في 25/04/2023
السورية نت
يبدو أن جدلاً يحكم الرؤيوية / البراغماتية السعودية، التي ترتكز عليها سياسة الرياض الحالية، ففكرة التفلّت من قبضة دائرة النظام الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، دفعت ولي العهد السعودي إلى إجراء مراجعة عميقة لبنى السياسة الخارجية والداخلية لبلاده، هذه المراجعة، لم تشمل التقصير السعودي الداخلي، حيال إحداث تنمية اقتصادية اجتماعية سياسية حقيقية، فبالرغم من احتلال المملكة السعودية لمقعد لها في مجموعة الدول العشرين الأكثر نمواً اقتصادياً، إلا أن هذا النمو، لا يزال يعتمد على مفهوم الاقتصاد الريعي، إذ لا تزال المملكة غير قادرة على الانطلاق بنهضة صناعية، تلعب دوراً هاماً في تثبيت موقعها في مجموعة العشرين.
وحين نقول بجدل العلاقة (الرؤيوية البراغماتية) فنحن نكون ألحقنا الرؤيوية باعتبارها مخططاً استراتيجياً للنهوض الاقتصادي الوطني بالبراغماتية ذات الجوهر النفعي الخالص، هذا الترابط الجدلي لا يمكن له إنتاج سياسات صائبة، لأنه يقسر الاستراتيجي ليلعب دور المرحلي، وهذا يكشف عن نسق لا يمكنه أن يحيا طبيعياً.
إن نهج الأمير محمد بن سلمان الجديد، يعتمد على تصفير تناقضات وصراعات المملكة العربية السعودية الخارجية، ولعل أول نتائج هذا التصفير، هو اتفاقه مع إيران لإعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما لاعتبارات متعددة، ولكن هذا التصفير شكلي وغير جوهري، لأنه بصراحة يهمل تقييم جوهر البنية السياسية لنظام طهران، والقفز فوق هذه البنية للوصول إلى نتائج متوقعة ومتخيلة لدى العهد السعودي الجديد.
السياسة الإيرانية منذ أن قفز الخميني إلى سدّة الحكم المطلق في طهران، كانت ولا تزال ترتكز على محور رئيس هو الهيمنة على محيطها العربي، عبر أذرعٍ طائفية، عملت على خلقها في هذه البلدان، لضمان الولاء المطلق للمرشد (ممثل الإمام المنتظر الغائب)، فكيف يمكن فهم هذا التغاضي السعودي عن هذا الجوهر الإيراني؟ وكيف قامت بالقفز من فوقه دون أن تدرس نتائج هذا القفز؟
هل يمكن تسمية الاستدارة السعودية عن سياستها التاريخية الحصيفة بأنها ارتجالية أو غير ارتجالية؟ يمكن في هذه الحالة اعتبارها سياسة ارتجالية، لأنها ارتبطت بنمط تفكير رؤيوي براغماتي، دون اكتشاف العلاقة بين هذا النمط وقوى الفعل الاقتصادي العالمي، أي أن العهد السعودي الجديد لا يريد أن يقرّ بقدرة رأس المال الهائل العابر للقوميات والحدود، والذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية عبر شركاتها المخيفة، أن يغيّر باستراتيجيتها الاقتصادية عبر ضغوط كثيرة.
إن رسم السياسة الخارجية السعودية ضمن حدّي الممكن والمستحيل، هو ارتجال يفتقد لرسم محددات هذه السياسات، فالدول ترسم سياساتها اعتماداً على مصالح ملموسة وليس على مصالح رؤيوية مرتبطة بجذر براغماتي يمنع رؤية الاستراتيجي بوضوح.
هذا ما جرى في الاتفاق السعودي الإيراني على إعادة العلاقات الثنائية بينهما، هذا الاتفاق لم يكن اتفاقاً ثنائياً محصوراً بجغرافيتهما فحسب، بل شمل مناطق خارجهما يجري الصراع عليها (العراق ولبنان واليمن وسورية)
الاتفاق حتى يكون ممكناً وفاعلاً وذا أفق استراتيجي، ينبغي أن يشمل في أول نقاطه أن تقوم إيران ضمن مخطط زمني مكتوب، وفيه تعهد دولي، بالانسحاب التدريجي من هذه البلدان، وهذا لم يحدث، ولم يتمّ الاتفاق عليه.
هذا الأمر يشكّل قاعدة غير ممكنة على فهم عميق للصراع في سورية وعليها، ولهذا فاستدارة المملكة العربية السعودية نحو تطبيع للعلاقات مع نظام أسد، لن يخدم القرار الدولي 2254، ولن يخدم السوريين، لأنه ببساطة يقفز فوق جثث مئات آلاف الشهداء المدنيين الذين قتلهم نظام أسد بكل أنواع الأسلحة الفتاكة بما فيها المحرمة دولياً كالأسلحة الكيماوية والقنابل العنقودية والنابالم الحارق، ويقفز فوق العدالة الانتقالية، وفوق ملف المعتقلين والمغيّبين قسرياً.
إن القول السعودي بمبادرة عربية ترضى عنها إيران لن تُحدث تغييراً نوعياً على مستوى الحل السياسي، وأن القول الخليجي بأن المطلوب نزع الدور التركي في شمال سورية، هو قول لا يقرأ غير المصالح الذاتية الضيّقة لهؤلاء، وهذا أمر مرفوض، لأنه يتجاهل علناً دور ميليشيات عابرة للوطنية تريد سلخ جزءٍ من الأراضي السورية لإقامة دولة متخيلة في رأس عبد الله أوجلان الذي أرسى بناء منظمة إرهابية اسمها حزب العمال الكردستاني (PKK) وذراعه السورية حزب الاتحاد الديمقراطي ((PYD.
إن الركض وراء التطبيع مع نظام الأسد بتلك الحجج ركض في فراغ، لأن بنية نظام أسد حتى اللحظة لم تقر بضرورة التفاوض على تنفيذ القرار 2254، وأن القول بإعادة إعمار سورية بأموال عربية، لا يعدو أن يكون أكثر من محاولة ضخ الدم في جثة النظام الميتة من زمن بعيد، لهذا بهذه المقدمات لا يمكن استعادة سورية العربية إلى الحضن العربي وجامعته، وإنما هي محاولة لا قاع لها لإعادة إنتاج هذا النظام وتسويقه عالمياً.
وهنا يحق لنا السؤال: ما مدى قدرة هذه السياسة السعودية على الحياة وسط كل التناقضات التي ذكرناها؟ وهل ستُحدث هذه السياسة المرتبطة بجذري الرؤيوية والبراغماتية أي خرق في هذه المعادلات الخاصة بالصراع في سورية وعليها؟
الجواب كان واضحاً وشفافاً ومزعجاً لكثير من المتهافتين على وهم حل سياسي لا يتغير فيه ميزان القوى لصالح هذا الحل المبني على القرار الدولي 2254، والذي يقتضي انتقالاً سياسياً وتغييراً في بنية السلطة والدولة الحالية، باعتبارهما إطاران مندمجان ومثبتان للاستبداد والقهر والقتل والدمار، هذا الجواب سمعه العالم من مظاهرات ساحات مدن وقرى الشمال السوري الرافضة للتطبيع والمطالبة بتنفيذ حقيقي للقرار 2254.