حسام عبد البصير – القدس العربي
الجمعة , 1 مارس , 2024
القاهرة ـ «القدس العربي»: بدأ المسلمون في سائر بلاد العالم الاستعداد لشهر رمضان الكريم بكنز مزيد من السلع الغذائية، خاصة تلك التي لها علاقة بالشهر الفضيل وفي مقدمتها الياميش والتمور والزبيب وجوز الهند.. وحدها غزة وشقيقاتها في القطاع استبقن العالم وواصلت للشهر الخامس على التوالي صوما إجباريا، إذ فرض عليها الكيان المحتل حرب التجويع، التي لم تعرف لها البشرية مثيلا يشجعه العالم الجبان الذي لم يحرك ساكنا، سواء في محيطه العربي أو الإسلامي أو الدولي، اذ اكتفت المؤسسات والأنظمة بإعادة تدوير رسائل الشجب والاستنكار، التي لم تعد تبعث سوى السخرية من مؤسسات دولية فقدت جدواها.. وقبيل أيام تفصلنا عن الشهر الكريم، تسعى الحكومة لمحاصرة حالة من الغضب المتزايد في صفوف الجماهير، عبر زيادة السلع المدعمة على البطاقة التموينية، بواقع زيادة زجاجة زيت إضافية وكيلو سكر. وكشف الدكتور إبراهيم عشماوي رئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية، رئيس مجلس إدارة البورصة السلعية، إمكانية ضم سلع جديدة أخرى لقائمة السلع الاستراتيجية الـ7، التي تباع بأسعار مخفضة، والصادر بشأنها قرار من رئيس مجلس الوزراء، إذا تطلب الأمر، وفي ضوء المراجعات وإعادة النظر، إلا أنه لم يسمِ السلع التي يمكن إدراجها.
ونفى المستشار محمد الحمصاني المتحدث باسم مجلس الوزراء، وجود بنود تمس السيادة المصرية في صفقة مشروع مدينة رأس الحكمة.. وأشار إلى أن رئيس الوزراء، أكد أن كل بنود العقد تطبق في ظل القوانين المصرية، وستتولى تنفيذ المشروع شركة مساهمة مصرية وستُنشأ باسم “رأس الحكمة”. وأوضح أن بنود العقد كلها وضعت بالحرص على عدم مخالفتها للقوانين المصرية، مشيرا إلى أن هناك بعض الجهات التي تسعى إلى إثارة معلومات مغلوطة عن صفقة رأس الحكمة، إلا أن الصفقة بالكامل خاضعة للقوانين المصرية، ولا يوجد في العقد أي بند يخالف السيادة المصرية. وأوضح الحمصاني أن بنود العقد كافة تمت مراجعتها من قبل لجنة قانونية مُشكلة من مجلس الوزراء تحت إشراف رئيس الوزراء قبل توقيع العقد، مضيفا أن العقد استثمار أجنبي مباشر، لكن المؤسسات المصرية كافة، سوف تعمل داخل مشروع مدينة رأس الحكمة، سواء وزارة الداخلية والقضاء والنيابة، وهو عقد شراكة على أرض مصرية وهي صفقة لإنشاء مجتمع عمراني متكامل على أرض مصر.
تحت السيطرة
اكد الإعلامي مصطفى بكري، عن حصول مصر على استثمارات ضخمة بقيمة 101 مليار دولار قبل شهر أبريل/نيسان المقبل. ونقل محمد شعبان في “الشروق” عن رئيس تحرير “الأسبوع” ومقدم برنامج «حقائق وأسرار» على شاشة “صدى البلد” عن مصدر مسؤول بالدولة؛ تأكيده أن الحكومة ستمنح المواطنين المقيمين على أرض رأس الحكمة تعويضات «سخية»، بالإضافة إلى نقلهم إلى أماكن مطورة ومخططة، كما ستمنح الدولة السكان ترخيصا للمباني الجديدة وعقود تمليك للأرض. وأشار إلى أن منطقة رأس الحكمة تضم 22 ألف نسمة موزعين على 15 ألفا في منطقة رأس الحكمة، بالإضافة إلى 4 قرى تضم 7 آلاف مواطن. وأضاف أن الحكومة سوف تقيم مساكن جديدة للمواطنين شاملة توصيل المياه والكهرباء والخدمات والمرافق كافة، مع منح السكان أولوية العمل في المشروعات الجديدة بالمدينة. وتابع أن مشروع رأس الحكمة يتضمن إقامة إسكان فندقي للسياحة يهدف إلى جذب 8 مليون سائح سنويا، بما يعادل 60% من حجم السياحة الحالية، مؤكدا أن الدولة ستركز خلال الفترة المقبلة على الصناعة والزراعة وتطوير المنشآت السياحية، والعمل على ضمان حياة كريمة لجميع الفئات الاجتماعية والسيطرة على ارتفاع الأسعار. وأوضح بكري أن عدم وجود بنية تحتية قوية كان سيمنع تنفيذ مشروعات مهمة مثل رأس الحكمة ويحرم مصر من فرص استثمارية واعدة، قائلا: “مشروعات البنية التحتية كانت خطوة ضرورية غيرت شكل مصر، لو مكنش عندنا بنية تحتية مكنش هيبقى لا في رأس الحكمة ولا العلمين أو أي مشروع استثماري”.
سلاح لا يهزم
نشرت وسائل الإعلام صورة السيدة الفلسطينية التي أنجبت ثلاثة توائم في غزة. ولدت روند مشتهي أولادها في مستشفى ناصر في خان يونس، لكنها اضطرت للنزوح ومعها التوائم سيرا على الأقدام إلى رفح على مسافة 10 كيلومترات، لكن الحياة في رفح لم تكن آمنة فتوجهت مرة أخرى إلى «دير البلح». رحلة معاناة حتى تستقر في مكان شبه آمن بعد أن أنجبت أطفالها في خيمة. المفارقة المحزنة من وجهة نظر رفعت رشاد في “الوطن”، أنه في اليوم نفسه الذي أنجبت فيه التوائم، استشهد 50 شخصا من عائلتها، السيدة تنطق بمدى التحدي الذي تشعر به، وبالرسالة التي ترسلها ملامحها. ليمت فلسطينيون.. وسوف ننجب فلسطينيين.. ولن تموت فلسطين.. أجيال تسلم أجيالا.. وهذه الأجيال التي تموت الآن لم تعرف النكبة ولم تعشها، لكنها تعرف الاحتلال وفظائعه.. أجيال تعيش حلم الوطن الكامل وأمل الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، دهست الدبابات الإسرائيلية حياتهم ودمرت ممتلكاتهم.. لكنها ما استطاعت قتل أرواحهم ولا بث الإحباط واليأس فيهم. إنهم حتى لا يذهبون لدفن شهدائهم فرادى، وإنما يدفنونهم في مقابر جماعية بالعشرات، وبعدها يركضون للقتال ويستعدون للشهادة. قتلت إسرائيل بآلتها العسكرية المدعومة لحظيا بأحدث أسلحة أمريكا آلاف الفلسطينيين، لكنها لم تقضِ على غزة وأهل غزة. يموت الأفراد وتدمر البيوت، لكن الشعوب الأبية لا تموت. عرف الإنسان على مدى تاريخه أنواعا شديدة القسوة من المستعمرين، كما عرف أنواعا مبتكرة من المقاومة. قاوم الإنسان بالسلاح كما قاوم بالسلم. قال ثوروا بالمقاومة السلمية أو العصيان المدني، وطبَّق غاندي وغيره هذا النوع من المقاومة وانتصروا على مغتصبي أوطانهم. استخدمت شعوب أخرى المقاومة بحرب العصابات ومنها، فيتنام والصين وأفغانستان، واستطاعت دحر أعتى الجيوش واضطرارها لمغادرة الوطن المحتل. والآن يقاوم الفلسطينيون بأشكال متنوعة من المقاومة، أكثرها قوة، المقاومة بالحياة، بث الحياة في مقاومين جدد، إنجاب الأطفال وعدم اليأس من يوم يكون فيه الوطن والأمن والأمان. يتعجب العالم من قدرة الفلسطينيين على الإنجاب بينما تنفجر السماء على مدى نهارهم وليلهم، من حرصهم على استمرار حياتهم بهم أو بغيرهم من نسلهم، في ظل دانات الدبابات وأزيز الطائرات، لكنها سمة من سمات شعب بطل مقاوم صامد أمام عدو غاشم.
أهمية المراجعة
أصعب الأشياء علي الإنسان أن يراجع نفسه وإن كان ذلك من أنبل صفات البشر وأكثرها ترفعا.. تابع فاروق جويدة في “الأهرام”: في أحيان كثيرة يخطئ الإنسان في فهم الحقائق والكشف عنها، ولكنه سرعان ما يكتشف ما يجري وما يدور حوله.. وفي تقديري أن أحداث غزة تفرض على الشعوب العربية أن تراجع مواقفها وتدرس أحوالها، لأننا نستطيع الآن أن نطرح أكثر من سؤال على أنفسنا تتلخص في مستقبل العالم العربي بعد حرب غزة، لأن الشيء المؤكد أن الشعوب العربية ليست كما كانت وهنا تبدو أمامنا هذه التساؤلات.. أولا: إن حرب غزة غيرت حسابات كثيرة لأن غزة حاربت وحدها، ولكن الجميع سوف يدفع الثمن ويتحمل النتائج، إن صمود غزة حتى الآن يمثل تحولا في موازين القوى، فلم يحدث في تاريخنا الحديث أن وقف شعب أعزل أمام قوى جبارة تآمرت عليه، ووصل الأمر إلى الإبادة الجماعية وحرمان البشر من أبسط مستلزمات الحياة طعاما وماء ودواء، وأن صمود شعب غزة يمثل تجربة إنسانية غير مسبوقة، حتى في الحروب الكبرى التي عانت منها البشرية.. ثانيا: جاء الوقت لكي نراجع الوجه الحقيقي للإرهاب، القضية التي دفعت الشعوب العربية ثمنها حربا ومالا وأمنا واستقرارا، بعد أن اتضح أمامنا الوجه الحقيقي للإرهاب، وأنه لم يكن صناعة عربية، ولكنه كان من أخطر الأمراض التي صدرها الغرب لنا بعد استقلال شعوبنا واسترداد إرادتنا، وأننا سقطنا في هذه المأساة وصدقنا دعاوى مضللة أننا شعوب متخلفة دينا وفكرا وتراثا.. واشتعلت المواجهات بين شعوبنا، وتحولنا إلي جماعات تحركها أطماع سياسية وعدنا مجتمعات قبلية، كما كنا في يوم من الأيام، ولم يتردد الغرب في أن يشعل الفتن بيننا وأغرقنا في متاهات فكرية بين التقدمي والرجعي والديني والعلماني والوجودي، ووجدنا أنفسنا مشاعا بلا هوية وجرى استنساخ أجيالنا بين أفكار شاذة وسلوكيات مريضة، وفي هذا المناخ كان من السهل استغلال مواردنا واستباحة مقدراتنا.
تسللت بيننا
مضى فاروق جويدة يرصد مزيدا مما فعله خصومنا بنا وما فعلناه بأنفسنا.. ثالثا: لم يكتف الغرب بهذا الغزو المقنع ولكن زرع في قلب الأمة أسوأ كيان متوحش، ليكون مصدر تهديد دائم لكل مقدرات شعوب الأمة.. وكانت حرب الإبادة في غزة آخر مشاهد الإرهاب التي قدمتها إسرائيل للعالم كله، وهنا اتضحت حقيقة هذا الكيان، إنه مصدر الإرهاب الحقيقي وإن الشعوب العربية لم تدرك حقيقته منذ وجوده، وإن إبادة أهل غزة كانت أكبر دليل على أن إسرائيل زرعت في الأرض العربية لكي تبقي شعوبنا في صراعات لا تنتهي بين الدين والسياسة والتبعية والاحتلال، الذي يصر على البقاء ويرفض الرحيل، حتى لو اختلفت أشكاله. رابعا: كان شيئا يثير الحزن والألم أن يدور سجال بين النخب العربية بين البطولة والإرهاب.. وأن يدين البعض ما حدث وتبدأ سلسلة الاتهامات.. إن حماس جماعة إرهابية ولا تمثل الشعب الفلسطيني، رغم أن غزة كلها كانت تحارب، فهل يمكن الشماتة أمام بحار من الدم، وإذا كانت هناك خصومات وخلافات في المواقف، فهل هذا وقت تصفية الحسابات، وهل ينكر البعض أن حماس أعادت القضية الفلسطينية إلي صدارة المشهد العالمي وحركت الملايين من شعوب العالم يطالبون بحق الشعب الفلسطيني في دولته؟ وهل كان المطلوب من حماس أن تأخذ مكانها في صفوف المستسلمين؟ إننا قد نختلف مع حماس في بعض القضايا وهو خلاف مشروع بين أبناء الوطن الواحد ولكن الشماتة في الدم عار. خامسا: لعل العالم الآن آفاق على حقيقة مؤلمة أن الإرهاب صناعة غربية، وأن ما حدث بين شعوبنا من الصراعات والمعارك كان صناعة غربية فرقت شملنا وأجهضت أحلامنا، حتى جاء دور الكيان اللقيط لكي يقوم بأكبر مذبحة في تاريخنا الحديث راح ضحيتها 100 ألف ضحية بين شهيد ومصاب.. قلت في البداية إنه جاء الوقت لكي نواجه الحقيقة وندرك ما يحدث لنا.
بورك من شعب
حقا إنه شعب يصعب تحليل جيناته الوراثية، ويصعب فك شيفرة خصاله الكريمة أو تطويعه أو إذلاله، رغم الفظائع التي يتعرض لها، شعب كما يصفه طارق يوسف في “الوفد”، بأنه يقاوم التطهير العرقي، بكل ما أوتي من ثبات وقوة ورباطة جأش، شعب يقاوم القتل والجوع وهدم المنازل والتشريد بصدور عارية وعزيمة صادقة وعزم لا يلين، شعب يرفع علامة النصر، وهو يتضور جوعا ويرتعد من البرد، شعب يقف خلف مقاومته ويؤيدها ويدعو لها بصورة يحسد عليها، شعب تعود على دفن موتاه وكأنه يفعل شيئا روتينيا، وكل ما يشغله هو البحث عن قبور يدفنون فيها موتاهم بعد أن نبش الاحتلال قبورهم. لقد أصبحت عقيدة الصبر على المصائب لديهم تتصدر كل العبادات الأخرى، وينطبق عليهم قول الله تعالى، ولا نزكي على الله أحدا “فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا”. كلما شاهدت فيديو الرجل الذي يواسي أحد المبتلين بفقد أحد أبنائه وهو يقول له: يازلمة كلنا مشروع شهداء ويجب أن لا نحزن أو ننكسر. الأمر نفسه تكرر مع والد الطفلة التي يقبلها بين عينيها قائلا (دي روح الروح)، وقد صعدت روحه بعدها بأيام ليلحق بروح الروح. حقا إنه شعب لا ينهزم من داخله أبدا، ولا يتراجع عن مواقفه مهما كلفه ذلك من دماء وتشريد وقهر. ورغم الإباء والعزة التي يتمسكون بها، يحاول العدو إذلالهم بشتى الصور، عن طريق غلق المعابر وتفتيش سيارات النقل وإتلاف المواد الغذائية وإجبار الطائرات الأردنية على إلقاء المساعدات الغذائية في البحر وإطلاق النار عليهم أثناء الحصول على هذه المساعدات. كل هذا يحدث وأكثر حتى يتركوا أراضيهم ويرحلوا في الاتجاه المرسوم لهم تجاه مصر، حتى تنتهي القضية الفلسطينية للأبد. أعجبتني مقولة قرأتها في مواقع التواصل الاجتماعي، بأن جميع دول العالم الإسلامي تعاني من الاحتلال، إلا غزة وأهلها، أثابكم الله وأيدكم الله ونصركم الله وثبتكم على الحق.
إلا اياها
في عام 1687 نشر العالِم الإنكليزي إسحاق نيوتن، لأول مرة، قوانين الحركة، وبينها القانون الثالث: «لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه». امتد التأثير من عالم الطبيعة إلى شؤون السياسة والمجتمع، في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يقول عبد الله عبد السلام في “المصري اليوم”، هاجمت حماس أهدافا إسرائيلية، وأسرت عشرات الرهائن، وقتلت جنودا ومستوطنين. رد فعل إسرائيل تجاوز الفعل مئات المرات، ومع ذلك أعطاها الغرب العذر، ودعمها ماديا ومعنويا، إلا أنه مع تصاعد الغضب الدولى، طالبها بتجنب المدنيين قدر الإمكان. لم تستجب، ولم يعاقبها الغرب، كما يفعل مع روسيا. واشنطن منعت صدور أي قرار دولي ملزم لوقف العدوان. ظلت إسرائيل تتجاهل الدعوات لإعداد خطة لليوم التالي مُصِرّة على سحق حماس وإعادة الرهائن أولا. إلى أن خرج نتنياهو، قبل أيام، بتصور «صفحة وربع الصفحة فولسكاب»، يشطب فيه كل مقترحات الغرب والشرق بشأن مستقبل غزة والقضية الفلسطينية. طبقا لذلك.. إسرائيل ستسيطر على الأمن إلى أجل غير مسمى. فلسطينيون تكنوقراط سيتولون الإدارة المدنية، (لا ذكر للسلطة الفلسطينية). غزة منزوعة السلاح. إغلاق الحدود مع مصر. برامج لإزالة التطرف بكل المؤسسات الفلسطينية. لا إعمار للقطاع قبل نزع السلاح وتنفيذ برامج التربية وغسل المخ. باختصار، اليوم التالى للعدوان كاليوم السابق للسابع من أكتوبر/تشرين الأول. قوانين الفعل ورد الفعل لاغية. لا خطة حقيقية ولا تصور. فقط إدارة النزاع، كما يحدث منذ عام 1967. المستوطنات لن تتوقف. قبل أيام، أعلن وزير المالية المتطرف سموتريتش، بناء 3 آلاف وحدة سكنية استيطانية. خلال 6 شهور، شيدت إسرائيل 13 ألف وحدة جديدة. أمريكا قالت إن المستوطنات غير قانونية، لكن ذلك لم يغير من الأمر شيئا.
إياكم والأوهام
أكثر قضية أبطلت فيها إسرائيل قوانين نيوتن، حسب عبد الله عبد السلام هي الدولة الفلسطينية. هناك توافق عالمي على حل الدولتين، باعتباره يلبي بشكل ما تطلعات الفلسطينيين. تجددت الفكرة من تحت أنقاض غزة، وبمبادرة أمريكية لإبراء ذمة إدارة بايدن، والقول إنها لا تؤيد إسرائيل على طول الخط، لكن الطبقة السياسية الإسرائيلية بكاملها تقريبا رفضتها. نتنياهو لا يعارض فقط الدولة الفلسطينية، بل هو عازم على استمرار السيطرة الأمنية على فلسطين التاريخية من النهر للبحر. الخلاصة: إسرائيل ستواصل حكم الفلسطينيين، من خلال هيكل حكم يشبه الفصل العنصري الذي يحرمهم من حقوقهم للأبد. ماذا كان رد فعل الغرب؟ الحكومات قالت إنها ما زالت تعتقد أن حل الدولتين الأساس لتسوية الصراع، لكن دون أنياب حقيقية للضغط على إسرائيل. بعض المثقفين والأكاديميين الغربيين مارسوا التشدق الكلامي داعين إلى دولة واحدة ثنائية القومية، قائلين إنه بدلا من حل الدولتين الذي لا أمل فيه، سواء لرفض إسرائيل أو نتيجة تقطيع الاحتلال أوصال الأراضي الفلسطينية، ومنع أي تواصل بينها، على واشنطن الاعتراف بالأمر الواقع واستخدام نفوذها لضمان منح الفلسطينيين حقوقا متساوية في المواطنة. يعيد ذلك إلى الأذهان حكاية الدولة الواحدة، التي اقترحها العقيد القذافي في «الكتاب الأبيض»، الذي أصدره عام 2000 لحل القضية الفلسطينية وأطلق عليها اسم «إسراطين». المشكلة أن حديث الأبراج العالية هذا لا صلة له بالواقع. غالبية اليهود يعتبرون إسرائيل هي الدولة الواحدة، وأن جعلها ثنائية القومية وهم. يهودية الدولة أصبحت قانونا عام 2018. المفكر الفلسطيني رشيد الخالدي يقول: «ليس هناك سوى دولة واحدة يوجد فيها مستويان، أو 3 من المواطنة أو عدم المواطنة، هي إسرائيل». عملية السلام ماتت، مَن يفكر في حل الدولتين أو دولة ثنائية القومية، عليه تحسُّس رأسه. ما دامت إسرائيل تحدد الفعل ورد الفعل، ولا تخضع للقوانين الطبيعية، ويرتضي العالم ذلك، فيجب ألّا يساور أحدا شكٌّ في أن ما حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول يمكن أن يتكرر.
تستحق الحرية
تحت عنوان وشعار «الحرية لفلسطين»، قام الشاب الأمريكي آرون بوشنل الضابط في سلاح الجو الأمريكي بحرق نفسه أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن. ورغم كون هذا الحادث وفق ما أخبرنا الدكتور عمرو هاشم ربيع في “الشروق” هو الثاني من نوعه بعد حادث مشابه لشاب آخر في ولاية جورجيا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلا أنه يبقى حادثا غريبا جدا، من حيث الفعل كواقعة انتحار، ومن حيث الدولة التي وقع فيها الحدث، ومن حيث اختيار موقع الحدث نفسه، ومن حيث جنسية ومهنة القائم بهذا العمل. في بلادنا قديما قالوا الإحساس نعمة. ورغم كون الإحساس عند البعض قد شح إلى حد كبير، إلا أن نعمة الإحساس ما زالت وستستمر كشعور إنساني نعمة كبيرة، لا علاقة لها بمنشأ أو ببلد أو دين أو ثقافة. فالإحساس والشعور بما يسر الناس، وجبل النفس البشرية على تكراره بغية إسعاد الآخرين، وكذلك الإحساس بكل ما يضر الناس ويعذبهم، وجبل النفس البشرية على استنكاره والتنديد به بغية إسعاد الناس، سيظل هو السمة الرئيسة للبشر، خاصة أولئك الذين مردوا على حب الخير، وعدم إسعاد أنفسهم مقابل تعذيب وتعاسة الآخرين. هؤلاء هم الأغلبية، التي تحدث عنهم القرآن بقوله “وإنه لحب الخير لشديد” (العاديات). لكن هناك صنفا آخر من الناس، هم أقلية قليلة، يبدو أنهم أدنى من كل البشر العاديين، هؤلاء هم الصهاينة الغزاة المحتلون، والمستوطنون لأراضي فلسطين هؤلاء اعتادوا على العيش فوق الناس، واستمرأوا الشعور بالسمو والاستعلاء، رغم أنهم يخافون المواجهة على الأرض، يحترفون الضرب بالطائرات بسبب نفوسهم التي جبلت على الجبن والخسة، وهم يمعنون في القتل وسفك الدم واستباحة كل من هم عزل من السلاح، كالأطفال والنساء والشيوخ.
يشبهون أجدادهم
ما يقوم به أركان وجنود جيش الاحتلال من مذابح يومية، حسب الدكتور عمرو هاشم ربيع، يؤكد أنهم يعتبرون بحق أسلاف أبناء جلدتهم الذين قتلوا أنبياء الله وعذبوهم، كما فعلوا على سبيل المثال بيحيى وزكريا عليهما السلام، وهم من طالت أسنتهم موسى ويوشع بن نون وداود وسليمان، عليهم السلام، بأقذع الأوصاف والاتهامات، ونسبوا إلى المولى عز وجل كلاما لا يليق بجلاله في التوراة، التي أمعنوا في تحريفها أيما تحريف، بنسب الأقاويل والبهتان إلى موسى ووعود الهيمنة على الأراضي من النيل إلى الفرات، وحرق ممتلكات الشعوب التي تسكنها، وهو ما تبين عندما كتبت التوراة لأول مرة بعد موت النبي موسى بنحو خمسة قرون، وهم في الأخير أكثر الأقوام الذين شرحوا وشوهوا دينهم بأيديهم على مرّ التاريخ. في فعل الانتحار السابق درس كبير لقادة الولايات المتحدة، الذين أعماهم النفوذ والمنصب وإرضاء المنظمات الصهيونية الداعمة لإسرائيل في الولايات المتحدة، التي تدعم التطهير العرقي والإبادة الجماعية وطرد الفلسطينيين من أرضهم، عبر حشد وشحذ الدعم الرسمي الأمريكي لإسرائيل في عدوانها على العرب، وبقاء إسرائيل مشروعا استعماريا وذنبا للغرب في المنطقة. هذا الرضاء غرضه الأول والأخير الانتخاب، خاصة في منصب الرئيس ونائبه وأعضاء الكونغرس بمجلسيه. ما جعل الاستثناء هنا يكاد لا يذكر، وهو ما يتضح في الرئيس الأسبق جيمي كارتر الذي قال ضغطت بقوة على إسرائيل لعقد سلام مع مصر، لأنه لم يكن “لإيباك” فضل عليّ في انتخابي. في فعل الانتحار الأخير فضيحة للرئيس بايدن ليس فقط لأن القائم بهذا العمل هو من الجنود، بل الأهم من ذلك أنه من الشباب، وهم الفئة العمرية التي يراهن عليها بايدن في الفوز بولاية ثانية. في فعل الانتحار نقلة نوعية كبيرة في وسائل الاحتجاج داخل أكبر دولة داعمة للكيان الصهيوني، ومن مؤسسة الجيش الداعم المادي له، ما يجعل أهمية استلهام العظة مما أقدم عليه الشاب المنتحر بأن هناك شعبا مقهورا يعذب، وآخرين يدعمونه. فهل يعى بايدن ومن على شاكلته أثر أفعالهم.
تحالف الأشرار
تزداد الظواهر الدالة على عدم اليقين، ونظيراتها التي تدل على الفوضى في عالمنا الراهن. ومن تجلياتها التي يُتوقع أن تتجلى آثارها تدريجيا وفقا للدكتور وحيد عبد المجيد في “الأهرام”، تضاؤل مساحات الثقة المتبادلة بين أطراف تحالف الإرهاب الغربي – الصهيوني. تضامنهُم الظاهر في عدوانهم على الشعب الفلسطيني يُخفي ما يبدو أنه أعلى مستوى من عدم الثقة بين الدول الأوروبية المشاركة فيه والولايات المتحدة.. أزال الرئيس السابق دونالد ترامب القشرة التي تُغطى العلاقات الأوروبية – الأمريكية عندما أعاد طرح رؤيته لمستقبل حلف الناتو، بعد أن كان قد أزاحها جانبا حين كان في البيت الأبيض. هدَّد ترامب، في تجمعٍ انتخابي في ولاية ساوث كارولينا قبل أيام، برفع الحماية الأمريكية عن أى دولة عضو في الناتو لا تُنفقُ ما يكفي على الدفاع. لم يصل من قبل إلى المدى الذي بلغه في حديثه الأخير، إذ قال إن موقفه الذي يربط بين توفير الحماية والإنفاق الدفاعي لن يتغير، حتى إذا تعرضت دولةُ لا تفي بمقتضيات هذا الإنفاق لهجومٍ روسي. تهديد يرتجف له قادة أوروبيون، يبدون كما لو أنهم أُسود حين يشاركون في الاعتداء الهمجي على شعبٍ أعزل. يخافون أن تتركهم واشنطن عُراة أمام روسيا، إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض. يعرفون أنه جاد في موقفه، ويذكرون أنه كان قد كلف اثنين من مساعديه عام 2019 بإعداد خطة احتياطية للخروج من الناتو، أسوة بمنظمات دولية انسحبت أمريكا منها في ولايته السابقة. تنفسوا الصعداء عندما خسر الانتخابات السابقة، ولكن الانتخابات المقبلة تقترب، وأسهمه فيها مرتفعة. يضربون أخماسا في أسداس. ليست لديهم بدائل من الحماية الأمريكية، استغل وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وبولندا فرصة اجتماعهم في إطار “مجموعة ويمار” في 14 فبراير/شباط لبحث كيفية التعامل مع الورطة. عبّر بيانهم الختامي عن ورطتهم عندما أرادوا الإيحاء بأن أوروبا تستطيع، فلم يجدوا إلا كلاما عاما: (دعم وحدة الاتحاد الأوروبي وجعله أقوى، وتمكينه من أن يكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات الأمنية عن طريق تعزيز الوحدة في مجالي الدفاع والأمن). كلامُ إنشائي لا يعني إلا أن الورطة كبيرة، ولكنها مفهومة في تحالفٍ تنقصه الثقة.
لعلها فرصة
الحقيقة التي يعتقدها عبد العزيز النحاس في “الوفد”، أن الخطوة التي قامت بها الحكومة المصرية بشأن إقامة مشروع استثماري كبير في منطقة رأس الحكمة في الساحل الشمالي بين مصر ودولة الإمارات، لإنشاء مدينة ذكية من مدن الجيل الخامس، التي تتمتع بكل مقومات المدن الحديثة والجذب السياحي والديمومة على مدار العام، يعد بداية لتصحيح المسار في جذب الاستثمار، الذي شهد معوقات لا حصر لها على مدار عقود طويلة، وكان سببا في تخلف مصر عن اللحاق بدول مجاورة استطاعت أن تحقق نهضة كبيرة بسبب تقديم حوافز استثمارية لم تقدمها مصر، وعلينا أن نتساءل بصراحة ووضوح، ماذا لو رفضت مصر هذا المشروع، واستمرت المنطقة صحراء على حالها، مثل 80% من صحراء مصر الممتدة بطول البلاد وعرضها؟ وما الخطأ أو العيب في إنشاء عشرات المدن على غرار مدينة شرم الشيخ والغردقة وغيرها من المدن الجاذبة للسياحة والاستثمار وتشغيل الأيدي العاملة، وأقول لكل المتربصين والمشككين في هذه المشروعات، هل يمكن أن نفاجأ في يوم ما بحمل هذه المدينة إلى دولة الإمارات ولماذا تقوم أوروبا وأمريكا بجذب الأموال الخليجية في كل استثماراتهم، والكل يعلم أن الخليج له تريليونات الدولارات في أمريكا وأوروبا، في مشروعات استثمارية، وللأسف لا يستطيعون الحصول عليها، ومع هذا يستمرون في الاستثمار في دول الغرب في مجالات عدة بما فيها الرياضة وأندية عالمية كبرى، ولم تعترض الشعوب الغربية.
لو نجحت
كلنا يعلم أيضا على حد رأي عبد العزيز النحاس أن مصر لديها كنوز تجعلها على رأس الدول الجاذبة للسياحة، ومع ذلك لا تستطيع استقبال أكثر من 15 مليون سائح في العام بسبب عجز منشآتها السياحية، يجب أن تكون رأس الحكمة بداية تغيير الفكر الاقتصادي المصري، والتوجه المصري على شتى المستويات والمسارات، ولا تكون مجرد خطوة نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة، وعجز العملات الأجنبية.. نحن في حاجة إلى عشرات ومئات المشروعات الاقتصادية على أرض مصر في مجالات مختلفة وعلى المستوى نفسه في مجالات الصناعة والتكنولوجيا والزراعة، وهناك على سبيل المثال ملايين الأفدنة في سيوة والصحراء الغربية تنتج أجود أنواع التمور في العالم، وأيضا الزيتون وبعض النباتات الطبية وتحتاج إلى رؤوس الأموال لزراعتها والاستثمار فيها، والمؤكد أن لها عوائد اقتصادية هائلة، وعلينا أن نتحرر من الأفكار البالية والاعتقاد المستمر ببيع مصر، ويجب منح دول الخليج الفرصة للاستثمار في مثل هذه المشروعات التي تشكل موارد طبيعية لم يتم استغلالها والاستفادة من الموارد المالية لدول الخليج، الأمر الذي يخدم الطرفين ويمكن أن يحول مصر في سنوات معدودة إلى واحدة من النمور الاقتصادية ويحول ثروتها البشرية المعطلة إلى أداة انتاج.
أحباب الله
الأطفال أحباب الله ضحكاتهم كما يقول عبد الغني عجاج في “المشهد”، تسعد القلوب وبكاؤهم يرهق النفوس.. ومن نعم الله علينا أن زرع فينا حب الأطفال وزرع في قلوبنا الرحمة تجاههم.. ومن نعم الله أن رزق كل الأطفال الجمال مهما كانت ملامحهم وألوانهم. كل الأطفال سواء لا فرق بين طفل أمريكي وطفل هندي وطفل نرويجي وطفل تنزاني، ولا فرق بين طفل ياباني وطفل يمني، ولا فرق بين طفل إسرائيلي وطفل فلسطيني.. فكل الأطفال يضحكون ويبكون.. وكل الأطفال يحبون اللعب وكلهم يحبون الحلوى والسكر.. لا فرق بين طفل مسيحي وطفل مسلم وطفل يهودي، فكل الأطفال أحباب الله. كل الأطفال سواء ويجب الاهتمام بهم بصورة متساوية وعادلة ويجب توزيع الحنو عليهم بالعدل والقسطاس. الأطفال في سنواتهم الأولى كلهم يريدون حنان الآباء وعطف الأمهات وحدب الجدود والجدات.. كلهم في حاجة إلى الغذاء الذي يبني أجسادهم ويقيهم من سوء التغذية.. كلهم من حقهم أن يلعبوا ويشربوا اللبن ويستمتعوا بقالب الشوكولاتة.. لا فرق بين ابن شهيد وابن سجين، سجن لأي سبب من الأسباب، فلا ذنب للأطفال فيما ارتكبه الآباء أو اعتنقوه من أفكار أو اتخذوه من مواقف.. وكل الأطفال من حقهم أن يجدوا فرصة لرعاية طبية جيدة وتعليم متميز.. وكل الأطفال من حقهم ألا يحرموا من آبائهم وأمهاتهم وجدودهم. أعتقد أن على كل زعماء العالم أن يشعروا بالخجل، وهم يرون أطفال غزة يتضورون جوعا ويشتهون الخبز ويأكلون من خشاش الأرض. وعلى مليونيرات ومليارديرات العالم أن يراجعوا أنفسهم ويخجلوا من ثرواتهم ويلوموا صمتهم تجاه ما يحدث لأطفال غزة.. أتمنى أن يسارع كل أصحاب الضمائر، أصحاب الأساطيل والجيوش وحاملات الطائرات إلى قصف أطفال غزة بالحلوى والشوكولاتة وكل أصناف الطعام.. وبالطبع فالأولى ذوو القربى من الدول العربية والإسلامية فكل طفل فلسطيني سيرتقي شهيدا بسبب الجوع سيجعل حسابنا عسيرا أمام ملك الملوك، الذي أمرنا أن نتعاون على البر والتقوى، والذي أوصانا حبيبه ورسوله صلى الله عليه وسلم أن نكون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. والله أدعو وأبتهل أن يغفر لنا تقصيرنا وعجزنا أمام دموع أطفال سلبت طفولتهم وحرموا من بيوتهم ومدارسهم وفقدوا معظم أهلهم. إذا عاملنا الله بعدله وميزانه الحق، فلن يكون أمامنا إلا الاعتراف بذنبنا، والأمل والرجاء أن يشملنا سبحانه وتعالى بعفوه ورحمته. وأضعف الإيمان أن ندعو لأهلنا في غزة بألسنتنا وقلوبنا، وأن نساهم على قدر طاقتنا في مد يد العون لهم، وألا ننسى ولو للحظة واحدة أنهم أشقاؤنا وأنهم يتعرضون لأبشع ظلم وأغشم عدوان.