بقلم: أمين صعب
سوريا تعمل على إعادة تأهيل محطات توليد الكهرباء
مقدمة
بعد عقودٍ من سوء الإدارة والفساد الذي أنهك مؤسسات الدولة، تدخل سوريا اليوم مرحلةً جديدة تسعى فيها إلى إعادة بناء اقتصادها وخدماتها العامة على أسس العدالة والشفافية.
ومع التحرّر من النظام الذي استنزف موارد البلاد وأضعف قطاع الطاقة، يجد السوريون أنفسهم أمام تحدٍّ كبير يتمثّل في تأمين الكهرباء بأسعارٍ عادلة، في ظلّ واقعٍ اقتصادي متردٍّ ومحدودية الدخل لدى غالبية المواطنين.
“التحرّر من الفساد خطوة أولى، لكن العدالة الاقتصادية هي الاختبار الحقيقي لبناء الدولة الجديدة.”
أولاً: جذور الأزمة وأسباب الغلاء
يُعدّ قطاع الكهرباء أحد أكثر القطاعات تضرّراً من السياسات السابقة، إذ تراكمت فيه مشكلاتٌ فنية ومالية وإدارية على مدى سنواتٍ طويلة.
ومن أبرز أسباب ارتفاع التسعيرة في المرحلة الحالية:
•تهالك البنية التحتية بسبب الإهمال والفساد، مما رفع كلفة الإنتاج والصيانة.
•انخفاض قيمة العملة المحلية، وهو ما جعل استيراد الوقود وقطع الغيار عبئاً كبيراً على ميزانية الدولة.
•الفاقد الكهربائي المرتفع الذي يصل في بعض المناطق إلى أكثر من 40% نتيجة سرقة التيار وضعف الصيانة.
•تراجع الدعم الحكومي في محاولةٍ لتقليل العجز المالي وضمان استمرارية الخدمة.
“لم يعد الخلل في الكهرباء فنّياً فحسب، بل أصبح انعكاساً لخللٍ اقتصادي وهيكلي عمره عقود.”
ثانياً: الأثر الاجتماعي والاقتصادي على ذوي الدخل المحدود
1.زيادة الأعباء المعيشية
تشكل فواتير الكهرباء اليوم عبئاً حقيقياً على الأسر محدودة الدخل، إذ تستهلك جزءًا كبيراً من الدخل الشهري، في وقتٍ تتصاعد فيه أسعار السلع والخدمات الأساسية.
2.تراجع مستوى الرفاهية والخدمات المنزلية
الكثير من الأسر باتت تقلّل من استخدام الأجهزة الكهربائية، حتى الضرورية منها، في محاولةٍ للحدّ من ارتفاع الفواتير، ما يؤدي إلى تراجع مستوى المعيشة وجودة الحياة اليومية.
3.انقطاعات متكرّرة رغم رفع الأسعار
على الرغم من زيادة التعرفة، لا تزال الانقطاعات الطويلة حاضرة، مما يثير استياء المواطنين الذين يدفعون أكثر مقابل خدمةٍ أقلّ جودة.
4.فجوة متزايدة بين الطبقات
يتمتّع الميسورون بقدرةٍ على اقتناء المولدات أو الألواح الشمسية، بينما لا يملك أصحاب الدخل المحدود سوى التكيّف مع الانقطاع والغلاء، مما يزيد الفوارق الاجتماعية.
ثالثاً: بين العدالة الاجتماعية والاستدامة الاقتصادية
في مرحلة إعادة البناء، تسعى الدولة إلى تحقيق توازنٍ صعب بين ضمان استمرارية قطاع الكهرباء وتخفيف الأعباء عن المواطن.
ولذلك، من المهم أن تُدار سياسة التسعير الجديدة وفق مبادئ العدالة الاجتماعية، من خلال:
•الحفاظ على دعم الشريحة الأولى من الاستهلاك المنزلي.
•التمييز الواضح بين الاستهلاك المنزلي والتجاري والصناعي.
•تعزيز الشفافية في إعلان كلفة الإنتاج والتوزيع.
•الاستثمار في الطاقات المتجددة لتقليل التكاليف على المدى الطويل.
“الإصلاح الاقتصادي لا يُقاس بحجم ما يُرفع من الأسعار، بل بمدى شعور المواطن بالعدالة في تحمّلها.”
رابعاً: نحو سياسة طاقة وطنية جديدة
إنّ التحرّر من نظامٍ احتكر الثروة وأهدر موارد البلاد يتيح فرصةً لبناء قطاع طاقة وطني يعتمد على الكفاءة والشفافية.
ويُعدّ تطوير هذا القطاع محوراً أساسياً في إعادة الإعمار الاقتصادي والاجتماعي من خلال:
•توسيع استخدام الطاقة الشمسية في المناطق السكنية والريفية.
•تحديث شبكات النقل والتوزيع لتقليل الفاقد وتحسين جودة الخدمة.
•إشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني في التخطيط والرقابة.
•تدريب الكوادر الوطنية على إدارة منظومات الطاقة الحديثة.
“الطاقة ليست رفاهية، بل أساسٌ لبناء الاستقرار والإنتاج وإعادة الثقة بالمؤسسات.”
خاتمة
إنّ ارتفاع أسعار الكهرباء في سوريا اليوم ليس حدثاً مفاجئاً، بل نتيجةً طبيعية لتراكماتٍ طويلة من الفساد والإهمال.
ومع ذلك، فإنّ التعامل مع هذه الأزمة بعقلانية وعدالة هو ما سيحدّد ملامح المرحلة القادمة.
فالتحرّر من النظام الذي سرق مقدّرات الوطن كان خطوةً ضرورية، أما التحدي الحقيقي فهو بناء مؤسساتٍ شفافة تضع الإنسان في صدارة أولوياتها، وتجعل من الكهرباء طاقةً للنهضة لا عبئاً على المواطن.

