إبراهيم درويش – لندن– “القدس العربي”
17 – مارس – 2023
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا للمعلق ديفيد إغناطيوس، قال فيه إن الصين تبشّر اليوم بشرق أوسط متعدد الأقطاب، في تعليق على الإنجاز الدبلوماسي الذي حققته بكين بالتوسط بين السعودية وإيران، لاستئناف علاقاتهما الدبلوماسية بعد انقطاع لسبعة أعوام.
وقال الكاتب إن وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر، كان لديه حس “دي جافو” ( الشعور بأنك عشت تجربة اليوم سابقا)، حيث كان السياسي العجوز يراقب الصين وهي ترعى تقارب السعودية- إيران. فقد كان المثلث الدبلوماسي مشابها لما أنجزه كيسنجر في 1971. وقال كيسنجر في مقابلة مع الكاتب هذا الأسبوع: “أنظر إليه كتغير جوهري في الوضع الإستراتيجي بالشرق الأوسط”.
مضيفا أن “السعوديين يحاولون موازنة أمنهم من خلال اللعب بورقة الولايات المتحدة ضد الصين”. وبطريقة مقارنة قال كيسنجر إنه كان قادرا مع الرئيس ريتشارد نيكسون على اللعب بالتوتر بين بكين وموسكو في اتفاقهما التاريخي. وعليه، فخفض التوتر في منطقة الخليج هو في مصلحة الجميع على المدى القريب. ولفت: “لو أراد الرئيس شي جين بينغ لعب دور مَن يحاول ضبط إيران وتطمين السعودية، فحظا سعيدا له، فالولايات المتحدة تحاول عمل هذا منذ عام 1979 وحرف قوس الثورة الإيرانية نحو الاستقرار”.
على المدى البعيد، يقول كيسنجر إن ظهور بكين كصانع سلام “سيغير شروط المرجعية الدبلوماسية الدولية”، فلم تعد الولايات المتحدة القوة التي لا يستغني عنها أحد بالمنطقة، أي الدولة القوية أو المرنة بدرجة لكي ترعى اتفاقيات السلام، وقد طالبت الصين بحصة من هذه القوة. ويعلق كيسنجر قائلا: “أعلنت الصين في السنوات الماضية عن حاجتها لأن تكون مشاركة في خلق النظام الدولي”، و”تحركت خطوة مهمة الآن بهذا الاتجاه”.
ويرى الكاتب أن الدور المتزايد للصين سيعقّد من قرارات إسرائيل، وما يراه قادتها حول شن حرب وقائية ضد إيران كخيار أخير، في وقت تتحرك طهران باتجاه التحول إلى قوة نووية. ويرى كيسنجر أن “الضغوط على إيران يجب أن تأخذ بعين الاعتبار المصالح الصينية”.
ويعتبر إغناطيوس أن الصينيين طالما اتسموا بالانتهازية، واستثمروا الجهود الأمريكية الحثيثة (التي لم تشكر عليها) لتقوية السعودية كي تكون في وضع لمقاومة الجماعات الوكيلة لإيران في اليمن والعراق وسوريا. وبنت الولايات المتحدة الطريقة للتقارب السعودي- الإيراني، ولكن الصينيين هم من قصّوا الشريط.
فقد بدأت المحادثات السعودية- الإيرانية قبل عامين في بغداد برعاية رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، شريك الولايات المتحدة. وعقدت بعض المحادثات في عُمان، الحليفة لأمريكا. وفي ست جولات من المفاوضات، اتفق الممثلون السعوديون والإيرانيون على خريطة طريق تقود لاستئناف العلاقات بين الدولتين. واشترطت السعودية قبل إعادة فتح السفارات، أن تعترف طهران بدورها في دعم الحوثيين والحد من هجماتهم على أراضيها.
وأشار الكاتب إلى أن الولايات المتحدة هي التي عبّدت الطريق نحو تسوية للحرب الفظيعة في اليمن. فقد ساعد تيموثي ليندركينغ، مبعوث وزارة الخارجية الأمريكية لليمن، في التفاوض على وقف إطلاق النار في نيسان/ أبريل الماضي. وبدأت الطائرات بالتحليق من مطار صنعاء، وتدفقت البضائع من ميناء الحديدة، وكلاهما تحت سيطرة الحوثيين. وأعلنت السعودية في الفترة الأخيرة عن إيداع مليار دولار في المصرف المركزي اليمني لبناء الاستقرار في البلد.
ثم جاءت الصين لتحصد كل جهود حسن النية الأمريكية. وعندما زار الرئيس شي السعودية في كانون الأول/ ديسمبر، تعهد باستخدام تأثير بلاده على إيران لإتمام الصفقة. وعندما التقت الأطراف الثلاثة في بكين هذا الشهر، اعترف مستشار الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني بدعم إيران للحوثيين، وتعهد بوقف إرسال الأسلحة إليهم، بحسب مصدر مطلع. وتعهدت إيران أيضا بأنها لن تهاجم المملكة مباشرة أو عبر جماعات وكيلة.
وبعد شهرين من الآن، وعلى افتراض سيطرة إيران على الحوثيين والحدّ من نشاطاتهم، فستعيد الرياض وطهران فتح السفارات. ويمكن للمبعوث الأمريكي التفاوض على اتفاقية لتسوية الحرب في اليمن أيضا. ولكن “الفيل في الغرفة” يظل هو البرنامج النووي الإيراني. فمع انهيار الاتفاق النووي عام 2015، زادت إيران من عمليات تخصيب اليورانيوم. ويقول الخبراء إنها قد تقوم باختبار أسلحة نووية بسيطة في مدى أشهر لو أرادت ذلك. وهنا تعرف إيران أنها تقترب من الحافة، فقد تعهدت بأنها ستسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية باستئناف عمليات التفتيش لمنشآتها النووية.
ويعلق الكاتب أن النظام الإيراني في تراجع، عملته انهارت، نساؤه الشابات تحدين قوانين الحكومة في ارتداء الحجاب، ويتساءل السكان عن طبيعة البلد الذي سيظهر بعد وفاة المرشد العجوز، آية الله علي خامنئي.
وتحول الشرق الأوسط من مكان المواجهة إلى منطقة توازن القوة، فالسعودية تتعامل مع الصين وإيران، وتقدم 400 مليون دولار لدعم جهود الولايات المتحدة في أوكرانيا، إلى جانب إنفاق 37 مليار دولا على 78 طائرة بوينغ.
وتتعاون الإمارات مع الصين مع احتفاظها بالعلاقات الدفاعية مع الولايات المتحدة، وتسوية خلافاتها الإقليمية مع قطر وتركيا في ليبيا. وبدلا من أن تكون “إسبرطة الصغيرة” كما وصفها وزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس ماتيس، تتحول إلى “سنغافورة الصغيرة”. وعندما كان الشرق الأوسط منطقة هيمنة أمريكية، شجع ذلك السياسات الصدامية من حلفائها السعوديين وإسرائيل ولم يكن مستقرا أبدا. في المقابل، فشرق أوسط متعدد الأقطاب، بعمليات تحوط وتوازن مستمرة، سيجلب معه مخاطره، ولكنه سيفتح المجال أمام قواعد لعبة جديدة كما يقول كيسنجر.