محمد أبو الفضل – صحيفة العرب
الجمعة 2023/03/31
عندما اهتزت إسرائيل بمظاهرات في الشوارع احتجاجا على تصورات رئيس الحكومة فإن من سوّقوا لمؤامرتها بدأت تصيبهم خيبة الأمل فكيف تنجح إسرائيل في افتعال ثورات عربية وهي تواجه ثورة عاصفة؟
مظاهرات لها دوافعها المنطقية
قوضت مظاهرات حاشدة اندلعت في إسرائيل بسبب تعديلات في السلطة القضائية تريد الحكومة تمريرها جزءا مهمّا من الخطاب الذي تبنته بعض وسائل الإعلام العربية حول مؤامرة إسرائيل على الدول التي شهدت ثورات واحتجاجات وانتفاضات في السنوات الماضية، فلا يعقل أن الدولة التي تستطيع إحداث غليان شهدته دول مثل تونس ومصر وسوريا واليمن والسودان ولبنان والعراق لا تتمكن من منعه داخلها.
ظل هؤلاء يستندون إلى رواية إسرائيل كنوع من التبرير المتعمد للأنظمة العربية السابقة التي كانت سياساتها دافعا رئيسيا للسخونة قبل أيّ تدخلات خارجية، حتى داهمتهم مظاهرات حاشدة داخل إسرائيل نفسها، يمكن أن تهدد مستقبلها ومصير عدد من ساستها إذا استمر التصعيد بين القوى اليمينية واليسارية، وهو ما يؤكد أن العوامل الداخلية هي السبب المحوري للغضب الشعبي سواء أكان في دولة عربية أو إسرائيل.
يستسهل الكثيرون اللجوء إلى نظرية المؤامرة ويرتاحون كثيرا في اللجوء إليها، حيث توفر لهم مبررات جاهزة للدفاع عن مصالحهم وقذف الكرة بعيدا عن الأنظمة التي دافعوا عنها وإبعاد شبح المسؤولية عن الأنظمة الجديدة التي تأتي بعدها وإلصاقها بمؤامرات إسرائيل وغيرها كوصفة جاهزة يمكن أن يهضمها الرأي العام.
محاولات تأكيد المحتوى الخارجي والمحدد الإسرائيلي في ثورات الربيع العربي باتت في خطر شديد، لأن الركائز الرئيسية التي استندت عليها جرى تفريغها من مضمونها
عندما اهتزت إسرائيل بمظاهرات في الشوارع الأيام الماضية احتجاجا على تصورات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو فإن من سوّقوا لمؤامرتها بدأت تصيبهم خيبة الأمل لأنهم مع أيّ انتفاضة في دولة عربية سيكون من الصعوبة عليهم الرجوع إلى المفردات التي أسعفتهم في أوقات سابقة لإلقاء التهمة عليها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، فكيف تنجح إسرائيل في افتعال ثورات عربية وهي تواجه ثورة عاصفة؟
كما أن سلاح المظاهرات امتد إلى فرنسا ويهدد الولايات المتحدة التي نالت نصيبا كبيرا في الأدبيات التي تعاملت مع ثورات الربيع العربي على أنها مؤامرة غربية بامتياز، كانت إسرائيل ضالعة فيها بقوة من دون إشارة إلى وجود عوامل داخلية أدت إلى الاحتجاج أو التوقف عند حركة المجتمع والأحزاب وتردّي الفضاء العام بشكل عام.
قد تكون إسرائيل أسهمت أو قفزت أو استثمرت في المظاهرات التي شهدتها بعض الدول العربية، لكن وضع كامل المسؤولية عليها بمفردها لم يعد مقنعا، فالعامل الخارجي يصلح أن يكون محفزا أو جزءا مساعدا في بعض الأحداث الداخلية، لكن يصعب القطع بأنه الوحيد الذي يجب أن تلقى عليه المسؤولية.
مظاهرات إسرائيل لم تندلع فجأة، فكل المقدمات التي سبقتها ذهبت إلى وجود أزمة سياسية هيكلية في حكومة نتنياهو اليمينية يمكن أن تمثل خطرا وجوديا على الدولة العبرية، ولم يلجأ أحد إلى تفسيرها باعتبارها مؤامرة خارجية من حماس أو السلطة الفلسطينية، وجاءت الأصوات التي ألقت اللوم على الولايات المتحدة استنكارا لما بدر عن بعض المسؤولين من تصريحات سلبية وليس لتحميلها مسؤولية الاحتجاجات.
كل دولة لها خصوصيتها التي تخلق نمطا معينا يمكن أن يؤدي إلى انفجار شعبي، وتتوقف درجة الاحتواء على قدرة كل نظام على التعامل مع مطالب الناس السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية النابعة أصلا من البيئة الداخلية، فمهما تعاظمت المؤامرة واتسع نطاق التفسيرات التي تدعمها لن تستطيع أن تحشد الملايين من المواطنين في الشوارع للتظاهر والاحتجاج ما لم تكن الأوضاع مهيأة لاستقبالها.
بعض الأنظمة العربية الحديثة لم تستفد من العبر والدروس والنتائج التي خلّفتها مرحلة ثورات الربيع العربي، وهناك من يصرون على تكرار الأخطاء السابقة
ما حصل في بعض الدول مثل مصر، هو أن البيئة كانت محمّلة بكل الأسباب التي تفضي إلى الثورة على نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك وإسقاطه، ربما أسهمت عوامل مساعدة في التسريع بمسألة الرحيل أو زيادة وتيرة الضغوط، غير أن النتيجة واحدة، وهي أن مؤامرات الخارج لن يكتب لها النجاح دون أن يكون الداخل مهيأ لها.
لا أحد يمكنه أن يردّد بجرأة متناهية رواية المؤامرة في الحالة الإسرائيلية الراهنة، لأن المظاهرات لها دوافعها المنطقية التي قد تتصاعد وتتمدد في مجتمع مفخخ ومحمّل بالكثير من التناقضات التي تفضي إلى اشتباكات تتجاوز المعاني السياسية المتعلقة بإصلاحات أو تعديلات في السلطة القضائية، فالخلافات بين اليمين واليسار بلغت مستوى متقدما بحيث يصعب وضع سيناريوهات محددة لها.
تكمن الأهمية التي تنطوي عليها مظاهرات إسرائيل في ارتداداتها الإقليمية، والتي تجعل بعض الدول المحيطة بها غير معصومة من أن تشهد احتجاجات مهما بلغت حصانتها الأمنية والاقتصادية، فهناك اعتبارات سياسية واجتماعية أقوى من الدوافع التقليدية، وهي إشارة إلى كل الأنظمة للانتباه إلى ما يدور من تفاعلات متباينة، فكلما كانت البيئة الداخلية تعيش حالة فوران من أيّ نوع زادت قابلية الشعب للتظاهر.
يبدو ما يحدث في إسرائيل من توازنات في الشارع سوف يرخي بظلاله السلبية على بعض الدول العربية، ويلفت النظر إلى عدم وجود دولة تملك حماية ضد الاحتجاجات، والتي يلعب فيها الغضب الداخلي دورا محوريا، فهو الذي يسمح بنجاح المؤامرة الخارجية من عدمه، وإسرائيل لم تعد المتهمة الرئيسية لأنها لم تستطع حماية نفسها.
الكثيرون يستسهلون اللجوء إلى نظرية المؤامرة ويرتاحون كثيرا في اللجوء إليها، حيث توفر لهم مبررات جاهزة للدفاع عن مصالحهم وقذف الكرة بعيدا عن الأنظمة التي دافعوا عنها
باتت محاولات تأكيد المحتوى الخارجي والمحدد الإسرائيلي في ثورات الربيع العربي في خطر شديد، لأن الركائز الرئيسية التي استندت عليها جرى تفريغها من مضمونها، وعلى أنصار هذا الاتجاه البحث عن تفسيرات وبدائل أخرى تنقذهم من هذه الورطة، لأن الناس لن تتقبل تكرار رواية قديمة أوهمتهم أنهم وقعوا ضحية مؤامرة من دون إلقاء الجزء الأكبر من المسؤولية على فشل الحكام في إدارة شؤون البلاد والعباد.
هدمت مظاهرات إسرائيل جزءا مهما من هذا القناع وستفرض على من روّجوا لمؤامرتها الواسعة البحث عن حكاية أخرى، أو التفكير بجدية في حث حكامهم على إدخال إصلاحات جوهرية كفيلة بأن توفر مناعة اجتماعية وسياسية للشعوب، فهم الذي يقررون الاحتجاج أو يوقفونه وأيّ دور تقوم به إسرائيل أو غيرها يرتبط بدرجة الصلابة الداخلية وقدرة النظام الحاكم على التجاوب مع التطلعات الشعبية.
لم تستفد بعض الأنظمة العربية الحديثة من العبر والدروس والنتائج التي خلّفتها مرحلة ثورات الربيع العربي، وهناك من يصرون على تكرار الأخطاء السابقة اعتمادا على أن المسؤولية الخارجية كفيلة بحمايتهم وعدم إعادة إنتاج ما حدث سابقا.
تؤكد المشاهد التي تناقلتها الكثير من وسائل الإعلام من داخل إسرائيل أن أسباب الأزمة المحتدمة ترجع أساسا إلى أخطاء حكومية، فقد شرع نتنياهو في تبني تصورات يعلم أنها تؤجج مشاعر كتلة كبيرة من معارضيه، ولذلك أصبح طريق التراجع عنها محفوفا بألغام يمكن أن تنفجر في وجه حكومته.