الثلاثاء 20 شباط , 2024
الكاتب: موقع الخنادق-غرفة التحرير
التطبيع السعودي مع “إسرائيل”
نجحت طوفان الأقصى نسبياً في كبح مسار التطبيع الذي سعت إليه الدول الخليجية، وعلى رأسهم السعودية كدولة فاعلة في هذا المسار بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، وعلى وقع التطورات السياسية في المنطقة أعيد تفعيل مسار التطبيع، كرهان سعودي لاكتساب دور إقليمي، يمهّد لبناء نفوذ استراتيجي وشراكات اقتصادية تحت العباءة الأميركية وبالتنسيق مع كيان الاحتلال.
في هذا الصدد، تحاول السعودية إدخال ملف التطبيع بأي تسوية في المنطقة، على أن تكون شريكة في مسار “اليوم التالي” للحرب، من خلال ربط التطبيع مع الكيان بطرح “حل الدولتين” ووقف إطلاق النار، الذي يعد استثماراً سعودياً خالصاً للمملكة، عجزت عنه باقي الأطراف ما يدعم هذا الخيار تفضيل الولايات المتحدة للطرف السعودي على غيره من الأطراف العربية، لكن تبقى المنافسة مع قطر التي تشكّل تهديداً لبنيتها السياسية عائق أمام ذلك. تتمحور مطالب السعودية في إنجاز مشروع التطبيع حول الأمن والحماية، تتلخّص بمنح السعودية التكنولوجيا النوويّة – ضمانات حماية أمنية أميركية – رفع القيود على مبيعات الأسلحة للمملكة.
المكاسب الإسرائيلية
من الجهة الأخرى، سيمنح هذا التطبيع مكاسب اقتصادية كبيرة للكيان، الذي أمسى بحاجة إلى أي مكاسب اقتصادية، لترميم الأوضاع الاقتصادية الداخلية نتيجة حرب غزة، ناهيك عن الحصار البحري اليمني وما شكّله من خسائر اقتصادية هائلة على إسرائيل، في هذا الصدد، يشير البروفيسور إلياكيم بن حاكون من كلية الهندسة الصناعية والإدارة في المعهد الإسرائيلي للتكنولوجيا إلى أن حوالي 99% من البضائع تصل إلى إسرائيل عن طريق البحر. إلا أنه بالتوازي مع الحصار جرى تفعيل الخط البري الذي يوصل ميناء دبي بميناء حيفا ويمر عبر السعودية والأردن، كممر “تنفّس صناعي” للكيان، تعويضاً من الدول العربية المطبّعة والسائرة في هذا المسار عن الخسائر الاقتصادية التي لحقت بالكيان. بالإضافة إلى كل ذلك، سيوفّر التطبيع للكيان نافذة سياسية وأمنية، يرمم بها صورته أمام العالم، بعد وصمه بالإبادة الجماعية في المحكمة الدولية، واستياء وغضب الرأي العام العالمي.
التهجير القسري للفلسطينيين
يشكل التطبيع عاملاً محفّزاً ودافعاً لمشروع التهجير القسري والطوعي للفلسطينيين، وإضفاء المشروعية عليه، وقد أشار السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير إلى خطورة هذا المسار الممنهج، الذي يقضي بتهجير السكان من قطاع غزة إلى مصر، ومن الضفة إلى الأردن، ومن أراضي 48 إلى لبنان. يعد هذا المشروع الحل الذي يسعى إليه الكيان لإنهاء القضية الفلسطينية بشكل كامل. في حين تسوّق المملكة للعالم الإسلامي أن للتطبيع قيمة على المستوى الفلسطيني، في الوقت الذي سيكون ثمنه فلسطين. بالإضافة إلى امتداد تأثير ذلك على دول المنطقة تاركاً تداعيات خطيرة وغير مسبوقة.
يشير التطبيع إلى جريمة أخلاقية، قد تمتد إلى دول أخرى ستسير إلى جانب السعودية في مسارها وستصبح من خلالها “إسرائيل” كيان طبيعي في المنطقة، في هذا السياق، من واجب الشعوب العربية والأصوات الخليجية المناصرة للقضية الفلسطينية الضغط على حكّامها الذين لا تشكّل القضية الفلسطينية أي وزن في حساباتهم السياسية، وخصوصاً ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، ينطلق هذا الضغط عبر تفعيل الجماعات المناهضة للتطبيع، وإطلاق حملات وتظاهرات شعبية، وغيرها من الوسائل السياسية لوقف هذا المسار الذي يترك تبعات خطيرة على هذه الشعوب بالدرجة الأولى.
تطبيع السعودية بعد طوفان الأقصى: بين الشروط والتنازلات
تتلخّص المطالب السعودية مقابل صفقة التطبيع، ببدء العمل على برنامج نووي، والوصول إلى شراكة أمنية مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى حيازة الأسلحة الثقيلة. ومرد ذلك، إلى التطلّعات السياسيّة الجديدة لمحمد بن سلمان وفق رؤية 2030، وهو ما يتطلّب تصفير الخلافات السعودية مع دول المنطقة، بالإضافة إلى تأمين الحماية الأمنية في الداخل السعودي خاصة في ظل التهديد الذي تشكّله أنصار الله، وذلك عملًا بالقاعدة التالية: التطبيع مقابل الحماية، وبالتالي، يظهر أن القضيّة الفلسطينيّة ليست ضمن حسابات الرياض على الإطلاق، وكل ما جرى الحديث عنه في الخطاب السعودي بما يخصّ فلسطين اقتصر على تحسين الواقع المعيشي، ثم حمل مطالب أخرى مثل وقف إطلاق النار في غزة وحل الدولتين من باب درء الحرج عن السعودية، وهي بذلك تحاول القول إنها حقّقت شيئاً – أي شيء – للفلسطيني حتى لو كان شكلياً، وتريد أن تسوّق للعالم الإسلامي أنه كان لهذا التطبيع قيمة على المستوى الفلسطيني، في الوقت الذي سيكون ثمنه فلسطين.
يضم الملف أدناه آراء مجموعة من الخبراء والمتحدّثين في الملف السعودي لتقدير موقف السعودية من التطبيع بعد طوفان الأقصى، بالنظر إلى المستجّدات التي انعكست على شروط تنفيذ اتفاقيّة التطبيع المحتملة بين السعودية والكيان المؤقت، من خلال الإجابة عن مجموعة من الأسئلة، وهي المطالب السعوديّة ودوافعها وخلفيّاتها، بالإضافة إلى التنازلات التي يمكن أن تقدّمها السعودية لإتمام هذه الصّفقة.
المشاركون في هذا الاستطلاع هم: الباحث السياسي د. فؤاد إبراهيم، والباحث السياسي الأستاذ علي مراد، والإعلامية الأستاذة مودّة إسكندر، والباحث السياسي الأستاذ حسان عليان، والمحلل السياسي والاقتصادي د. حسن سرور، والناشط السياسي الأستاذ علي فايز.