فجر الجمعة ٢٨ نوفمبر الجاري لم يكن فجر اعتقال عابر في بلدة بيت جن السورية، بل كان فجر مواجهة كُسر فيه غرور الكيان تحت أقدام رجال البلدة، وسقطت فيه قوة كاملة تحت نيران المواجهة المباشرة.
تسللت قوة خاصة من الكيان إلى البلدة تظن أن أهلها نيام، وأن الرعب كافٍ لـــ يكسر الرجال في بيوتهم.
دخلوا ليعتقلوا، فوجدوا أنفسهم في قلب معركة لم يحسبوا لها حسابًا.
أول من واجه الاقتحام كان الشـهيد – بإذن الله – البطل حسن عبد الرزاق السعدي.
اعتقلوا أخاه أمام عينيه، فخرج من بيته بلا تردد، يحمل بندقيته وقلبه وكرامته.
قاتل حتى آخر رصاصة، يقاتل ليحرر أخاه أو يلقى الله شهيدًا.
ارتقى حسن واقفًا كالطود، وصورته تحولت إلى أيقونة في كل بيت من بيوت بيت جن.
ثم جاء الرجل الذي قلب الموازين وأجبر القوة المتقدمة على الهلع والانسحاب، الشـهيد – بإذن الله – (باسل فيصل كمال).
الشاب الذي لم يبحث عن شهرة، لكنه حين رأى العدو على أرضه عرف تمامًا ماذا يفعل.
باسل هو من نصب الكمين، وهو من أصاب الجنود، وهو من دمّر آليتهم الرئيسية وأجبر باقي القوة على الفرار وترك معداتها تحت النار.
خسائر الكيان كانت ثقيلة رغم محاولات التمويه الإعلامي المعهودة. جنديان قتيلا الاشتباك المباشر، وخمسة جرحى وُصفت إصاباتهم بالخطيرة.
وعندما يقول الكيان في بياناته إصابات خطيرة فهو في كثير من الأحيان يتحدث عن مرحلة الاحتضار فعليًا، لكنه يتجنب تسجيل القتيل قتيلًا في المعركة إلا بعد الوفاة الرسمية داخل المستشفيات.
أما ما يصفه بإصابات أخرى فهو غالبًا جروح مدمّرة تخلّف عاهات مستديمة من بتر أطراف أو شلل أو إصابات دماغية لا شفاء منها.
إلى جانب ذلك أُعطبت آلية عسكرية واضطرت القوة للانسحاب العاجل وترك معدات وذخائر في ساحة الاشتباك.
وهذه الخسائر هي التي دفعت الكيان بعد فشله على الأرض إلى استدعاء الطيران وقصف البلدة من الجو.
حسن أشعل الشرارة الأولى وباسل فجّر البركان.
لكن المعركة لم تكن معركة رجلين فقط.
لا تنسبوا الفضل كله إلى حسن وباسل وحدهما، فهناك عدد من الشهداء والأحياء الذين قاتلوا في تلك الليلة، جميعهم كانوا على قلب رجل واحد، يعرفون مواقعهم، ويعرفون أن المعركة معركة قرية كاملة لا معركة أسماء فردية.
كل بيت كان في موقعه، وكل رجل كان يعرف ماذا يفعل ساعة الخطر.
استُشهد حسن وبقيت صورته عنوان التضحية من أجل الأخ والأرض. واستُشهد باسل وبقي اسمه يتردد في كل بيت باعتباره عقل الكمين وروح المواجهة.
وفي ذلك اليوم الثقيل ارتقى معهما أحد عشر شهيدًا آخر، منهم عائلة كاملة قُصفت وهي نائمة في بيتها.
ثلاثة عشر شهيدًا في يوم واحد، كتب كل واحد منهم سطرًا خالدًا من سطور العزة.
يا أهل بيت جن، لا تنسوا باسل فيصل كمال، ولا تنسوا حسن السعدي، ولا تنسوا بقية الشهداء والمقاتلين الذين لم تُرفع صورهم على الشاشات.
لا تنسوا من علمنا منهم ومن لم نعلم (وأرسلوا لنا صور لهم لتتعرف عليهم الأمة).
فكل القرية كانت رجالًا في تلك الليلة، وكل القرية كانت في قلب المعركة.
هؤلاء هم رجال بيت جن.
هؤلاء هم أبناء سوريا الحقيقيون.
رحم الله الشهداء جميعًا، وتقبّلهم في عليين، وألهم أهلهم الصبر والرضا، وحفظ الله كل أرض تقاوم وكل قرية تقول (لا للاحتلال).

