إبراهيم درويش – القدس العربي
الخميس , 5 ديسمبر , 2024
المعارضة السورية في ريف حلب
لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا لديفيد إغناطيوس قال فيه إن الولايات المتحدة كانت تعمل وبهدوء على صفقة مع النظام السوري لبشار الأسد من أجل منع تدفق الأسلحة إلى “حزب الله” في لبنان، ثم جاء التقدم السريع لقوات المعارضة فعرقل الجهود. وأشار إلى أن دولا عربية شاركت في الجهود مقابل تخفيف العقوبات على سوريا، وذلك حسب مصدر مطلع على المفاوضات.
وأوضح إغناطيوس أن مفاوضات القنوات السرية التي شاركت فيها دول خليجية وجرت خلال الأسابيع الماضية، قد خرجت عن مسارها بسبب الهجوم المذهل للمعارضة السورية واستيلائها في نهاية الأسبوع الماضي على حلب، ثاني أكبر مدن سوريا. ورغم أن المحاولة الدبلوماسية تبدو ميتة في الوقت الحالي، إلا أن ذلك كان علامة على التغييرات المذهلة في الشرق الأوسط في أعقاب هجوم إسرائيل على “حزب الله” وحماس.
جرت مفاوضات سرية شاركت فيها دول خليجية خلال الأسابيع الماضية لإقناع الأسد بالتخلي عن “حزب الله” والابتعاد عن إيران
وأشار الكاتب إلى أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان قال لشبكة “سي إن إن” يوم الأحد إن الولايات المتحدة لديها “مخاوف حقيقية” بشأن المعارضة السورية، التي تعد أكبر مجموعاتها فرعا من تنظيم القاعدة، والمعروفة باسم هيئة تحرير الشام. وقال سوليفان: “في الوقت نفسه، بالطبع، لا نبكي على حكومة الأسد المدعومة من روسيا وإيران وحزب الله”.
وأشار إغناطيوس إلى أن الدول العربية “المعتدلة” كانت تحث سوريا على الابتعاد عن إيران في أعقاب “هزيمة حزب الله” في لبنان. وكانت تأمل أن يكون بشار الأسد قد سئم وصاية طهران عليه وأنه مستعد للتخلي عنها إذا خففت واشنطن عقوباتها، التي تمنع الأسد وغيره من المسؤولين من الوصول إلى الأصول الدولية وتقيد الاستثمار والتجارة مع البلاد. ولكن الآن بعد أن أصبح الأسد يواجه تهديدا متجددا من المعارضة، يبدو أنه يحتاج إلى الإيرانيين أكثر من أي وقت مضى.
ونقل الكاتب ما قاله المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا (2018- 2020)، جيمس جيفري، “هذه جبهة أخرى تنهار من الإمبراطورية الإيرانية بالوكالة”. وقال إن نظام الأسد وإيران وتركيا “فوجئتا” بتقدم المعارضة.
ويقول إغناطيوس إن الاتفاق السوري- الأمريكي كان من شأنه وقف شحنات الأسلحة إلى “حزب الله” في لبنان ويعزز اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة والذي تم التوصل إليه الأسبوع الماضي بين “حزب الله” وإسرائيل. كل هذا سيقلل من تهديد “حزب الله” المحروم من الأسلحة الإيرانية على إسرائيل أو الجيش اللبناني الذي نشر قواته الآن في جنوب لبنان.
إلا أن عودة المعارضة السورية فاجأت الجميع في المنطقة، وخاصة الأسد. وتعتقد المصادر العربية أنه في الوقت الذي اندفع فيه مقاتلو المعارضة جنوبا، كان الأسد مسافرا إلى موسكو للتحدث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول الصفقة المحتملة لتبادل حظر الأسلحة مقابل تخفيف العقوبات الأمريكية.
ويقول الكاتب إن السبب الرئيسي وراء الهجوم الأخير، ربما كان زيادة القصف السوري على مواقع المعارضة في إدلب، جنوب الحدود التركية مباشرة. وأطلقت المعارضة على هجومها اسم “ردع العدوان”، وفقا لتقارير إعلامية عربية. وقال مسؤول في إدارة بايدن إنه مع تقدم المتمردين جنوبا، انهار الجيش السوري، و”تضخم الهجوم” حتى وصل إلى حلب. وكان الاقتراح الأول الذي طرحه الوسطاء العرب على الأسد هو طرد “حزب الله” من سوريا بالكامل، وفقا لمصدر عربي مطلع.
تعتقد المصادر العربية أنه في الوقت الذي اندفع فيه مقاتلو المعارضة جنوبا، كان الأسد مسافرا إلى موسكو للتحدث مع بوتين حول الصفقة المحتملة لتبادل حظر الأسلحة مقابل تخفيف العقوبات الأمريكية
ويقال إن الأسد رفض ذلك، لذلك طلب الوسطاء بدلاً من ذلك المساعدة السورية في منع الأسلحة الإيرانية، حسبما يقول المصدر. ولم تقدم لا المصادر الأمريكية أو العربية تفاصيل حول كيفية تخفيف الولايات المتحدة للعقوبات على سوريا، والتي فرضت معظمها في عام 2011 عندما بدأ الأسد في قمع انتفاضة ضد نظامه بوحشية خلال الربيع العربي المنكوب.
وبدا أن نظام الأسد يستعيد توازنه على مدى السنوات العديدة الماضية. لكن هذا الاستقرار كان هشا، ويعتمد على القوة العسكرية لروسيا وإيران و”حزب الله”. ولكن هذه الدعامات لم تمنع المعارضة المسلحة من الاستيلاء على حلب.
والآن يواجه الأسد هجوما دمويا لاستعادة المدينة. ومن المؤسف أن الشرق الأوسط يتميز بأنه بمجرد انتهاء حرب ما، تبدأ حرب أخرى. ورأت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير أعدته كارلوتا غال أن التوقيت بدا محسوبا وانتهازيا، فبمجرد توقيع اتفاق لإنهاء القتال بين إسرائيل و”حزب الله” في لبنان الأسبوع الماضي، اندلع صراع آخر ليس ببعيد في سوريا. فقد شنت المعارضة السورية المسلحة هجمات كاسحة ضد قوات الأسد في شمال غرب سوريا، وسيطرت على أجزاء كبيرة من الأراضي بما فيها حلب. كما وأجبرت القوات الروسية على التخلي عن قاعدة بالقرب من حلب والميليشيات المدعومة من إيران على التخلي عن السيطرة على بلدة تل رفعت، وهي موقع سوري بالقرب من الحدود التركية، وفقا لمجموعات إنسانية وبحثية سورية. وقد أدى التقدم المفاجئ للمعارضة، والنكسة التي تعرض لها الأسد وحلفاؤه، إلى تأجيج مرجل من التنافسات الجيوسياسية التي كانت تغلي في سوريا لأكثر من عقد من الزمان بعد أن تحولت انتفاضة الديمقراطية في عام 2011 إلى ثورة واسعة النطاق. كما أكد ذلك على مدى سهولة انتشار العنف كالنار في الهشيم عبر منطقة متقلبة أصبحت أكثر صعوبة للتنبؤ بها بسبب المصالح المتشابكة والمتنافسة للعديد من القوى الكبرى المتنافسة على النفوذ.
لقد كانت إيران وروسيا، على أمل دعم حليف رئيسي في المنطقة، تقدمان الدعم العسكري الحيوي لحكومة الأسد لسنوات. كما أن تركيا والولايات المتحدة لديهما قوات موجودة في سوريا في مناطق لا تسيطر عليها الحكومة حيث تدعمان مجموعات معارضة مختلفة. ونقلت الصحيفة عن معاذ مصطفى، المدير التنفيذي لقوة مهام الطوارئ السورية، وهي منظمة إنسانية أمريكية تعمل من أجل الديمقراطية في سوريا، أن الثوار استغلوا بوضوح الفرصة التي سنحت لهم مع ضعف الحكومة السورية وروسيا وإيران وإرهاقهم بسبب صراعات أخرى. وقال مصطفى إن مقاتلي المعارضة راقبوا عن كثب الأضرار الناجمة عن هجمات أجهزة البيجر التي استهدفت أعضاء “حزب الله” في لبنان، والغارات الجوية الإسرائيلية على قادة الحرس الثوري الإسلامي الإيراني في سوريا. وقال إن هذه الهجمات أشارت للمقاتلين بأن الوقت مناسب لشن واحدة من هجماتهم. وقال مصطفى إنه كان على علم بالاستعدادات لتنسيق الهجوم في الأسابيع الأخيرة. وقال في مقابلة هاتفية: “كنت أعلم أنهم كانوا يعدون الخطط، لكن ما فاجأني هو أنهم استولوا على حلب في يومين”.
أثار تصاعد القتال تساؤلات لأول مرة منذ سنوات حول مدى قدرة المعارضة على المضي قدما ومدى قوة قبضة الأسد على السلطة
وقد أثار تصاعد القتال تساؤلات لأول مرة منذ سنوات حول مدى قدرة المعارضة على المضي قدما ومدى قوة قبضة الأسد على السلطة. وقد يعطل هذا الاتجاه التدريجي نحو القبول الدولي لبقاء الأسد كزعيم لسوريا واستئناف العلاقات الدبلوماسية مع سوريا بين الدول العربية وبعض الدول الأوروبية.
لقد أعلنت كل من روسيا وإيران عن دعمهما للأسد، ولكن إلى جانب العديد من الغارات الجوية الروسية على مدينتي إدلب وحلب، اللتين تقعان في أيدي الثوار، يتساءل المحللون عن مقدار المساعدة التي سيتمكن الروس والإيرانيون من تقديمها في المدى القريب.
وأعربت الدول العربية عن قلقها إزاء احترام سيادة سوريا، وهو ما قاله المحللون إنه طريقة دبلوماسية لانتقاد الدور المستمر لتركيا في دعم الجماعات المتمردة لمصالحها الخاصة.
ويصف السوريون، الذين يراقبون الأحداث من خارج البلاد، هذا الهجوم، بما في ذلك الانسحابات المتفاوض عليها، بأنه مختلف عن فترات القتال السابقة.
ويعتقد قِلة من الناس أن حكومة دمشق قادرة على استعادة الأراضي المفقودة بسرعة بسبب انخفاض الروح المعنوية في الجيش وفي الأجزاء التي تسيطر عليها الحكومة من البلاد. ويقول المحللون إن العديد من الناس في تلك المناطق، بما في ذلك المسؤولون الحكوميون، أصبحوا فقراء، وهذا هو أحد أسباب الانهيار السريع للقوات الحكومية.