أسامة آغي
2023-07-14
قالوا في الأمثال الشعبية “المجرَّب لا يُجرّب”. هذا المثل لا ينطبق على خطوة هيئة التنسيق الوطنية بتوافقها مع ما يسمّى (مجلس سوريا الديمقراطية) منذ أيام على وثيقة توافق معلنة.
الوثيقة المذكورة نصّت على خمس نقاط توافق، فبدت وكأن حزب PYD خرج من عباءة مشروعه العابر للوطنية، وأنه يقدّم نفسه عبر وثيقة التوافق حزباً سياسياً وطنياً بامتياز، وهذا أمر غير واقعي، فالحزب المذكور الذي يقود أذرعه المختلفة (مجلس سوريا الديمقراطية – قوات سوريا الديمقراطية – الإدارة الذاتية) أراد من تعدد الأذرع ومهامها إخفاء بنيته الحقيقية، هذه البنية، هي الفرع السوري لما يسمّى حزب العمال الكردستاني بصورة جلية وواضحة.
مشروع حزب العمال الكردستاني (PKK) هو مشروع لإقامة دولة كردستان الكبرى على أراضٍ من أربع دول هي (العراق وتركيا وإيران وسورية)، يقول هذا الحزب المصنّف بميليشيا إرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وغيرهما من دول عديدة، أم اتفاقية سايكس بيكو تجاوزت الحق القومي ببناء دولة كردية على هذه الأراضي.
هذا الحزب هو فعلياً وليس نظرياً من يقود حزب PYD وأذرعه المذكورة، وبالتالي فتجاهل هيئة التنسيق الوطنية لهذه الحقائق الماثلة للبعيد قبل القريب، يكشف عن مراهنة سياسية لا أرجل لها، هذه المراهنة، تقوم على تعديل توازنات سياسية على مستوى قوى الثورة والمعارضة، لتغيير بوصلة اتجاهاتها، بما يخدم الأفق الخاص لهذه الهيئة.
التوافق على النقاط الخمس الواردة في بيانهما المشترك ليس واضح المعالم بصورة تؤشر على تغيير في توجهات PYD، ففهمهما ليس واحداً حيال مسائل عديدة، في مقدمة هذه المسائل مسألة بنية نظام الحكم الجديد لمرحلة ما بعد الأسد، فهيئة التنسيق الوطنية ترفض أن تكون سورية دولة فيدرالية بمسميات مختلفة، مثل تعميم نظام “الإدارة الذاتية” على مستوى البلاد، فهذا المفهوم لا يتناسب بالمطلق مع الواقع الديمغرافي في سوريا ذي الأغلبية القومية العربية. فهل يمكن للجزء أن يتحكّم بالكلّ؟ لأنه فقط يتلقى دعماً خارجياً، له أهدافٌ لا تنتمي للوطنية السورية المحضة.
كذلك اشتراط هذا الحزب على اعتبار ميليشيات ما يسمّى قوات سورية الديمقراطية جزءًا من الجيش السوري الجديد، حيث يطالب الحزب أن تبقى الميليشيات الكردية التابعة له في مناطق هيمنته على الشمال الشرقي من سوريا (مناطق الجزيرة والفرات).
إن حديث إلهام أحمد التي تشارك السيد رياض درار مهمة رئاسة ما يسمى (مجلس سوريا الديمقراطية “مسد”) في جريدة الشرق الأوسط، كشف حقيقة نظرة PYD لوثيقة التوافق، فهذا الحزب يريد أن يكون جزءًا من هيئة التفاوض السورية وفق حديث إلهام أحمد، بشرط أن يعاد تكوين هذه الهيئة كي تدخلها ميليشيات PKK/PYD).
الميليشيات تريد أن تعترف بها قوى الثورة والمعارضة بوضعها الحالي على أنها جزءٌ منها، وهذا لا ينتمي للواقع، إذ إن هذه الميليشيات حاربت الثورة، وقمعت المكوّن الكردي في مناطق الجزيرة من التظاهر ضد النظام الأسدي، لا بل منعت أي نشاط سياسي أو غير سياسي لأحزاب المجلس الوطني الكردي، والذي ينتمي لقوى الثورة والمعارضة السورية، وجعلت من نفسها الممثّل الوحيد لأكراد سورية الذين يرفضون بغالبيتهم هذه الميليشيات وأهدافها غير الوطنية.
والسؤال الأهم الذي يجب وضعه على الطاولة: لماذا انزلقت قيادات من هيئة التنسيق الوطنية إلى التوقيع على بيان التوافق، في وقت تدرك هذه القيادة أن جوهر حزب PYD وأذرعه هو جوهر عابر للوطنية السورية، وأنه من الوهم السياسي، والجهل الفكري، إقناع الذات بأن هذا الحزب قابل للتغيّر بسياساته العابرة للوطنية، ليكون حزباً وطنيّاً سورياً، في وقت، هو ذراع سياسي تابع لحزب PKK المصنّف كميليشيا إرهابية.
الأمر الآخر والهام، كيف لهيئة التنسيق الوطنية الممثلة بهيئة التفاوض السورية المعارضة أن تقفز فوق التزاماتها حيال هيئة التفاوض، وتبني توافقات تتعارض مع هذه الالتزامات؟
فهيئة التنسيق الوطنية تُدرك أن هيئة التفاوض السورية والتي تتمثّل فيها أطياف قوى الثورة والمعارضة (الائتلاف الوطني، فصائل قوى الثورة، منصة موسكو، منصة القاهرة، المستقلون) لا يمكنها قبول ما يسمى (مجلس سوريا الديمقراطية) في بنيتها، لأن هذا المجلس يعبّر عن تعارض وتناقض عميقين مع أهداف الثورة السورية، كما يعبّر عن عداء صريح للدولة التركية المتحالفة بقوة مع الثورة السورية.
ليس مفهوماً ما أقدمت عليه هيئة التنسيق الوطنية بتوقيعها وثيقة توافق مع الميليشيات التابعة لـ PKK، فهذه الأخيرة تقوم بنهب الثروات السورية (نفط وغاز) وتقوم ببيعها، لتشتري بأموال النفط المنهوبة ولاءات مختلفة لتأييد سياساتها بتغييرٍ ديمغرافي في مناطق الجزيرة والفرات.
ألم يخطر ببال من وقعوا على وثيقة التوافق مع “مسد”، أنهم يوقّعون بصورة مراهنة على تغيير غير ممكن البتة يمكن أن ينهجه “مسد”؟
كذلك، ألم يخطر ببال من وقعوا وثيقة التفاهم مع “مسد”، أنهم تجاهلوا عن قصدٍ الدور التركي في القضية السورية؟ لا سيما أن الانتخابات التركية أسفرت عن نجاح تحالفٍ يقوده الزعيم التركي رجب طيّب أردوغان؟
إن الدور التركي لا يمكن تجاهله في القضية السورية، كذلك لا يمكن إغفال الموقف التركي من الميليشيات الإرهابية التي تمثلها (PKK-PYD-YPG)، فكيف تغافل من وقّع باسم هيئة التنسيق الوطنية عن هكذا حقائق؟ هل الأمر مجرد مراهنات على اللاممكن؟
إن الدور التركي في القضية السورية حاسم، سواء تجاهله موقعو وثيقة التوافق مع “مسد” أم لم يتجاهلوه، هذا الدور لا يمكن للقوى الدولية مثل الولايات المتحدة أو روسيا وحتى إيران أن يغمضوا اعينهم عن حقيقة تأثيره على الصراع او الحل السياسي في سورية.
بقي أن نقول، إن هيئة التنسيق الوطنية ذات التاريخ العريق في الكفاح ضدّ الديكتاتورية والاستبداد الأسدي معنية بإجراء تقييم شفّاف وصريح لخطوتها في التوافق مع قوة عابرة للوطنية تريد توظيف موقف الهيئة لصالح سياساتها، وإن هيئة التنسيق الوطنية معنية بتجديد قياداتها، التي تجاوز كثير منهم عمر الثمانين عاماً، وهم من قبل كانوا يحاربون بقاء القيادات السياسية للأحزاب والبلاد إلى الأبد، في وقت يغمضون أعينهم عن أنفسهم في هذا الأمر.
هل ستغيّر هيئة التنسيق الوطنية بنية قياداتها وتفتح الباب للقيادات الشابة لتقود المرحلة؟ تساؤل مشروع ينتظر إجابات شافية.