علاء حلبي – صحيفة الأخبار اللبنانية
3/6/2023
(( بعد فشل استمرّ لسنوات، وانتهى إلى تجميد المسار الأممي للحلّ في سوريا، تحاول المعارضة، بمكوّناتها المختلفة، البحث عن صيغة تعيد إلى «هيئة التفاوض» صفتها الاعتبارية، والتي خسرتها بشكل تدريجي مع انسحاب معظم الكتل منها. يأتي ذلك استعداداً لمرحلة جديدة يُنتظر في خلالها تنشيط المسار الأممي، على وقع التغيّرات السياسية الإقليمية حول سوريا
تلتقي، اليوم السبت وغداً الأحد، مجموعة من ممثّلي مكوّنات المعارضة السورية في جنيف السويسرية، أملاً في الخروج بموقف توافقي يعيد هيكلة «هيئة التفاوض»، ويمنحها تفويضاً باسم مكوّناتها التي تشكّلت منها في بداياتها، استعداداً على ما يبدو لإعادة تفعيل المسار الأممي المجمَّد للحلّ في سوريا. ويأتي الاجتماع الذي سيضمّ ممثّلين عن «الائتلاف» و«هيئة التنسيق» و«منصة موسكو»، إلى جانب مستقلّين وممثّلين عن بعض الفصائل، وفق القائمين عليه، بهدف وضع حدّ للخلافات السابقة، ومناقشة جميع القضايا العالقة. كما يأتي بعد توقّف اجتماعات مكوّنات المعارضة منذ نحو أربع سنوات، وفي ظلّ نفض السعودية، -التي كانت تُعدّ الداعم الأبرز لـ«الهيئة»-، يدها من هذه الأخيرة، وهو ما يفسّر اختيار جنيف لعقد اللقاء الذي كانت تستضيفه الرياض عادةً. وبينما أكدت «هيئة التنسيق» و«منصة موسكو» المشاركة في الاجتماع، أعلنت «منصة القاهرة» استمرار مقاطعتها إيّاه، مبرّرةً ذلك بعدم وجود «مستقبل واضح للجنة الدستورية أصلاً»، بالإضافة إلى «حالة التخبّط الإداري في الهيئة، وسياساتها غير المتّزنة فيما يخصّ فصل الأعضاء وإعادتهم بعد سنوات على رغم استمرار أسباب فصلهم»، واتّخاذ «قرارات فردية لا تختلف كثيراً عمّا يقوم به النظام الذي نعارضه»، وفق بيان للمنصة.
وتكشف مصادر في المعارضة السورية، لـ«الأخبار»، أن اجتماع جنيف يجيء بعد توصيات عديدة تلقّتها «هيئة التفاوض» من ممثّلين عن دول غربية، بالإضافة إلى توصية خاصة من المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، بهدف الاستعداد للمرحلة المقبلة، والتي يأمل خلالها بيدرسون أن تعيد المبادرات العديدة القائمة حالياً (المبادرة العربية، ومسار أستانا الروسي) تفعيل المسار الأممي. ويتطلّب ذلك تحضيراً من المعارضة، التي تعرّضت لانتقادات عديدة خلال المرحلة الماضية بسبب الاستئثار بقيادتها من قِبَل بعض الأطراف، وعلى رأسهم «الإخوان المسلمون»، الذين شكّلوا السبب الرئيسيّ في تخلّي السعودية عن دعم «الهيئة»، وهو ما يفسّر الهجوم الحادّ الذي شنّته شخصيات محسوبة على «الإخوان» على القائمين على الاجتماع قبل عقده. وأشارت المصادر إلى أن ممثّلين عن دول غربية وعربية سيشاركون في اللقاء، مشكّكةً في إمكانية الوصول إلى نتائج واضحة، لأسباب عديدة على رأسها الشرخ الكبير داخل المعارضة من جهة، والانفصال الواضح بين واجهتها السياسية والقوى الموجودة على الأرض من جهة ثانية، بالإضافة إلى استمرار حالة الاختراق التي تتعرّض لها من دول تمكّنت طوال السنوات الماضية من بناء أجسام تابعة لها داخلها، ما يعني عمل هذه الأجسام على تحقيق مطالب الدول الداعمة، والتي تختلف فيما بينها في كثير من القضايا، من جهة ثالثة.
وبينما دارت شائعات حول دعوة «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) وذراعها السياسي (مجلس سوريا الديموقراطية – مسد) إلى الاجتماع، كون الأخيرة ذات نفوذ على الأرض، وتمثّل بشكل من الأشكال جزءاً من مكوّنات المجتمع السوري، نفت مصادر كردية صحّة تلك الأنباء، مؤكدةً أن «الإدارة الذاتية» لم تتلقّ أيّ دعوة من هذا النوع، وهو ما أكدته مصادر المعارضة أيضاً لـ«الأخبار»، متحدّثةً عن وجود «فيتو» تركي على دعوة كهذه، لا يمكن تجاوزه في الوقت الحالي. أمّا في المضمون، فمن المنتظَر مناقشة إمكانية نقل مقرّ اجتماعات «الدستورية» من جنيف، التي ترفض دمشق وموسكو الاجتماع فيها، بعد تخلّي سويسرا عن حياديّتها وفرضها عقوبات على روسيا بسبب الحرب الأوكرانية، إلى مدينة أخرى، من بينها دمشق التي ترى الحكومة السورية أنها المكان الأمثل لمناقشة الدستور السوري. ويلقى هذا التوجّه دعماً من أطراف إقليميين عديدين في الوقت الحالي، انضمّت إليهم أخيراً أنقرة التي لم تُبدِ أيّ اعتراض على هذه النقطة، وفق ما تؤكّده مصادر المعارضة، لافتةً إلى وجود مدن أخرى مقترَحة؛ من بينها عواصم عربية، مضيفةً إن هذه النقطة لا تُعدّ في الوقت الحالي إشكالية في ظلّ جمود المسار الأممي من جهة، وعدم الاتفاق على صيغة عمل موحّدة جامعة للمعارضة السورية من جهة أخرى.
وعلى الرغم من جهود إعادة التوحيد، تواجه المعارضة فعلياً مشكلة عميقة، تقلّل المصادر نفسها من إمكانية تجاوزها، موضحةً أن هذه المشكلة تتعلّق بشكل أساسي باستمرار حالة التبعية لأطراف دولية داعمة، ما يعني أن أيّ اتّفاق يجري التوصّل إليه، قد يتعثّر تنفيذه في حال رفضه من قِبَل أولئك الأطراف. وتستنتج المصادر من ذلك أن اجتماع جنيف «سيكون صوَرياً أكثر منه خطوة فعلية على الأرض، تحتاج للمضيّ فيها إلى خطوات أخرى عديدة، تعيد هيكلة المعارضة بشكل جذري، وخصوصاً بعد التغيّرات السياسية الإقليمية العديدة حول سوريا، على رأسها الانفتاح العربي على دمشق، والمفاوضات المستمرّة بين الأخيرة وأنقرة، والتي ستُحدث في حال نجاحها تحوّلاً جوهرياً على الصعيدَين السياسي والميداني».))