بقلم محسن حزام
١٥/١٠/٢٠٢٢
شتاء قارس يفتقد إلى كل مقومات التدفئة في بلد يمتلك الطاقة والغاز السائل المنهوب من مافيات المواد البترولية التي يستخدمها نظام الفساد ليراكم مدخرات المتنفذين لديه على حساب امان واستقرار المواطنين الذين فقدوا أهم متطلبات الحياة التي تحافظ على كرامتهم الإنسانية.
نحن اليوم على أبواب فصل الشتاء الذي امتازت سورية بشدة برودته بدرجات حرارة تصل إلى صفر مئوية أو تحت الصفر في بعض الأحيان. كان سابقا المواطن السوري يستعد لها دائما بتأمين عوامل التدفئة اللازمة والتي كانت متوفرة بكل مجالاتها الكهربائية والبترولية ( عندما كانت الكهرباء متوفرة على مدار ال٢٤ ساعة ) أو عن طريق الغاز السائل الذي دخلت عليه البطاقة الذكية مؤخرا لترشيد توزيع المادة حيث كانت في البداية توزع اسطوانة الغاز كل ثلاث اسابيع كحد اقصى عبر رسالة الكترونية ” برنامج تكامل ” ، وصل اليوم التوزيع إلى ثلاثة أشهر “هذا للمقنن المدعوم ” علما ما يحتاجه المواطن من المادة متوفر بالسوق السوداء يفوق السعر الرسمي عشرة اضعاف ونيف من كافة المواد البترولية و هذا تحت عين وبصر الحكومة الرشيدة، هذه الأسعار في السوق المنفلتة وخارج اي رقابة، لا يتحملها صاحب الدخل المحدود الذي يشكل غالبية عدد السكان بدخل لا يتجاوز ١٠٠ الف ليرة ” بمعدل ١٥ دولار حسب السوق السوداء للصرف ” وتعتبر هذه من ضرورات الحياة اليومية .علما أن في شمال شرق سورية منابع النفط المسيطر عليها من قوى الاحتلال وإدارات الأمر الواقع لا يتجاوز سعر هذه المواد هناك مئات الليرات .
أساليب نهب المال العام تعددت لدى نظام الاستبداد والفساد والتحكم بمقدرات الوطن يقابله حرمان المواطن من أبسط متطلباته الغذائية والصحية التي يتحكم بتحديد أسعارها تجار الأزمة الذين يعتبروا جزء مهم من آلية اقتصاد السوق المربوط بالدولار وسعره الغير مستقر والذي يعكس نفسه في كل التعاملات التجارية والصناعية وقوت الناس .حكومة الجباية القائمة على ثقافة الفساد المعمم لازلت تصدر القوانين الغبية الممنهجة والقهرية في تقنين المواد من رغيف الخبز الذي هو القوت اليومي الذي لابد منه لاستمرار الحياة إلى تحديد كمية المازوت والبنزين التي يتم توزيعها عبر البطاقة في تنظيم تأمينه إلى كل قطاعات الشعب ” إجراء جيد ولكن غير عادل ” لأن المخصص المدعوم غير كافي للعمل به طيلة النهار او بمعدل عشر ساعات يوميا ” بل عمل عدة ساعات وارداها لا يغطي اطعام شخصين ليوم واحد ( هذا لوسائل النقل العامة السرفيس وتكسي الأجرة ) ، هذه الوسيلة الشيطانية يتم استخدامها لدفع مالكي السيارات للتعامل مع السوق السوداء المحمية من أطراف السلطة أو فيلق العباس وما شابه أو اليه المواد المستلمة مما أدى إلى الازدحام لقلة وسائل المواصلات. هذه الإبداعات كلها بحجة الحصار المفروض على سورية ويضاف لها اليوم أزمة الطاقة على مستوى العالم التي ولدتها الحرب الأوكرانية. توزيع مادة المازوت المدعوم على البطاقة خفضته القرارات الحكيمة مع بداية فصل الشتاء والذي خصص للأسرة الواحدة مهما كان عدد أفرادها في العام الماضي ( لباس موحد ) ٢٠٠ ليتر توزع على دفعتين في شهور الشتاء إلى ٥٠ ليتر توزع على دفعة واحدة فقط وبعض الاسر ممكن ان لا تستفيد منها علما لا تفي الغرض ليس للتدفئة انما للحمامات .
المواطن المقهور والمستباحة كرامته والذي ليس بيده حيلة لمواجهة هذه الأزمات المفتعلة ( كهرباء ، ماء ، محروقات ) ولعدم قدرته على اقتنائها بسبب تحكم مافيات السوق بدأ يفتش عن وسائل بديلة وبأقل تكلفة لمواجهة الشتاء القادم ( الحطب وغصون الاشجار وروث الحيوانات المجفف) لمن يستطيع ولديه القدرة المالية للحصول عليها بسعر الطن المحكوم بالعرض والطلب. طبعا المسؤولين ليس لهم علاقة بهذا الأمر الذي يكتوي به أبناء شعبنا لأن حصولهم على هذه المواد لا يحتاج إلى هذا العناء سوى مخابرة واحدة يستطيعون جلب المطلوب وبدون أية تكلفة لأن بزنس المصالح المتبادلة هو الطريق الآمن للنهب المشروع .
الخيارات المتاحة لدى المواطن للتعامل مع فصل الشتاء محدودة لعدم توفر القطع الأجنبي( الليرة السورية التي بدأت تفقد قيمتها في التداول مع حالة تضخم غير مسبوق ) ، المواطن رهن نفسه للحصول على متطلباته عبر التسول الآمن عن طريق الأمم المتحدة ( السلة الغذائية- المعونة ) والتي يصادر نصفها أو أكثر النظام لتصل إلى المتسول كميات قليلة جدا توزع عن طريق الجمعيات الأهلية لكن بلباس وخاتم الأمم المتحدة ، وايضا عن طريق تحويلات أبناء سورية في بلاد اللجوء والهجرة (دخلت عليها ايضا الرقابة الأمنية وشروط في التحويل والاستلام) الى اهاليهم او معارفهم تحاول من خلالها تعديل ميزان المصروفات بحده الأدنى. بدون هذه التحويلات كنا سنرى معظم أهالي سورية يتسولون في الطرقات وينهشون بعضهم عبر الجريمة والسرقة وقتل النفس، هذا أصبح ظاهرا للعيان في سوريا الصامدة.
مهما كان الحديث عن حاجة المواطن للأمن الغذائي والصحي الذي تدنت نسبته في سورية وأصبح يشار اليه في تقارير الأمم المتحدة فإن كافة المواد متوفرة بالسوق المحلي لكن المواطن لا يستطيع الحصول عليها بسبب غلاء الأسعار لمعظم هذه المواد وبات الكثير منها محرمة عليه أو ليست ضمن أولوياته.
مهما عرضنا من استشهادات ووقائع موجودة على الأرض لا نستطيع أن نفي الموضوع حقه وسنضطر للمناشدة عبر المنظمات الإنسانية والهيئات الدولية لإنقاذ هذا المواطن من براثن المتغولين والنهابين وتجار الدم المنتشرين في كل مؤسسات السلطة والذين أصبحوا الحامل الأمين والمدافع عن أشكال الفساد المستشري وقوانين القهر والإذلال التي تصدرها الحكومة وربطها بالحصار المفروض على سورية والأزمة الدولية الناشئة.
نظام أسس الفساد والنهب العام ولا يستطيع أن يشبع شعبه ويؤمن له الأمان في الحياة الحرة الكريمة وغير قادر على محاصرة الأزمات المفتعلة ومواجهة تجار البشر، ليس له مكان في إدارة الدولة بل لابد من تغييره بالوسائل السلمية وعبر المسار السياسي وتحت رعاية المظلة الاممية للوصول إلى تحقيق مضمون للقرار الأممي ٢٢٥٤ في تشكيل حكومة انتقالية ذات مصداقية تفضي إلى دولة مدنية ديمقراطية تحقق مطالب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
إن الانتقال إلى سورية الدولة الديمقراطية الحديثة وفق القرارات الأممية ذات الشأن لازال مشروعا متعثرا في قبضة الإرادات الدولية التي لم تتفق حتى هذا التاريخ على حصص مصالحها المتنازع عليها بين الحلفاء أو الأعداء.
أمام هذه الصورة سيبقى المواطن يعيش معاناته في طلب العيش الكريم وسيبقى نظام الاستبداد المدعوم من قبل قوى اقليمية ودولية بات لها حصص مشرعنة في الجغرافية السورية برا وبحرا وجوا. مواجهة هذا الفساد الذي شكل أزمات متعددة( أخلاقية وبنيوية ) على مستوى الصحة ( نراه واضحا في تسعيرة الكشف الطبي وفواتير المشافي الخاصة والتي تتعامل بدون ضمير إنساني وشرف المهنة وغير خاضعة للرقابة من وزارة الصحة ) وعلى مستوى التعليم بكافة مستوياته ( الذي ارتبط بالحاجة نتيجة تدني الدخل لدى المعلمين باعتمادهم على الدروس الخصوصية من بداية المراحل التعليمية وكذلك على المستوى الجامعي الفاقد لأبسط قواعد المهنية في الاعتماد على بيع المواد واسئلة الامتحانات ) أدى إلى تدني مستوى التعليم وتصنيف الشهادة العلمية السورية في الدرجات المتدنية جدا بعد أن كانت في الصدارة .
التصدي لأزمة الجوع التي بدأت تتزايد وكذلك الفساد الذي أصبحت محاصرته والقضاء عليه يحتاج إلى قرارات صادمة تكلفتها قد تكون كبيرة لكن بدونها تكون حلول ترقيعية غايتها ذر الرماد في العيون. والتصدي المطلوب اليوم واجب وطني يقع على عاتق كل فعاليات المجتمع بمختلف انتماءاتهم دون النظر لأي طرف كان ” الموالاة ام المعارضة ” لأن الكل دخل دائرة الخطر دون استثناء.
ما آلت اليه الامور في سورية الوطن والشعب يحتاج إلى إنقاذ والكل يتحمل المسؤولية .