فايز سارة
الشرق الأوسط:
13/2/2022
أنهت ندوة «سورية إلى أين؟» أعمالها في الدوحة الأسبوع الماضي، وأصدرت توصيات، كان من بينها تأكيد الالتزام بـ«المحافظة» على وحدة أراضي وسيادة الدولة واستقلالها، ورفض التقسيم، والتمسك بالهوية الجامعة، وتأسيس نظام ديمقراطي يقوم على المواطنة المتساوية والتعددية، وتداول السلطة في مناخ من الحريات العامة، واحترام حقوق الإنسان، والفصل بين السلطات.
وركزت التوصيات على «إعادة هيكلة مؤسسات قوى الثورة والمعارضة، والارتقاء بأدائها فيما يُمكنها من تحقيق مطالب الشعب السوري المحقة والمشروعة وتمثيلها بكفاءة واحتراف، ويضمن استقلالية قرارها الوطني، ويؤهلها لتكون الحامل السياسي الذي يحظى بثقة الشعب وتأييده، ويثبت دورها في الإطارين الإقليمي والدولي، عبر استراتيجية وطنية شاملة للتعاطي مع العملية السياسية، ورفض أي انحراف عنها، وتعزيز العمل المؤسسي على كافة المستويات السياسية والدبلوماسية والتنموية».
وأكدت ضرورة «تنمية وتوظيف الخبرات المتاحة في الداخل السوري وخارجه، والاستفادة من الاستشارات التي تقدمها مراكز الفكر الوطنية، ودعم الأدوار المحورية التي تقوم بها الجاليات السورية في بلدان اللجوء والمهجر، وتعزيز دور المرأة والشباب في العمل الوطني وضمان تمثيلهم في سائر مجالات الشأن العام، بما في ذلك مؤسسات قوى الثورة والمعارضة.
وضرورة «صياغة خطاب وطني جامع، ودعم الجهود التي تبذلها مؤسسات الإعلام السورية فيما يسهم في محاربة خطاب الكراهية والتمييز، ويُعرف بالقضية السورية، وتعزيز العلاقة الشبكية بين كافة القوى السياسية والعسكرية والاقتصادية والمجتمعية، وحشد الطاقات الوطنية، وتعزيز الحوار المجتمعي، وتوسيع دائرة التحالفات الإقليمية والدولية بما يخدم القضية السورية».
ولفتت توصيات الندوة إلى تعزيز التواصل بين مختلف قوى الثورة والمعارضة، بهدف تبني خطة عمل شاملة تواكب تحولات المرحلة وتُعالج التحديات الناتجة عنها، وتقدم الحلول الناجعة للتخفيف من معاناة السوريين، ووقف الانتهاكات الممنهجة بحقهم، وتطالب بالإفراج عن المعتقلين، وتعويضهم، والإفصاح عن المختفين قسرياً ومعرفة مصيرهم.
وتضعنا الإشارات التي اخترناها من توصيات الندوة في قلب طموحات المعارضة السورية عشية الذكرى الحادية عشرة لثورة السوريين على نظام الأسد، الأمر الذي يعني أن المعارضة فشلت على مدار أكثر من عشر سنوات مرت في تحقيق طموحاتها وأهدافها، التي يجري تجديدها في ندوة الدوحة، وحضرها نحو ثمانين شخصاً، يمثلون جماعات وشخصيات سياسية ومدنية وفكرية، اجتمعوا على مدار يومين من أجل «تقييم عملنا وتصحيح الأخطاء التي وقعنا فيها خلال مسيرتنا الشاقة لتحقيق دولة ديمقراطية حرة موحدة، تقوم على أساس سيادة القانون وحق الجميع في التعبير والتمتع بحقوق المواطنة المتساوية وواجباتها من دون تمييز» كما قال رياض حجاب في افتتاح الندوة.
كلام حجاب في أهداف الندوة، ليس أمراً جديداً في واقع السوريين، فقد تكررت مطالب قريبة ومماثلة من شخصيات وجماعات سورية على مدار السنوات الماضية، بل وعقدت اجتماعات في هذا السياق من دون أن تسفر عن نتائج، الأمر الذي يدفعنا إلى إلقاء نظرة سريعة إلى بعض ما أحاط بالندوة من معطيات وخلاصات، تسمح بالقول، إن نتائج الندوة لن تكون أفضل عن نتائج الجهود السابقة.
أولى الخلاصات في محتوى الاجتماع، أنه ضم بصورة أساسية القوى شائعة الحضور في المعارضة من كيانات وشخصيات. فكان على رأس الاجتماع د. رياض حجاب، وتمت دعوة رؤساء المجلس الوطني السابقين ورئيس سابق للائتلاف، وكان بين الحضور رئيس هيئة التفاوض ثم رئيس الائتلاف والمنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية وممثلون عن منصتي القاهرة وموسكو، ورئيس الحكومة المؤقتة والرئيس المشارك في اللجنة الدستورية، وقيادات حالية وسابقة من كيانات المعارضة، الأمر الذي يعني أن الثقل الأساسي في الاجتماع كان لمن تكررت اتهامات السوريين لهم بالمسؤولية عن فشل المعارضة في المعركة ضد نظام الأسد وحلفائه، فيما يرى منظمو الندوة، أن التصحيح المنشود في المعارضة ملقى على عاتق هؤلاء أو بمشاركتهم الكثيفة!
ولوحظ أنه تم التركيز على دعوة سوريين، يقيم أغلبهم في قطر وتركيا وفق محتوى قائمة المدعوين، حيث ظهر أن عدد المدعوين من المقيمين في البلدين يزيد على نصف المدعوين، بل إن مدعوين من بلدان أخرى محسوبون بين الأقرب إلى موقف البلدين في القضية السورية، ومن الملاحظ أن قلة قليلة من المدعوين مقيمون في بلدان كان ينبغي أن يكون لها وجود مهم بين المدعوين مثل الداخل السوري وألمانيا والإمارات ومصر ولبنان والأردن، فهؤلاء ينبغي أن يشاركوا في مثل هذا الاجتماع.
وكان لافتاً للنظر مشاركة ممثلين عن مراكز أبحاث ودراسات ووسائل إعلام سورية والعديد منها جديد وبعضها لا إنتاج له في ميدان عمله، واستحوذ الأشخاص المقربون والمؤسسات القريبة من المركز العربي لدراسة السياسات وإدارته في الدوحة على نسبة مهمة من المقاعد، هم أصحاب الحظ الأوفر في الحضور من مركز حرمون إلى تلفزيون سوريا وزمان الوصل ومركز عمران، بل إن كثيراً من المدعوين ألحقت بأسمائهم ألقاب باحث وكاتب والإعلامي، لم يسمع بهم أحد، ولا يمكن العثور على مقال واحد أو دراسة من نتاجهم.
وكان من الواضح، أن ثمة رغبة في تكبير عدد المدعوين للإيحاء، أن الأمور تتغير، وأنه يجري ضخ أسماء ودماء جديدة في جسد المعارضة، لكن هذا النهج ظهر كأنه تكرار لما حدث في التجربة المرة للمجلس الوطني السوري (2011 – 2012) والتي انتهت إلى فشل بعد أن تجاوز عدد الأعضاء الأربعمائة، جرى ضم أغلبهم للمجلس بطرق عشوائية وإرضاءً لشخصيات ومكونات مؤثرة في المجلس وأحياناً من خارج المجلس.
وثمة ملاحظة لا بد من التوقف عندها، وهي توسيع حضور ممثلي التجمع الوطني الحر للعاملين في مؤسسات الدولة السورية الذي يضم منشقين عن النظام، وبينهم د. حجاب، وكان حجم تمثيل هؤلاء في الائتلاف الوطني مقعداً واحداً شغله ذات يوم حجاب نفسه، لكن حجاب ضم أكثر من خمسة أشخاص منه إلى الندوة، وكان الغريب أنه لم تتم دعوة أي من العسكريين المنشقين إلى الاجتماع وبينهم ضباط كبار لعب بعضهم أدواراً ذات أهمية في المرحلة السابقة، وكان يفترض أن يحضروا سواء من أجل تقييم تلك الفترة، أو للمشاركة في مناقشة ما ينبغي القيام به في المرحلة المقبلة.
إن الفارق بين الطموحات، التي أشير إليها في توصيات الندوة، وما سبقها ورافقها من خطوات يبين عجز المبادرة عن إخراج المعارضة من أزمتها، ليس في تناقض القول مع الفعل فقط، بل في الإصرار على أن تحقيق تلك الطموحات، يمكن أن يتم بأيدي الذين عجزوا عن تحقيق أي نجاح للقضية السورية، ولم يستطيعوا التقدم في ملفات يفترض أنها خارج أي مفاوضات مع نظام الأسد مثل ملف المعتقلين، وفي إصرارهم على أنهم قاموا بواجباتهم.
إننا باختصار أمام غالبية من قيادات، فشلت في كل شيء ودفعت القضية السورية نحو زوايا الإهمال والنسيان من قبل المجتمع الدولي، تصوروا أن الندوة لم يحضرها من العرب والأجانب سوى معاون وزير خارجية الدولة المضيفة ونائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى.