بقلم محسن حزام
١٧/٩/٢٠٢٢
نعود لاستكشاف القوى الناهضة وموقعها في المعادلة الدولية
هذه القوى بعد أن فرضت نفسها ضمن الخارطة الدولية بدأت تتحرك وبشكل فاعل لفرض وجودها في المعادلة كرقم يحسب حسابه في التوازنات الدولية كمنافس أمام الثنائية القطبية وفي مقدمة تلك القوى (الصين والهند) ومن ثم الباكستان وتلتحق ايران في بعض المجالات آخر القائمة وتتقدم على الدول الملتحقة رابطة دول جنوب شرق آسيا/آسيان.
– 1 –
الصين ضمن المعادلة الدولية
خبراء السياسة الدولية والمهتمون بالشأن الصيني يقولون إنها الرقم الصعب أمام المخططات الأمريكية وتتقدم عن الروسي في مواجهة صراع القطب الواحد على مستوى الاقتصاد والمال العالمي وحجم التبادلات التجارية مع المنطقة بموقعها الجيواستراتيجي بين قارات العالم وموقعها الجيوسياسي في المحافل الدولية لأنها خزان الطاقة وممر العبور إلى كل دول العالم.
وإذا سلطنا الضوء على المنظومة الاستراتيجية التي اعتمدتها في تموضعها ضمن الخارطة لضمان تواجدها في المعادلة علما وجودها ضمن الخمسة الكبار في مجلس الأمن لم يمنحها أحقية المنافسة أو المشاركة في قيادة العالم، عوامل هذه المنظومة هي:
١/ تقوم سياسة الصين الخارجية على نهج ” صفر أعداء” مع دول الجوار واهتمامها بالتسليح كمنتج للتصدير جاء متأخرا بهدف الحفاظ على الامن القومي علما خاضت حروب بينية مع الهند ودبلوماسية مع جمهورية الصين “جزيرة تايون المنفصلة عن الصين الكبرى من ١٩٤٩” ، لكن في مرحلة التعاون المشترك بينها وبين روسيا عملت معها شراكة عسكرية لحماية شرق اوراسيا، وتعاونت مع الروس في تشكيل منظمة شنغهاي ٢٠١١ التي تضم ( الصين ، روسيا الاتحادية ، كازاخستان، قرغيزستان، أوزباكستان، طاجكستان) عبر مصلحة مشتركة لمواجهة الهيمنة الأمريكية والناتو على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري صنفه السياسيين الروس بالاستراتيجي ( هدف بوتين من خلاله منع تمدد أمريكا إلى مناطق تعتبر تقليديا ضمن النفوذ الروسي والصيني ، لأنه ينتمي إلى المنطقة الاوراسية ).
٢/ تعد اليوم شريكا استراتيجيا للعديد من دول الشرق الأوسط لأهميتها الجيوسياسية
في عام ٢٠١٣ طرح الرئيس الصيني “شي جين بينغ” (مبادرة الحزام والطريق) التي تعد حجر الزاوية للاستراتيجية الصينية الحديثة التي تحولت بها من الاقتصاد الاشتراكي المغلق إلى الاقتصاد التعاوني المفتوح في ماوية جديدة تركت ورائها موروث السلطة المركزية الشديدة والأيديولوجيا التي حاصرتها لسنين طويلة أمام تايوان المنفصلة عنها ١٩٤٩ والتي اندمجت بالحضارة الغربية فتقدمت عن الصين الشعبية عقودا طويلة وذلك قبل نهضتها الجديدة.
الرئيس (جين بينغ ) دخل التحدي وأصبح باني الصين الحديثة حتى أصبحت تنافس اليابان في العديد من المنتجات والاختراعات بتكلفة قليلة وبكميات كبيرة غير قادرة أي دولة على منافستها .
٣/ تنظر إلى الشرق الأوسط من خلال ثرواته وموقعه الاستراتيجي باعتباره منطقة تشابك في الصراع ما بين القوى الدولية على مناطق النفوذ. علما لم يسجل في تاريخها السعي إلى مناطق نفوذ في المنطقة أسوة بالقوى الدولية منذ العام ٢٠١٨ أصبحت المنطقة العربية سوقا رئيسيا للمنتجات الصينية وداعما للمشاريع الوطنية وكذلك دخلت السوق الأفريقية بقوة في العديد من المجالات.
٤/ تم الاعتراف بالصين بانها من القوى الناهضة والمنافسة من خلال قوتها الاقتصادية التي بات يحسب حسابها من قبل دول العالم بما فيها أمريكا والتي لازال مستوى العلاقات التجارية والاقتصادية بنسب عالية مع استمرار الصراع فيما بينهما/ لأن السياسية الدولية ليس لها حد واحد تتعامل به/، بعد أن غيرت الصين في نمط مصالحها الاستراتيجية وشكل علاقاتها مع القوى الكبرى على قاعدة “المصالح المتبادلة والبقاء للأقوى” التي تعتبر خارج منظومتها الإيديولوجية للماوية وتعليماتها، لكن هذا النهج بدأت تعمل عليه خارج حدودها وخاصة عندما استطاعت أن تغزو أسواق أمريكا وبقوة التي كان محرم عليها دخولها وخط احمر لوقت متأخر .
٥/ من منطلق الغزو الاقتصادي وفتح أسواق جديدة لمنتجاتها دخلت القارة الأفريقية بالمال والتجارة ودعم الدول الإفريقية إنسانيا في فتح مشاريع لها تعتمد على العمالة الرخيصة وتكون قريبة من مناجم الذهب والماس.
٦/ على مستوى العلاقات السياسية كانت أقرب للمواقف الروسية علما هناك خلاف صارخ أيديولوجيا بين الماركسية والماوية أثناء مرحلة انتشار الشيوعية، لكن صراع البقاء للأقوى مع الأمريكي فرضت تعانق المصالح المشتركة بين الروسي والصيني، كان هذا جليا في الموقف من المسألة السورية في مجلس الأمن والحرب الأوكرانية كضرورة للأمن القومي الروسي وفي مسألة الطاقة والغاز حاليا.
الصين اليوم لا تقل أهمية عن الدول الكبرى وباتت تحسب مواقفها على المستوى الدولي وفي المنطقة ودول العالم الثالث لأنها دخلت حظيرة الكبار بقواها الذاتية الاقتصادية التي تعتبر الداعم القوي لسياساتها في مواجهة تايوان وأمريكا.
– 2 –
الهند في المعادلة الدولية
الهند قطب الرحى الآخر الذي تحول من التخلف والفقر المدقع، من عبادة البقر والتبرك في نهر الغانج والتمسك بالهندوسية التي ينتمي إليها العدد الأكبر من سكان الهند مع تعدد عرقي كبير بداخلها، تحولت بإصرار وإرادة لتكون منافسة أمام الكبار بعد أن نفضت غبار التخلف والفقر للدخول مباشرة في حلبة المصارعة الدولية.
بروز الهند كان من إفرازات ما بعد الحرب الباردة ، اعتبارا من عام ٢٠٠٠ بدأت بتغيير علاقاتها الإقليمية والعالمية حيث أعادت ترتيب أهداف سياستها الخارجية بما يتلاءم مع المعادلات الدولية الجديدة، كانت البداية بالتوجه إلى حضن امريكا لاعتبارات جيوسياسية ابعدتها عن الصين والدول الآسيوية التي كانت غارقة بخلافات حدودية معهم مما اضطرها فيما بعد حسب المتغيرات السياسية إلى تغيير اتجاه البوصلة بالعودة الى محيطها الجغرافي بعد فض الاشتباك وعودة العلاقات الدبلوماسية وتوقيع معاهدات تجارية وتنموية مع الأطراف كما طلبت استضافتها كمراقب في منظمة شنغهاي للتعاون وتم ذلك.
حزب المؤتمر الحاكم في الهند ولسنين طويلة كان يمثل الأغلبية الشعبية المنتمية لسيد الهند “المهاتما غاندي” الذي كان له الفضل في تحررها من الاستعمار البريطاني ، كما لعب الحزب دورا تاريخيا مهما في تطور الهند على كافة المستويات الاقتصادية والتكنولوجية، الحزب الحاكم “المؤتمر” اثبت انه الحامل السياسي وبجدارة بعد تجاوز مرحلة التقلبات السياسية التي عصفت بالهند بانقلاب المعارضة على انديرا غاندي مما تطلب منه اعادة ترتيب اوراقه بنظرة جديدة لإدارة الدولة في برنامج انتخابي تجاوز فيه سيطرة الحزب الواحد للدولة وتحوله إلى منظومة التعددية السياسية في تجربة ديمقراطية ناهضة انهت الحروب مع الجوار وفتحت أفاق جديدة في تعاملاتها الدولية كان الموجه فيها المصلحة القومية العليا على المدى المتوسط والبعيد والمصالح المتبادلة مع الجوار .
وفي دراسة أجراها بنك Deutsche رصد من خلالها النمو الذي طرأ على الاقتصاد الهندي أكد فيها ارتفاع متوسط الناتج المحلي من عام ٢٠٠٦ الى ٢٠٢٠ بمعدل ٦% وفي بعض الولايات وصل الى٢٠% من خلال تطور تكنلوجيا المعلومات وانخفاض معدل النمو السكاني ومعدل الفقر ١٠% ومؤشرات القضاء على الأمية وارتفاع نسبة التعليم والتوجه الى التخصصات العلمية. هذا كان الحامل الأساسي للنمو علما ان اقتصاد الهند متشعب إقليميا والاستثمارات الأجنبية كانت في حالة ازدياد مطرد لكن أقل من مثيلاتها في الصين ودول جنوب شرق آسيا. في عام ١٩٨٩ دشنت الهند القوة النووية ودخلت وكالة الطاقة النووية وفي نفس العام شهدت طفرة في الصناعة العسكرية جاءت للرد على خسارتها في حربها مع الصين حول بحر الصين الجنوبي ومع باكستان في قضية كشمير الهندية” القضايا العالقة”. عملت على إنهاء الخلافات مع دول الجوار عبر اتفاقات حيدت الأطراف كافة بدبلوماسية عالية المستوى حتى استطاعت فتح باب التعاون الاقتصادي والتجاري مع الصين على أوسع أبوابه وعلى التوازي انفتحت على التكتلات الاقتصادية الكبرى على مستوى العالم. الهند تعتبر الاقتصاد الصيني مقياس لتقييم وضعها الاقتصادي والسياسي. دخلت مؤخرا في صراع المصالح لمنطقة الشرق الأوسط بقوة رأس المال الداعم، علما كانت تعتمد سابقا على تحويلات عمالتها المنتشرة في معظم دول الخليج قبل النمو المفاجئ مثال (في سلطنة عمان عدد الهنود المتواجدين هناك يفوق نسبيا عدد السكان الأصليين وفيهم رجال أعمال مستثمرين يتحكموا بالاقتصاد العماني بتواجدهم في كافة النشاطات الاقتصادية والتجارية وحتى الخيرية منها)
العلاقة بين الصين والهند تمتد إلى عصور تاريخية قديمة عبر طريق الحرير الطريق التجار ي المشترك بالإضافة إلى وجود بعض من سكان الصين ينتمون إلى الهندوسية أضف إلى ذلك أن تلك الدولتان تعتبر أسرع الاقتصادات نموا في العالم وأكبر دولتين في عدد السكان كما تعتبر رابع أكبر مستهلك للطاقة بعد كوريا الجنوبية، وحتى تعدد مصادر الطاقة لديها توجهت إلى الشرق الأوسط فكانت السعودية أكبر ممول لها وتوجهت إلى إيران من أجل الغاز الطبيعي.
الحديث عن باكستان يأتي في مستوى النمو المتزايد في الاقتصاد ومتوسط دخل الفرد لذلك في سلم المنافسة لا يمكن ادخالها منافسا لكن هي من القوى الناشئة على مستوى العالم. وحتى ننصف تعاقب مراحل التاريخ ما بين الستينات والتسعينات برزت قوى ناشئة أطلقت على نفسها “النمور الآسيوية” دول شرق آسيا (تايوان، سنغافورة، هونغ كونغ، كوريا الجنوبية). حققت تقدما في حينه تجاوز 10% في عام واحد. مثلا: كوريا تحولت من دولة متلاشية إلى دولة صناعية أصبحت عام ٢٠١١ الدولة التاسعة من حيث الاقتصاد على مستوى العالم علما كانت في حرب لسنوات مع كوريا الشمالية. في عام ١٩٩٧ انهارت النمور الآسيوية بسبب انهيار السوق العالمي نتيجة الأزمة المالية التي اجتاحت دول جنوب شرق آسيا وبالتالي لامست بعض الدول الأوربية.
اليوم أمريكا تسجل حالة تراجع على كافة المستويات بسبب الانهيار المتدرج في اقتصادها جاء نتيجة تدخلاتها العسكرية في أكثر من بقعة متوترة على مستوى العالم ودخولها في حروب مصنعة لتثبت وجودها على مستوى العالم بأنها السيدة الأولى بالإضافة إلى تردي سياستها الخارجية في التعامل مع المستجدات العالمية والتي كانت من صناعة اللوبي الصهيوني، لكن هذا لا يلغي أن أمريكا لازالت تصنف الأول عالميا في كثير من القضايا وهي صاحبة قرار نافذ لهذا التاريخ ، وهذا شهدناه في تعاملها مع الاتحاد الأوربي الذي كان من المتوقع ان يكون منافسا قويا لها كمحور مهم في المعادلة الدولية لكن أمريكا لم تترك الأمر يصل ألى نهاياته بل عملت على تفكيك هذا الاتحاد وكانت البداية في انسحاب بريطانيا من الاتحاد.
روسيا اليوم تعتبر المنافس الأول لأمريكا في قيادة العالم، تحاول أن تستثمر ثغرات الدبلوماسية الأمريكية وانشغالها في العديد من القضايا العالقة لهذا التاريخ. افتعلت فدخلت اجئدتها الحرب مع اوكرانيا بعد ان ضمت علما القرم قبلها على خلفية وجود الغلبة للروس في هذه المناطق وعدم السماح للأوكران الانضمام إلى البرلمان الأوروبي ، كما ضيقت على أوربا الحليف الطبيعي لأمريكا في مسألة الطاقة والغذاء حتى أضطر البعض لتغيير مواقفه تجاه روسيا والحرب الأوكرانية بهدف أن تعيد روسيا تمرير الغاز السائل والحبوب إلى الدول الأوربية المستوردة، كما اشغلتها بالدعم العسكري لأوكرانيا وتحمل جزء من هذه الحرب التي تتم بالوكالة.
المجتمع الدولي اليوم يحاول بناء استراتيجية جديد لقيادة العالم متعدد الأقطاب تتجاوز فيه ثنائية القطبية والصراع التاريخي بين روسيا وامريكا تكون الدول الناشئة فيه هي عامل التوازن الذي يحقق السلام الدائم ويؤمن مصالح الجميع في علاقات متكافئة بين كافة الأطراف قد تكون بداية النهاية للعصر الأمريكي وتغول اللوبي الصهيوني في صناعة السياسات الدولية.
السؤال الآن من المستفيد من الذي يحصل ؟
لا شك أن هناك متغيرات كبيرة ستحصل نتيجة الحرب الأوكرانية التي أطلق عليها الباحثين بانها بداية لحرب عالمية ثالثة ليس بالضرورة أن تكون عسكرية انما اقتصادية وسياسية تغير شروط المعادلات الرتيبة أرى الفائز فيها وبدون منازع ” الصين الشعبية ” التي تعتبر القطب الثالث في المعادلة الدولية والمنافس المشارك في قيادة العالم لأنها تمتلك مشروعا يستند على ركائز قوية بالاقتصاد والتنمية المستدامة. وهي ليست تابعة لأي قوة بل سيدة بعلاقاتها حتى مع روسيا خدمة لمصالحها، وتلتحق بها الهند التي لم تتحرر إلى الآن من هيمنة الجانب على الأمريكي على بعض قراراتها انما هذا لا يلغي سعيها الحثيث لدخولها المنافسة مع الكبار.
في النهاية لابد من القول عندما ننظر إلى حالنا في المنطقة العربية التي لديها كل مقومات النهوض عل كافة المستويات لامتلاكها مخزون لا ينضب من الثروات الباطنية من البترول ومولدات الطاقة والكتلة المالية التي تتحاوز المدخرات العالمية اذا تجمعت والتي تستطيع اذا تم استثمارها بالشكل المناسب ان تحدث من خلالها طفرة حقيقية على مستوى العلم والتكنلوجيا، ويمتلك البعض منها المساحات الزراعية الشاسعة القادرة على تحقيق الاكتفاء الغذائي الذاتي. انما تشرذم الدول وسيطرة الحالة القطرية على معظمها والنظرة الفوقية لدى دول الخليج منبع الوفرة للبترول والذي لا يتم توظيفه لخدمة المنطقة بغية استخدامه كورقة سياسية للحضور على طاولة الكبار وبقوة، أضف إلى ذلك عدم امتلاك المشروع الموحد لكافة الطاقات والقدرات لعمل عربي مشترك يضع المنطقة في مكانها الصحيح تكون فيها السيدة لنفسها تنهي فيها حالة التبعية لنظم الرأسمال العالمي والليبرالية الجديدة.
في هذا العالم المحكوم بالمصالح والمنافع، الذي لا يستطيع أن يظهر وجوده للعلن سيبقى تابعا مهما امتلك من الثروات التي تضيع في مسارب النهب والاستغلال، ولا يستطيع تامين الحياة الكريمة والرفاهية اللازمة للمواطن العربي عموما.
الأيام القادمة محفوفة بالمخاطر والمتغيرات المتلاحقة لا يمكن التكهن بنتائجها كما لا يمكن ضبط تأثيراتها السلبية التي بدأت تظهر ملامحها على مستوى العالم في موجة غلاء غير منضبط على كافة المواد وشح البعض منها وخاصة الطاقة والغذاء إلى علاقات متكافئة بين الدول صاحبة التأثير على الصعيد العالمي في محاولة لإنقاذ العالم من كارثة مالية وبيئة وإنسانية تلوح في الأفق على المستوى القريب. ومعظم دول العالم ستبقى في حالة انتظار لما يحدث بعد انتهاء الحرب الأوكرانية.