لميس أندوني – العربي الجديد
07 ابريل 2024
أردنيون في اعتصام قرب السفارة الإسرائيلية في عمّان لدعم غزّة (28/3/2024/ فرانس برس)
ظهرت أخيراً مقالاتٌ لكتّابٍ أردنيين معروفين وغير معروفين، تتضمن تحريضاً، ضمنياً أو صريحاً، على المحتجين ضد التطبيع مع الدولة الصهيونية، وبخاصة بعد استمرار الاحتجاجات الليلية في أقرب نقطة من السفارة الإسرائيلية في عمّان والدعوات إلى إغلاقها كلّياً. ويحرّض كاتبو المقالات والتعليقات المماثلة على وسائل التواصل الاجتماعي الدولة من أجل التحرك ضد المظاهرات والاعتصامات، ويشكّكون في انتماء المشاركين، ويتهم بعضهم إيران وحركة حماس بمحاولة تقويض استقرار الأردن.
المشكلة في هذه الدعوات أنها تقفز على حقيقة أن إسرائيل تمثل الخطر الرئيس على الأردن، وأن الدولة تستطيع أن تجد وسائل حكيمة للتعامل مع أي مؤشّراتٍ لتدخل أي جهة دون تعريض الوحدة الداخلية لشرخ لا يفيد سوى إسرائيل. وقد يكون مفهوماً انزعاج الدولة الأردنية من نداءات قادة المقاومة في قطاع غزّة إلى الشعوب العربية إلى عبور الحدود للقتال ضد إسرائيل، وصحيح أن الدولة لا تستطيع السماح بذلك، إلا أنها أيضاً تعتبر هذه النداءات تحريضاً مباشراً ضد سياساتها، فهي لم تقطع العلاقة مع إسرائيل، بالرغم من تصريحات الإدانة الرسمية للكيان الصهيوني، ومن دعمها وتأييدها الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية لإثبات أن إسرائيل منخرطة في حرب إبادة ضد أهل غزّة.
استياء الدولة الأردنية مردُّه أيضاً خشيتها من أن نداءات “حماس” تقوّي شكيمة الإخوان المسلمين بالأردن، فلا يزال حاضراً بقوة في ذهن الدولة ميدان التحرير في القاهرة الذي انتهت تظاهراتٌ فيه إلى قيادة الإخوان المسلمين مصر قبل انقلاب 3 يوليو، وهذا ما عبّر عنه رئيس مجلس الأعيان، فيصل الفايز، بتحذيره كل من “الإخوان” وحماس من “اللعب”، في تصريح له لم يكن موفقاً، لأنه ينطوي على اتهام ضمني ضد المحتجّين والمتضامنين مع المقاومة، أو على الأقل مع أهل غزّة، بأن حركة حماس “تستخدمهم” في “اللعب” في الساحة الداخلية الأردنية. فيما تستطيع الدولة أن تبعث رسائل إلى “حماس” من خلال وسطاء ودول، ولا ضرورة لتخويف الداخل الأردني، فالحركة في النهاية ليست العدو.
استياء الدولة الأردنية يعود لخشيتها من أنّ نداءات “حماس” تقوّي شكيمة الإخوان المسلمين بالأردن
وقد تناسبت تصريحات الفايز، وإنْ ليس كلياً، مع التحريض الواضح في بعض المقالات، وإن احتجّت مقالات أخرى على تحريض واضح ضد الأردنيين من أصل فلسطيني، لكن المشكلة أن كل كلمة تقولها الدولة في هذا الاتجاه ستختلط بوابل التعليقات المسيئة التي تمسّ بالوحدة الوطنية. مثالٌ على هذا، الهجوم على الشعارات المؤيدة لقادة المقاومة، مثل محمد الضيف والناطق باسمها أبوعبيدة، وحتى المناداة في الاحتجاجات بأسماء شهداء من قادة فصائل فلسطينية، فاعتبر أصحاب تلك المقالات والتصريحات والتدوينات، هذا تحدّياً للدولة وللهوية الوطنية الأردنية، وفي هذا مغالطات كبيرة، فجوهر ذِكر قيادات مقاوِمة هو موقفٍ ضد إسرائيل، العدو الرئيس لكل من الأردن وفلسطين.
كيف يمكن تشويه المشهد إلى هذا الحد بدلاً من فهمه وعرضه كما هو؟
من الطبيعي أن تأتي هتافات المتظاهرين على أسماء رموز مقاومة، وليس لهذا علاقة بتحدّي الهوية الأردنية، وإنما هو تحدٍّ للمشروع الصهيوني الكولونيالي الذي يهدف إلى محو الهوية الفلسطينية، وبالتالي يشكل تهديداً استراتيجياً على فلسطين والأردن وهوية الأردن الوطنية.
هناك غضب وحزن بين الأردنيين؛ فمن ناحية يجدون عجزاً عربياً رسمياً عن وقف جريمة الإبادة الإسرائيلية، ومن ناحية أخرى يخشون على مستقبلهم ومستقبل الأردن واستقراره. وتسطيح المشهد، بحيث يجري تصوير الشعارات وكأنها تحدٍّ للهوية الوطنية الأردنية، يشوّه ما هو مفروض أن يكون جميلاً ومفهوماً، فمقاومة إسرائيل فعلٌ يحمي الأردن ولا يشكل خطراً عليه.
من الطبيعي أن يؤيد الأردنيون المقاومة الفلسطينية ويرفضوا التطبيع مع إسرائيل، وهو ما يشهد به تاريخهم
ليست حركة حماس فوق النقد، لكن التعامل معها بصورةٍ تقترب من اعتبارها عدوّاً يخلط الأوراق، بحيث يُنتج تأزيماً وتوتراً داخلياً لا يحتاجه الأردن، فمن الطبيعي ألا يؤيد الناس التطبيع مع كيانٍ يفاخر باحتلاله وجرائمه، وحكومته لا تحترم الأردن ولا سيادته، وطبيعيٌّ أن تؤيد أغلبية فكرة المقاومة وفعلها، وبإمكان الدولة استيعاب ذلك؛ وعدم تحمّلها، والسماح بالتحريض على المتضامنين هو تأزيمٌ قصير النظر وغير مفهوم.
أما الخوف من استقواء الإخوان المسلمين في الأردن بشعبية “حماس”، فلا يجب التعامل معه بهذه الطريقة، ولنتذكّر أن أغلب مؤيدي المقاومة في الأردن هم من جميع فئات الشعب الأردني وطبقاته، وليس لذلك علاقة بأيديولوجية إسلامية أو حمساوية، والأهم أن رفض التطبيع مع إسرائيل لا يقتصر على المتظاهرين أو الأحزاب، بل هناك ضيقٌ لدى المواطن الذي لم يعد يحتمل أن يشاهد القتل والترويع والتدمير ودفع من لم يستشهد من أهل غزّة إلى حياة بؤس وخوف وحرمان، وانتظار موتٍ قادمٍ من السماء أو الجوع أو المرض.
لماذا لا توظف الدولة الأردنية احتجاجات المتظاهرين المسائية اليومية عند أقرب نقطة مسموح لهم الاقتراب من سفارة إسرائيل لمقاومة الضغوط الأميركية وتجميد التطبيع، فالاستعانة بالشعب سلاح استراتيجي يجب أن لا تفرط به الدولة الأردنية؟ ولمصلحة مَن يجري الرد على الاحتجاجات، بطرق مباشرة أو غير مباشرة، بتخوين الأردنيين وبثّ الفرقة بينهم؟
المقاومة ضد المشروع الصهيوني ورفض التطبيع هما استمرار لمحطّات مضيئة في تاريخ الأردن والأردنيين
إذا كانت الدولة تعوّل على فوز جديد للرئيس الأميركي جو بايدن ورحيل مأمول لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد أن انقلب بايدن علناً عليه أخيراً بعد استشهاد نحو 35 الف فلسطيني، وتشويه أطفال وشباب وشابات، من مبتوري الأطراف وفاقدي العيون، فحتى لو حدث هذا، فإن بديل نتنياهو المقبول أميركياً مجرم الحرب بيني غانتس، وهناك انزياح إلى أقصى يمين اليمين العنصري في المجتمع الإسرائيلي. أي إن الأردن سيبقى في خطر، فهناك من اليمين من يعتبر الأردن جزءاً من أرض إسرائيل، والقادة الإسرائيليون يتعاملون مع الأردن بكل وقاحة وكأنه مجرد حديقة خلفية ومعبر لهم إلى بقية العالم العربي والمنطقة.
ينحو كتّاب مقالاتٍ إلى التحريض والتخويف لتبرير عمليات التوقيف والاعتقال بين صفوف المحتجين، ولكنها -من دون قصد- تُضاعِف من تأثير حملة إسرائيلية من خلال حسابات مشبوهةٍ على وسائل التواصل الاجتماعي، تبث شتائم عنصرية ضد الأردنيين من أصل فلسطيني، لكن القرار في يد الدولة في عدم تصعيد الوضع الداخلي ومواجهة ما تخطّط له إسرائيل ضد الأردن.
من الطبيعي أن يؤيد الأردنيون المقاومة الفلسطينية ويرفضوا التطبيع مع إسرائيل، وهو ما يشهد به تاريخهم، فكايد مفلح عبيدات، أول شهيد أردني على أرض فلسطين، قاد عملية مسلّحة ضد المستوطنين في عام 1920، وعشائر الأردن بقيادة الشيخ حسين باشا الطراونة كانت أول من قاد حملة ضد الاستيطان الصهيوني في مؤتمرٍ عمّان عام 1927. فالمقاومة ضد المشروع الصهيوني ورفض التطبيع هما استمرار لمحطّات مضيئة في تاريخ الأردن والأردنيين الذين لا يحتاجون أحداً يحثّهم عليهما.