بيان سياسي
الذكرى الثانية عشر على قيام الثورة السورية
تدخل الثورة السورية عامها الثاني عشر، التي كانت مدينة درعا بداية ومهد انطلاقتها المباركة في ١٨/ ٣/ ٢٠١١، والسوريون يعيشون اليوم في ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية وجيولوجية معقدة، لازالت تفعل فعلها في حاضرهم المأساوي، ويمكن أن تمتد خطورة نتائجها أكثر على مستقبلهم.. فالأزمات الاقتصادية تتوالى على المواطن السوري، لتزيد من فقره وعوزه ومعاناته المعاشية، وتتفاقم في أجواء من الفساد المعمم الذي ضرب كافة مؤسسات الدولة بما فيها التشريعية والتنفيذية، بالإضافة إلى تحكم حيتان رجال المال وتجار الأزمات المتعاونين مع المتنفذين داخل الحكومة، وفرض الأتاوات على رجال الأعمال والصناعيين المنتجين من قبل المليشيات وأزلامهم، دون أي بادرة من قبل السلطة لوضع حد لهذا التغول أو محاسبة من يتلاعب بقوت الناس ولقمة عيشهم.
وجاء أخيراً الزلزال المدمر كارثة أخرى لتزيد من قهرهم ومعاناتهم الإنسانية، والذي خلف ضحايا ودمار ونزوح داخلي وخارجي كما طمر الآلاف بينهم عائلات بأكملها تحت الأنقاض، وأتى خراباً على بيوتهم وممتلكاتهم، هذا إلى جانب الاستثمار السياسي لمأساة الزلزال التي ساعدت في فتح أبواب التطبيع مع النظام من قبل العديد من الدول العربية عبر الاتصالات المباشرة تمهيداً لإعادة العلاقات المجمدة معه منذ انطلاقة الثورة السورية ٢٠١١.
إلى جانب كل ذلك وغيره، فقدان الشعب السوري لأي أمل في حل سياسي برعاية دولية يستعيد من خلالها الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية التي كانت السبب الأساس في نهوض الثورة المباركة، بعد أن تحولت الأمم المتحدة إلى ديكور أممي لا أكثر، وأصبح المبعوث الأممي بيدرسون ميسراً للمفاوضات لا يستطيع أن يتدخل بأي جزئية فيها، أو يبدي رأياً أو موقفاً بمواجهة النظام الذي يعرقل كل خطواتها، بل إن ما يجري اليوم من تحرك سياسي ودبلوماسي إقليمي ودولي يلبي مصالح أطرافه على حساب القضية السورية ومصالح الشعب عبر صفقات ومؤتمرات بدأت من أستانا، والتي أراد الطرف الروسي منها، أن تكون بديلاً عن جنيف وعن هيئة التفاوض السورية الممثل الشرعي للمعارضة في العملية السياسية، ومن أجل الالتفاف على القرارات الدولية وخاصة بيان جنيف ١ والقرار ٢٢٥٤ / ٢٠١٥، بعد أن عمل النظام والدول المتدخلة بالملف السوري على استنقاع الحل السياسي، واللعب على الزمن بهدف تفريغ هذه القرارات من مضامينها، ووضع الحواجز والسدود أمام أي إجراء تنفيذي يفضي إلى تطبيقها. وتحويل خارطة الطريق التي نص عليها القرار ٢٢٥٤ وحصرها في محاربة الإرهاب والدعم الإنساني أو الإنعاش المبكر،
وكذلك التطبيع مع النظام بدون أي التزام بالإفراج عن المعتقلين وكشف مصير المغيبين قسرياً، ومعالجة الأوضاع الإنسانية للمهجرين، يتم من خلالها تحقيق بيئة آمنة لأي تسوية سياسية منصفة وفق القرارات الدولية. علماً لاتزال هناك اتصالات سياسية دبلوماسية -اقليمية ودولية- مستمرة مع النظام وكافة الأطراف، إن هذا التحرك يعتبر لعب بالوقت الضائع، ويسير عكس أهداف الإنتقال السياسي واقتصر التوجه إلى تعميق العلاقات العربية مع النظام وإعادته إلى كرسي الجامعة العربية (مع أهمية عودة سورية إلى حاضنتها العربية)، ومع معرفتهم المسبقة بأن هذا النظام لن يقدم أي تنازل يؤدي إلى استبعاده من المشهد السوري أو التضييق على سلطاته. وهذا يؤكد بالدليل القاطع أن هذا النظام عصي على الإصلاح مما يساعد استمرار محنة الشعب السوري بعد هذه السنين العجاف مضافاً لها وجود أربع دول مستوطنة الجغرافية السورية بممارسات المحتل كإدارات أمر واقع بالإضافة للكيان الصهيوني الذي ينتهك السيادة وبإستمرار دون أي رادع محلي أو دولي، وبين معارضة أغلبها منقسمة ومشتتة رهنت قرارها للخارج الإقليمي والدولي، استغلتها القوى الانفصالية بدعم وترويج خارجي من أجل تثبيت كيانات الأمر الواقع على الأرض السورية .
إننا في حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي نتوقف عند هذه الذكرى، بهدف المراجعة والتقييم لأخطائها وعثراتها وعوامل وأسباب التراجع والنكوص عن أهدافها الأساسية، والبحث عن الشروط اللازمة لنهوضها واستمرارها، والدفع باتجاه وحدة مواقف المعارضة واجتماعها على طاولة حوار سورية لصياغة عقد اجتماعي جديد ينظم الدولة والمجتمع، ويؤسس لنظام سياسي يقوم على دستور عصري وانتخابات حرة ونزيهة في دولة ديمقراطية تداولية تحفظ حرية وكرامة المواطنين، مقدمة ضرورية لا بد منها لخلاص بلدنا وشعبنا من كافة الاحتلالات والمليشيات والفصائل الخارجية، حفاظاً على وحدة سورية أرضاً وشعباً، يؤسس من خلالها الدعوة لعقد المؤتمر الوطني العام الذي يتسلم مهام انجاز المرحلة الانتقالية للتغيير السياسي المنشود .
تحية لكافة مناضلي الثورة السورية، والخلود لشهدائها. وإننا على درب الثورة مستمرون حتى تتحقق الأهداف التي انطلقت الثورة من أجلها. كما نؤكد تمسكنا بالحل السياسي الذي يفضي للتغيير الوطني الديمقراطي، وفي عودة المهجرين إلى وطنهم والنازحين إلى بيوتهم، والمعتقلين والمغيبين إلى أهلهم وذويهم، وأن تسود دولة القانون والعدل الإجتماعي، التي تكفل حق المواطنة المتساوية لجميع السوريين.
١٨/٣/٢٠٢٣ المكتب السياسي