بقلم: علي بكر الحسيني
محطة كهرباء في سوريا (من الأرشيف)
تعيش سوريا اليوم واحدةً من أكثر مراحلها الاقتصادية قسوة، بعد سنواتٍ من الحرب والحصار والدمار الذي أصاب كل مفصل من مفاصل الحياة. وفي خضم هذه المعاناة، يأتي قرار رفع أسعار الكهرباء ليشكّل صدمة إضافية للمواطن السوري، الذي أنهكته أعباء المعيشة وغلاء الأسعار وتراجع الدخل. لا يمكن لقرار كهذا أن يُقرأ بمعزلٍ عن واقعٍ اجتماعيٍّ هشّ، حيث باتت الأسرة السورية تُعيد ترتيب أولوياتها بين الغذاء والدواء والنور.
إن الطاقة ليست سلعة تجارية كبقية السلع، بل حقٌّ من حقوق الإنسان وضرورة تنموية لا يمكن التفريط بها. فالكهرباء ليست رفاهية، بل شرط أساسي للحياة الكريمة، للمستشفى والمدرسة والمصنع والبيت على السواء. لذلك فإن أيّ سياسة طاقوية لا تراعي هذا المبدأ إنما تفتقر إلى الحسّ الاجتماعي والبعد الإنساني، مهما كانت مبرراتها الاقتصادية أو حساباتها المالية.
لقد أثبتت تجارب الشعوب أن الإصلاح لا يكون على حساب الفقراء. فحين واجهت ماليزيا في تسعينيات القرن الماضي أزمة مالية حادة، لم تلجأ إلى رفع الأسعار أو فرض الضرائب العشوائية، بل ركّزت على دعم الإنتاج الوطني وجذب الاستثمارات وتعزيز الثقة بين الدولة والمواطن. وكذلك فعلت الهند، حين أطلقت مشاريع الطاقة الشمسية الواسعة في الأرياف، مما خفّض كلفة الكهرباء ووفّر فرص عمل جديدة، بدلاً من إرهاق الطبقات الفقيرة بالفواتير المرتفعة. أما البرازيل، فقد أدركت أن التنمية الحقيقية تبدأ من العدالة الاجتماعية، فدعمت الطاقة البديلة من قصب السكر والرياح، ووسّعت شبكة الدعم الاجتماعي لتصل إلى الملايين من الأسر ذات الدخل المحدود.
إن النهضة لا تُبنى بالأرقام الجامدة، بل بالإنسان الحيّ. فالشعوب لا تُنهضها القرارات الإدارية المفاجئة، بل السياسات المدروسة التي تنطلق من الواقع وتراعي حاجات الناس. إن أي إصلاح اقتصادي لا يضع الإنسان في مركزه، هو انحراف عن جوهر التنمية. فالدولة التي تحترم شعبها تبحث عن حلول خلاقة قبل أن تفرض الأعباء، وتكافح الفساد والهدر قبل أن تمسّ جيب المواطن.
ومن هنا، فإن المطلوب اليوم ليس مجرّد الاعتراض على القرار، بل الدعوة إلى رؤية وطنية شاملة لقطاع الطاقة، رؤية تُعيد ترتيب الأولويات على أساسٍ من العدالة الاجتماعية والتخطيط العلمي. فبدلاً من رفع الأسعار، يمكن توجيه الدعم لتشجيع الطاقة الشمسية والمراوح الهوائية كمصادر بديلة ومستدامة. يمكن تحفيز المبادرات الصغيرة في القرى والأحياء لتوليد الكهرباء ذاتياً، بإشرافٍ حكومي منظم، فيتحقق التوازن بين الدولة والمجتمع دون سحق أحدهما باسم الآخر.
إن المواطن السوري صبر بما يكفي، وقدّم التضحيات الأعظم في سبيل بقاء وطنه. وليس من المقبول أن يُكافأ اليوم بمزيدٍ من الأعباء. فالوطن لا يُبنى بقرارات فوقية، بل بشراكة صادقة بين الدولة وشعبها.والكهرباء ليست ترفًا يُمنح أو يُمنع، بل حقّ إنساني مقدّس يرمز إلى النور بالمعنى المادي والروحي معًا.ومن واجبنا اليوم أن نقول بوضوح:
كفى تحميل المواطن ما لا يحتمل، وكفى تجاهلًا لصوت الناس.

