بقلم: محسن حزام
١٣/٩/٢٠٢٣
أن الذي حدث من صدامات عسكرية ولازال في بعض النقاط بين قسم من العشائر العربية العاملين أصلا داخل قوات قسد “قوات سورية الديمقراطية ” جاء على خلفية صراع داخلي بين قيادة قسد وقائد مجلس دير الزور العسكري” الذي ينتمي إلى قبيلة العكيدات ” احمد الخبيل الملقب ابو خولة” بسبب اتهامه بالعديد من القضايا المتنازع عليها في دير الزور ومواقع السيطرة فيما بينهم (حصص البترول، خط التهريب بين العراق وسورية و كذلك الهيمنة على المناطق)، أدت إلى اعتقال رئيس المجلس وبعض أعضاء الفرع والتهجم على أهاليهم، على هذا المسرب جاءت الفزعة العشائرية (التي تنتمي للمفهوم العصبي دون النظر إلى النتائج علما أنهم متضررين من المدعو ابو خولة وكانوا يطالبون بتغييره، وتقاطعت فزعتهم مع مشروع أمريكي يهدف لإغلاق الحدود مع العراق) المطالبة بالإفراج عن المعتقلين. وعندما كان الرد سلبيا، تم التحشيد نصرة للنخوة العشائرية في مواجهة قوات قسد، وصورت بعض وسائل الإعلام على أنه صراع عربي كردي لاسترداد منطقة دير الزور من هيمنة قوات قسد وأذرعها، بدأت المواجهات المسلحة مع القوات التي أودت بالعديد من القتلى والجرحى بين الطرفين وتم إبعاد مقاتلي قسد من بعض المناطق والسيطرة عليها مع معداتها العسكرية من قبل العشائر التي كانت دير الزور فيها اول محطة.
ماهي الأسباب والمبررات الحقيقية لهذه الهبة العشائرية ..؟
ان إدارة الأمر الواقع التي تمثلت فيما يسمى (الإدارة الذاتية الجناح المدني والسياسي لقوات سورية الديمقراطية، مسد) في شرق الجزيرة والفرات التي يتصدرها حزب الاتحاد الديمقراطي pyd المنتمي عقائديا الى حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل pkk والمصنف على لوائح الإرهاب بالنسبة لتركيا.
تشكلت قوات قسد من بعض العشائر في شرق الفرات بقرار أمريكي نفذه قادة pyd لمواجهة الإرهاب المتمثل في “داعش” واندمجت عشائر المنطقة مع قوات سورية الديمقراطية في مواجهات عسكرية مع “تنظيم الدولة” حتى تم دحرهم من المنطقة والذي كانت كلفتة عالية على مستوى الحجر والبشر من أبناء المنطقة أبناء محافظة إدلب الهاربين من جحيم النصرة، ولخصوصية منطقة دير الزور ولأهميتها الاستراتيجية كخط عبور متصل من إيران عبر العراق إلى البوكمال في سورية الى معبر “التنف” الذي يؤمن الإمدادات العسكرية لقوات حزب الله وقوات الحرس الثوري الإيراني المتواجدة في سورية، وتكرمة لتضحياتها نصبت ابو خولة قائد على المجلس العسكري في دير الزور، وبعض المجالس العسكرية من المكون العربي العشائري، وكان البعض منهم عاملين مع الإدارة الذاتية، هؤلاء شكلوا سطوة على أبناء جلدتهم وكانوا أداة التسلط من خلال المجلس العسكري.
هذا بخصوص بعض العشائر التي كانت متعايشة ومعتاشة داخل قسد. اما بالنسبة لقوات سورية الديمقراطية وجناحها السياسي شكلوا سلطة أمر واقع في منطقة الجزيرة والفرات، فرضوا نظام ادارة ذاتية في المناطق التي لا يشكلون فيها أكثر من ١٢% نسبة للعرب وباقي المكونات الأخرى، وبشروط الأمر الواقع والحماية الأمريكية شكلوا مؤسسات دولة موازية بطواقمها المدنية والعسكرية، تسلطوا فيها على أبناء المنطقة بما فيهم أبناء جلدتهم، استغلوا كل هذه السنوات العجاف التي عصفت بسورية وبرعاية أمريكية فرض تجربتهم لأنهم حيدوا أنفسهم خارج دائرة المواجهة مع النظام وحتى الاستهداف من قبله، فرضوا قوانين خاصة على كل المكونات التي يتشكل منها النسيج المجتمعي (كرد وعرب وتركمان واشوريين وايزيديين) تمثلت بفرض التجنيد الإجباري، وفرض نظام الكفيل، وتكريد المناهج التعليمية، وتغيير مسميات المناطق العربية، وفرض رسوم واتاوات، تبعها تجريف مع تغيير ديمغرافي لبعض المناطق، فكانت التجربة الوجه الآخر لنظام الاستبداد والفساد في مشروع دولة ضمن دولة لها استقلاليتها الكاملة عن سورية تتشارك مع الأمريكي وتستقوي به (الذي اعتمد عليهم بمهمة وظيفية من أجل داعش بالإضافة لمهمة إزعاج الجانب التركي الذي لم يستطيع ايجاد حل نهائي للسكان الكرد في قنديل، والذي يمكن بأي لحظة أن يستغني الأمريكي عن خدماتهم المحمية من قبله عندما يرى مصلحة مشروعه تخدمه جهة أخرى من منطلق حرب الوكالة / ربما تكون العشائر) هذا المحتل الناهب لثروات الوطن في الشمال السوري والذي تتغذى منه قسد وإدارتها الذاتية في تغطية كل احتياجاتها العسكرية والمدنية والثروات التي ادخروها، قدرة هذه القوات، والمتحكم بكل تفاصيل الجزيرة والفرات ومكونها العشائري بكل مسمياته، من خلال مصالح متبادلة.
هذه الأخطاء القاتلة والتي وصل بعضها إلى جرائم حرب في ممارسة التجربة، والتي وضح فيها النزعة الشوفونية القومية لبعض المتطرفين الكرد في ترجمة مشروع انفصالي عبر “الإدارة الذاتية” والتي يسوقون لها بأنها الحل لسورية المستقبل التي تستقل عن الدولة المركزية وهيمنتها، بحيث دخلوا الى السويداء للتحريض قبل الحراك واثنائه عبر أدوات رخيصة لا تنتمي للوطن من أجل العمل على تجسيد ادارة ذاتية في جنوب سورية التي تعتبر منطقة رخوة محاصرة من “إسرائيل” والأردن، تضع السويداء ضمن لعبة دولية جديدة تصنع في بيوتات الصهيونية العالمية، تهدف إلى تذرير سورية، لاقت رفضا شعبيا من كل تركيبة أهالي الجبل المدنية والسياسية، لكن كانت الممارسات فيها تصب في خانة المفهوم الفيدرالي نموذجا بالقياس مع تجارب غير متساوقة مع الحالة السورية، وجاء هذا المشروع ليصيب ايضا في مشروع النظام الذي يخدم أجندة التقسيم في مشروع سورية المفيدة، محاولة لتأمين نفسه في فيدرالية تختص في الساحل، هذا الأمر لم تخفيه قيادات pyd المهيمنة على قوات سورية الديمقراطية في مقابلاتهم بالتصريح عن مشروعهم في اللامركزية السياسية الذي تم تعميده بالدم في نص “العقد الاجتماعي” الذي يعتبر دستور موازي بل مكرر فوتوكوبي عن تجربة كردستان العراق بمسمى “غرب روج افا”، هذا المشروع على ارض الواقع قطع أوصال النسيج المجتمعي بين المكون العربي والكردي المتعايش منذ سنين في المنطقة، استند على خلفية المظلومية التي فرضها عليهم حافظ الأسد من خلال ( الإحصاء حرم الكثير من الجنسية، والحزام الأخضر لاستبدال اهالي المنطقة، وكذلك ملاحقتهم في احتفالات أعيادهم) شكلت لديهم حالة رفض غير مسبوق لسكان المناطق المتواجدين فيها، علما ما تعرض له الأخوة الكرد من مظلومية، تعرض له بالمقابل معظم الشعب السوري وبأشكال متعددة من قبل نظام العسس، كانت في بعض المواقع هي أشد واقسى نتيجة النظام الأمني الذي فرضه على كل مناحي الحياة إلى هذا التاريخ .
الرد على هذه المظلومية من قبل الكرد كان ظالما مع سكان المنطقة بكل انتماءاتهم قهر وازلال وفرض قيود، لكن كانوا يرمون الفتات للناس من عائدات النفط السوري المهيمن عليه من قبل قوات التحالف الدولي، تلميعا لنموذج الإدارة الذاتية .. هذه نماذج إدارات الأمر الواقع في كل المناطق المحتلة / شمال شرق، شمال غرب، وحتى الفصائل الميليشياوية / .
لماذا هذا التوقيت
أمريكا تريد محاصرة خط الإمداد الذي تعتمد عليه إيران عبر “التنف” من خلال وكلاءها المحليين قوات قسد، لكن هذا الوكيل رفض المشاركة لاعتبارات خاصة لا تسمح له المواجهة المباشرة مع إيران والتي ممكن أن ترتب عليه تبعات لا يستطيع تحملها بدون الحماية الأمريكية على المستوى العسكري واللوجستي، الأمريكي انتقل إلى لعب ورقة العشائر بنفس الأسلوب الذي استخدمه مع عشائر العراق أثناء الاحتلال الأمريكي، حيث استخدمهم وكلاء في مواجهاته ” سياسة حروب الوكالة أصبحت نهج الإدارة الأمريكية بهدف تخفيف التكلفة البشرية التي دفعها أثناء الاحتلال، وكذلك مع المقاومة العراقية”.
افتعال مسألة ابو خولة مع قسد قرار أمريكي هدفه تجييش العشائر العربية التي تحتاج إلى دعم قوى التحالف في استخدام أخطاء قسد التي وصلت إلى حد الإذلال والامتهان في التعامل مع سكان المنطقة، استثمر الأمريكان كل ذلك وتغاضوا عن مواجهة قسد في المناطق المشرفين عليها دون اي ردة فعل، اثمر هجوم التحالف العشائري عن طرد قوات قسد من دير الزور وبعض المناطق لتحل محلها هذه العشائر، حتى يتحقق التوازن النسبي بين الأطراف دون الاستغناء عن أي طرف، والتصريح حول أهمية ترك ادارة مدينة دير الزور لأبنائها مع تحسين شروط حيواتهم دون تدخل إدارة قسد، على هذا الأساس تم التوافق بين الأطراف برعاية التحالف على تسليم كافة المناطق التي دخلتها فزعة العشائر مع كافة المعدات العسكرية إلى قوات قسد، المصالح الأمريكية فوق كل الوكلاء ولو كانوا حصريين، تنسجم مع المتغيرات على الأرض وتحافظ على مسافة واحدة مع الشركاء المتدخلين في الحالة السورية .
كيف الخروج من مستنقع الاحتلال المزدوج في شمال شرق سورية
من خلال قراءة المشهد الحالي لمناطق النفوذ في الجغرافية السورية وإدارات الأمر الواقع التي خلفتها الحرب العبثية التي شارك فيها النظام السوري والتي تسببت في التدخل الخارجي من أوسع أبوابه، اريد أن أؤكد بداية أن سورية لا تقبل القسمة، وأن التعايش بين كل أطياف النسيج السوري على قاعدة الحفاظ على كل ذرة تراب في هذا الوطن في غاية الأهمية وتعتبر شان وطني بامتياز، ولا يمكن استعادة إنتاج سايكس بيكو جديد اقوامي طائفي مذهبي، هذه نقطة البداية حتى ينجح مشروع الوطن للجميع، بوابته وحدة وطنية متماسكة خارجة عن مشاريع القوى المحتلة للجغرافية السورية، أو الاصطفاف مع أجندتها التي تريد من خلالها رسم مشروع شرق أوسط جديد “مارشال” الذي ملامحه الأولى تحققت في تفتيت عضد كل الدول العربية وانهاكها بصراعاتها الداخلية وسرقة مدخراتها، لذلك مطلوب من الأخوة الكرد حتى يستطيعوا العودة إلى حضن الوطن، أن يبدؤوا بفك الارتباط مع المحتل الأمريكي، والابتعاد عن هواجس التيار المتحكم برقابهم من قيادات قنديل الذين يريدون تحقيق مشروعهم التقسيمي، ورفع كل القيود عن أبناء الجزيرة والفرات، وإلغاء القوانين التي تشكل أداة تسلط على رقاب العباد، والتشارك مع أبناء المنطقة في مشروع بناء سورية المستقبل الذي يحفظ كافة الحقوق لأبناء شعبنا دون أي تمييز في دستور عصري تتحقق فيه المواطنة من خلال دولة مدنية ديمقراطية تحقق مطالب الحرية والعدالة، وخلاف ذلك ستكون تجربتكم أداة تخريب في الجسم السوري وليس معول بناء لترميم ما تصدع على المستوى الإنساني والعمراني.