بيروت- جوني فخري
11 أبريل ,2024
عاد ملف النزوح السوري الى الواجهة من جديد في لبنان بعد مقتل مسؤول القوات اللبنانية في مدينة جبيل باسكال سليمان وتوقيف سوريين مشتبه بتورّطهم في تنفيذ الجريمة التي تمّت ضمن الأراضي اللبنانية واستُكملت بنقل جثته إلى الداخل السوري بعد خطفه من قبل عصابة عصر الأحد الماضي.
وتصدّرت هذه الأزمة المشهد العام منذ الكشف تباعاً عن خيوط الجريمة وتورّط عصابة لسرقة السيارات معظم أفرادها من السوريين بحسب الرواية الرسمية.
فيما انتشرت مقاطع مصوّرة على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر تعرض لاجئين سوريين إلى حملات اعتداء وضرب من قبل مواطنين غاضبين.
في حين دعا وزير الداخلية بسام المولوي عقب اجتماع مجلس الأمن المركزي إلى “فرض مزيد من القيود والتقييد على اللاجئين السوريين”، مشدداً على أن الوجود السوري “يجب أن يكون محدوداً”.
أول تعليق لمفوضية اللاجئين
من جهتها أكدت مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أنها “تبلغت عن عدة هجماتٍ على أفراد سوريين والتعرّض لهم في الشوارع، لافتة إلى أنها تتابع أوضاع اللاجئين بحسب حالاتهم الفردية، التي أبلغوا عنها جرّاء تعرضهم للعنف أو للإساءة”.
وكررت الدعوة التي أطلقتها الحكومة والسلطات اللبنانية “للحفاظ على الهدوء وضبط النفس”.
وقالت: “نحن نتفهم الحزن العميق والغضب الذي يعيشه الكثيرون خلال هذا الوقت المأساوي. ومن المهم الحدّ من اللجوء إلى مثل هذه الهجمات وبدلاً من ذلك السماح بمواصلة التحقيقات (مقتل المسؤول القواتي) وبالتوصّل إلى المزيد من المعلومات”.
ضرب عامل سوري في لبنان
إلى ذلك شددت على “أنه لا ينبغي التغاضي عن أية أعمال انتقامية أو عقاب جماعي قد ينتج عن أمنٍ ذاتي”.
البلديات وترحيل لاجئين
أما جورج كريكوريان، عضو بلدية برج حمود التي شهدت دعوات في الشارع من قبل البعض لرحيل السوريين فأوضح “أن لا سلطة قانوية لدى البلدية لترحيل أي لاجئ ضمن نطاقها الجغرافي، لكنه أشار إلى أن البلدية تتّخذ إجراءات ضمن سياق صلاحياتها بعد إبلاغ الجهات المعنية والقوى الأمنية”.
كما لفت في تصريحات للعربية.نت إلى أن البلدية طلبت من جميع أصحاب العقارات ضمن نطاق برج حمّود التأكد من أوراق أي لاجئ سوري إذا كانت شرعية أو لا قبل السماح له بمزاولة عمله أو توقيع عقد إيجار وتسجيله لدى البلدية”.
لا إجراءات جديدة
وقال” نحن كبلدية لم نتلقَ أي تعليمات من الجهات المعنية حول إجراءات جديدة ستطال الوجود السوري في منطقتنا، ولا زلنا نعمل وفق التعاميم السابقة لجهة التدقيق بالأوراق الثبوتية لكل لاجئ والتأكد من سندات الإقامة، وفي حال التشكيك بأحد نُبلغ الأجهزة الأمنية للتصرّف”.
إلى ذلك، أكد “ألا أرقام دقيقة ورسمية لأعداد اللاجئين السوريين ضمن نطاق برج حمود”، قائلا ” في الفترة الأخيرة قمنا بحملات مداهمة بالتعاون مع الأجهزة الامنية لضبط الوجود السوري في منطقتنا”.
تشدد في جبيل
من جهته، أوضح رئيس بلدية جبيل وسام زعرور لـ”العربية.نت” أن البلدية سبق أن اتخذت إجراءات لتنظيم الوجود السوري
لكنه أضاف أن حادثة مقتل سليمان ستتخذ خطوات إضافية أولها التشدد بموضوع استثمار السوريين محال تجارية والتأكد من الاوراق القانونية بالتعاون مع السلطات المختصة أي وزارتي العمل والاقتصاد”.
وكشف أان هناك حوالي 5 آلاف لاجئ سوري ضمن نطاق بلدية جبيل”، مضيفا أنه تم استحداث نظام معلوماتية جديد لرصد هوية كل لاجئ ومكان عمله وسكنه”.
وكما بلدية برج حمود، أشار زعرور الى “ان بلدية جبيل لا تملك صلاحية ترحيل اي لاجئ سوري، بل جلّ ما يُمكنها فعله إبلاغ السلطات المعنية التصرّف تجاه أي عمل تراه مشبوهاً”.
إلى ذلك، أضاف أن هناك تخوّف من تكرار سيناريو مقتل باسكال سليمان وما نتج عنه من ردود فعل غاضبة.
في حين أوضح عبدو الحاج، رئيس بلدية زوق مصبح (جبل لبنان) لـ”العربية.نت” أن إجراءات البلدية تجاه اللاجئين السوريين لم تتغير بسبب مقتل المسؤول القواتي، قائلا “ما زلنا نمنع التجوّل أثناء الليل مع التدقيق بالاوراق الثبوتية لكل لاجئ من خلال حواجز تُنظّمها شرطة البلدية ليلاً”. وقال “نحن كبلدية نقوم بواجباتنا على أكمل وجه لجهة تنظيم الوجود السوري، لاسيما التدقيق بعقود الايجارات، لكن للاسف بعض اللبنانيين وطمعاً بـ”الفريش الدولار” يبرمون عقود إيجار مع لاجئين وعائلات سورية من دون إبلاغنا كبلدية أو حتى تسجيلها بشكل قانوني، وذلك للتهرّب من الرسوم البلدية، وهذا ما يؤدي الى الفوضى”.
ولفت الى “أن الدولة رمت كرة نار ملف النازحين بيد البلديات من دون أن تحمّل مسؤوليتها في هذا المجال، ورغم ذلك نحن نقوم بواجباتنا ضمن نطاق صلاحيتنا وقدراتنا المالية وبالتنسيق مع الاجهزة الامنية”.
ليس ظاهرة عامة
في المقابل، رأى أديب نعمه، الخبير والمستشار في التنمية والسياسات الاجتماعية ومحاربة الفقر لـ”العربية.نت” أن ما حصل من ردّات فعل اخيراً تجاه اللاجئين السوريين غير مقبول، وهو أتى من أشخاص حزبيين ومجموعات تحريضية وهو ليس ظاهرة عامة”.
واعتبر “أن هذه السلوكيات ليست عفوية إنما مقصودة، وبالتالي هي تحتاج الى قرار سياسي بضبط الحدود مع سوريا وان تستعيد الدولة سلطتها على كامل اراضيها”.
كما حمّل الحكومة والسلطة السياسية مسؤولة ما آلت اليه الامور بالنسبة لملف النزوح السوري”. وقال “إهمال الحكومة لهذا الملف خلق فوضى، وسمح بخروج تحليلات تُحمّل اللاجئين مسؤولية الازمة الاقتصادية القائمة في لبنان وارتفاع معدلات الجرائم”.
عصابات محمية أمنياً وسياسياً
إلى ذلك، لفت إلى “أن عصابات سرقة السيارات مرتبطة بالحدود غير المضبوطة، ما يعني أنها عصابات مشتركة بين لبنانيين وسوريين ومنظّمة ومحمية سياسياً وأمنياً”.
يشار إلى أنه فور انتشار نبأ خبر العثور على جثة سليمان داخل سوريا حتى انتشرت خلال اليومين الماضيين دعوات غاضبة من لبنانيين إلى البلديات لترحيل السوريين أو أقلّه تنظيم وجودهم الشرعي باتّخاذ إجراءات مشددة، وهو ما ظهر في فيديوهات متداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمناطق مثل بشري (شمال لبنان) وبرج حمود في بيروت وغيرها أيضا.
رأى المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان
رأى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان أنّ «البلد والمنطقة في وضع مأزوم ومشدود وغامض، وعلى وقع مخاطر كبيرة»، متوجّهاً إلى التيار الوطني الحر والكتائب اللبنانية والقوات اللبنانية بالقول «نحن نريد أن نعيش معاً، وأن نتشارك هذا البلد معاً، ولن نُفرّط بهذا العيش المشترك، ولن نستبدل بالمسيحيين أحد، والمصلحة الوطنية تقتضي أن نفهم بعضنا بموضوع السيادة والشراكة والمصالح الدفاعية والوطنية والأولويات الداخلية، وعدم المكابرة في هذا المجال ضرورة وطنية كبرى وخاصة في ما يتعلق بعـ ـدوانية إسرائيل التي تُشكل أسوأ دولة مارقة في المنطقة، ومعها يمكننا فهم الارتباط الشديد بين المصالح الداخلية والسيادية للبلد».
وشدّد على أنّ «كسر المسيحيين وطنياً هو من كسر المسلمين، ويجب أن تكون تضحية باسكال سليمان من تضحية محمد سـ ـرور أساساً لتوثيق الشراكة الضامنة للمصلحة الوطنية، و13 نيسان ذكرى مشؤومة لأسوأ حرب أهلية بتوقيع دولي إقليمي، وشراكتنا الوطنية أكبر ضمانة لمنع أيّ حرب أهلية جديدة».
ورأى أنّ «حل مشكلة النزوح السوري تمرّ بحوار مجد بين بيروت ودمشق فضلاً عن فتح البحر بشكل فعلي للضغط بشدة على أوروبا التي تتعامل مع لبنان بعقلية نيرون، وتريد لهذا البلد أن يكون مقبرة نزوح بعيداً عن حدائق أوروبا الشريكة مع واشنطن بالخراب الذي طال الشقيقة سوريا وأهلها».
وفي ما خص جبهة الجنوب قال إنّه «لا يمكن لأي وطني في هذا البلد إلا الإقرار بثقلها الوطني والسيادي وضرورتها الماسة لحفظ المصالح الوطنية، وتاريخ المقـ ـ ـاومة وواقعها الحالي يؤكد أنها درع وطني وضمانة لجميع اللبنانيين، وليس لفئة أو طائفة أو منطقة».