كلمة حزب الاتحاد في اللقاء التشاوري حول المعتقلين بدعوة من حزب اليسار
في ذكرى ثورة الشعب السوري العظيم لا يسعنا إلا أن نقف اجلالا واكبارا لأرواح شهداء الحرية و العدالة الذين لم يبخلوا بغالٍ ولا رخيص في سبيل تحرر الشعب السوري من الذل و الطغيان.
إن كفاح ونضال الشعب السوري منذ انتفاضته المباركة في آذار من العام 2011 ، لم تكن بأي حال حادثاً عَرَضياً أو حالةً استثنائيةً ، بل هي امتداداً طبيعياً ومعروفاً لشخصية الانسان السوري التي تأبى الخضوع والذل وتهفو دوما للحق والكرامة، وبعد مضي أحد عشر عاما على آلة القمع الوحشي والجرائم البشعة التي أدارها النظام المستبد كرد فعل على انتفاضة الشعب السوري الأبي ، ما زال هذا الشعب العظيم يأبى إلا أن يتنفس عبق الحرية والكرامة وأريج الحق والعدالة ، وليس أدل على ذلك أكثر من الحراك الشعبي داخل سورية الذي يظهر بين الفينة والأخرى ، برغم كل الضغوط والممارسات الأمنية البشعة التي يصر النظام على اتباعها كنهج عام لفرض سلطته وسطوته ، هذا السلوك الذي اتبعه طوال فترة حكمه الظالمة.
إن أخوتكم في حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي ، ومنذ تأسيسه في عام 1964 ، اختاروا طريق المعارضة السياسية لنظام الاستبداد واتخذوا الطريق الديمقراطي سبيلا للحكم في سورية ، كما اتخذ الحزب من كل حراك سلمي ونشاط مدني يقف في وجه الديكتاتورية والطغيان أساساً لعمله وتحركاته وساهم مع قوى المعارضة على الساحة السورية بكل ما يستطيع رغم قدراته المتواضعة في أداء واجبه الوطني فقدم من بين صفوفه شهداء وجرحى في ساحات النضال والكفاح ، ومعتقلين وملاحقين أمنيا ومنفيين قسريا ، كل هذا لم يفت من عضه أو يعطّل دوران عجلة نشاطاته السياسية على الساحة الوطنية والقومية ، وحتى الدولية من خلال مشاركته في هيئة التفاوض ، ومساهمته في بناء قاعدة سياسية معارضة تنظم العمل السياسي في مواجهة النظام ، فكان تشكيل التجمع الوطني الديمقراطي في عام ١٩٧٩ بمشاركة أحزاب سياسية أخرى من المعارضة الوطنية ، ثم تأسيس هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي مع الشهور الأولى لثورة الكرامة سنة ٢٠١١ ، فكانت التعبير الأوضح عن خط الحزب و نهجه في حشد كل الإمكانات المتوفرة لتنظيم معارضة وطنية صادقة ، لتمثل النضال السياسي السليم الذي يعبر عن تطلعات الجماهير في سورية و يعكس طموحاتها وآمالها ، ولم تكن المبادئ التي انطلقت منها هيئة التنسيق الوطنية منذ تأسيسها في اللاءات الأربع ( لا للعنف ، لا للطائفية ، لا للتدخل الخارجي ، لا للاستبداد السياسي ) إلا نتاجا لممارسة تاريخية وقراءة سياسية سليمة لأحزابها أثبتتها الوقائع اللاحقة وصدّقتها مجريات الزمن الحاضر.
و تبقى معاناة الشعب السوري اليومية والطويلة وآلامه المستديمة طيلة فترة الحرب ، هي الجرح النازف الذي يقض مضاجعنا بل ومضاجع كل حر في هذا العالم و أفدح مصائبنا و أشدها إيلاما هو وضع معتقلينا وقضيتهم التي تكبر كل ما طال الزمن و تتوسع مع مضي الوقت وهي مسؤولية كبيرة نتشارك في حملها كلنا ونتفق جميعا على أحقية وأهمية النضال من أجلها وتحميل نظام الاستبداد القمعي وأعوانه ومن آزره وزرها . فكان لا بد من أن تحتل المكانة الأكبر في كل تحركاتنا ونشاطاتنا وتتصدر كل الأجندات والمطالبات ، فهي مطلب فوق تفاوضي ومن غير المقبول المساومة عليه.
و من قبلنا نحن في حزب الاتحاد الاشتراكي يمكن ان نؤكد على اهمية النقاط التالية
١ – وضع ملف المعتقلين كـ ( شرط ) وليس ( بند ) في اي مفاوضات يمكن أن تجري مع النظام ( وهذا ما أكد عليه بالحرف تقريبا قرار مجلس الأمن الدولي رقم ٢٢٥٤ باعتباره أن ملف المعتقلين من الحالات الإنسانية غير الخاضعة للتفاوض ) وذلك بعد حشد الرأي الدولي لأهمية الموضوع و حساسيته.
٢- التركيز في كل الجلسات واللقاءات التي تعقدها وفود المعارضة مع البعثات الدبلوماسية الدولية على هذا الملف و إثارة موضوعه من جانب إنساني بحت وعدم اعتباره ( أي ملف المعتقلين ) جزءا من عملية التفاوض مع النظام أو استخدامه ورقة للتدليل على طائفية النظام أو دليل على مظلومية أكثرية أو أقلية فئوية في سورية بل التأكيد على مضمونه الإنساني البحت و خضوعه لمظلة حقوق الإنسان.
٣- لا بأس من لفت النظر إلى أسماء معينة أو حالات خاصة للمعتقلين لإسباغ الواقعية والموضوعية على الطرح والانطلاق من الخاص الى العام في مناقشته.
٤- التواصل مع هيئات حقوق الانسان والمنظمات الناشطة والشخصيات الفعالة في ملف المعتقلين بشكل عام والمعتقلين السوريين بشكل خاص لتنسيق النشاط و العمل على لفت نظر الرأي العام العالمي لموضوع المعتقلين في سورية و إبراز معاناتهم و معاناة ذويهم في هذا المجال والمطالبة باتخاذ إجراءات وخطوات حقيقية ومؤثرة لدعمه والدفع به نحو الحل.
5- اعتبار هذه القضية هي نقطة اتفاق وموقف وطني لا تقبل الخلاف بين جميع أطراف المعارضة والأحزاب والأطياف السياسية السورية ولكي تكون محور تجمع لتوحيد الصف تنطلق منه كافة أطياف المعارضة الوطنية السورية في مواجهة النظام.
اخيراً
كلنا نعرف أن طريق الحرية شاق و طويل و درب العدالة غير مفروش بالورود و لكننا بالمقابل نعلم أن لحياة الكرامة والعز ثمنا لا بد للشعوب أن تتشارك في دفعه لتصنع لها و لأجيالها القادمة المستقبل المشرق السليم الذي يتطلع إليه كل انسان حر يؤمن و يعتز بانتمائه لبني البشر الذين كرمهم خالقهم العظيم. في قوله تعالى
۞ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ وَحَمَلْنَٰهُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍۢ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (الاسراء آية 70)