18 كانون الثاني/يناير 2024
طفل يبلغ من العمر 3 سنوات، والذي تعرض منزله للقصف، يتعافى في مستشفى ناصر بعد بتر جزء من ساقه اليمنى. © UNICEF/Abed Zaqout
قال نائب المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، تيد شيبان إن “قتل الأطفال يجب أن يتوقف فورا” في قطاع غزة، مجددا التنبيه إلى أن ما يحدث هناك هو “حرب على الأطفال”.
وفي بيان صحفي أصدره اليوم الخميس بعد زيارة استغرقت ثلاثة أيام إلى قطاع غزة، أكد أن الوضع هناك تحول منذ زيارته الأخيرة من وضع “كارثي” إلى “شبه انهيار”. وقال شيبان: “لقد قلنا إن هذه حرب على الأطفال. ولكن يبدو أن هذه الحقائق لا تجد من يسمعها”.
وأشار إلى أنه من بين ما يقرب من 25 ألف شخص قُتلوا في قطاع غزة، منذ تصعيد الأعمال العدائية، أفادت التقارير بأن ما يصل إلى 70 بالمائة منهم كانوا من النساء والأطفال.
وقال شيبان إنه التقى أثناء زيارته بأطفال وعائلاتهم ممن “يعانون بعضا من أفظع الظروف التي رأيتها على الإطلاق”.
واستشهد بما حدث مع الطفلين سما (11 عاما) وإبراهيم (13 عاما). فالأولى كانت في مستشفى ناصر في خان يونس للعلاج بعد أن أصابت شظية بطنها مما اضطرها إلى الخضوع لعملية جراحية لإزالة الطحال، وهي تتعافى في المستشفى، ومعزولة عن كل من حولها لأنها تعاني الآن من نقص المناعة “في منطقة حرب مليئة بالأمراض والعدوى”.
أما إبراهيم فأصيبت يده بأضرار بالغة بينما كان يحتمي مع عائلته في ملجأ في منطقة قيل لهم إنها آمنة، وسرعان ما أصيب بالعدوى. وبدون دواء، سيطرت الغرغرينا على يده وفقد ذراعه في النهاية أثناء عملية بتر بدون مخدر.
ظروف غير إنسانية
وتحدث نائب المديرة التنفيذية لليونيسف عن أعداد المُهْجرين الهائلة في غزة حيث يوجد في رفح وحدها أكثر من مليون مهجر. وقال شيبان إن الظروف التي يعيش فيها هؤلاء المهجرين “غير إنسانية، فالمياه نادرة وسوء الصرف الصحي أمر لا مفر منه”.
ولفت الانتباه إلى أن البرد والمطر تسببا هذا الأسبوع في أنهار من النفايات، وأن الطعام القليل المتوفر لا يلبي الاحتياجات الغذائية الخاصة للأطفال. وأشار إلى ارتفاع حالات الإصابة بالإسهال بين الأطفال دون الخامسة ليتم تسجيل 71 ألف حالة حتى منتصف كانون الأول/ديسمبر وهو ما يعني ارتفاع بنسبة تزيد عن 4000% منذ بدء الحرب.
وحذر شيبان من أنه إذا استمر هذا التدهور في الظروف التي يعيشها الأطفال “فقد نرى تفاقم الوفيات الناجمة عن المرض والجوع”.
الحاجة لاختراق كبير
وأكد نائب المديرة التنفيذية لليونيسف “الحاجة إلى اختراق كبير”، والذي يبدأ بوضع حد للقصف المكثف، “الذي لا يقتل الآلاف فحسب، بل يعيق أيضا إيصال المساعدات إلى الناجين”.
وجدد الدعوة إلى إدخال المزيد من الشاحنات، وأن يتم ذلك عبر مزيد من المعابر، ومن خلال عمليات تفتيش أكثر كفاءة بكثير.
وشدد تيد شيبان كذلك على ضرورة أن تكون هناك قيود أقل على نوع المساعدات التي يمكن تقديمها، مثل مولدات مضخات المياه، وأنابيب إصلاح مرافق المياه، والتي تعتبر ضرورية لاستعادة خدمات المياه والصرف الصحي الضرورية لبقاء الناس على قيد الحياة.
وقال المسؤول الأممي إنه “بمجرد دخول المساعدات إلى قطاع غزة، تصبح قدرتنا على توزيعها مسألة حياة أو موت”.
ودعا شيبان إلى ضمان الاتصالات الأرضية الموثوقة، وتسهيل حركة الإمدادات الإنسانية لضمان حصول أولئك الذين ظلوا بدون مساعدة لعدة أيام على المساعدة التي هم في أمس الحاجة إليها، فضلا عن السماح لحركة المرور التجارية بالتدفق في غزة حتى يمكن إعادة فتح الأسواق وتكون الأسر أقل اعتمادا على المساعدات الإنسانية.
الوصول إلى الشمال
وقال نائب المديرة التنفيذية لليونيسف “نحن بحاجة إلى الوصول إلى الشمال”، مشيرا إلى أن ما يقدر بنحو ما بين 250,000 و300,000 شخص في شمال غزة غير متاح لهم الوصول على المياه النظيفة، ويحصلون بالكاد على أي طعام.
وأشار إلى أنه في أول أسبوعين من شهر كانون الثاني/يناير الحالي، وصلت 7 فقط من أصل 29 شحنة مساعدات مخططة، بنجاح إلى وجهاتها في شمال غزة. وأضاف أنه لم تتمكن أي قافلة تابعة لليونيسف من الوصول إلى شمال القطاع في عام 2024، مشددا على أنه “حيثما تتاح إمكانية الوصول، يمكننا أن نحدث فرقا”.
وقال المسؤول الأممي إنه “لا يمكننا أن ننتظر أكثر من ذلك حتى يتم وقف إطلاق النار الإنساني لوضع حد للقتل والإصابة اليومية للأطفال وأسرهم، وتمكين التسليم العاجل للمساعدات التي تشتد الحاجة إليها، والإفراج الآمن وغير المشروط عن الطفلين الإسرائيليين المتبقيين اللذين ما زالا محتجزين كرهائن في غزة. وهذا لا يمكن أن يستمر”.
مهجرون فلسطينيون يتجمعون في مدرسة تابعة للأونروا تحولت إلى مأوى في دير البلح في غزة. © UNRWA/Ashraf Amra
من الصدمة المطلقة إلى كفاح منهك
بدوره، أنهى المفوض العام لوكالة إغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا)، فيليب لازاريني زيارة إلى قطاع غزة هي الرابعة له منذ بدء التصعيد هناك.
وقال لازاريني في بيان صحفي أصدره بعد انتهاء زيارته أمس الأربعاء، إنه في كل مرة يزور غزة، يشهد ” كيف غرق الناس أكثر في اليأس، حيث الكفاح من أجل البقاء يستهلك كل ساعة”. ووصف الوضع في رفح قائلا إنها مزدحمة “لدرجة أن المرء بالكاد يستطيع قيادة سيارة وسط بحر من الناس”.
وأشار إلى أنه على مدى 100 يوم، انتقل سكان غزة من “الصدمة المطلقة لفقدان كل شيء، وفي بعض الحالات كل فرد من أفراد أسرهم، إلى كفاح منهك للبقاء على قيد الحياة وحماية أحبتهم”.
وزار لازاريني إحدى مدارس الأونروا في وسط غزة حيث “كان الاكتظاظ خانقا، وكانت القذارة ملفتة للنظر”. وقال إنه سمع قصصا عن نساء يتخلين عن الطعام والماء لتجنب الاضطرار إلى استخدام المراحيض غير الصحية.
وأضاف أن الناس “يرغبون في العودة إلى حياتهم ما قبل الحرب لكنهم يدركون، بقلق عميق، أن هذا من غير المرجح أن يحدث في أي وقت قريب”.
“القاتل الصامت”
وتحدث المفوض العام للأونروا عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى عشرة أضعاف، بدءا من الفواكه والخضروات التي نادرا ما تتوفر إلى حليب الأطفال، ووصولا إلى بطانية مستعملة معروضة للبيع مع ندرة السلع التجارية المسموح بدخولها إلى القطاع، فضلا عن جبال القمامة غير المجمعة التي تملأ الشوارع.
وأشار كذلك إلى عدم امتلاك المصابين بأمراض مزمنة ما يكفي من الأدوية، وعدم قدرة الناس على الاغتسال والبقاء نظيفين.
وقال لازاريني إن الانقطاع الطويل والمتكرر في وسائل الاتصالات، بما في ذلك الإنترنت والهواتف المحمولة، “يزيد من المحنة” حيث يشعر الناس بأنهم معزولون عن بقية العالم، مضيفا أن “الحصار هو القاتل الصامت للكثيرين”.
وعن إمكانية الوصول إلى شمال القطاع، قال المسؤول الأممي إن هناك القليل جدا من المعلومات حول شمال قطاع غزة. وأضاف: “غالبا ما تتأخر قوافلنا وشاحنات المساعدات لساعات طويلة عند نقطة التفتيش. وفي الوقت نفسه، يقترب العديد من الأشخاص اليائسين الآن من شاحناتنا للحصول على الطعام مباشرة منها، دون انتظار توزيعه. وبحلول الوقت الذي تعطي فيه السلطات الإسرائيلية قوافلنا الضوء الأخضر للعبور، تكون الشاحنات فارغة تقريبا”.
فوضى لا نهاية لها
وأشار فيليب لازاريني كذلك إلى تأثر موظفي الأونروا بنفس القدر، مشيرا إلى أنهم يعملون “بلا كلل” رغم ذلك، لدعم الأشخاص من حولهم. لكنه أضاف: “لا أستطيع أن أطمئنهم بأنهم أو عائلاتهم أو مرافق الأمم المتحدة سيكونون آمنين”. وشدد المفوض العام للأونروا على أنه “لا يوجد فائزون في تلك الحروب. هنالك فوضى لا نهاية لها ويأس متزايد”.
ودعا مجددا إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية من شأنه أن يوفر بعض الراحة، ويُمَكن من تحقيق زيادة كبيرة تشتد الحاجة إليها في تدفق الإمدادات الأساسية، بما في ذلك عبر الطريق التجاري.
وأضاف أن “أي شيء أقل من ذلك سيطيل أمد بؤس شعب بأكمله”.