بقلم محمد علي صايغ
سيبقى يوم الاثنين السادس من شهر شباط محفورا في ذاكرة السوريين لأجيال بعيدة .. ففي فجر هذا اليوم أحاط الموت والهلع بالسوريين على مساحة وطنهم، وفي مهجرهم في المدن الجنوبية لتركية، بحدوث زلزال مدمر بلغت شدته ٧،٩ على مقياس ريختر .. زلزال مروع خلف ضحايا ودمار ونزوح، وطمر الآلاف تحت الأنقاض، خلف دماء ودموع على فقدان الكثيرين لأحبائهم وفقدان عائلات بأكملها تحت الركام في ظروف مناخية قاسية من الصقيع والثلج ووقوف الآلاف المؤلفة في الشوارع شبه عراة في البرد القارص دون مأوى يؤيهم.
والسؤال الذي يلح على غالبية السوريين ويزاد الحاحا يوما بعد يوم: هل كتب على السوريون التشرد والضياع والموت ولم يسلموا حتى من غضب الطبيعة ؟؟ وهل كتب على السوريون أن يتعرضوا لنكبة وراء نكبة، ومحنة تضاف إلى المحن السابقة الأخرى؟ وهل يستحق السوريون أن يقف العالم بدوله ومنظماته متفرجا على مأساتهم دون أن يمدوا لهم يد العون والمساعدة، إلا من بعض كلمات التعزية الخجلة التي لا تغني ولا تنقذ العالقين تحت الانقاض ؟؟
وهل يستمر الحزن يعاندهم ويأبى أن يغادرهم منذ عقود وعقود ؟؟ ومع كل بارقة أمل تلوح أمام شعبنا ليعيش في عزة وكرامة وحرية، تنهض أمامه ديناصورات القتل والتدمير والتشريد والتهجير وسارقي الأحلام بغد جديد ؟؟
ألا يوجد طريقا أو وسيلة للذين يتربعون على السلطة ويمسكون بزمامها أن يفكروا لمرة واحدة بفك القيود التي يحاصرون بها شعبهم، أم أن الاستبداد لا يراجع نفسه أبدا ؟؟
الم تشبع بطون النهابون والناهبون من السرقة والتعفيش والتشبيح على مدار عقود من الزمان في امتصاص دماء الناس ولقمة عيشهم والتهام ثروات بلدهم وتبديدها في بذخهم واستخدامها سوطا يلهب ظهور البشر لإذلالهم والتحكم بهم !!!
ألا يستحق شعبنا بعد كل ما عاناه ويعانيه من ظلم البشر، وغضب الطبيعة فسحة أمل في أن يعيش آمنا مطمئنا حرا عزيزا في وطنه كباقي البشر !!!
أسئلة واسئلة تتقاذف عقول الملايين من شعبنا عبر الازمات والكوارث المتلاحقة التي تعرض لها، ولا يزال، وأسئلة أخرى تخاف أن تخرج من عقولهم !! فثقافة الرعب لا زالت تحاصرهم وتقض مضاجعهم !!!
ألم يأن الأوان بعد كل ما كابده شعبنا، من أن يجتمع موالاة ومعارضة، وكل الطيف السوري على صياغة عقد اجتماعي جديد ينظم الدولة والمجتمع ويؤسس لنظام سياسي يكفل حق المواطنة المتساوية للجميع في دولة مدنية ديمقراطية تحفظ كرامة وحرية المواطنين كمقدمة لا بد منها لخلاص بلدنا من كافة قوى الاحتلال والمليشيات واجندات الفصائل وارتباطاتها الخارجية حفاظا على وحدة سوريا أرضا وشعبا ..
أليس التغيير السياسي عبر القرارات الدولية وخاصة بيان جنيف والقرار ٢٢٥٤ / ٢٠١٥ يحفظ حقوق الجميع موالاة ومعارضة في تأسيس نظام سياسي جديد يقوم على دستور عصري، ويحفظ حقوق الجميع في انتخابات عادلة، ويؤسس لمرحلة جديدة، ويعيد الاعتبار لشعبنا بعد كل الأزمات الطاحنة التي ألمت به .. وبعد كل المآسي التي تعرض لها ..
ولتحقيق هذ التغيير السياسي .. ألم يأن الوقت بأكثر مما مضى بعد محنتي الحرب الداخلية لأكثر من عقد والزلزال المدمر الأخير أن تتداعى كل القوى السياسية اليوم قبل الغد الى عقد المؤتمر الوطني الجامع وصولا الى رؤية سياسية مشتركة واستراتيجية موحدة لتحقيق التغيير السياسي المنشود ..
إن ما يجب أن يدفع اليوم القوى السياسية لعقد المؤتمر الوطني الجامع هو هذا التكاتف الشعبي لشعبنا عقب الزلزال الأخير .. إذ بالرغم من قدراته المحدودة وإرهاقه عبر سنوات الأزمة الطويلة فقد تدافع الناس بما يملكون وشكلوا صناديق للإعانات، وتداعت الجمعيات والمنظمات الأهلية للمساهمة في الإنقاذ والإيواء ومساعدة المنكوبين بروح ايثارية عالية، وروح تضامنية تكشف الكثير من نبل وعطاء شعبنا الصابر .. هذه الروح التضامنية العالية هل يمكن ان تشكل أساسا لنداء ملح وواسع في السير نحو انجاز المؤتمر الوطني الجامع .. لأن المساهمة التضامنية والمساعدة في التخفيف من نتائج الزلزال الأخير لا تحقق لوحدها إعمارا ولا تحقق تغييرا في أحوال الناس ومستقبلهم .. ولا بد من تغيير سياسي على أسس وطنية للعبور من حالة الفوضى والضياع الى دولة قوية وقادرة على النهوض من الكوارث المتعاقبة، دولة واحدة موحدة تنجز وعدا ديمقراطيا يؤسس لدولة عصرية لنا ولأجيالنا القادمة .. وتحقق حلما طالما انتظرناه .. والأحلام لا تتحقق بالانتظار .. وعلى الجميع ان ينهض يدا بيد للعمل معا من أجل التكاتف والتلاحم لإنجاز هذا التغيير الوطني الديمقراطي المنشود .
انه نداء ملح وعاجل موجه للجميع .. فهل من مجيب ؟؟؟