكرية، وكانوا يطلقون عليهم الكلاب بين الفترة والأخرى. وقدم الجنود، وفق بنان، القليل من الماء وبعض الطعام كالبسكويت لهم خلال فترة وجودهم في الشقة.
خرجت عائلة بنان من الشقة بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي، الأربعاء 13 آذار/ مارس الحالي، ووصلوا إلى منطقة مواصي مدينة خان يونس غرباً مشياً على الأقدام لمسافة كيلو متر واحد.
تفخيخ الفلسطينيين
اعتقل الجيش الإسرائيليّ الشاب حكيم (30 عاماً) شمال قطاع غزة، وفخّخه بكميات كبيرة من المتفجرات وربطه بحبل على خاصرته، مع وضع كاميرا على رأسه، ثم أنزله عبر إحدى فتحات الأنفاق.
يوثق حكيم من خلال منشور عبر حسابه في موقع “فيسبوك”، ما حدث معه واستخدامه دروعاً بشرياً عبر إدخاله لمسافة 40 متراً داخل أحد الأنفاق في قطاع غزة.
يقول حكيم: “جردوني من ملابسي ووضعوا متفجرات على وسطي مع كاميرا وربطوني بحمل وقال لي الجندي “راح اجعله كعروس الآن”. ثم اقتادني إلى فتحة نفق وأدخلني فيها بقوة، وطلب مني التحرك بداخله وكان يريد تفجيري مجرد رؤيته أحد المقاومين داخل النفق”.
بعد دقائق، سحب الجنود حكيم خارج النفق، وأزالوا المتفجرات من على جسده، ثم طلب الجندي الموجود جلب شخص أصغر سناً منه لتكون لديه حرية بالحركة أكثر منه.
جريمة حرب جديدة
يؤكد منسق التحقيقات في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، بكر التركماني، أن الجيش الإسرائيلي خلال حربه المفتوحة على قطاع غزة، ارتكب الكثير من الجرائم، منها “جريمة الإبادة الجماعية، وجرائم مرتبطة باستخدام المدنيين كدروع بشرية، وهي مخالفات واردة في القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
يضيف التركماني: “وثقت الهيئة المستقلة ومؤسسات حقوقية أخرى، الكثير من الممارسات التي قام بها الاحتلال الإسرائيلي، والمرتبطة باستخدام مدنيين كدروع بشرية سواء خلال اقتحام المجمعات الطبية أو المنازل، حيث استُخدم المواطنون من خلال إعطائهم كاميرات وربطها على رؤوسهم واقتيادهم عن بعد باتجاه أماكن محددة لفحصها”.
يوضح التركماني أن اتفاقية جنيف تلزم إسرائيل بنقل المعتقلين إلى مناطق آمنة، ولكن الجيش الإسرائيلي أبقى بعض المعتقلين لأربعة أيام في مناطق القتال، وهو ما يشكل استخداماً آخر للمدنيين كدروع بشرية.
يشير التركماني إلى أن هناك بعض الحالات في مجمع الشفاء ألزم خلالها الجيش الإسرائيلي بعض المعتقلين بالدخول إلى أقبية المجمع، والدخول إلى أماكن الصرف الصحي، ووضعهم داخل المدرعات أثناء القتال، إضافة إلى أن هناك مدنيين وُضعوا على جسم الدبابة.
“منع المسّ بحياة البشر”!
يحرم القانون الدولي واتفاقات جنيف لعام 1949، استخدام المدنيين كدروع بشرية. كما اعتبرت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة ونظام روما الأساسي استخدام الدروع البشرية جريمة حرب.
إسرائيلياً، تؤكد منظمة “بتسليم” الإسرائيلية لحقوق الإنسان أن الجيش الإسرائيلي استخدم على مر السنين، وكجزء من سياسته الرسمية، فلسطينيين دروعاً بشرية، وأمرهم بتنفيذ أعمال عسكرية محفوفة بمخاطر حقيقيّة على حياتهم.
وتبين المنظمة في بيانات منشورة عبر موقعها الإلكتروني، أن “الجيش الإسرائيلي أجبر مواطنين فلسطينيين على إزالة أجسام مشبوهة من الشارع؛ وعلى مناداة فلسطينيين مطلوبين ليخرجوا من بيوتهم لاعتقالهم، وعلى الوقوف سواتر يختبئ وراءها الجنود أثناء إطلاق النيران، وغير ذلك”.
وتوضح “بتسليم” أنه في عام 2005 قررت محكمة العدل العليا الإسرائيلية منع استخدام مواطنين فلسطينيين في إطار أعمال عسكرية، ولكنّ الجنود تابعوا استخدامهم دروعاً بشرية من حين الى آخر، بخاصة أثناء الحملات العسكرية، وفي معظم الحالات لم يحاسَب أحد على ذلك.
وبحسب المنظمة، رد الجيش الإسرائيلي على قرار المحكمة بأنه توقّف عن استخدام المواطنين الفلسطينيين دروعاً بشرية، وأنه فقط “يستعين بالسكان لمنع المس بحياة البشر”.
كما سبق أن وثقت “بتسليم” خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2014، الممارسة ذاتها وفقاً لإفادات جنود إسرائيليين، الذين أشاروا إلى استخدامهم فلسطينيين كدروع بشرية. وأكدت المنظمة أيضاً، أنه لم يحَاكَم أي واحد منهم.
كذلك، اتهمت منظمتا العفو الدولية و”كسر الصمت” الإسرائيلية، الجيش الإسرائيليّ باستخدام المدنيين، ومن بينهم الأطفال، دروعاً بشرية، لحماية تمركزات قواته أثناء التوغلات في قطاع غزة، وأيضاً للسير أمام الآليات العسكرية لدى اقتحام منزل يُعتقد أنه مفخخ.
كما سبق واتّهم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إسرائيل بـ”الاستمرار في استخدام الأطفال الفلسطينيين دروعاً بشرية وإجبارهم على العمل كـمرشدين”.