بقلم د. منذر أبو مروان اسبر , أكاديمي و باحث، عضو المكتب التنفيذي في هيئة التنسيق الوطنية
٢ ايلول ٢٠٢٤
يطرح الأستاذ محمد علي الصايغ في معالجته للوضع السوري في ظل الجمود والتعثر في العملية السياسية سؤالًا هامًا، ألا وهو: “هل لدى المعارضة بديل؟ وما هي رؤيتها وموقفها مما يُطرح لمفاوضات مباشرة بين المعارضة والنظام؟”
والواقع أن مقدمة المقال تشكل عرضًا، إن لم نقل تشخيصًا سياسيًا صحيحًا للحالة القائمة في سورية، وصولًا إلى القول: ماذا لو افترضنا قيام القوى النافذة بالملف السوري بالضغط بكل ثقلها ودعوة قوى المعارضة للحوار المباشر مع النظام “من أجل إنجاز عملية إصلاح في تركيب الدولة السورية خارج إجراءات القرارات الدولية؟” التي لا يُعرف مآلها حتى اليوم. ويضيف: “ماذا سيكون رد المعارضة على هذه الدعوة؟”
إن الأستاذ الصايغ يريد بوضوح وجوب تفكير كافة قوى المعارضة والشخصيات الوطنية في أن يكون لها خياراتها ومحدداتها لأي حوار مع النظام السوري، معددًا بذلك الجهات التي من شأنها تحقيق الحوار سواءً كان:
أ. بضغط من أي دولة نافذة في الملف السوري. ب. بدفع من بعض الدول الغربية التي بدأت تعمل على التقارب مع النظام. ج. أو أن يكون الاتحاد الروسي الأقرب إلى مثل هذه الدعوة. د. بتبني بعض الدول العربية لهذا التوجه. ه. أو أن النظام السوري ذاته يقوم بطرح هذا الحوار. و. أو دعوة الصين كطرف محايد لم يتدخل مباشرة في الشأن السوري جيشًا وفصائل مسلحة، وباعتبار أهمية سورية في رؤية الصين فيما يخص طريق الحرير.
إن الكاتب في انتقاله من افتراض إلى آخر، يرى معه ضرورة طرحه، وإن كان يحتاج إلى توضيح المؤشرات عليه بما يحول الفرضية إلى حدث أو واقع، إنما يبقي المعارضة في حالين:
أولًا: انتظار الدعوات الخمس، مضافًا إليها الصين، أي ترك المبادرة لهذه الدعوات.
ثانيًا: عدم وجود افتراض بأن على المعارضة، أو بعضها، أن تأخذ على عاتقها اتخاذ المبادرة مع الجهات التي يشير إليها لتقوم بالدعوة إلى الحوار.
وبناءً على افتراضاته التي ذكرناها بصورة وجيزة، يضع شروطًا لما هو فوق تفاوضي أو ما هو تفاوضي، سواء لبناء الثقة أو للإصلاح الدستوري أو للمرحلة الانتقالية وحكومتها أو لتعديل قانون الانتخابات أو إجراء الانتخابات بإشراف أممي.
والحقيقة التي تطرح نفسها هي أن البنود التي يذكرها للحوار، والتي أوجزناها، تشكل أيضًا برنامج “مطالب وأهداف لإنهاء الأزمة السورية وللمناداة بها وترويجها في الشارع السوري”.
هناك إذن في أطروحات الأستاذ الصايغ ما هو حواري-تفاوضي بناءً على افتراضاته الخمس المذكورة، وما هو مطلبي-شعبي بما يعطي دورًا للشعب ويحاول إنهاء “الوصاية التمثيلية” عليه التي لم تستطع خلال الفترة الماضية التقدم بالملف السوري، بل والوصول به إلى حالة استنقاع.
أخيرًا، يسارع الصايغ بالقول: “قد يكون ما طرحته وما يمكن طرحه من محددات لقبول المفاوضة المباشرة مع النظام خارج المألوف، ولكن أليس كل ما يجري حولنا وما يُخطط لنا ولغيرنا خارج المألوف وخارج سياق المصلحة الوطنية السورية، وخارج مصلحة الشعب السوري ووحدة شعبه وأرضه؟” وعلى هذا الأساس يجب التفكير “خارج الصندوق”، أي خارج ما ساد ويسود من حلول نمطية قد لا تؤدي إلى حل وتغلق الأبواب باتجاه أي حل، مع الأخذ بعين الاعتبار أن القرارات الدولية “لا يوجد فيها إجراءات تنفيذية ملزمة.”
يمتاز السياسي عن غيره لا ببراغميته الأيديولوجية المغلقة، بقدر ما يتميز بقدرته على تصور ما لا يتصوره غيره ويفتح أفقًا جديدًا وإمكانيات للعمل والتوجه.
وهذا نفسه لا يتم إلا لأن ما تم، لم يشكل حلًا للأزمة السورية ولا إدارة لها، ولا تمهيدًا للخروج منها، مما جعلنا نصر في هيئة التنسيق الوطنية على ضرورة خطة ب للعمل أمام انسداد خطة أ.
نخلص إلى التأكيدات التالية:
أولًا: أن مقال الأستاذ الصايغ يشكل نقدًا، ليس فقط لواقع مكرس باستنقاعه، وإنما أيضًا لاستراتيجية هذا الاستنقاع التي ظلت مهيمنة في هيئة التنسيق بسبب إصرار بعض الزملاء عليها.
ثانيًا: أن ما يطرحه الأستاذ الصايغ في افتراضاته التي أشرنا إليها يبقى عمومًا في إطار تحرك خارجي تظل فيه المعارضة انتظارية سلبية تحتاج إلى الانتقال إلى وعي معارض مبادر جديد.
ثالثًا: أن الأستاذ الصايغ، رغم ما يتميز به مقاله من جديد وجدية، لا يتقدم بحلول على ضوء التناقضات القائمة بين قوى النفوذ نفسها حول سورية، وعلى واقع التناقضات بين النظام والقوى الخارجية المختلفة، وعلى معطيات الحركات الشعبية التي تعبر عن سخطها في مناطقها، أو على مرتكز الرفض الجماهيري للإدارات الذاتية العسفية في مناطقها، أو أخيرًا على قاعدة التناقضات بين النظام وبين البلدان المجاورة حول عودة اللاجئين السوريين الآمنة.
لسنا هنا في معرض الخطة ب التي نصر عليها، وإنما أمام حلول يطرحها الأستاذ الصايغ بما يتجاوز نمطية الحل الإقنومي البراغماتي-التجريبي المسدود في هيئة التنسيق أو العديد من قوى المعارضة التابعة أجنبيًا، أو التي ما زال بعضها يدعو إلى الحرب، أو تقسيم البلاد إلى فدراليات استقلالية، أو استمرار انتشار الفوضى والفاشيات في البلاد.
يتميز مقال الأستاذ الصايغ بجرأة الوعي المعارض الجديد وبجديته في البحث الذي نشكره عليه بصدد حلول جديدة لأزمة البلاد، تمسكًا بسورية وحدة شعب وأرض ودولة، انتماءً وولاءً ومسؤولية.