رجاء الناصر ـ مخلص الصيادي
مايو 23, 2023
الحلقة السادسة “البرنامج السياسي، وقفة حاسمة في حياة الحزب” 2/6
الأهداف
يحدد البرنامج السياسي أربعة أهداف للحزب الشيوعي يناضل من خلالها.
- التحرير.
- الديموقراطية الشعبية.
- الاشتراكية.
- الوحدة.
وفي إطار الأمة العربية يفصل هذه الشعارات العامة في سبعة مهام استراتيجية هي:
1ـ تصفية آثار العدوان الامبريالي الإسرائيلي في 5 حزيران 1967.
2ـ النضال لحل القضية الفلسطينية على أساس تصفية الاستعمار، والصهيونية أو القضاء على مؤسساتها العدوانية التوسعية.
3ـ النضال الدائب لتصفية النفوذ السياسي والاقتصادي للدول الامبريالية في العالم العربي والنضال من أجل حماية وتوطيد الاستقلال السياسي والاقتصادي لدوله.
4ـ استعادة الأجزاء المغتصبة مثل لواء الإسكندرونة.
5ـ بناء اقتصاد وطني مستقل، وتعميق نفوذ الاتجاه التقدمي في أنظمة الحكم المتحررة والتقدمية، الأمر الذي يهيئ الظروف الموضوعية الضرورية لانتقال البلدان العربية إلى مرحلة بناء الاشتراكية، كما يساعد أيضاً على تهيئة الشروط الذاتية لتحقيق ذلك.
6ـ النضال الدائب لتصفية نفوذ الرجعية المتمثل بأنظمة الحكم الرجعية المتبقية، وتصفية تأثيرها على مسيرة حركة التحرر العربية، وإقامة أنظمة تقدمية تسير في اتجاه التقدم الاجتماعي والاشتراكية.
7ـ النضال الدؤوب لتحقيق وحدة عربية راسخة تسرع في حل المهمات الوطنية والقومية والاقتصادية والاجتماعية، التي تواجه الأمة العربية في عصرنا الراهن.
وواضح من هذه المهام الاستراتيجية أن الأمر يحتاج إلى تحديد للقوى الاجتماعية التي يقع عليها عبء تحقيق هذه الاستراتيجية، وتحديد دور ومكانة الحزب الشيوعي في هذه العملية.
في إطار القوى الاجتماعية: فإن البرنامج يحددها تحديداً واضحاً في مجموعة “الطبقة العاملة، وجماهير الفلاحين، والبورجوازية الصغيرة في المدن والريف، وجماهير المثقفين، وغيرهم من أبناء هذه الطبقات، والفئات الاجتماعية، مثل الجنود، وصف الضباط، والضباط الوطنيين المرتبطين بالشعب، والمنحدرين من الأوساط التقدمية الكادحة، والطلاب، والمعلمين، والموظفين، والمثقفين الثوريين”.
أما في إطار القوى السياسية: فإن البرنامج يحددها على النحو التالي: “الأحزاب الشيوعية، والأحزاب والحركات التقدمية الثورية، على اختلاف اتجاهاتها وأسمائها، والكتل والشخصيات الوطنية الديموقراطية الأخرى المعادية للاستعمار والإمبريالية. والقوى والتنظيمات السياسية، والاتجاهات الفكرية لهذه الطبقات والقوى الاجتماعية في البلدان العربية”.
وخارج هذا الصف تقف القوى المعادية. وهي تحديداً “الطبقات الرجعية، وتنظيماتها السياسية، وعملاء الشركات والرساميل الاحتكارية، وعملاء الاستعمار … وهي بمثابة مراكز نفوذ للاستعمار والامبريالية داخل البلدان العربية”. ويدخل في إطار الصف المعادي البورجوازية العربية الكبيرة.
أما في الإطار الأضيق إطار الحزب الشيوعي، فإن هذه المهام الاستراتيجية تستدعي أن يضاف إليها هدف آخر، هو وحدة الحركة الشيوعية العربية “لذا فإن الحزب الشيوعي السوري كفصيل من الحركة الشيوعية العربية، يسعى بالاتفاق والتشاور مع الأحزاب الشيوعية الشقيقة الأخرى، لتكوين حزب شيوعي عربي موحد، يساهم في تحقيق مطامح الشعب العربي”.
ولأن الحزب الشيوعي هو الذي يطرح هذه المهام الاستراتيجية، ويجعلها مهامه هو، يناضل من أجلها، ويرفع راياتها، فإنه مدعو بشدة إلى إيضاح البنيان الفكري الذي أقام على أساسه هذه المهام، وعلى تلك التي تبدو جديدة في مواقف، ومهمات – حزب شيوعي – ونخص هنا:
- قضية الوحدة العربية، والحزب الشيوعي العربي الواحد.
- قضية فلسطين، والمواقف من الكيان الصهيوني.
وقد أجاب البرنامج السياسي عن هذا التساؤل، وكشف الزوايا التي من خلالها أقدم على رفع هذه الأهداف، وسوف نتابع إجابة البرنامج على كلتا القضيتين وما يتفرع عنهما.
أولا: في القومية العربية والوحدة العربية
يبدأ البرنامج عرض موقفه إزاء قضية الوحدة بتعريف واضح ومحدد للأمة، والقومية، ويرى توفر كل عناصر مقومات الأمة عند العرب ومع ذلك فإن التجسيد السياسي لهذا الوجود قاصر، ومتناقض، حيث تتوزع الأمة الواحدة على كيانات متعددة لا تقوم على أي أساس موضوعي، ولا تعكس أي جانب من جوانب الإرادة الشعبية، يقول البرنامج:
” تتوفر لدى العرب كل مقومات الأمة الواحدة، ومع ذلك فهم موزعين في بضعة عشر بلدا تشغل مساحة واسعة من أفريقيا وغرب آسيا.
إن وحدة اللغة، والتاريخ، والأرض، والتكوين النفسي المشترك الذي يجد له تعبيرا في الثقافة المشتركة، وتوفر إمكانيات التكامل الاقتصادي، كل ذلك يجعل العرب أمة واحدة”.
ويعطي تقييما لحركة الوحدة العربية منذ انطلاقتها فيراها حركة قومية تقدمية تستمد مكانتها هذه من انطباقها مع دلالات الحركة التاريخية.. ومن حقيقة موقفها من القوى المضادة للتقدم الإنساني، ومن وعي الجماهير وإدراكها، لذلك كان “شعار الوحدة العربية ـ قد ارتدى ـ منذ طرحه لأول مرة بسبب يقظة ونضال الجماهير العربية طابعا قوميا ديموقراطيا معاديا للاستعمار والرجعية”.
وعلى ضوء وجود الأمة العربية وتحققها عيانا، وتقدمية الفكر القومي، وحركة الوحدة العربية فإن الواقع الموضوعي للقوى الاجتماعية في الأقاليم العربية يجعلها تنقسم إلى موقفين متعارضين إزاء قضية الوحدة:
ـ موقف وحدوي: ناجم عن الحاجة لوجود دولة موحدة قوية تثبت الوجود القومي للأمة العربية، وتوحد جهود العرب وإمكاناتهم البشرية والمادية في معركتهم العادلة للقضاء على التخلف، وعلى النفوذ الإمبريالي والغزو الصهيوني.
ويمثل هذا الاتجاه المصالح الجذرية والأساسية لجماهير الشعب العربي من عمال وفلاحين، وكادحين بسواعدهم وأدمغتهم.
ـ وموقف انفصالي: يرتكز على الكيانات السياسية التي استقل كل منها بأرض وحدود ووضع سياسي وحقوقي متميز، ويمثل هذا الاتجاه الآن المصالح الطبقية المتنوعة للإقطاعيين والبرجوازية الكبرى المتوافقة بصورة عامة مع مصالح الإمبريالية التي ترى في تجزئة الأمة العربية حالة ملائمة للتمادي في إضعاف إرادات المقاومة ضدها، ولمتابعة استثمارها، ونهبها الاقتصادي مدة أطول …”
واستنادا إلى هذا التحليل فإن الخلاصة الطبيعية تحدد “أن النضال من أجل الاشتراكية، ومن أجل الوحدة لابد أن يسير جنبا إلى جنب، ولا يجوز تأخير العمل من أجل الاشتراكية حتى تتحقق الوحدة، كما لا يجوز انتظار تحقيق الاشتراكية في عدة بلدان حتى تحقق وحدتها”.
والحزب الشيوعي، حزب الطبقة العاملة ـ هذه الطبقة التي هي بطبيعتها وفق وصف البرنامج “أممية وحدوية” ـ لذلك فإنه مدعو أن يجسد طبيعة هذه الطبقة في بنيته، وفي سياساته، ومن هنا فإنه: “يرى أن تحقيق الوحدة العربية واجب وممكن، وسياسته في هذه القضية الهامة منطلقة من التحليل العلمي، ومن دراسة الظروف القائمة والمتحركة في العالم، في ضوء الماركسية اللينينية، ومن واقع المعركة الوطنية التقدمية التي تخوضها الأمة العربية ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية، وآفاق تطورها”.
ويرى الحزب الشيوعي بأنه لابد أن يرافق بناء دولة الوحدة العربية توحيد الأحزاب الشيوعية العربية في حزب شيوعي واحد، وحتى يتم هذا الهدف، لابد من توثيق التعاون، وتقوية الصلات بين الأحزاب الشيوعية العربية، ويمكن أن يتم ذلك عن طريق مختلف أشكال اللقاء والتنسيق.
بشكل مختصر ومكثف هذه هي رؤية البرنامج لقضية الأمة العربية، والوحدة العربية، وواجب الشيوعيين تجاهها، ومما تجدر ملاحظته أن البرنامج يحدد:
تعريفا واضحا للأمة العربية لمفهوم، من خلال تحديد عوامل تشكل الأمة، ويستسقي هذه العوامل من واقع الأمة العربية ذاتها، وليس من واقع التعريف الماركسي الذي وضعه ستالين لعناصر تكوين الأمة، حيث يدل هذا الواقع على: اللغة، والتاريخ، والأرض، والتكوين النفسي، والثقافة المشتركة، ثم إمكانية التكامل الاقتصادي، واعتماده هذه العناصر يقيم قاعدة لقاء واضحة مع الفكر القومي التقدمي الذي خاض وقاد معارك النضال العربي كل الفترة السابقة.
ويقسم قوى المجتمع من المنظور القومي إلى قسمين: انفصالي، ووحدوي، ويكشف حين يحدد معاني كل من القسمين أن هذا التقسيم ينطبق تمام الانطباق على التقسيم الاجتماعي الطبقي، فالانفصالي من المنظور القومي هو الرجعي من المنظور الاجتماعي الطبقي، والوحدوي قوميا هو التقدمي اجتماعيا وطبقيا، لذلك كانت لديه الطبقة العاملة دائما: وحدويةـ أممية.
ويضع تاريخ النضال القومي دائما في صف التقدم والديموقراطية، وتأتي هذه النظرة بمثابة نتيجة منطقية للتعريف الواضح للأمة، وللانقسام الواضح والمحدد للمجتمع، لذلك هو يرفض الفصل بين شعاري الوحدة والاشتراكية، والوقوع في أوهام الزعم بتأجيل الوحدة إلى حين استكمال البناء الاشتراكي، أو تأجيل التقدم الاشتراكي إلى حين استكمال الوحدة، ويعتبر أن دليل صدق أي شعار مهما هو في وجود الشعار الآخر، وصدق النضال في اتجاه أي شعار منهما، يتوفر بتحقق النضال في اتجاه الشعار الآخر.
ويستكمل كل ذلك بتحديد مهمة الشيوعيين الموصوفين بأنهم طليعة الطبقة، وأداتها في الحركة، وعقلها في العمل، ومن هنا فإنه ليس على الشيوعيين أن يكونوا وحدويين فقط، أي قوميين فقط، وإنما عليهم أن يجسدوا قوميتهم، ووحدويتهم، بعمل مباشر يقرب يوم الوحدة، تماما كما عليهم أن يترجموا التزامهم الاشتراكي بعمل يقرب الوصول إلى المجتمع الاشتراكي، ومن هنا يفهم طرحهم لشعار “الحزب الشيوعي العربي الواحد”, ويمكن أن تكون بداية ذلك وخطوة على طريقه التنسيق المتصاعد بين مختلف الأحزاب الشيوعية العربية.
ويرسم الطريق الوحدوي: إذ كما أن الاشتراكية لا يبنيها إلا العمال، وأن الأمر يستدعي تحالفا بين قوى العمل في المجتمع الذي يلعب فيه العمال الدور الرئيس وصولا إلى الاشتراكية، فإن الأمر نفسه يصدق في المسألة القومية، ولما كان لكافة قوى العمل أحزابها وتشكيلاتها، فإن تنسيقا وتعاونا فعليا يجب أن يقام بين الشيوعيين في كل بلد عربي وبين الأحزاب والقوى التقدمية الوحدوية في ذات البلد من أجل بناء جبهة تقدمية على مستوى البلد الواحد، ثم جبهة تقدمية قومية على مستوى الوطن العربي من أجل قيادة ركب النضال الوحدوي التقدمي, وهذا الطريق ضرورة حيث أن تحقيق أي من الأهداف الأخرى يرتبط بسلوك هذا الطريق، وبتعبيرات البرنامج ذاته فإنه يرى: “سرعة وعمق تحقيق ذلك مرتبط بصورة أساسية بالنضال من أجل إقامة جبهة تقدمية في كل بلد عربي، وعلى نطاق العالم العربي كل، وتضم كل القوى الوطنية التقدمية، ومنها الأحزاب الشيوعية العربية “.
ثانيا: في القضية الفلسطينية والكيان الصهيوني
ينطلق البرنامج من قول شهير حول الصهيونية لقائد الاشتراكية الأول لينين حين يصفها بقوله: “إن الفكرة الصهيونية هي في جوهرها خاطئة ورجعية بصورة مطلقة”، واستنادا إلى هذا القول يرى “البرنامج” تاريخ نمو وتجسد الصهيونية كفكرة أولا، ثم كمشروع، ثم ككيان.
وإذ يشير إلى قرار تقسيم فلسطين عام 1947، وقرار الأمم المتحدة بالاعتراف بإسرائيل، فإنه يقًوم هذا الحدث كنتيجة لمؤامرات الاستعمار والرجعية، ثم ينتقل بعد ذلك لتوصيف طبيعة الكيان الصهيوني، فيرى بوضوح أن “إسرائيل بذاتها دولة إمبريالية، وقاعدة عدوانية وعسكرية مدججة بالسلاح، وأداة طيعة للعدوانية الإمبريالية العالمية، وعدو لدود لواقع ومستقبل تطور حركة التحرر العربي، وتشكل خطرا على كل تطور تقدمي في البلدان العربية، فهي بمثابة ثورة مضادة في وجه هذا التطور، وهي أيضا العدو اللدود لحركة التحرر العالمية، وللحركة الاشتراكية العالمية، والمعسكر الاشتراكي، وخاصة الاتحاد السوفياتي، وهي بؤرة خطرة على مصير السلام في العالم، وهي فوق ذلك حليفة وسند لأشد الأنظمة الفاشية والعنصرية والرجعية في العالم، وتلعب دور القفاز المخملي لمخلب الاستعمار الجديد الذي يستخدمها للتغلغل في بلدان آسيا وإفريقيا الفتية خاصة”.
ولأن هذه هي طبيعة الكيان الصهيوني، من حيث اغتصابه لإقليم عربي، ومن حيث تهديده لأمة بأكملها، ولحركة التحرر الوطنية في كل مكان، فمن الخطأ النظر إلى هذا الكيان نظرة جزئية، وبالتالي التصرف على ضوء ذلك، وقد لاحظ البرنامج وجود مثل هذه النظرات الجزئية القاصرة لذلك راح يؤكد: “أن الدعوات السياسية التي تحاول التأكيد على اعتبار القضية الفلسطينية هي قضية الشعب العربي الفلسطيني وحده ـ رغم أنها قضيته بصورة رئيسية ـ ، ومحاولة عزلها عن مجمل قضايا الأمة العربية الأخرى، هي دعوات منفصلة علن الواقع الموضوعي، وليس لها مستقبل، … كما أن الفكرة القائلة بأن إزالة آثار العدوان، وتحرير الأراضي المحتلة، هو إنهاء للقضية الفلسطينية وللعمل الفدائي، هي فكرة خاطئة أيضا ومضرة بمصلحة النضال ضد العدوان الإسرائيلي، إن الكفاح لإزالة آثار العدوان هو حلقة رئيسية في نضال الشعب العربي الفلسطيني لتحقيق أهدافه في تحرير وطنه، والعودة إليه، وتقرير مصيره على أرضه .. ولهذا فإن القضية الفلسطينية وحلها يرتديان طابعا وطنيا وعربا ودوليا …”.
ومن هذه الرؤية فإن جوهر القضية الفلسطينية يكمن في:
أولاً: حق الشعب الفلسطيني في تحرير وطنه المغتصب من الاستعمار والصهيونية، والعودة إليه وتقرير مصيره على أرضه، وبناء دولته بالشكل الذي يريده.
ثانياً: إن العدو الذي يجابه الشعب العربي الفلسطيني في هذا النضال هو نفسه العدو الذي اغتصب هذا الحق وهو الإمبريالية والصهيونية.
ثالثاً: إن نضال الشعب العربي الفلسطيني هو نضال تحرري عادل يشكل جزءا أساسيا من حركة التحرر الوطني العربية، وبالتالي من الحركة الثورية العالمية.
رابعاً: ولكي يتمكن الشعب العربي الفلسطيني من تحقيق هدفه في تحرير وطنه لابد من تصفية الصهيونية ومؤسساتها العدوانية التوسعية.
خامساً: للشعب العربي الفلسطيني حق استخدام مختلف أشكال النضال بما فيها الكفاح المسلح من أجل تحقيق كل الظروف التي تتيح له إمكانية تحقيق أهدافه المشروعة.
سادساً: إن تحقيق الحقوق القومية للشعب العربي الفلسطيني لا يتنافى، بل ينسجم مع مصلحة الجماهير اليهودية في العيش معه في ظل سلام حقيقي وعادل بمعزل عن الاستعمار والصهيونية، وفي تقرير مستقبلهم بالشكل الذي يريدونه”.
تأسيساً على هذه الرؤية لجوهر القضية الفلسطينية فإن البرنامج يطلق دعوة عامة، ويعلن التزاما خاصا.
أما الدعوة العامة: فهي موجهة إلى الجماهير العربية عموما، وقواها التقدمية خصوصا، من أجل تقديم المزيد من الدعم المادي والمعنوي لحركة المقاومة، وترجمة رؤيتها القومية لهذه القضية ببذل المزيد من المساهمة والمشاركة العملية في هذا العمل الوطني القومي الكبير، فالاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية يمس مصالح الشعوب العربية بمجموعها.
وأما الالتزام الخاص: فهو التزام الحزب الشيوعي بأن “يناضل لتصفية مصالح ونفوذ الإمبريالية، وفي سبيل تصفية آثار العدوان الاستعماري الإسرائيلي، وفي سبيل تحقيق هدف الشعب العربي الفلسطيني في تحرير وطنه المغتصب”.
وواضح من هذا العرض أن البرنامج يقدم رؤية للقضية الفلسطينية من زاوية جديدة لم نعهدها سابقا عند أي حزب شيوعي، عربي أو غير عربي.
وحتى تكون هذه الزاوية واضحة بشكل لا لبس فيه، فإننا نعيد تسليط الأضواء على ما نعتبره جديدا في تفكير الشيوعيين:
فالقضية الفلسطينية: ليست قضية شعب فلسطين، وإنما قضية الأمة العربية، ويتوقف على حلها مستقبل هذه الأمة، وليست قضية اغتصاب فقط، وإنما قضية عدوان مستمر يبغي الوقوف في وجه تقدم الأمة العربية وتطورها ووحدتها.
والكيان الصهيوني: ليس مسالة سلطة عدوانية إمبريالية متربعة على قمة الهرم في “دولة إسرائيل” وإنما الكيان كله كيان عدواني، بكل مؤسساته، وتوجهاته، كيان عدواني بالطبيعة لا تصلح معه أي حلول وسط، كيان مؤسس على مهمة، ودور، يلعبهما لصالح الإمبريالية، وفي مواجهة الأمة العربية وكل حركات التحرر في إفريقيا وآسيا، وضد السلام العالمي، كيان مرتبط وجوده بقدرته على القيام بهذا الدور.
لذلك فالحل من حيث الجوهر: لا يكون بإيجاد أرضية مشتركة، نقطة وسط بين الشعب الفلسطيني والكيان الصهيوني، أو بين الأمة العربية وهذا الكيان، إن وجود هذه “الأرضية المشتركة” قضية منفية موضوعيا، وساقطة عمليا، لذلك هي وهم كامل لا مكان له على أرض الواقع، الحل بإزالة هذا الكيان، بهدم هذا الدور، بإقامة دولة فلسطين العربية، يعيش فيها اليهود جنبا إلى جنب مع العرب في إطار الأمة العربية الواحدة.
أما موقع هذه القضية: من إجمالي قضايا النضال العربي فإنها في القلب منه، تأخذ الموقع المركزي الذي تتمحور حوله بقية القضايا.
إلى جانب القضية القومية، وعلى جانب القضية الفلسطينية، فإنه لا يكفي أن نطرح الرؤية الصحيحة، ونرى الأمور على نحو يتوافق مع حقائق الحياة، بل لابد أن تحمل هذه الرؤية روح النقد.
لو أن هذا الأمر جاء من قبل حزب شيوعي جديد التأسيس لكان التعامل معه أسهل بكثير، إذ يكفي أن ننظر إلى الأساس الفكري والعقدي لهذا الطرح، كيف خًرج هذه المفاهيم على قاعدة الالتزام بالماركسية اللينينية، لكن الحزب الشيوعي السوري له من العمر نحو أربعين عاما، قضاها في العمل، متحالفا أو متصارعا مع قوى سياسية واجتماعية عديدة، وهاتان القضيتان ـ على وجه التحديد ـ كانتا مطروحتين عبر السنوات الأربعين بشكل ملح ودائم، بل تحت راياتهما خاضت الأمة العربية أعنف معاركها: داخليا مع القوى الرجعية ـ الانفصالية، وخارجيا مع قوى الاستعمار والإمبريالية والصهيونية، وللحزب الشيوعي في كل هذا التاريخ مواقف وآراء لابد من إعادة معالجتها على ضوء هذه النظرة الجديدة، أي لابد من إعادة النظر في تاريخ الحزب وإعادة تقويمه من خلال النقد الذاتي، ما دام الحزب نفسه هو الذي يطرح هذه الرؤية، وما دام الحزب نفسه هو الذي يتقدم مكتشفا حقائق القضية القومية.
كذلك فإن هذا الطرح يحمل علائم ثورة فكرية شاملة، ثورة في طريقة استخدام المنهج الماركسي في التعامل مع الواقع الحي، وفي تحليل الظاهر الملموسة، ولا يعقل أن تحدث هذه الثورة بين ليلة وضحاها، فمثل هذا التطور الشامل لابد أن يكون قد مر بمراحل، وتراكم عبر سنين طويلة حتى ظهر أخيرا بالجوهر والشكل الذي طرحهما البرنامج.
وإذا كنا لم نلحظ هذا التطور قبل أن يطرح المكتب السياسي مشروعه هذا فلا بد أن يكون هناك خلل ما في بنية الحزب حال دون أن تأخذ الأمور تطورها الطبيعي التدريجي، ودفع إلى أن تظهر هذه التطورات وكأنها ثورة مفاجئة في فكر الحزب، لأجل هذا فإن الوقوف على رؤية الحزب لتاريخه، ورؤيته للعوائق التي حالت دون التطور الطبيعي يصبح أمرا لازما، بل شرطا لفهم طروحات الحزب وفكره الذي كشف عنه هذا البرنامج.