المرصد السوري لحقوق الانسان
مارس 31, 2023
لم يسلم الإنسان السوري من الموت الذي لا يزال يطارده، ولا أي مجال آخر من مجالات الحياة من الخراب والدمار والنهب، وأصبح البلد مشلولا مقطّع الأوصال.. ولأنّنا نعلم أن المسجون يقبع بين بعض المربعات فأهله نوعا ما مطمئنون لكن المختفين قسريا الذين لا نعلم مصيرهم يظلّ ملفهم غير محسوم ومبعثا للآلام، حيث أضحت ظاهرة الاختفاء القسري سياسة ممنهجة لدى السلطات لقمع مختلف الأطياف المعارضة.
ويقبع ألاف السوريين في أقبية وسراديب مظلمة يحشرون فيها ولا يعرف أحد مصيرهم وسط انتظارات بأمل ضئيل في أنهم على قيد الحياة ولم تبتلعهم المقابر الجماعية السرّية.
معاناة الشعب السوري مع ملف المختفين والمغيّبين والمعتقلين مستمرة خاصة مع غياب أطر التمكين القانوني لتحقيق العدالة ، وهو ما تطرّق إليه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي جدّد دعوته للجمعية العامة إلى إنشاء هيئة جديدة لكشف مصير المفقودين في سورية، مؤكدا أنّ السوريين يستحقون معرفة ما حدث لأحبائهم، مشددا على أهمية ذلك للعدالة وتحقيق السلام والمصالحة.
وأفاد الأمين العام بأنّ مكان ومصير نحو 100 ألف سوري ما زالا مجهولَيْن و أن الناس في كل جزء من البلد ومن كل الفئات التي ينتمي إليها الفرقاء لديهم أحباء مفقودون، منهم أفراد أسر اختفوا قسرا واختطفوا وعذبوا واحتجزوا تعسفا.
ولطالما حذّر المرصد السوري لحقوق الإنسان من تعطّل الحلول السياسية التي من شأنها أن تساهم بالدفع نحو معرفة مصير المختفين والمغيبين قسريا، وينبّه المرصد من استمرار حملات الاعتقالات التي تطال الأصوات الحرّة ويؤكّد أن منهج القوة والأسلوب الأمني في التعامل مع المعارضين لا يمكن أن يؤدي إلا إلى مزيد من الفوضى والدمار والتقاتل.
ويذكّر المرصد بأنه سبق أن طالب بضرورة إقرار آلية دولية للكشف عن مصير المختفين والمغيبين.
وفي هذا المقام، أفاد المعارض السوري البارز، قاسم الخطيب، في حديث مع المرصد السوري، بأنّ هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها المطالبة بآلية دولية للكشف عن المفقودين والمعتقلين والمختفين قسريًا، معتبرا أنّ تجديد الدعوة لذلك من قبل السكرتير العام للأمم المتحدة أمر مهم، مؤكدا أّنّ الملف الإنساني مرتبط ارتباطا وثيقا بالإرادة السياسية الدولية وهذا ليس سرا، وهو يرتبط أيضا بالقرارات الدولية التي لاتزال تخضع لتلك الإرادة .
وقال الخطيب إنّه لايمكن تحقيق العدالة دون محاسبة المسؤولين عن الجرائم والفظائع، ولايمكن البدء بذلك دون حل سياسي تكون قوى الثورة والمعارضة لها دور فاعل فيه، وهذا بمعنى أو بأخر أولياء الضحايا هم سيدفعون بهذا الاتجاه.
من جانبه قال محسن حزام، المعارض السوري، في تصريح للمرصد السوري لحقوق الإنسان، إنّ قضية المعتقلين في الحالة السورية قضية مركزية وهامة في المسار السياسي وتعتبر من المسائل فوق التفاوضية لأنها مسألة إنسانية بامتياز، لكن الضامنين في الحالة السورية والجهات الأممية يتحمّلون المسؤولية الأكبر في تأخير الإجراءات التنفيذية لإنجاز عملية الإفراج عن كافة المعتقلين والمغيبين قسريا لدى كافة الجهات وخاصة النظام السوري الذي لديه في أقبية الظلام العدد الأكبر من المعتقلين والمغيبين والذي أقدم على إعدام أعداد كبيرة منهم كما جاء في”وثيقة قيصر ” ، ومع ذلك لم يُتخذ أي إجراء عملي مدعوم بقرار أممي إلى غاية هذا التاريخ وحُوّل الأمر إلى إحاطات إلى مجلس الأمن من قبل المنسق الأممي بيدرسون للعلم بالشيء فقط .
واعتبر أنّ مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة ببعث آلية كشف عن مصير المختفين بمثابة التحريك للقضية المنسية من جديد ومهمة إذا تبعها قرار ملزم من مجلس الأمن على منطوق البند السابع وتنفيذه بإشراف أممي، مؤكدا أنّ غير ذلك تبقى القضية معلقة وخطوة تساعد النظام السوري في التخلص من دفعات أخرى من المعتقلين وبأساليب متعددة.
وأشار السياسي السوري إلى أن الآلية التي تعتمدها الجهات الأممية في التعامل مع هذه القضية محكومة بالتوازنات الدولية التي لها التأثير المباشر في تأخير العمل عليها ، بالإضافة إلى عدم تجاوب النظام السوري معها وذلك عبر تعطيل المسار السياسي وكذلك عمل اللجنة الدستورية حتى لا يتم التضييق عليه في هذه المسألة مدعوما من الضامن الروسي في تعطيل أي قرار من مجلس الأمن .. وإذا كان الأمر اليوم هو لتحريك المسألة فقط فهذا لن يجدي نفعا وستبقى هذه القضية معلقة لدى الأروقة الأممية وداخل الأدراج، علما أن المنظمات الحقوقية والإنسانية لازالت تعمل مع كافة الجهات المعنية من أجل وضع هذه القضية على سلم الأولويات في كل المؤتمرات واللقاءات.
من جهته،علّق الأمين العام المساعد لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، محمد زكي هويدي، في تصريح للمرصد السوري عن دعوة غوتيريش، مؤكدا أنّ هذه الدعوة وهذا النهج لايؤدي إلى معرفة مصير المختفين والمغيبين قسريا ولايمكن أن يحقق أي خطوة باتجاه العدالة والمصالحة في ظل تعنت نظام مستبد يرفض أيّ حل سياسي.
وأوضح أنّ ذلك مرهون بتفاهمات دولية جدية باتجاه إيجاد آليات تنفيذية للقرارات الدولية وخاصة القرار 2254 تفتح المجال السياسي لانتقال سياسي وتسوية سياسية فعلية بين المعارضة والنظام تنهي مأساة الشعب السوري بعد اثنتي عشرة سنة من الثورة.
أما المحامي والحقوقي خالد الحويج، فقد أشار، في حديث مع المرصد السوري،إلى أنّ مسألة الاختفاء القسري وإن كانت تعتبر من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية إلا أنها حالياً لايتم ملاحقتها أمام المحكمة الجنائية الدولية بسبب اعتبارات قانونية منها عدم توقيع سورية على ميثاق إنشائها والقبول باختصاصها أو وجود دولة طرف في الاتفاقية يطلب ذلك.
وتابع: باعتبار أن روسيا قد شاركت في الحرب السورية وهي شريك بذلك فهي تعطل أي مشروع بشأن الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية..
وهناك مسألة عدم وجود البيانات الحقيقية بالنسبة لعمليات الاختطاف التي تقوم بها بعض الجهات مثل تنظيم الدولة الإسلامية وغيرها والخوف من طرق تلك الأبواب، أو حتى على صعيد المنظمات التي من الممكن أن يتعرض العاملون فيها للمساءلة والمحاسبة بسبب وصولهم إلى معلومات أو أشخاص قاموا بذلك ضمن تلك التنظيمات، وهناك عدم وجود برامج متعلقة بذوي الضحايا من حيث الإبلاغ والتوثيق والطريقة التي يتم التعامل فيها مع تلك العائلات حيث يتم اعتبارهم مجرد أرقام فقط وليس حالات تتطلب الاستمرارية وصولا إلى كشف المصير وجبر الضرر مستقبلا مما يؤدي إلى عدم ثقة تلك العائلات ونفورها من تلك الجهود.. وأدى عدم التركيز على دور تلك العائلات باعتبارها من أصحاب الصفة والمصلحة بأي ملاحقة على الصعيد الوطني والدولي،إلى ابتعاد جهود البحث وإسناد المسؤولية والمحاسبة “.
ودعا إلى الضغط على الحكومة السورية بكل الطرق بما في ذلك استعمال الفصل السابع أو حث الجمعية العمومية على التدخل.